احتفل أعضاء فرقة البوب الكورية الأبرز "BTS" منذ أيام قليلة بمرور 8 سنوات على انطلاقها، من خلال بث مباشر مع الجمهور؛ سبعة من المراهقين الكوريين وضعوا بصمتهم في عالم الموسيقى المفضلة للشباب في العالم، ونجحوا في غزو عقر دار البوب بالولايات المتحدة الأميركية خلال أعوام قليلة، بعد أن أصبحوا الاختيار الأول لكثير من محبي الـ"هيب هوب"، الذين يرددون معهم الكلمات بتأثر، على الرغم من أن إنتاجهم الأساس باللغة الكورية الجنوبية، وهي لغة غير شعبية، فما سر "فتيان ضد الرصاص"، الذين أصبحوا فيما بعد "خلف الكواليس"، و"الشبان الناضجين"؟، فمرونة ما يرمز إليه اسم الفريق تتوافق كثيراً مع التطور الكبير الذي يحدث فيما يقدمونه ويكسبون به جماهير عريضة يوماً بعد آخر.
حاجز اللغة يتلاشى
حينما يأتي الحديث عن الموجة الكورية التي بدأت قبل ما يقرب من ربع قرن في العالم متضمنة فنون عدة أبزرها الدراما والموسيقى والغناء، تكون فرقة "بي تي أس" حاضرة في المقدمة على الرغم من أنها واحدة من فرق كثيرة تقدم لوناً مشابهاً، منها "بينك" وغيرها، والاعتماد الأساس يكون على الغناء والرقص ويقدم تنويعة متطورة من الـ"هيب هوب" تعرف باسم البوب الكوري "K-Pop"، ويقوم أعضاء "بي تي أس" الذين تتراوح أعمارهم بين الـ24 والـ29 عاماً بكتابة وتلحين أعمالهم؛ "لديهم خمسة ألبومات باللغة الكورية وأربعة باليابانية"، وتتسع شعبية الفرقة في جميع أنحاء العالم وأصبح اسمها سبباً أساسياً لزيارة السياح لكوريا الجنوبية بحسب آراء متداولة كثيرة عبر الصفحات المعنية بتدوينات السفر، وتناقش أغنيات الفرقة موضوعات على علاقة وطيدة بحياة المراهقين في العالم والشباب الذين يشقون طريقهم في الحياة والعمل والحب والدراسة، وتناقش كذلك أزماتهم العائلية وشعورهم بالوحدة، كما تتحدث عن الصحة العقلية، والتنمر والصداقة والعلاقات العاطفية والأزمات المادية، وحتى الطبقية.
وعلى الرغم من أن اللغة قد تكون حاجزاً، فإن الأداء الشاعري الذي يأتي ضمن مشروع متكامل لديه هدف محدد وهو التعبير عن حياة الإنسان في عصر تكنولوجيا العزلة ومناقشة أفكار مهما بدت محرجة وعدم الاستهانة بالمشكلات الفردية مهما بدت بسيطة، كسر هذا الحاجز.
فرقة "بي تي أس" مثلاً احتفلت، أخيراً، بطرح أغنيتها الثانية باللغة الإنجليزية، وهي "Butter"، التي وصل عدد مشاهديها عبر "يوتيوب" أكثر من 270 مليون مشاهد خلال 10 أيام، وقبلها بأشهر كانت قد حققت نجاحاً ساحقاً بأغنيها الإنجليزية الأولى "Dynamite" التي حققت خلال تسعة أشهر أكثر من مليار و100 مليون مشاهدة عبر "يوتيوب" فقط، خلافاً لباقي المنصات، وتصدروا بها للمرة الأولى قائمة "بيلبورد 100"، وهو الإنجاز الذي هنأهم عليهم الرئيس الكوري الجنوبي "مون جاي إن"، من خلال تغريدة له ذكر فيها "إنه لأمر مدهش حقاً، إنه عمل رائع يزيد الفخر بالـ(كي بوب)".
أرقام قياسية ومشاهدات بالمليارات
حقق أعضاء الفرقة نجاحات قياسية بأغنية "Film Out" التي طرحت قبل شهرين، وستكون ضمن ألبومهم الياباني المقبل، إذاً لماذا لم تقف لغة تصنف على أنها صعبة مثل الكورية حاجزاً أمام انتشار تلك الفرقة؟
تقول نورا شريف، طالبة مصرية في كلية التجارة، إنها "تعرفت أولاً على المسلسلات الكورية من شقيقتها الكبرى ومن صديقاتها، وهي مسلسلات كانت تتضمن أغنيات تجدها جيدة ومميزة، وحينها كانت تعتمد على قراءة الترجمة لتعرف المعاني، وكان ما جذبها بداية اللحن والأداء، واكتشفت أن أفكار الأغنيات أيضاً غير تقليدية، ثم فيما بعد بحثت عن أغنيات كورية، وأصبحت من أكبر معجبي (بي تي أس)، وتشترك في إدارة صفحات معجبيهم في الشرق الأوسط، حيث باتت تتعلم اللغة الكورية مع زميلاتها عبر الإنترنت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما محمود خالد، طالب بالصف الثالث الثانوي، فيؤكد أن "قاعدة محبي فرق البوب الكوري، وبخاصة bts، تتسع في العالم العربي؛ نظراً لأن موضوعات أعمالهم ليست سطحية بالمرة ولا مكررة، وتختلف كثيراً من وجهة نظره عن نظيرتها التي تقدمها الفرق في باقي أنحاء العالم"، مشيراً إلى أنه بدأ أخيراً مع زملاء له التسجيل في دورة لتعلم اللغة الكورية، خصوصاً أن الأمر بات سهلاً مع وجود تطبيق إلكتروني شهير يتضمن قسماً عن تعلم اللغة باستخدام أغنيات الفرقة ويحمل اسمها، لكي يتمكن من فهم الأغنيات بشكل مباشر، حيث إنه بدأ بالفعل في تعلم بعض الكلمات البسيطة عن طريق الاستماع، كما أنه يتمنى أن يحضر حفلاً قريباً للفريق، وبالحديث عن الإقبال على تعلم اللغة الكورية في مصر فقد تقدم لدراسة اللغة في المركز الثقافي الكوري 4 آلاف شخص، تم قبول 300 فقط منهم، في حين تقدم منذ بداية 2021 وحتى الآن 2600 شخص، ومن الملاحظ أن فئة الراغبين في تعلم اللغة أغلبهم من الفئات الصغيرة نسبياً في العمر.
خطاب في الأمم المتحدة
تبدو خطة الفرقة الكورية الأبرز للوصول إلى جماهير متنوعة ذكية للغاية، فالفرقة التي تعثرت في انطلاقتها الأولى عام 2010، ثم عادت بقوة بعد هذا التاريخ بثلاث سنوات، لدى أعضائها بصمة محددة فيما يقدمونه، ويحاولون التقرب من أكبر قدر من الجماهير دون أن يفقدوا هويتهم، فهناك دوماً اسم إنجليزي لأغنياتهم، بالإضافة إلى الاسم الكوري، وهم ضيوف دائمون على قوائم "بيلبورد"، التي تصدروها ثلاث مرات، وهو إنجاز يحسب لهم كنجوم كوريين وبارزين بحفلات الموسيقى الكبرى في العالم، سواء كمكرمين أو ضيوف شرف، بينها "غرامي"، و"أم تي في"، وكذلك دخلوا موسوعة "غينيس" أكثر من مرة بعد كسرهم أرقاماً قياسية عدة. ونظراً لشعبيتهم الجارفة كانوا ضمن ضيوف الشرف في حلقة لم الشمل لنجوم مسلسل "فريندز" الشهير.
نجح أعضاء الفرقة أيضاً في أن تستغل شعبيتها في تدشين حملات تخدم المجتمع وتحقق رسائل إيجابية كثيرة، بينها حملة لمكافحة العنف مع "يونيسف" جاءت بالتزامن مع الترويج لأغنيتها "أحب نفسي"، وبسببها ألقوا خطاباً في اجتماع الجمعية العامة الثالث والسبعين للأمم المتحدة قبل ثلاثة أعوام.
واللافت أن كثيراً من أغنياتهم مستوحاة من مؤلفات لنيتشه وإيريك فروم، فأعمالهم ليست مجرد أغنيات للتسلية فقط، أو كلمات يتم وضعها كيفما اتفق، وهذا واضح بقوة في انتقاداتهم لسلبيات المجتمع الكوري الجنوبي وإلقاء الضوء على الأزمات التي يعانيها المواطنون، كما أن أغنيتهم "Am I Wrong"، حملت انتقادا صريحاً لأفكار وزير التعليم الكوري الجنوبي حينها الذي اتهم بأنه يشجع على الطبقية والعنصرية، كما عرضت في تلفزيون البلاد عام 2016، واستخدمت في إطار الحملة التي خرجت لمجابهة الفساد، ونتج عنها استبعاد رئيسة البلاد "بارك غن هي" من سدة الرئاسة في 2016.
في المقابل، قام الرئيس الكوري الجنوبي الحالي، مون جاي إن، بتكريم أعضاء الفرقة ومنحهم وسام الاستحاق الثقافي ليصبحوا أصغر من حصل عليه، لمساهمتهم في نشر الثقافة الكورية الجنوبية، كما أنهم يسهمون كثيراً في عجلة الاقتصاد الوطني، كما جاءت الفرقة ضمن الأعلى دخلا بحسب تصنيف "فوربس" لعام 2019، وحلت بالمرتبة 43 بدخل قيمته 57 مليون دولار في العام.
الهوس بالفرقة ومحاولة استمالة جمهورها وصل إلى أن تم استحداث وجبة تحمل اسمها في فروع مطاعم "ماكدونالدز" بكوريا الجنوبية، كما أن هناك أنباءً عن استعدادهم لتقديم عمل جديد مع المغني العالمي جاستن بيبر، واختارتهم مجلة "تايم" ليكونوا ضمن قائمتها لـ"قادة الجيل القادم"، واحتلوا غلافها.