Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وارين بافيت... أسئلة ملحة عن خليفة ثالث الأغنياء في العالم

الأضواء حول مرجع عالم المال والأعمال في "بيركشاير هاثاوي" وتوجهه الجديد نحو شراء أسهم التكنولوجيا

ككل عام، تنتظر الأسواق الأميركية واحدا من أهم الأحداث الاستثمارية للاقتصاد الأميركي، والمتمثل في الاجتماع السنوي لمستثمري مجموعة بيركشاير هاثاوي، إحدى أكبر الشركات الاستثمارية في العالم، التي يديرها ثالث أغنى رجل في العالم  "وارين بافيت"، والذي يعتبر مرجعا رئيسيا في عالم الاستثمار.

ولهذا الاجتماع قصة خاصة، فهو ينعقد في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا الأميركية، مقر مجموعة بيركشاير، ويحضره سنويا نحو 40 ألف مستثمر يأتون من أميركا كما من جميع دول العالم، بينما يتابعه آلاف المستثمرين عبر البث المباشر.

اجتماع مميز

وكانت هذه السنة مميزة عن غيرها من السنوات الماضية، أولا: لطبيعة التحول الذي حدث لدى المجموعة بدخولها في شركات تكنولوجية مثل "أبل" وأمازون"، بعد أن كانت الاستثمارات التكنولوجية غير مفهومة بالنسبة إلى عرابيّ المجموعة، وارين بافيت، وذراعه اليمنى تشارلي مونغر، نائب رئيس مجلس الإدارة، الذي يجلس بجانبه في الاجتماع ويتمتع بحس فكاهي يضفي جوا من المتعة على الاجتماع الذي يستمر 6 ساعات. وثانيا: لوجود أسئلة ملحة لدى المستثمرين حول من سيقود "بيركشاي" بعد موت "بافيت"، البالغ من العمر 88 عاما و"مونغر" 94 عاما.

وتستمر الصحف في الكتابة حول هذا الاجتماع لفترات طويلة، كونه حدثا يشرح فيه الثنائيان وارين وتشارلي، مفاهيم جديدة في عالم الاستثمار والمال والأعمال، لطالما اقتدى بها المستثمرون لتحقيق النجاح والثروة، كما يعيد فيه "بافيت"، الذي يلقب بـ"حكيم أوماها"، تفسير وإنتاج المفاهيم الرأسمالية العميقة بشكل مبسط وينتقد الممارسات الخاطئة فيها.

السياسة والرأسمالية

وهذه المفاهيم كانت حاضرة بكثافة في أسئلة المستثمرين في هذا الاجتماع، نظرا للمرحلة السياسية الحساسة التي تمر بها الولايات المتحدة، من صراع قوي بين الجمهوريين والديموقراطيين، والهجوم من بعض البرلمانيين والسياسيين الجدد في التيار الديموقراطي على النظام الرأسمالي، الذي يخلق صراعا طبقيا بين الرأسماليين والعمال والتي قد تقود إلى حرب طبقات اجتماعية، مطالبين بضرورة فرض ضرائب أكبر على الأغنياء. وكان بافيت واضحا في دفاعه عن الرأسمالية في ردوده، حيث قال إنه "لا يعتقد أن أميركا ستتحول إلى الاشتراكية لا في 2020 ولا 2040 ولا 2060"، معترفا بأن النظام الرأسمالي يترك ضحايا كثر، لكنه بنفس الوقت يفتح مجالا للتنافس والإبداع والنمو والتطور، وهو شخصيا من المستثمرين الذين استفادوا من حرية العمل والاقتصاد الحر في هذا النظام. لكن بافيت، ديموقراطي التوجه السياسي، وصاحب الثروة التي تقارب 90 مليار دولار، يطالب دائما بفرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وهو من بينهم، مظهراً وجها آخر للرأسمالية المسؤولة التي تنتقد نفسها وترفض مراكمة الثروة على حساب الآخرين، وسبق لبافيت أن تبرع شخصيا بمليارات الدولارات من ثروته.

عالم الاستثمار

وكما في السياسة، كذلك في الاستثمار، فإن لدى بافيت ومونغر، آراء مختلفة، وكلاهما يعتبر خارطة طريق للمستثمرين في كبرى الشركات التي تملكها مجموعة "بيركشاير"، التي تبلغ قيمتها السوقية حاليا أكثر من نصف تريليون دولار. وتتخذ المجموعة أهمية كونها تملك أسهما في عشرات الشركات، على رأسها: أبل وبنك أوف أميركا وبنك ويلز فارغو (أكبر بنك في الغرب الأميركي) وكوكا كولا وأميركان إكسبرس وكرافت هاينز، وغيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان السؤال المهم هذه السنة حول الاستثمار في قطاع التكنولوجيا بعد أن اشترت "بيركشاير" في العام الماضي أسهما في شركة "أبل" بنحو 50 مليار دولار لتصبح ثالث مستثمر فيها بنسبة تتجاوز 5%. وأحدث هذا الاستثمار تحديدا مفاجأة في الأسواق لأن بافيت ومونغر كانا ينظران إلى شركات التكنولوجيا على أنها شركات ذات أصول من الصعب تقييمها بالطريقة التقليدية التي تتبعها "بيركشاير". وهذه الطريقة تقوم على الاستثمار بناء على قيمة الشركات، أو ما يُعرف بـ"الاستثمار القيمي"، كالتقييم المبني على سعر أصول شركة ما وقيمتها الدفترية. وهذا النهج الاستثماري سار عليه بافيت منذ الستينيات، عندما بدأ مشوار حياته في عالم الاستثمار متأثرا ببنجامين غراهام وكتابه الشهير "المستثمر الذكي". وفي الغالب تشتري مجموعة بافيت الأسهم ذات التقييمات "الرخيصة" أو عندما تهوي أسعارها (كما حصل في الأزمة المالية)، حيث تتخذ مراكز بعيدة المدى في شركات ترى أن لديها أعمالا حقيقية وتتوقع لها أرباحا مستقبلية.

الاستثمار في "أبل"

ومنطق الاستثمار في سهم "أبل" كان مبررا بالنسبة إلى بعض المستثمرين، فعائد السعر مناسب إذا ما قورن مع أسهم شركات من فئته أو بعائد مؤشر "اس اند بي 500". فالعائد على سهم "أبل" يقارب 5.7%، وهو أعلى من عائد المؤشر البالغ 4.5% .

لكن "بيركشاير" وضعت "أبل" في قائمة مختلفة عن شركات التكنولوجيا، حيث صنفتها كشركة منتجة، لتظهر أهمية ما تراه "بيركشاير" من قيمة في الشركات قد لا يراها بالضرورة عالم المال. فتيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، الذي حرص على حضور الاجتماع هذه السنة، قال إن "استثمار (بيركشاير) يؤكد أن (أبل) لم تعد مجرد شركة تكنولوجيا وإنما لديها أصول حقيقية تكمن في منتجاتها، مثل الأيفون والايماك ووجود مستهلكين، إضافة إلى القيمة التي تقدمها للبشرية في الجمع بين التكنولوجيا والقيم الإنسانية وحرية الإبداع"، وهذه بحد ذاتها قيم عميقة لا يمكن تقييمها بالطريقة التقليدية كما لو أنها عقار أو علبة كوكاكولا.

"تيد" و"تود"

ويحاول بافيت دائما أن يوضح للأسواق أن ثمة عملا مؤسساتيا في مجموعة بيركشاير، وأن على المستثمرين أن يقرؤوا التحولات في المجموعة، حيث هناك جيل جديد من المديرين يرى قيمة ما في شركات عدة مختلفة عن النظرة التقليدية. ويذكر بافيت دائما "تيد ويشلر" و"تود كومبس"، وهما مديرا استثمار لمع اسمهما بعد انضمامهما إلى "بيركشاير"، ويدير كل منهما محفظة من13  مليار دولار تابعة للمجموعة، وأصبحا مشهورين اختصارا بـ"تيد" و"تود" بين مجتمع المال والأعمال الأميركي.

وكان أحد المديرين، بحسب بافيت، قد اتخذ قرارا في الشهر الماضي بشراء أسهم "أمازون"، حيث رأى أن هناك قيمة في سهم "أمازون" الذي يتجاوز سعره 1900 دولار. فبخلاف النظرة التقليدية لشركة "أمازون" على أنها شركة تكنولوجية من الصعب تقييم أصولها، ينظر الجيل الجديد إلى المركز القوي لأمازون في عالم التجارة الإلكترونية، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار رأس المال العامل، على سبيل المثال (الأصول المتداولة– الخصوم المتداولة)، فهناك المليارات من النقد "الكاش" الذي يدخل الشركة ويستمر فيها حتى يحين وقت التسديد للموردين في السوق (بعد 90 يوما أو أكثر).

"أجيت وغريغوري"

وبإظهار هذا الجانب المؤسساتي في عمل "بيركشاير" يحاول بافيت أن يوصل رسائل للسوق بأن هناك استمرارية في الشركة بصرف النظر عنه وعن مونغر، خصوصا بعد أن كثر الحديث في الصحافة عن خلافة الثنائي في حال وفاة الثنائي.

والأنظار تتجه إلى التنفيذيين الذين ينوبان عن بافيت حاليا في قطاعي الطاقة والتأمين، وهما "أجيت جاين" للتأمين و"غريغوري أبيل" للطاقة، ويعتبران المرشحين القويين لخلافة بافيت، ولهما قراراتهم الاستثمارية في الشركة التي لا تتفق بالضرورة مع توجهات بافيت الاستثمارية.

بافيت رابح وخاسر

ولطالما كانت وجهة نظر بافيت أن الاستثمار من الممكن أن يخسر، لذا يترك مديرو الاستثمارات لديه ليتخذوا ما يرونه مناسبا من قرارات، وهي أمور يلام عليها بافيت شخصيا كأنه الرجل الأوحد في إدارة المجموعة. ووجهت انتقادات هذه السنة إلى أداء سهم "بيركشاير" الذي جاء أقل مما حققه مؤشر "اس اند بي 500" في السنة الأخيرة، عندما سجل 7% مقارنة مع ما يقارب 18%  للمؤشر، كما أن الأداء أقل على مدار العشر سنوات الماضية. لكن مجموعة بافيت التي تملك اليوم 113 مليار دولار  "كاش"، كانت قد اشترت سهمها في الربع الأول من هذه السنة بمبلغ 1.7 مليار دولار. وقال بافيت في الاجتماع إنه مستعد لشراء أسهم المجموعة في السنوات المقبلة في حال كان تداول السهم بسعر جاذب، تاركا الحسابات للمستثمرين لمعرفة متى يكون سهم الشركة جاذبا.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد