Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة السفر التجاري الأسرع من الصوت… حقيقة أم طموح؟

تقاعد طائرات "كونكورد" ظل درساً ماثلاً لكن المستقبل يحمل بعض الأمل

طائرة "كونكورد" البريطانية الفرنسية في سبعينيات القرن الماضي (أ ف ب)

منذ أن أعلنت شركة "يونايتد" الأميركية عن تعاقدها لشراء 15 طائرة أسرع من الصوت، تباينت الآراء بين خبراء الطيران حول جدوى السفر الأسرع من الصوت على المستوى الاقتصادي والبيئي بعد تقاعد طائرات "كونكورد" البريطانية الفرنسية قبل عقدين، لكن السفر التجاري والخاص بطائرات تزيد على ضعف سرعة الصوت، بل وتقترب في بعض التصميمات من "الهايبر سونيك"، ظل حلماً يراود الجميع في عالم تتسارع خطاه وتحتد المنافسة بين أطرافه، فهل سيسيطر هذا النوع من الطيران على الأجواء خلال سنوات بفضل التقدم التكنولوجي السريع، أم أن الطريق ما زال طويلاً أمام تحقيق هذا الحلم بسبب عوامل السوق؟  

نهاية وبداية 

عام 2003 عندما تقاعدت عن العمل طائرات "كونكورد" التي كانت أول طائرة تجارية في العالم أسرع من الصوت، بدا الأمر كما لو كانت هذه نهاية السفر الجوي الأسرع من الصوت، والذي لم يكن متاحاً إلا لمجموعة مختارة جداً من الأثرياء ورجال الأعمال من أصحاب المشاريع الضخمة، فقد تراجع النقل الجوي تكنولوجياً وانخفضت سرعات الطائرات العادية، بهدف خفض الضوضاء والانبعاثات الغازية وتعزيز ربحية شركات الطيران.

وفجأة عادت الطائرات الأسرع من الصوت إلى دائرة الضوء مرة أخرى قبل أشهر عدة، وحازت على تغطية إعلامية واسعة مع إعلان شركة "يونايتد" الأميركية عن صفقة جدية لشراء 15 طائرة أسرع من الصوت من إنتاج شركة "بووم"، بينما يأمل عدد من الشركات المصنعة بأن تدخل في المنافسة مع تحمس مجموعة صغيرة من شركات الطيران لشراء طائرات لا تختلف كثيراً عن "كونكورد" إلا في أمر واحد، وهو أن تمويلها سيأتي من القطاع الخاص على عكس التمويل الحكومي الذي أنفق على "كونكورد" الأوروبية أو الطائرة السوفياتية "توبوليف تي يو 144"، إضافة إلى عدد من الطائرات العسكرية الأسرع من الصوت تم تمويلها بالمليارات من خزائن الدول. 

تجربة "كونكورد"

ومع ذلك فإن الأمر المثير للقلق، هو أن "كونكورد" لم تختر طريقها أبداً، وإنما كانت ضحية لعوامل خارجية، فقد استمرت 27 عاماً منذ انطلاق أول رحلة في يناير (كانون الثاني) 1976 في ظل احتفاء عالمي، ووعد السفر بين لندن ونيويورك في غضون ثلاث ساعات ونصف بسرعة عبر المحيط الأطلسي، إلى تقاعدها في أكتوبر (تشرين الأول) 2003.

انتهى كل ذلك بكارثة بعد ظهر يوم الثلاثاء 25 يوليو (تموز) عام 2000، عندما كانت رحلة شركة "أير فرانس" رقم (4590) تتحرك من مطار شارل ديغول في باريس إلى مطار جون كنيدي في نيويورك، واصطدمت الطائرة بقطعة معدنية على المدرج، كانت سقطت قبل لحظات من طائرة "دي سي 10" تابعة لشركة "كونتيننتال"، مما تسبب في انفجار إطار "كونكورد"، الذي اصطدمت قطعة مطاطية منه بخزان الوقود، مما أدى إلى تسرب الوقود واشتعال المحرك بعد أن حلقت الطائرة في الهواء ثم سقطت فوق قرية غونيسي، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها الـ100 وكانوا من السياح الألمان في رحلة مستأجرة (تشارتر)، وجميع أفراد الطاقم التسعة، وأربعة أشخاص على الأرض.

وعلى الرغم من حقيقة أن سجل السلامة الخاص بطائرات "كونكورد" كان الأفضل بسبب عدم وجود وفيات من الركاب لكل كيلومتر، وعلى الرغم من تحسينات السلامة التي أضيفت بعد التحطم على مدى 16 شهراً توقفت فيها عن الطيران، إلا أن عصر "كونكورد" كان انتهى، ففي 10 أبريل (نيسان) 2003 أعلنت الخطوط الجوية الفرنسية والخطوط الجوية البريطانية في وقت واحد أن طائراتهما من طراز "كونكورد" ستتقاعد في وقت لاحق من ذلك العام، بسبب انخفاض أعداد الركاب بعد الحادثة، وتراجع السفر الجوي بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، وارتفاع كُلف الصيانة. 

