Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يستثني الموانئ الإسبانية من عملية "مرحبا" لعبور مهاجريه

خسائر تصل إلى نصف مليار دولار مع تعثر وكالات السفر وخطوط الشحن

المغرب يعزز تسهيل الظروف لتمكين العائلات بالخارج من العودة رغم التوتر مع أسبانيا (أ ف ب)

في وجه آخر من أوجه التوتر بين الرباط ومدريد، قرر المغرب استثناء الموانئ الإسبانية من عملية "مرحبا" لعبور المهاجرين المغاربة، قرار وإن بررته الروايات الرسمية بداعي ظروف وباء كورونا تماماً كما حدث السنة الماضية، إلا أن تغير ظروف الجائحة جعل متابعين يربطون القرار المغربي بالأزمة بين البلدين، أزمة يبدو أنها لم تجد طريقها نحو التهدئة حتى الآن، بل إن حدة التوتر في تصاعد بخاصة وسط التذبذب داخل أوساط القرار بإسبانيا بفعل صعود أحزاب وانتكاسات أخرى.

عمدة الجزيرة الخضراء: خسائرنا من هذا القرار لا تحصى

لم يمر قرار المغرب استثناء موانئ إسبانيا من عملية عبور مواطنيه هذا الصيف من دون أن يثير ضجة داخل الأوساط الإسبانية، بين من رحبت به على مضض اعتباراً لظروف الوباء، ومن رأت فيه ورقة أخرى يلعبها المغرب للتضييق على الجارة إسبانيا، في ظل الأزمة التي فجرها استقبال إبراهيم غالي وبهوية مزورة من دون إخبار الرباط.

عمدة الجزيرة الخضراء، خوسيه إغناسيو لاندالوس، كان أول المعنيين بالقرار، وأول المعلقين عليه بالوصف أنه خنق اقتصادي لمدينة سبتة.

وحول حجم الخسائر المنتظرة، قال خوسيه إغناسيو لـ"اندبندنت عربية" إن من الصعب حصر الأثر الاقتصادي على إسبانيا بعد تعليق عملية "مرحبا"، وأضاف، "الركاب المغاربة في العبور يدخلون إسبانيا عبر الرصيفين، هنا يقومون بإعادة تعبئة الوقود في محطات الخدمة، واستخدام مناطق الخدمة، والمتاجر، وشراء تذاكرهم لعبور الطرقات في وكالات السفر، وكثيرون منهم ينزلون بالفنادق للاستراحة ويستقلون سيارات الأجرة، وخطوط الشحن فقط ستخسر ما يصل إلى 500 مليون يورو (نحو 520 مليون دولار)، كل هذا يحدث من خلال الجغرافيا الإسبانية، وأنا أصر على ذلك، في عام 2020 كان ذلك بسبب الوباء، ولكن في عام 2021، كان الوباء مجرد "عذر".

شركات إسبانية تحتج

واحتجت شركات إسبانية على القرار المغربي الذي وصفته بـ"الانتكاسة الاقتصادية" في صيف يتسم بتراجع المداخيل السياحية بفعل تداعيات كورونا. وأكدت هذه الشركات أن قرار المغرب استثناء الموانئ الإسبانية من عملية العبور خلال الصيف الحالي "له تأثير اقتصادي قاس"، لا سيما في المناطق التي يمر عبرها أفراد الجالية المغربية الذين يصل عددهم عادة إلى ثلاثة ملايين مغربي، واعتبر مديرو الشركات الأمر "ضربة خطيرة" للمدن التي تعتبر حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا، فميناء ألميريا فقط كان ينتظر عبور أكثر من نصف مليون مسافر.

وذكرت وسائل إعلام محلية أنه في موتريل، جنوب إسبانيا، ينتظر خسارة 22 مليون دولار بسبب إلغاء عملية العبور "مرحبا 2021"، وهو النشاط الاقتصادي الأكثر تأثيراً في المدينة، كما سيؤثر في موانئ الجزيرة الخضراء، وطريفة، ومالقة، وألميريا، وأليكانتي، وسبتة، ومليلية.

ويعد ميناء ألميريا، الثاني في إسبانيا من حيث أفراد الجالية المغربية المقيمة في أوروبا، حيث عبره صيف 2019 نحو 600 ألف مسافر عبر المحطة البحرية، وأكثر من 130 ألف مركبة.

