Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كعالم مناخ أعرف الآثار غير المباشرة لموجات حر كهذه وعلينا أن نتصرف بسرعة

توقع علماء ومسؤولون تنفيذيون في شركات للوقود الأحفوري هذه المآلات منذ فترة طويلة

مع أن الارتفاع في درجات الحرارة الذي ضرب كندا وشمال غربي الولايات المتحدة المطل على المحيط الهادئ قد أسفر عن بعض الصور الصادمة، ليست موجة الحر هذه مفاجئة تماماً بالنسبة إلى علماء أمثالي. ظواهر مناخية نادرة كهذه تحدث فعلاً، ولطالما حدثت. 

وتشير التيارات النفاثة التي تتحرك بشكل متموج عند خطوط العرض الوسطى في مختلف أنحاء العالم إلى أن أحوال الطقس اليومية في هذه المناطق تشهد تقلبات شديدة. في الحقيقة، على مستوى يومي تكون المناخات المدارية وشبه المدارية أكثر استقراراً على مستوى درجات الحرارة، مما هي عليه في أماكن مثل بورتلاند في ولاية أوريغون الأميركية، أو جبال روكي الكندية. ويبقى نشوب حوادث متطرفة من وقت إلى آخر، كما لاحظنا الأسبوع الحالي، أمراً متوقعاً.

لكن جلي أن الدور الذي يؤديه تغير المناخ هو من العوامل المساهمة هنا [في هذه الحال]. فيما نتوقع ربما أن تطرأ حوادث مناخية متطرفة بين فترة وأخرى، فإن تغير المناخ يزيدها تطرفاً ويجعلها تتكرر بشكل أكبر. ندرك هذه الحقيقة لأننا نستعين بأنظمة حاسوبية معقدة تتنبأ بظواهر مناخية قاسية، من قبيل الأعاصير والفيضانات وسنوات طويلة من الجفاف، وحرائق غابات، وكذلك تربطها بمسبباتها. بالنسبة إلى معظم هذه الحوادث المناخية الخطيرة، نستطيع أن نرصد أن غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية قد أسهمت فيها، إمّا من خلال مفاقمة وطأتها أو دفعها إلى الانتقال من حوادث "محتملة" إلى حوادث "مؤكدة" [مُحتمة].

تبدو واضحة المخاطر التي يطرحها الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة الذي تشهده مناطق معروفة ببرودة مناخها. مدارس كثيرة في ولاية ماين شمال شرقي الولايات المتحدة ليست مجهزة بأنظمة تكييف، لذا اضطرت إلى إغلاق أبوابها عندما ضربت المنطقة أخيراً موجة حرّ "معتدلة" نوعاً ما. في العادة، لا تشتمل منازل الناس في كندا على مكيفات هوائية، وقد اعتمدت في تصميمها على العزل الحراري (الذي يحفظ الحرارة داخل المباني في البلاد الباردة)، ما يعني أن "مراكز التبريد" المؤقتة مكتظة بالسكان الذين تتجاوز درجة الحرارة داخل مساكنهم مئة فهرنهايت (حوالى 38 درجة مئوية). في دور لرعاية المسنين في منطقة جبال الألب، لقي البعض مصرعهم وأصيب آخرون بمرض شديد. وفي مقدور التأثير غير المباشر لهذا الفيض كله من الحرارة أن يفضي إلى ذوبان الجليد شمالاً حتى المنطقة القطبية الشمالية، حيث تفقد استقرارها البنى الأساسية الشديدة التباين من منازل السكان الأصليين، إلى ربما، ولسخرية القدر، منصات التنقيب التي تملكها شركات نفط كبرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حتى إن علماء المناخ متخوفون بشأن التربة المتجمدة، والتداعيات التي ترسمها خلفها عندما تبدأ في الذوبان. فمن شأن هذا "الذوبان الكبير" أن يقود إلى إطلاق كميات هائلة من الميثان- علماً أنه، للأسف، غاز قوي آخر من غازات الدفيئة يتسبب باحترار كوكبنا- وحتى أنه قد يوقظ فيروسات خطيرة مخبأة منذ عصور ما قبل التاريخ.

كذلك تبعث على القدر عينه من القلق الطريقة التي يتصدى بها الناس لموجات الحر كلما باتت أكثر شيوعاً. عندما يندفع الأوروبيون والكنديون إلى شراء المكيفات الهوائية للتغلب على درجات الحرارة المرتفعة، ينشأ خطر تحولهم إلى الاعتماد عليها. معلوم أن أجهزة تكييف الهواء تستهلك الطاقة الكهربائية عند تشغيلها، مؤدية إلى إطلاق مزيد من انبعاثات الكربون. وربما لا يعلم البعض أن مواد التبريد (وليس الفريونات freons السائلة والمركبة) المستخدمة في مكيفات الهواء الحديثة هي أيضاً غازات دفيئة فاعلة تلحق بالبيئة ضرراً أشد بأشواط مقارنة بالأثر الذي تتركه خلفها الكمية عينها من ثاني أكسيد الكربون. لذا، كان التوصل، على نحو مسؤول، إلى حل لمعضلة الاحترار الناجمة عن مكيفات التبريد في طليعة الدراسات الأخيرة التي نهضت بها منظمة "الأمم المتحدة".

عندما يلجأ الناس إلى أجهزة التكييف كرد فعل على ارتفاع الحرارة، ترد الأشجار من جانبها بإشعال نفسها. لا لبس في هذا الشأن. تشتعل المواد الجافة والساخنة بسهولة، لا سيما إذا كانت أنواع النباتات المعنية كابدت مواسم من الجفاف أو أصيبت بحشرات البق (وكلاهما، كما نظن، يتفاقمان بسبب تغير المناخ، حتى إن لم تظهر أدلة قاطعة تؤكد ذلك بعد) وثم أضحت أغصاناً شبه ميتة. بينما تتسبب بأضرار مباشرة للمنازل في البلدات الهادئة ولا تكون الممتلكات مؤمنة ضدها، تؤدي حرائق الغابات أيضاً إلى تلوث الهواء الذي يؤثر سلباً في أعداد إضافية من الناس كلما مضى في اتجاه الريح. بدوره، هذا الهواء المليء بالسخام والدخان، يمتص الحرارة ويحتجزها في المنطقة متسبباً في ظاهرة معروفة باسم "قبة حرارية"heat dome  مملوءة بالتلوث تفاقم الخطر الصحي الذي يواجهه الناس عبر التسبب بالأذى للرئتين.

في المستقبل، واضح أننا سنواجه ظواهر جوية قاسية أخرى. لسوء الحظ، غادر القطار المحطة [التغير المناخي بدأ ويمضي قدماً] ومن الصعب أن نتصور أن في المستطاع حمله على تغيير وجهته في القريب العاجل. أما "الوضع الطبيعي الجديد" المقبل الخاص بالأحوال المناخية المتطرفة جداً التي تتكرر في شتى أنحاء العالم، فسوف يخل بالتوازن الهش والدقيق في التعايش بيننا وبين الطبيعة. منذ فترة طويلة، أدرك العلماء والمديرون التنفيذيون في شركات الوقود الأحفوري على حد سواء أن هذه اللحظة ستأتي لا محال.

من الصعب أن نغالي في تقدير السرعة التي علينا أن نتوخاها في اتخاذ إجراءات رادعة. فيما تشدق سياسيون كثر في التحدث عن ضرورة وضع حد للتغير الذي يشهده المناخ، قليل منهم تصرف بطريقة صنعت فارقاً [خلفت تأثيراً] جوهرياً ما. ومن المفارقات أن الدفع نحو "الطاقة النظيفة" في مختلف أنحاء العالم سيقود في الأجل القريب إلى "تكشف" بعض الانبعاثات المكونة من الجسيمات الناتجة من التلوث الصناعي التي تعوق مؤقتاً الاحترار العالمي. لذا فإن الحاجة إلى تغيير أشكال عيشنا ومأكلنا، وسفرنا، وطريقة إنجاز أعمالنا في سبيل الحؤول دون وقوع ضرر، أشد إلحاحاً مما نعتقد. يحمل الأسبوع الحالي الفرصة لقادة العالم كي يعيدوا النظر في أولوياتهم- لما فيه خير الكوكب بأسره والأجيال المقبلة.

يانغ يانغ شو بروفيسور مساعد في علوم المناخ في "جامعة تكساس إي أند أم".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء