بات التنافر السياسي بين السلطتين في الآونة الأخيرة سيد المشهد الكويتي، إذ تشن المعارضة البرلمانية حرباً على رئيسي الحكومة صباح الخالد، ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، لإسقاطهما كجزء من مشروعها السياسي.
ألقى هذا بظلاله على الاقتصاد الذي ما زال يُجابه آثار جائحة كورونا وفاتورتها العالية في كافة القطاعات، ليُكمل هذا الصراع السياسي الأوجاع ويُبطئ من وتيرة إصلاح ورؤية مستقبلية يتعافى معها الاقتصاد الكويتي.
وأعلن البنك المركزي الكويتي منتصف يونيو (حزيران) الجاري عن انكماش سجله اقتصاد البلاد بمعدل 9.9 في المئة في عام 2020، مرجعاً أسباب ذلك للانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي تعتمد الدولة في نصف إيراداتها عليه، والذي أتى نتيجة تراجع في الطلب العالمي على السلعة تماشياً مع الركود الاقتصادي الذي أحدثته أزمة وباء كورونا.
ويوافق على ما جاء في هذا الإعلان، رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد الصقر، الذي يؤكد أن اقتصاد الكويت أصبح أسيراً لتبعات أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط مع غياب للرؤية المستقبلية، ويتابع "وقع الاقتصاد الكويتي خلال الـ16 شهراً الماضية وحتى الآن، أسيراً لأزمات ثلاث متشابكة تساهم كل واحدة منها في تعميق جراح وتعظيم خسائر أختها، وهي جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط وغياب الرؤية والقدرة اللازمتين للتعامل مع الأزمة المركبة ثلاثية الأنياب"، بحسب كلمته في اجتماع الجمعية العامة 57 للغرفة، الأسبوع الماضي.
الصراع السياسي تحت قبة البرلمان
وظل التجاذب السياسي محتدماً بين نواب المعارضة والحكومة خلال الدورات الأخيرة من مجلس الأمة، إلا أن المجلس الحالي شهد ذروته، بحدوث ممارسات غريبة بين الطرفين، للحد الذي تمت فيه فصول إقرار ميزانية الدولة، أمس، بأن أخذت موافقة أعضاء الحكومة وهم في ممرات المجلس، فيما جلس نواب المعارضة في مقاعد الوزراء الأمامية محاولة منهم لتعطيل الجلسة.
ويبرر النائب البارز في كتلة المعارضة في مجلس الأمة الكويتي حسن جوهر موقف كتلته وممارساتها، بأن "الحكومة تريد أن تفرض هذا الواقع المرير بأن تُغيب مجلس الأمة والشعب الكويتي عن الرقابة على أعمالها وتقييم ميزانيتها، فرئيس مجلس الوزراء حصن نفسه عن المساءلة والرقابة حتى في الاستجوابات المزمع تقديمها، فماذا بقي من الرقابة لدى السلطة التشريعية؟ وزير الداخلية عندما وجهت له سؤالاً محدداً عن قضايا لغسيل الأموال تهدد مركز الكويت المالي وتصنيفها الائتماني رد علي بأن إجابته لهذه الأسئلة سيكون بعد خمسة أعوام، هل يعقل مثل هذا الأمر؟".
ويرى الباحث في شؤون الاقتصاد الكويتي محمد رمضان أن هذا الصراع ليس وليد اليوم، وإنما ظل الاقتصاد منذ زمن وهو تحت وطأة هذا التجاذب السياسي، ويبين "لهذا السبب نجد أن اقتصادنا يتراجع في وقت تنمو فيه اقتصادات دول خليجية مشابهة للكويت في الملاءة المالية مثل قطر والإمارات، عادة تخدم السياسة الاقتصاد، إلا هنا انقلبت فيها الآية، فأصبحت السياسة تستفيد من أموال النفط من دون أن تخدم الاقتصاد، ولذا نجد هناك تأخراً في النمو الاقتصادي مقارنة بالدول المجاورة التي نشاهد فيها نمواً واضحاً لإجمالي حجم الناتج المحلي، بسبب تركيزها على الاقتصاد ودعم قطاعاته".
وتابع "في الكويت هناك تركيز على استثمارات خارجية وهي التي تدر الأموال على الدولة، ويتم التعامل مع هذه الاستثمارات بشكل سري، بينما الاقتصاد الداخلي لم ينمُ بأموال النفط بحسب ما يُفترض أن يحدث، بشكل يضاهي دولاً خليجية مجاورة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة "كي آي سي" الكويتية للوساطة المالية فهد الشريعان تأثير الأحداث السياسية في الاقتصاد الكويتي بشكل جزئي، ومن ذلك تأخيرها في إقرار قوانين اقتصادية مهمة مثل قانون الدين العام إلا أن ذلك التأثير ليس جوهرياً، ويضيف "الأحداث السياسية لا شك أن لها تأثيراً على الاقتصاد، ولكن إذا كانت هذه الأحداث عبارة عن صراع سياسي متعلق بشكل مباشر بمجلس الأمة، فالتأثير على الاقتصاد ليس بدرجة حادة كما لو كان هذا الخلاف بين أطراف في الحكومة نفسها التي تعتبر إدارة تنفيذية، مجلس الأمة دوره رقابي وتشريعي، إنما التنفيذ مسؤولية مجلس الوزراء وإدارة الدولة، ورغم ذلك نجد أن بعض القوانين التي نحن في حاجة لإقرارها بصورة عاجلة قد تؤثر فيها هذه التدخلات السياسية، ومثال ذلك القانون المُعطَل والمتعلق بالدين العام للدولة، هذا القانون قد يحتاج لتكتيك سياسي لتمريره".
فراغ إداري في هيئة الاستثمار
ومنذ نحو شهرين انتهت فترة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار من دون أن يتم تعيين مجلس جديد لهذا الجهاز المهم الذي يدير استثمارات للصندوق السيادي للدولة تقدر بـ600 مليار دولار، وهنا يؤكد الشريعان "هناك فراغ إداري في الهيئة منذ شهرين، ولكن بالطبع أعتقد بوجود لوائح تنفيذية تعالج مثل هذه الحالات، من المستحيل ألا يكون هناك تنظيم لخلو مجلس الإدارة، مع أن انعقاد اجتماعات مجلس الإدارة عادة يكون لإقرار تنظيمات طويلة الأجل، أعتقد أن الفراغ الإداري يتم تعويضه بإدارة تنفيذية تشغل أي خلو للإدارة ولها تفويضات بتيسير أعمال المجلس".
فيما يبرر رمضان هذا الفراغ الإداري في جهاز حساس مثل هيئة الاستثمار بمرحلة جديدة مليئة بالتحديات وعجز في الميزانيات يتطلب استقطاعاً من الصندوق السيادي لثروات الأجيال المقبلة، ويوضح "هذه المرحلة تستدعي التغييرات الكبيرة التي نسمع عنها في هيئة الاستثمارات العامة، الكويت أقرت قانوناً لاستخدام 5 مليارات دينار سنوياً (16 مليار دولار) من صندوق احتياطي الأجيال المقبلة لسداد هذا العجز في الميزانيات، ولذا في اعتقادي أن هذا أحد أسباب الفراغ الإداري في الهيئة منذ شهرين، لأن الأمر يتطلب تغييرات جذرية تتواكب والمرحلة الجديدة".
توقعات بإصلاحات تشمل فرض ضرائب
ولم يستبعد رمضان فرض الحكومة ضرائب في المرحلة المقبلة، وقال "فرض ضرائب في الفترة المقبلة وارد لو تم استخدام مراسيم الضرورة في العطلة البرلمانية، ولكن أستبعد فرضها فيما لو تُرك الأمر لمجلس الأمة ليوافق عليها، التوصيات التي ينصح بها صندوق النقد الدولي لإصلاح اقتصادي شامل في الكويت، تشمل فرض ضرائب ورسوم، وتنتقد تأخر الكويت في الأجهزة الضريبية مقارنة بدول خليجية سعت في هذا الاتجاه، فلو أرادت الحكومة تطبيق مثل هذه التوصيات ستجد نفسها مجبرة لإقرار مرسوم ضرورة تفرض فيه مثل هذه الضرائب لاستحالة أن يتم إقراره أو تمريره عبر البرلمان".
ويرجح جوهر بأن إقرار الميزانية بهذه الطريقة المتعجلة وفض دور الانعقاد بعطلة برلمانية، تستهدف منه الحكومة فرض مرسوم ضرورة لإقرار الدين العام، يتبعه قرارات بضريبة مضافة وضريبة انتقائية ورفع للدعم الحكومي المتنوع الذي يستفيد منه الشعب وفي مقدمته دعم الكهرباء والمياه، بحسب تصريحات مرئية له.