واعتبر رئيس جمعية خدمات الموانئ في الجزيرة الخضراء، مانويل بيدرا، أن هذا القرار هو خسارة الملايين من الدولارات لأسطول من الشركات التي تقدم خدمات مرتبطة بنشاط عملية العبور، مضيفاً، "كل توقف لسفينة في ميناء إسباني يدر عائدات في العديد من القطاعات".

وأعلنت السلطات المغربية في وقت سابق أن عودة المواطنين المغاربة من أوروبا بحراً، ستكون من نقاط العبور البحري نفسها في السنة الماضية، أي ميناءا "سيت" بفرنسا و"جينوى" في إيطاليا.

حقوقيون مغاربة يحذرون من تبعات القرار

لم يخلق قرار المغرب استثناء موانئ إسبانيا من عملية العبور جدلاً بالجنوب الإسباني من دون أن يخلق مثله بالشمال المغربي، وبعد ساعات من إعلانه، سارع حقوقيون لدق ناقوس الخطر حول موسم سياحي يحتضر معظم قطاعاته بعد سنة ونصف السنة من الركود بسبب وباء كورونا.

مدن الحسيمة والناظور وتطوان وطنجة، تنتظر بلهف كل صيف قدوم المهاجرين المغاربة الآتين أساساً من إسبانيا لإنعاش الحركة الاقتصادية بالمنطقة، حيث تنشط الخدمات السياحية، وبعد 15 شهراً من الإغلاق، استبشر السكان خيراً لتقدم المغرب في عملية التلقيح لكن القرار الأخير جاء ليربك الحسابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعبر كل سنة أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر مغربي مقيم بمختلف البلدان الأوروبية، وأكثر من 800 ألف سيارة، موانئ إسبانيا ثم الشمال المغربي، ومنهم من يقضي عطلته بمدن الشمال لاعتبارات عدة منها وجود العائلة أو وجود المؤهلات السياحية في المنطقة، ومنهم من يتخذها محطة استراحة وعبور نحو وسط المغرب، وهو ما يحرك الدورة الاقتصادية للشمال وللمغرب بصفة عامة، من دون إغفال ما تدره العملية على الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة.

مهاجرون يلغون أسفارهم

بعد إعلان المغرب أن عودة الجالية المغربية بالاتحاد الأوروبي ستكون حصراً من ميناءي "سيت" بفرنسا و"جينوى" في إيطاليا، وإضافة إلى عبء طول الرحلة، وتدابير فحص كورونا، صدم أفراد الجالية المغربية بإعلان شركات النقل عن خدماتها بأسعار خيالية تجاوزت 3000 دولار، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو وتدوينات للجالية تستنكر هذه الأسعار، ومنهم من أعلن فوراً، وبحسرة، عدم قدرته على زيارة بلده في ظل سنة تميزت بظروف مادية صعبة.

 تدخل ملكي عاجل

تعبير الجالية المغربية عن استيائها من الأسعار المعروضة للعبور نحو المغرب لم يمر من دون تفاعل سريع من القصر الملكي، وبادر ملك المغرب، محمد السادس، بتوجيه أوامره في هذا الإطار لكل المتدخلين في مجال النقل الجوي، بخاصة شركة الخطوط الملكية المغربية، ومختلف الفاعلين في النقل البحري، بالحرص على اعتماد أسعار معقولة تكون في متناول الجميع، وتوفير العدد الكافي من الرحلات، لتمكين العائلات المغربية بالخارج من زيارة وطنها، بخاصة في ظروف جائحة كورونا، كما دعا أيضاً كل الفاعلين السياحيين، سواء في مجال النقل أو الإقامة، إلى اتخاذ التدابير اللازمة، قصد استقبال أبناء الجالية المغربية المقيمين بالخارج في أحسن الظروف وبأسعار ملائمة.

وكعادة التدخلات الملكية لإنهاء أزمات المغاربة، فقد تحول كابوس مغاربة أوروبا إلى احتفال بعد أن أعلنت شركات النقل عن أسعار بدت أقل حتى من التي كانت عليه قبل الوباء، وهكذا تحول سعر عبور كل فرد من 3000 دولار إلى 160 دولاراً و130 دولاراً للفرد الثالث بالأسرة، و110 دولارات للفرد الرابع بالأسرة، وضع حسّن من معنويات شريحة مهمة من المغاربة ترى في عطلة بين أحضان الوالدين ومسقط الرأس خير تعويض عن انتكاسة نفسية خلّفتها أشهر من الإغلاق بسبب كورونا.

موانئ إسبانيا

ويفتح المغرب حدوده البحرية مع إسبانيا بشكل حصري، ابتداء من منتصف الشهر الجاري، لاستقبال أكثر من 12 ألف عاملة من المغربيات العاملات بإقليم "ويلبا" الإسباني للعمل في حقول الفراولة، بعد تسجيل تخوفات من تكرار سيناريو السنة الماضية حيث اضطرت العاملات إلى البقاء في إسبانيا على نفقتهن الخاصة.

وحسب ما نقلت وسائل إعلام إسبانية، فإن عملية نقل العاملات المغربيات ستنطلق من ميناء الجزيرة الخضراء في اتجاه ميناء طنجة بثلاث وأربع رحلات في الأسبوع، وحسب معطيات قدمها وزير الدولة لشؤون الهجرة الإسباني، فقد غادر هذه السنة إلى إسبانيا نحو 12700 عاملة موسمية وُظفن من خلال برنامج التوظيف الخاص في "ويلبا".

وكان من المقرر أن تنطلق عملية نقل العاملات الموسميات، الشهر الماضي، إلا أن الأزمة الدبلوماسية بين البلدين أجلت ذلك، ليتقرر أخيراً نقلهن على متن سفن يستأجرها أرباب العمل بإسبانيا، في وقت ستدفع العاملات ثمن التذاكر.

يذكر أن إسبانيا بدأت في عملية تلقيح العاملات المغربيات، ومنهن من طُعمن بلقاح "جونسون آند جونسون" الذي يتطلب فقط جرعة واحدة، وهو ما سيسهل عملية النقل.

ويبدأ العمل في حقول جني الفراولة خلال الفترة الممتدة من فبراير (شباط) إلى يونيو (حزيران) من كل سنة، وارتفعت المساحة الزراعية المخصصة للفواكه الحمراء في "ويلبا" هذه السنة بزيادة قدرها اثنين في المئة مقارنة مع الموسم الماضي.

وسبق لاتحاد صغار الفلاحين بالأندلس أن عبّر عن أمله وثقته في الدبلوماسية والمفاوضات بين البلدين الجارين لتمكين أكثر من 12 ألف عاملة مؤقتة بحقول الفراولة بإقليم "ويلبا" من العودة إلى ديارهن، عند انتهاء عقودهن.

قرار بدواعٍ صحية أم بحسابات سياسية؟

وعلى الرغم من تبرير الرباط إقصاء الموانئ الإسبانية من عملية عبور الجالية المغربية المقيمة بأوروبا للسنة الثانية على التوالي بدواعٍ صحية، وعلى الرغم من إبداء مدريد تقبلها القرار، فإن الطابع السياسي ظل السمة الأبرز لهذه الخطوة، ويقول لحبيب شباط، كاتب عام الحزب الاشتراكي العمالي بإسبانيا، "هناك شبه إجماع لدى الأوساط الإسبانية على أن هذا القرار المغربي ما هو إلا حلقة جديدة من مسلسل الضغط الذي يمارسه المغرب على إسبانيا في الآونة الأخيرة، لحثها على عدم معاداة مصالح المغرب خصوصاً في قضية الصحراء المغربية. المغرب انزعج كثيراً من طلب الدبلوماسية الإسبانية من الرئيس الأميركي جو بايدن العدول عن قرار اعتراف الرئيس دونالد ترمب بمغربية الصحراء، زيادة على استقبال زعيم الانفصاليين لجبهة البوليساريو بوثائق وهوية مزورة، كذلك بعض الجهات الإسبانية تعزوه أيضاً إلى تمديد تشديد الخناق الاقتصادي على مدينتي سبتة ومليلية وإظهار مدى أهمية المغرب اقتصادياً بالنسبة إلى إسبانيا".

ويضيف لحبيب أن القرب الجغرافي يمكن إسبانيا والمغرب من تحقيق تعاون تجاري وأمني كبيرين، لكنه بالمقابل يسبب نزاعات وخلافات بين الفينة والأخرى، وفي حال لم توضَّح المواقف في القضايا الكبرى التي تهم الطرفين، فستنتج الأزمات بشكل دوري.