Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نكات" توقظ العنصرية في سنغافورة وتحذير من استحضار الحروب الثقافية

تسعى الحكومة لتوضيح عواقبها تاريخياً وقانونياً من خلال مناهجها التعليمية

تُعرف سنغافورة بتعددها العرقي على الرغم من كونها دولة صغيرة (أ ب)

أثارت حادثة الرأي العام في سنغافورة مع انتشار مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي لسنغافوري من ذوي الأصول الصينية يلقي بالنكات العنصرية لزوجين سنغافوريين مختلفي العرق. الحادثة تسببت بفصل صاحب النكته من العمل، بعدها فتحت الشرطة تحقيقاً، تلته تصريحات لرئيسة البلاد حليمة يعقوب، في حين دق قادة البلاد ناقوس الخطر مستذكرين تاريخ العنصرية التي عصفت بالبلاد قبل عقود، مثيرين تساؤلات حول الحوادث الأخيرة، هل هي فردية أم أنها تعكس سلوكاً عنصرياً لدى المواطنين في البلد الصغير متعدد الديانات والأعراق؟ هذا وتسعى الحكومة لتوضيح عواقب العنصرية تاريخياً وقانونياً من خلال مناهجها التعليمية، وفرض سياسة التسكين الحكومي، بفرض نسب معينة لكل عرق للعيش في المجمعات السكنية والأحياء لتجنب تكوين أي مقاطعات عرقية أو دينية في البلاد. وأكدت رئيسة سنغافورة، أن بلادها تعرضت لتأثيرات خارجية وجلب الحروب الثقافية إلى بلادها.

نظام تعددي 

تُعرَف سنغافورة بتعددها العرقي، فعلى الرغم من كونها دولة صغيرة يُقدر قاطنوها بحوالى ستة ملايين نسمة، ينتمون لديانات عدة ويتباينون في الأعراق. وتشير إحصاءات سنغافورية إلى أن المجتمع السنغافوري يتكون من أربعة أعراق، وهي العرق الصيني الذي يشكل الغالبية بنسبة 77 في المئة، والملايو الذين يشكلون نحو 12 في المئة، والعرق الهندي ويشكلون ثمانية في المئة من السكان، إلى جانب الأعراق الأخرى التي تمثل ثلاثة في المئة من سكان البلاد. 

ولسنغافورة نظام حكم برلماني يكون فيه رئيس الدولة هو رأسها، ولكن منصبه فيها شرفي أكثر من كونه صاحب سلطات حقيقية. ويكون رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، ويُختار من بين نواب الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان. ويُعَد "حزب العمل الشعبي" هو الحزب الأكثر شعبية في سنغافورة، إذ ظل على سدة الحكم لسنوات عدة منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي.

ولا يمنع الدستور الحالي أو النظام السياسي في سنغافورة من تولي أي شخصية من أي عرق أو دين المناصب السياسية، فالرئيسة السنغافورية على سبيل المثال مسلمة، على الرغم من أقلية المسلمين في البلاد. كما أن الدستور السنغافوري يحظر التمييز بين أي مواطن سنغافوري وآخر بناء على العرق أو الدين أو مكان المولد. ووفقاً للنظام الانتخابي لدوائر تمثيل المجموعات الذي وضعته سنغافورة في عام 1988، يجب على المواطنين في تصويتهم أثناء الانتخابات البرلمانية أن يختاروا من أربعة إلى ستة مرشحين، يكون من بينهم واحد على الأقل ينتمي إلى الأقليات العرقية في البلاد. كما مثلت الجماعات العرقية ذات الأقلية في سنغافورة في البرلمان الماضي حوالى 29 في المئة من الأعضاء.

وعملت الحكومة من خلال عدد من البرامج والخطط على الدمج بين الأعراق المختلفة في البلاد، وذلك من خلال عدد من القطاعات أهمها التعليم والخدمة الاجتماعية. فمنذ عام 1997 أطلقت سنغافورة البرنامج الوطني للتعليم في كافة المدارس الحكومية والجامعات لكي تعزز من الهوية السنغافورية بين جميع الأعراق، كما أدرجت في البرنامج تعليم الطلاب تاريخ البلاد المضطرب بسبب أعمال الشغب العرقية. ولدى سنغافورة سياسة خاصة في التسكين الحكومي، حيث تفرض نسبة معينة لكل عرق للعيش في المجمع السكني أو الحي، ويكون لكل عرق حصة محددة لتجنب تكوين أي مقاطعات عنصرية في البلاد.

حوادث متكررة

لم تكن حادثة السنغافوري ذي العرق الصيني الذي سخر من زوجين مختلطي العرق (الهندي والصيني) وأصبحت حديث الشارع، هي الأولى خلال الفترة الأخيرة، فمع الحديث عن المتحور الهندي لفيروس كورونا وبداية الجائحة، بدأت الحوادث العنصرية تزداد. فقبل فترة تعرضت سيدة من العرق الصيني لرجل من العرق الهندي أثناء تأديته طقساً أسبوعياً للهندوسية، وأثار المقطع المصور ردود فعل قوية من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وخضعت الحادثة للتحقيق.

وفي مايو (أيار) الماضي، هاجم رجل صيني سيدة سنغافورية من أصول هندية تبلغ من العمر 55 سنة، ما جعل الشرطة تلقي القبض عليه وتفتح تحقيقاً في الحادثة. وفي الشهر ذاته، تعرضت عائلة هندية أخرى إلى سلوك عنصري من قبل أحد المواطنين، وأظهر مقطع الفيديو كيف توجه الرجل بالإهانة للعائلة بسبب عدم ارتداء بعضهم الكمامات، مطالباً إياهم بالرجوع إلى بلدانهم، كي لا ينتشر الفيروس المتحور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل أيام، اتهمت محكمة سنغافورية أحد المواطنين من ذوي الأصول الملاوية بارتكاب أفعال تضر بالتناغم العرقي. وكان الرجل، صاحب الـ37 سنة، ويعمل في مجال البرمجيات، قد كتب تغريدات عنصرية في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أهان فيها الهنود والمهاجرين من الهند بسبب فيروس "كوفيد-19".

وبعيداً من أسباب الجائحة، أعلنت السلطات السنغافورية في أبريل الماضي أنها فتحت تحقيقاً مع سيدة نشرت مقطع فيديو على "يوتيوب" تردد فيه أقوالاً وعبارات عنصرية عن الملايو، بعد اتهام رجل من ذوي عرق الملايو بالتحرش بها.

معاً ضد العنصرية

ولدى سنغافورة قوانين تعاقب على الأفعال والتصرفات العنصرية، فالبند الـ224 من القانون الجنائي السنغافوري، يفسر بأن أي فعل من أي شخص يروج مشاعر بسوء النية والعداء بين مختلف الأعراق أو الطبقات بين سكان سنغافورة يُعَد جريمة. في حين يغرم القانون الجنائي من يسيء لأي دين وعرق لأي شخص بغرامة تصل إلى خمسة آلاف دولار أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو كلا العقوبتين.

وفي ضوء الحوادث الأخيرة أشارت رئيسة البلاد، حليمة يعقوب، إلى أن سنغافورة تعرضت لكل أنواع التأثير من الخارج، مشددة على ضرورة الانتباه تجنباً لاستحضار الحرب الثقافية إلى البلاد، وأكدت أن القانون وحده  لن يستطيع إيقاف مثل هذه الحوادث، وأن السبيل الوحيد لإيقاف السلوك العنصري هو المشاركة بعمق في مبدأ التماسك، ومعرفة كيفية تحقيق مجتمع متعدد الأعراق والأديان، مع ضرورة الاعتراف ببعض الحقائق المؤلمة عن النفس والمعتقدات للمواطنين.

كما استنكر رئيس الوزراء لي هسين لونغ، الهجمات العنصرية قائلاً، إن الضغط والقلق المرتبطين بالجائحة لا يبرران أبداً التصرفات العنصرية مثل الإساءة إلى الآخرين جسدياً، أو الاعتداء عليهم.

من جانب آخر، قال وزير العدل والشؤون الداخلية، كي شانموجام، إن سنغافورة تحقق تقدماً ممتازاً، على الرغم من استمرار وجود العنصرية في البلاد، موضحاً أنها تسير بشكل جيد وأفضل بكثير من مجتمعات أخرى متعددة الأعراق، وأكد أن الحكومة لديها دور هام في التصدي للعنصرية، داعياً المواطنين إلى القيام بدورهم أيضاً تجاه هذه الظاهرة.

كذلك أكد وزير التعليم الأسبوع الماضي، أن الحوادث العنصرية تناقض مبادئ البلاد الأساسية وقيمها، وليس لها أي مكان في المجتمع، قائلاً، إن واحدة من كل خمس زيجات تكون بين أعراق مختلفة. فيما تناولت وسائل إعلام مسألة حماية القانون الجنائي المواطنين والمقيمين على الأراضي السنغافورية من التعليقات العنصرية، سواء كانت على الإنترنت أو الإشارات غير اللفظية التي قد تحدث في العلن.

اعتزاز بالأصول العرقية

غير أن غالبية السنغافوريين لا يرون أن بلادهم تعاني من هذه المشكلة، وينظرون إلى أن العرق ليس مقياساً للنجاح. فقد أظهر استبيان في 2016 أن ما يزيد على نصف المشاركين في الإحصاء يرون أن سنغافورة لا تواجه مشكلة العنصرية، وهو ما ينظر إليه باحثون باعتباره عثرة في حد ذاته، إذ لا يمكن علاج المشكلة إلا بالاعتراف بوجودها أولاً.

ويذكر ماثيو ماثيوس، الباحث في معهد الدراسات العامة، أن كثيراً من المواطنين يعتزون بالخلفيات العرقية والتراث الأسري كثيراً، فالآباء الصينيون مثلًا يحرصون على تعليم أبنائهم لغة المندرين، وبالمثل فإن الآباء من العرق الملايو يرغبون في تعليم أبنائهم الملاوية. ويؤكد أن الهوية العرقية لسنغافورة والكيانات التي تنقل هذه الهوية يجب ألا تقدم هوية شوفينية أو حصرية لسنغافورة، وتراعي واقع البلاد متعدد الأعراق وضرورة عيش هذه الأعراق جنباً إلى جنب مع بعضهم بعضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير