Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا تنجز "الملء الثاني" لسد النهضة والوساطة الأفريقية إلى أين؟

الأزمة تتفاعل وأديس أبابا مصرة على قرارها الخرطوم تحذر من "الآثار السلبية"

بدت أديس أبابا أكثر ارتياحاً لا سيما بعد قرار الدول الأعضاء في مجلس الأمن دعم الوساطة الأفريقية حول قضية سد النهضة (رويترز)

دخلت أزمة سد النهضة منحى جديداً، لا سيما مع إتمام إثيوبيا عملية الملء الثانية للسد الذي تعتبره حقاً شرعياً، في مقابل حرص دولتي المصب، مصر والسودان، على توقيع اتفاق قانوني ملزم لكل الأطراف المعنية، ما يطرح جملة مخاوف مما ستؤول إليه التطورات المتعلقة بهذه القضية مستقبلاً.

وحققت إثيوبيا هدفها للعام الثاني في ما يتعلّق بملء سد النهضة، وفق ما أفاد مسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية الاثنين، 19 يوليو (تموز). وقال، "تمّت عملية الملء الأولى العام الماضي. تمّت الثانية اليوم. لذا ستعلن اليوم (الاثنين) أو غداً (الثلاثاء) عملية الملء الثانية"، مضيفاً أن السد بات يخزّن ما يكفي من المياه لبدء إنتاج الطاقة.

وفي الشهر الماضي، قالت مصر إنها تلقت إخطاراً رسمياً من إثيوبيا بأنها بدأت ملء خزان السد للمرة الثانية، وأكدت القاهرة رفضها القاطع لهذه الخطوة.

ارتياح إثيوبي

وبدت أديس أبابا أكثر ارتياحاً، لا سيما بعد قرار الدول الأعضاء في مجلس الأمن، دعم الوساطة الأفريقية لحل الخلافات حول قضية سد النهضة، وإعادة المفاوضات إلى رعاية الاتحاد الأفريقي لتوقيع اتفاق قانوني يلبي احتياجات الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، ويؤدي إلى تخفيف حدة التصعيد في القارة الأفريقية.

مراحل التفاوض   

مرت قضية سد النهضة بمراحل تفاوضية عدة بدأت أولاً بالتفاوض المباشر بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، فبعد توقيع اتفاق المبادئ في مارس (آذار) 2015، بدأت المفاوضات في الجوانب الإجرائية والفنية، وحرصت مصر على إشراك الجانب الأميركي عندما فشلت المفاوضات، في جولات متعددة، من دون التوصل إلى النتائج المرجوة منها.

وكانت المبادرة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي قدّم الدعوة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 للدول الثلاث لمفاوضات واشنطن، وعلى الرغم مما قدمه الوسيط الأميركي من دعم للمفاوضات التي استمرت ثلاثة أشهر، لم تثمر المباحثات في التوصل إلى اتفاق بعد رفض أديس أبابا التوقيع على مقترح الحل الأميركي، وعادت بالتالي المفاوضات إلى الوساطة الأفريقية التي ظلت تنادي بها إثيوبيا، لتتعدد جولاتها وتتبادلها دولتا جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن من دون إحراز أي تقدم يذكر.

الأزمة عالقة

وحتى اللحظة، فإن الأزمة عالقة بين إصرار دولتي المصب مصر والسودان على إشراك العامل الدولي كضمان للحفاظ على ما تعتبرانه حقوقاً قومية، وبين الإصرار الإثيوبي على عدم إعطاء اي ضمانات قانونية تقيّد أديس أبابا في ما تعتبره أيضاً حقوقاً قومية لها.

ففي وقت نوّه فيه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن "الإخفاق في اتخاذ إجراء فعال من قبل مجلس الأمن الدولي إزاء مسألة السد الإثيوبي سيعد تقصيراً مخيباً للآمال بشأن اضطلاع المجلس بمهامه ومسؤولياته"، لفت المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، عقب قرار مجلس الأمن في التاسع من يوليو (تموز)، إلى أنه لم يكن من الصواب نقل قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، وقال إن إرجاع الملف للاتحاد الأفريقي حسم قضية التدويل وجعل الحل أفريقياً وبين الدول الثلاث، مضيفاً، "ما ينفع البلدان الثلاثة هو التفاوض بحسن نية وحل القضايا العالقة بينها عبر التعاون والحوار البنّاء".

من جانبه، أوضح وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بقلي، أن "القضية في نيويورك لم تنتهِ بعد"، مضيفاً أن "الأعمال الشاقة ما زالت تنتظرنا"، وذلك في إشارة إلى مشروع القرار الذي تقدمت به جمهورية تونس لمجلس الأمن لإيقاف عملية الملء الثاني للسد.

تخوف وتسييس

وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد طالب في خطابه بمجلس الأمن، في الثامن من يوليو، بتبني مشروع قرار خاص بمسألة سد النهضة الإثيوبي، وقال، "إننا لا نتوقع قيام المجلس بصياغة حلول للمسائل القانونية والفنية العالقة، كما أننا لا نطالب المجلس بفرض تسوية ما على الأطراف بشأن هذا الخلاف، بل على العكس، فإن هذا القرار سياسي الطابع وهدفه متوازن وبنّاء، ويتمثل في إعادة إطلاق المفاوضات وفقاً لصيغة معززة تحافظ على قيادة رئيس الاتحاد الأفريقي لعملية التفاوض وتدعمها، وتمكّن شركاءنا الدوليين، بمن فيهم الأمم المتحدة، من استغلال خبراتهم في هذا المجال من أجل مساعدة دولنا الثلاث في سعيها لإبرام اتفاق عادل وفق إطار زمني مناسب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سياق متصل، أكدت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، في خطابها أمام مجلس الأمن، مخاوف بلادها من "الآثار السلبية للسد في حال تم ملؤه وتشغيله من دون التوصل إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث"، كما دعت المجلس إلى تحمل مسؤولياته في حماية الأمن والسلام الإقليميين" من خلال إجراء مفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي وبمشاركة مراقبين ووسطاء دوليين لتسهيل عملية التفاوض بين الدول الثلاث.

في هذا الوقت، عبرت وزارة الخارجية الإثيوبية عن أسفها لما سمّته "تسييس" ملف سد النهضة، مؤكدة التزامها برعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات. وأوضحت الوزارة، في بيان، أن "أديس أبابا أوضحت موقفها مراراً وتكراراً بأن طرح الموضوع (ملف سد النهضة) على مجلس الأمن الدولي أمر غير مفيد وغير مُجدٍ وبعيد عن ولاية المجلس".

مرحلة حرجة

وسط هذه الأجواء، وصف السفير عبدالمحمود عبدالحليم، المندوب الدائم السابق للسودان في نيويورك، والقاهرة، وأديس أبابا، المرحلة المقبلة بالحرجة قائلاً، "عدم تحديد أي تاريخ جديد لاستئناف المفاوضات حتى الآن يعطي دليلاً على دخول القضية مرحلة صعبة، إلى جانب الاتهامات المتبادلة وإصرار الأطراف على مواقفها"، مضيفاً، "هدفت كل من مصر والسودان باللجوء الى مجلس الأمن، حسب ما ورد في بيانيهما أمام المجلس، إلى التعبير عن خيبة أملهما تجاه المفاوضات التي لم تصل إلى أي نتائج، وأرادتا في هذا الإطار حث المجلس، واعتماد الدبلوماسية الوقائية بالإشارة إلى  خطورة الأمر، والتأثيرات السلبية على السلام الإقليمي والدولي للضغط على إثيوبيا للقبول باتفاق قانوني وملزم بشأن الملء والتشغيل، كما عمدت الدولتان إلى زيادة فاعلية عملية الوساطة الأفريقية بضغوط دولية".

وقال عبدالحليم، إن "دول المجلس عبرت عن موقفها بضرورة العودة واستئناف العملية التفاوضية في إطار الاتحاد الأفريقي، وهو تطور مهم يؤكد الثقة في مبدأ حل المشكلات الأفريقية بواسطة الأفارقة أنفسهم". وتابع أن "دولتي المصب ستعودان مجدداً للعمل في الإطار الأفريقي، إلا أن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، فإثيوبيا ربما ترى في مناقشات مجلس الأمن انتصاراً لوجهة نظرها، فيتصلّب موقفها عند استئناف التفاوض، وربما توظف الحكومة الإثيوبية إطالة أمد التفاوض مجدداً لأغراض داخلية تجاه ما تواجهه من مشاكل وتحديات". وقال إن "عنصر الثقة اهتز كثيراً بين الأطراف الثلاثة، لذلك نأمل أن يقوم راعي المفاوضات عند استئنافها بالاهتمام بتجديد الثقة".

عامل الزمن

ويقول معتصم عبدالقادر الحسن، مدير المركز الأفريقي للاستشارات، "على الرغم من شعار التدويل الذي رافق توجه دولتي المصب نحو إشراك أطراف دولية في السعي لحل القضية، فإن التمسك بقيادة الاتحاد الأفريقي لم يكن أمراً مختلفاً حوله". وأشار الحسن إلى أن "إثيوبيا لها رؤيتها في الحل الذي يمثل فيه عامل الزمن كسباً حقيقياً، وهو مكّنها في السابق من بلوغ الملء الأول، ويمكّنها حالياً، لاستباق أي تطورات غير مرغوبة، لكسب الملء الثاني الذي شرعت فيه فعلياً".

وفي ما يتعلق برد فعل كل من مصر والسودان تجاه قضية الملء الثاني، رأى الحسن أنه "ليس للدولتين حل سوى ممارسة مزيد من الضغوط على إثيوبيا، والعمل على فرض إلزام قانوني للتحكم في السد، وهو مطلب يظل طبيعياً لضمان حقوقهما المشروعة في المياه وكفّ الضرر، وإلا تكون مصالحهما عُرضة لمساومات السياسة والتدخلات الدولية التي تستغل القضية".

المزيد من متابعات