تغيير قهري

تشير حقيقة رحلة "كونكورد" المأساوية إلى شكل التغيير الذي طال استخدامها خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت كل من الخطوط الجوية البريطانية والفرنسية تشغلان مثل هذه الرحلات الجوية المستأجرة، ليس عن رغبة بل لسبب قهري، فقد كانت طائرات "كونكورد" تعاني تجارياً، إذ كان المعروض من المقاعد يتجاوز الطلب بمعدل غير مقبول،

ولم يكن ذلك مستغرباً لأن سعر تذكرة الذهاب والإياب بين نيويورك ولندن أو باريس يعادل 30 ضعفاً، مقارنة بأرخص خيار متاح في الطائرات العادية الأقل سرعة من الصوت، وكان من الطبيعي في ظل هذه العوامل ألا يتم تصنيع سوى 20 طائرة "كونكورد" فقط، منها 14 طائرة فقط طارت في الرحلات التجارية.

انسحاب مقلق

وخلال العقدين الماضيين ربما أصبح العالم أسرع مما كان عليه منذ تقاعد "كونكورد"، لكنه بات أيضاً أكثر اهتماماً بالبيئة، واحتلت العوامل الاقتصادية الأولوية على عامل السرعة في قوائم رغبات شركات الطيران، وهو تيار عززه إعلان شركة "إيريون" الأميركية التي كانت تنافس شركة "بووم" في وضع تصميمات لإنتاج طائرات ركاب تجارية أسرع من الصوت، أنها أوقفت عملياتها في 21 مايو (أيار) الماضي، مما دفع بعض مراقبي الطيران إلى استنتاج أنه لا يوجد مستقبل تجاري معقول لهذه الفئة من الطائرات الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، وبعد أسبوعين فقط فاجأت شركة "يونايتد إيرلاينز" عالم الطيران بإعلانها طلباً مؤكداً لشراء 15 طائرة أسرع من الصوت من شركة "بوم سوبرسونيك" المنافسة لشركة "إيريون".

والواقع أن هناك عوامل أخرى حسمت المنافسة، فعلى عكس "إيريون" تمتلك "بووم" نموذجاً أولياً لطائرة أسرع من الصوت تتسع لـ 60 راكباً ويمكن أن تصل إلى 88 راكباً، وجاهزة لبدء تجارب الطيران في نهاية العام الحالي 2021، بينما كانت "إيريون" تمتلك نموذجاً أولياً يتسع لـ 10 ركاب فقط، والتي كانت طائرة خاصة لرجال الأعمال على أمل تطويرها إلى 100 مقعد على غرار مقاعد "كونكورد".

علاوة على ذلك، من المقرر أن تطير طائرة شركة "بووم سوبر سونيك" بسرعة 1.7 ماخ، أي حوالى 2089 كيلومتراً في الساعة، مقارنة بـ 1.4 ماخ من طائرة "إيريون أيه إس 2" وهي سرعة أبطأ بكثير من "كونكورد" التي تمكنت من تحقيق سرعات تصل إلى 2.02 ماخ.

أسباب أخرى

وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت شركة "إيريون" للانسحاب، لازالت هناك عوائق أخرى يجب تخطيها منها الحصول على شهادة صلاحية من إدارة الطيران الفيدرالية والوكالات الأميركية الأخرى، ولن يكون ذلك أمراً سهلاً في ظل الملحمة المستمرة لطائرة "بوينغ 737 ماكس" وأنواع أخرى مختلفة، ثم هناك مشكلات صحية محتملة لكل من الركاب وأفراد الطاقم، مثل تأثير تعرضهم لجرعة أعلى من الإشعاع المؤين خارج الأرض، لأن الطائرات الأسرع من الصوت تطير على ارتفاع أعلى، ولا يزال العلم غير مفهوم تماماً في هذا الجانب.

وهناك أيضاً مخاوف من ازدياد احتمال وقوع كارثة عندما ينخفض الضغط بشكل مفاجئ في المقصورة عند الطيران على ارتفاع 60 ألف قدم، وعدم المراهنة على قيمة أقنعة الأوكسجين للركاب والطاقم الذين قد يفقدون الوعي نتيجة نقص الأوكسجين في أقل من 15 ثانية، وهذا أحد أسباب تزويد "كونكورد" بنوافذ صغيرة جداً لتقليل معدل فقد الهواء في حالة حدوث شيء مماثل. 

