Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفلسطينيون يجهدون لتأمين حقوقهم وحاجاتهم المائية

العجز في الضفة الغربية يصل إلى 58 مليون متر مكعب

طفل ينتظر قطرات ماء يروي عطشه في عزّ حرّ يوليو (اندبندنت عربية)

تحت أشعة الشمس الحارقة، يجلس الطفلان محمد ومصطفى أمام عتبة منزلهم في "خربة سوسيا"، ضمن قرى "مسافر يطا"، جنوب الضفة الغربية، بانتظار وصول صهريج المياه الذي سيزوّد منزلهم بماء الشرب الذي انقطع عنهم منذ قرابة أسبوعين، فالجرافة الإسرائيلية، وأثناء حفرها طريقاً ترابياً نهاية يونيو (حزيران) الماضي، دمّرت الخط الرئيس الذي يوفّر لقريتهم و11 قرية أخرى المياه، حتى بات آلاف الفلسطينيين في تلك القرى ينتظرون أسابيع وربما أشهراً ليحصلوا على مياه تلبّي حاجاتهم الأساسية الملحة.

تعطيش وتهجير

مأساة كبيرة تعيشها الضفة الغربية بسبب نقص المياه الشديد والمتزايد منذ أعوام، كيف لا، والسلطات الإسرائيلية، بحسب متخصصين، تسيطر على 85 في المئة من مصادر المياه المختلفة، وتزيد من قيودها على الحوضين الغربي والشمالي الشرقي، بحيث تبلغ كمية التغذية السنوية في الأحواض الجوفية حوالى 750 مليون متر مكعب من المياه المتجددة، ولا يسمح للفلسطينيين باستغلال أكثر من 118 مليون متر مكعب، لا تساوي أكثر من 15 في المئة من مجمل التغذية، في وقت تستغل شركة مياه إسرائيلية بقية الكميات المتجددة في الأحواض التي تزيد على 600 مليون متر مكعب والتي تمتد داخل الضفة، في حين يضطر الفلسطينيون إلى شراء المياه الخاصة بتكلفة مالية عالية في ظل ظروف إنسانية صعبة ازدادت سوءاً في ظل جائحة كورونا.

منسق "لجان الحماية والصمود" الناشط فؤاد العمور قال إنه من أجل الوصول إلى أراضٍ خالية من السكان الفلسطينيين، والتجمعات البدوية تحديداً في تلال جنوب الخليل، بخاصة تجمعات منطقة "مسافر يطا"، تكثفت الاستهدافات بقطع المياه وتدمير الأنابيب والطرق ومصادرة الصهاريج، ومنع وصول الحاجات الأساسية لعيش الفلسطينيين، لتضيّق الخناق على المنطقة وتسرّع السيطرة عليها، فهناك عدد كبير من البيوت والأحياء جنوب الخليل لا تصلها المياه إلا مرة واحدة كل ستة أشهر.

ومنذ عام 2012 وحتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2020، دمّرت السلطات الإسرائيلية نحو 1804 منشآت غير سكنية كآبار لجمع المياه وجدران وحظائر ومخازن، والهدف من ذلك هو إرغام الفلسطينيين على مغادرة منازلهم والرحيل عن المنطقة. والمسؤولة الأولى عن أزمة المياه المستفحلة هذه هي إسرائيل التي تسيطر على المادة الحيوية، وتحرم السكان من التمتع بها، أو حتى بالتصرف بالحدّ الأدنى من حقهم الطبيعي فيها، الذي من المفترض أن تكفله القوانين والاتفاقيات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان.

نهب مستمر

وعلى الرغم من وجود 300 بئر للمياه في الضفة الغربية، تمنع إسرائيل الفلسطينيين من حفر أي آبار من دون ترخيص وموافقة منها، حتى داخل المناطق التابعة لإدارة السلطة الفلسطينية، إذ لا يتجاوز عمق البئر الواحدة منها بين 70 و100 متر، تضخ 50 مليون متر مكعب، في حين يصل عدد الآبار الإسرائيلية في الضفة إلى 42 بئراً وتضخ الكمية ذاتها، لعمقها الكبير مقارنة بعمق الآبار الفلسطينية.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة العجز المائي في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2018 نحو 58 مليون متر مكعب، وفي دراسة ميدانية أعدتها جمعية "الهيدرولوجيين الفلسطينيين"، (غير حكومية) تبيّن أن العائلات الفقيرة تدفع من 12 إلى 15 في المئة من دخلها لشراء المياه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خبير المياه ومدير الجمعية عبد الرحمن التميمي يقول، "في الضفة الغربية، حوالى 200 قرية وتجمّع سكني لا توجد فيها شبكات مياه أصلاً، ويعتمد الأهالي فيها على مياه الينابيع المحلية والآبار المنزلية ومياه الصهاريج، إضافة إلى مخاطر التلوث، فهي مكلفة. وتُعتبر المناطق التي تخضع لسيطرة تل أبيب من أشد المناطق الفلسطينية فقراً لمشاريع المياه. وبحجة المحافظة على الأماكن الطبيعية، صادرت السلطات الإسرائيلية أراضي كثيرة ومصادرها المائية، بهدف استغلالها في ري الأراضي التي استحوذت عليها من الفلسطينيين وأقيمت عليها مستوطنات، حتى أصبح حوالى 90 في المئة من ينابيع الضفة الغربية خاضعة للهيمنة الإسرائيلية الكاملة التي تسخّرها وفقاً لحاجاتها ومصالحها. فبعدما تناقصت نسبة مياه الآبار والينابيع التي يحصل السكان عليها، اضطروا إلى شراء المياه من شركة مياه إسرائيلية بأسعار باهظة، ما جعلها مصدراً أساسياً يشترون منه في ظل الشحّ المائي بنسبة 22 في المئة من الكمية المتاحة للفلسطينيين."

مشاريع حكومية

عبر المنابر الدولية، تعمل سلطة المياه الفلسطينية على تأكيد الحقوق المائية الطبيعية للمواطنين من الأحواض الجوفية والسطحية، وتسعى إلى تطوير مصادر غير تقليدية للمياه، مثل إعادة استخدام المياه المعالجة وتحلية مياه البحر، وتطوير منشآت الحصاد المائي وإعادة التحصيص بإعطاء الأولوية لمياه الشرب، وذلك ضمن خطتها الاستراتيجية التنفيذية لأعوام 2021-2023 .

وزير سلطة المياه الفلسطينية مازن غنيم قال لـ"اندبندنت عربية"، "نهاية عام 2020، أقرّت رام الله خطة لإنعاش قطاع المياه والصرف الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فخلال عامين، نُفّذ 93 مشروعاً في قطاع المياه والصرف الصحي بتكلفة 672 مليون دولار، كإنشاء شركة مياه فلسطين التي ستقدم خدماتها لكل الأراضي بهدف وقف الشرذمة في توفير هذه الخدمة الحيوية، وإنشاء مرافق خدمات المياه في كل المحافظات، والعمل على موضوع الحصاد المائي وغيرها، كما نبذل جهوداً لإثارة قضية المياه الفلسطينية في المحافل الدولية، تحديداً في مجلس الأمن، من خلال العمل الحثيث مع الدول الشريكة والداعمة للحقوق الفلسطينية بغية حصول شعبنا على حقوقه المائية، فلا مستقبل لدولة من دون تحقيق الأمن المائي."

أرقام وإحصاءات

يبلغ حجم الخزان الجوفي المائي في الضفة الغربية 734 مليون متر مكعب، ونصيب الفلسطينيين منه بحسب اتفاقية أوسلوا الموقعة عام 1993 بين منظمة التحرير وإسرائيل 235 مليون متر مكعب (أي 32 في المئة من كمية المياه)، لكن ما يأخذه المواطنون في الواقع لا يتعدى 130 مليون متر مكعب، ولم تزوّد تل أبيب أراضيهم بالكميات الإضافية المتفق عليها من الحوض الشرقي، التي تُقدّر بحوالى 80 مليون متر مكعب سنوياً. 

ويصل متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني في شمال الضفة الغربية إلى 100 لتر يومياً، بينما يهبط في الجنوب إلى 50 لتراً، في حين يبلغ استهلاك المستوطن الإسرائيلي بالضفة بين 400 و800 لتر يومياً (أي ثمانية أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني)، وبحسب تحليل بيانات التقارير الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومقارنتها بالحصة العالمية، تبيّن أن كل محافظات الضفة تعاني عجزاً وشحاً مائياً منذ أكثر من 10 أعوام، وتحصل على نصيب مائي أقل من الحصة العالمية.

وتقول سلطة المياه الإسرائيلية عبر موقعها الرسمي، "النقص في موارد المياه حفّز لديها روح المبادرة للإبداع وأدى إلى ابتكارات جديدة في مجال المياه والزراعة. والاهتمام الكبير الذي تُثيره معارض WATEC الدولية (مياه، بيئة، وطاقة)، والتي تُنظم في إسرائيل سنوياً، والعدد الكبير من المشاركين الذين يأتون لزيارتها من كل أنحاء العالم، تشير الى السمعة والثقة العالمية بالريادة الإسرائيلية في هذا المجال".

المزيد من تقارير