التنافس مع تقنيات أرضية

وإذا كان هناك تطور سيقود إلى موجة ثانية من الطائرات الأسرع من الصوت، سواء من الناحية التكنولوجية أو من حيث الكلفة التي تعد الشركات المنتجة بأنها ستكون أرخص من أسعار الطيران على متن "كونكورد" في زمانها، فإن هناك تهديداً آخر يتمثل في تقنيات أرضية متطورة ربما تتبلور قريباً لتجعل الطيران الأسرع من الصوت بلا قيمة بخاصة داخل السوق الأميركية، مثل تقنية "هايبر لووب"، وهو نظام نقل أرضي للركاب والبضائع عبر أنابيب مفرغة جزئياً. 

بعض الأمل 

غير أن تقدم شركة "يونايتد" بطلبات مؤكدة لشراء 15 طائرة من "بووم" يمكن أن يضاف إليها 35 طائرة أخرى، فضلاً عن تقدم الخطوط الجوية اليابانية بطلبات مبدئية لشراء 20 طائرة و10 طائرات لشركة "فيرجن أتلانتك"، كل ذلك يشير إلى الأمل في أن يتحقق حلم الطيران الأسرع من الصوت مرة أخرى وينمو خلال السنوات المقبلة، بخاصة أن شركة "بووم" وعدت بأن تفي بمتطلبات شركة "يونايتد" المتعلقة بالسلامة والتشغيل والاستدامة. 

وإضافة إلى شركة "بووم"، هناك شركتان ناشئتان أخريان لا تزالان في السباق لإعادة تشغيل الخدمة الجوية التجارية الأسرع من الصوت لمسافات طويلة. 

محركات تتنفس الهواء

إحدى الميزات التي ستتمتع بها الطائرات الأسرع من الصوت هي أنها ستكون أكثر استدامة وبالتالي ستكون الطائرة أكثر قبولاً من الناحية البيئية مما كانت عليه "كونكورد"، إذ إنها ستستخدم محركات تتنفس الهواء، بمعنى أنها تمتص الهواء من الأمام ثم تدفعه إلى الخلف بعد أن يمر من خلال المحركات فتنتج قوة دفع بسرعة عالية بعد ضغط الهواء الداخل في غرفة احتراق المحرك عبر عملية مستمرة.

وكلما زادت سرعة الطائرة يتضاعف الضغط في غرفة الاحتراق مرات عدة حتى يصل إلى 25 ضعفاً عندما تصل الطائرة إلى سرعة 3 ماخ على سبيل المثال. وتتميز هذه المحركات بقدرتها على العمل في سرعات عالية جداً وعلى ارتفاعات كبيرة جداً مقارنة بمحركات التيربو النفاثة، وبالتالي توفر اقتصادياً مقارنة بمحركات الوقود السائل. 

تقدم تكنولوجي

قبل أن تنسحب شركة "إيريون سوبرسونيك" بأسابيع، أعلنت الشركة اختراقات أذهلت مراقبي صناعة الطيران حول العالم، إذ خططت لتحقيق قفزة نوعية في النقل الجوي السريع مع الكشف عن طائرة جديدة تحمل اسم "آيه إس 3"، وتتسع لعدد يصل إلى 50 راكباً تقطع بهم مسافة تصل في حدها الأقصى إلى 13000 كيلومتر بسرعة 4 ماخ أي حوالى 5000 كيلومتر في الساعة وربما أسرع.

وهذا يعني أن طائرة ركاب يمكن أن تصل أخيراً إلى سرعة تقترب من هامش سرعة صواريخ "الهايبر سونيك" الفوق صوتية، والتي تبدأ من 5 ماخ، كما يعني ذلك أيضاً أنها تمتلك تكنولوجيا تجعلها أسرع من أسرع طائرة مزودة بمحركات تتنفس الهواء حتى الآن وهي طائرة الاستطلاع والتجسس العسكرية "بلاكبيرد إس آر 71" التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن" وتصل سرعتها إلى 3.3 ماخ (4000 كيلومتر في الساعة) وهي طائرة سجلت رقماً قياسياً حينما قطعت المسافة من نيويورك إلى لندن في أقل من ساعتين بقليل مع إعادة التزود بالوقود في الجو.

كما تعاونت شركة "إيريون" مع مركز أبحاث "لانغلي" التابع لوكالة "ناسا" الأميركية لدراسة مستقبل الطيران التجاري في نطاق يتراوح بين 3-5 ماخ، وهذا يعني أن خطط السير قدماً في تطوير تكنولوجيات السفر الأسرع من الصوت سوف تتواصل مع أكثر من شركة على الرغم من انسحاب "إيريون" والمخاوف الأخرى المتعلقة بالاعتبارات الاقتصادية، لكن تبقى الحقيقة في أن السفر الأسرع من الصوت وصل إلى النقطة التي سيكون من الصعب أن يتراجع عنها مرة أخرى، وأن تجربة "كونكورد" المريرة قد لا تتكرر في المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات