Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قد نموت في الداخل"... كيف أصبحت سجون الهند في مرمى كورونا؟

تثير منشآت الاعتقال المزدحمة المزودة بمرافق صحية لا ترقى إلى المستوى المطلوب في هذا البلد خوف السجناء على صحتهم وسط فشل إجراءات ضبط الفيروس... تقرير أكشيتا جاين من دلهي

سجناء ينتظرون إطلاق سراحهم المشروط من سجن نايني المركزي في الهند (غيتي)

استيقظ الناشط الهندي المسجون عمر خالد وهو يعاني ارتفاعاً في الحرارة وآلاماً في جسده داخل زنزانته في سجن تيهار في أبريل (نيسان) من هذا العام. توجه بسرعة إلى المنشأة الطبية في السجن لكي يحصل على اختبار كوفيد-19، لكنه أعيد إلى زنزانته مزوداً ببضعة أدوية فقط.

وأجري له في نهاية المطاف اختبار كوفيد، وجاءت نتيجته إيجابية، لكن ليس قبل مرور ستة أيام من المعاناة مع الأعراض وحصوله على أمر من المحكمة، وفقاً لرواية خالد، المسجون في سبتمبر (أيلول) 2020، بموجب قانون منع الأنشطة غير المشروعة الصارم، في مقاله على موقع ذا برينت (The Print).

تعافى خالد من كوفيد منذ ذلك الحين، لكن الحظ لم يحالف كثيرين في سجون الهند المكتظة كثيراً. ويقول المحامون إن موكليهم يكررون لازمةً واحدةً: "قد نموت في الداخل".

كلما عقد المحامي أجاي فيرما جلسات استشارات لنزلاء السجون الهندية، يسمعهم يتحدثون عن مخاوفهم من الموت بكوفيد، ولا سيما مع تفاقم تفشي المرض إلى حد كبير هذه السنة.

وليس من السهل تشكيل صورة واضحة عن الواقع الذي يعيشه السجناء، نظراً لتعليق الزيارات الدورية للناشطين، وحتى محامي السجناء أنفسهم، خلال الموجة الثانية المدمرة. ورفض السجناء الذين أفرج عنهم بكفالة أن يدلوا بأي تصريح لـ"اندبندنت"، خوفاً من العواقب. وحين أطلق سراح الطالبة الناشطة ناتاشا ناروال التي سجنت بموجب قانون منع الأنشطة غير المشروعة كذلك، بكفالة مؤقتة الشهر الماضي، طلبت منها المحكمة أن تلتزم "الصمت الإذاعي"، أي بعبارات أخرى، ألا تتحدث مع الإعلام.

تلقت سجون الهند التي كانت تعتبر معرضة لخطر شديد بسبب ازدحامها الشديد ومرافقها الصحية غير المناسبة، ضربة قوية بعد بدء فيروس كورونا بالانتشار في البلاد بوقت قصير. وتحول عدد منها إلى بؤر انتشرت فيها أعداد كبيرة من الإصابات بين الموظفين والسجناء على حد سواء.

لكن لماذا فشل تخفيف الاكتظاظ في تحقيق أي نتيجة؟

وبسبب توقعها حصول هذا الأمر، أمرت المحكمة العليا في مارس (آذار) الماضي باتخاذ إجراءات فورية وعاجلة من أجل تخفيف الاكتظاظ، وطلبت من الولايات إنشاء لجان تتمتع بصلاحيات رفيعة المستوى، تكلف اتخاذ قرار في شأن السجناء الذين يمكن الإفراج عنهم مؤقتاً.

ويقول فيرما، وهو أيضاً منظم المنتدى الوطني لإصلاح السجون، إن تخفيف الاكتظاظ كان غير ملائم لدرجة كبيرة لأنه على الرغم من عمليات إطلاق سراح السجناء، استمرت الشرطة باعتقال غيرهم. وأضاف أن "العام الماضي، أطلق سراح نحو 60 ألف شخص في أعقاب قرار المحكمة العليا، غير أن الشرطة اعتقلت 40 ألفاً غيرهم. ولم يبلغ الهدف المرجو".

وعادت المحكمة العليا الشهر الماضي لتوجه مجدداً أمراً إلى الشرطة بالإحجام عن أي عملية اعتقال سوى في حال الضرورة للجرائم التي تقل أحكامها عن سبعة أعوام سجن.

لكن الناشطين لا يتأملون خيراً بالتحسين فعلياً لأن أحد الأسباب الرئيسة لفشل عملية تخفيف الاكتظاظ، ولتحول السجون إلى بؤر تفشي كوفيد-19، هو البنية التحتية للمنشآت نفسها.

ويقول المحامي الجنائي نيبون أرورا، "إن السجون "الأقل ازدحاماً" وصلت إلى حدود طاقتها الاستيعابية القصوى فيما كان يجب في أفضل الأوضاع أن تكون أقل ازدحاماً بكثير لكي تتيح المجال من أجل تطبيق التباعد الاجتماعي والإجراءات المماثلة".

"شعر الكثير من السجناء بالرعب من احتمال إصابتهم في الداخل، وكان هذا الخوف موجوداً خلال الموجة الأولى كذلك. وينبع الخوف بشكل أساسي من عدم تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي وعدم استخدام السجناء للكمامات بالشكل المناسب. وتعتبر أوضاع السجون غير صحية حتى من غير هذا الوضع".

في عام 2019، وصل معدل إشغال السجون في الهند إلى 118.5 في المئة - بزيادة على 117.6 في المئة في عام 2018 - فيما تجاوزت العاصمة دلهي كل هذه النسب، إذ بلغ معدل الإشغال فيها 174.9 في المئة، تتبعها ولاية أوتار براديش عند 167.9 في المئة، وفقاً لتقرير مكتب سجلات الجريمة الوطني لعام 2020.

وتظهر الإحصاءات أنه فيما بلغ عدد موظفي السجن المتفق عليه 87599 شخصاً، لم يتعد عددهم الفعلي 60787 شخصاً، وفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة بتاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019. وتكرر السيناريو نفسه بالنسبة للموظفين الطبيين. فقد بلغ عددهم الفعلي 1962 فيما العدد المقرر 3320.

مناصب شاغرة

يقول فيجاي راغافان، الأستاذ في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية، إن أصل المشكلة هو أن موظفي السجون تركوا لكي يتعاملوا مع الوضع وحدهم، دون أن تزودهم الحكومة بالموارد اللازمة. وفيما حصلوا على كمامات ولوازم غسل الأيدي، ظلت المسألة الرئيسة المتبقية ملء المناصب الشاغرة في إدارة السجون، بما فيها مناصب المسؤولين الطبيين والمعالجين النفسيين والموظفين الفنيين في المختبرات والمساعدين الطبيين.

ويلفت المحامون والناشطون إلى أن المرافق الطبية تعاني قصوراً لدرجة أن السجون تحولت إلى هدف سهل لانتشار كوفيد-19 الذي أصاب 28 مليون شخص في الهند حتى الآن.

ويقول أرورا، "مع أن السجون مزودة بمستشفى وطاقم طبي، فهي غير مناسبة على الإطلاق من أجل التعامل مع أزمة بهذا الحجم".

وبدأت التقارير حول مرض السجناء والموظفين ترد منذ أوائل مايو (أيار) العام الماضي. وعلى الرغم من عدم توفر أي بيانات حول المحصلة الإجمالية للإصابات، تقول هيئة مبادرة الكومنولث لحقوق الإنسان التي لا تتوخى الربح إن الإصابات المسجلة بين السجناء والموظفين بلغت أكثر من 22 ألفاً، مقابل 35 وفاة على الأقل.

وتستند هذه البيانات إلى التقارير الإعلامية ولا تتضمن أول شهرين على الأقل - يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) - بسبب نقص الإبلاغ المناسب.

وتقول مادوريما دانوكا، رئيسة برنامج إصلاح السجون في مبادرة الكومنولث لحقوق الإنسان، "يصعب دائماً على شخص بمفرده أن يجمع البيانات لأنها غالباً ما تظل ناقصة إن لم تستجب كافة الولايات والأقاليم الاتحادية". وتشرح بأن المنظمة راسلت كافة الولايات لكنها لم تتلق ردوداً سوى من 27 من أصل 36 ولاية وإقليم اتحادي بعد متابعتها الحثيثة.

وقد اتخذت بعض السجون تدابير وقائية بعد الإبلاغ عن الإصابات الأولى. وتوضح دانوكا أن وزارة الشؤون الداخلية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الهند أصدرت توجيهات في شأن التدابير الوقائية في عام 2020 كما 2021.

وتقول، "لا يسعنا سوى أن نأمل أنها قرأت واعتمدت مع أنه لا سبيل للتأكد من ذلك"، لكن ما زال إجراء اختبارات كوفيد-19 يمثل مشكلة. ولفتت المحكمة العليا الشهر الماضي إلى أنه يجب ضبط تفشي الفيروس في السجون عبر إجراء اختبارات دورية للسجناء وموظفي السجن، لكن فيرما يزعم أنه ما لم تحدث مضاعفات، لا يجري فحص السجناء للتأكد من إصابتهن بكوفيد من عدمها.

وتخشى دانوكا كذلك أن تحديث المعلومات - وهي نقطة حيوية خلال جائحة سريعة التطور - لا يرقى إلى المستوى المناسب على الإطلاق في حالة السجون.

وتقول، "لا تتساوى السجون في توفيرها إمكانية الحصول على معلومات من العالم الخارجي، ومع تقييد الزيارات وقلة الاتصال بالعالم الخارجي، لن يفاجئني ألا يكون السجناء مدركين حتى لخطورة الوضع في الخارج".

الصحة النفسية بخطر

وعلى الرغم من الخوف والقلق، لا يتوفر ما يكفي من الدعم النفسي للسجناء. وقال الناشطون إن النشاطات الترفيهية وزيارات المرشدين الاجتماعيين قد توقفت كذلك في أعقاب الموجة الثانية، ومن الأرجح أن يؤثر ذلك على صحة السجناء النفسية.

ويشرح البروفسور راغافان قائلاً "في ماهاراشترا منصبان أو ثلاثة فقط لأخصائيين نفسيين. ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات الأخرى. وقد خصصت بعض الولايات، مثل تاميل نادو، منصباً للمعالج النفسي داخل السجون، لكن معظم السجون الأخرى، لا تخصص مناصب للأطباء أو المعالجين والمستشارين النفسيين".

وقد اكتسبت دعوات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين - الناشطين والصحافيين - زخماً على أثر وفاة ماهافير ناروال، والد ناتاشا ناروال، جراء مضاعفات كوفيد-19.

وتوفي بتاريخ 9 مايو، أي قبل يوم واحد من استماع المحكمة إلى الطلب الذي قدمته ابنته للخروج بكفالة من أجل زيارته في المستشفى، حسب ما صرح ينجرا تود، وهو تجمع الناشطات الذي تنتمي إليه الآنسة ناروال.

أطلق سراح ناروال بكفالة مؤقتة لمدة ثلاثة أسابيع لكي تتمكن من حرق جثة أبيها. وقد سلمت نفسها وعادت إلى سجن تيهار في دلهي الأسبوع الماضي. وبعد ذلك، طالب تجمع بينجرا تود بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين "الفوري وغير المشروط".

ويلفت راغافان إلى أن الجرائم التي ألقي القبض بموجبها على المعتقلين السياسيين قد استثنتها معظم اللجان الرفيعة المستوى من الفئات التي درست إطلاق سراح السجناء المحتجزين ضمنها. ويقول، "إن الجرائم الواقعة في إطار قانون منع الأنشطة غير المشروعة، والجرائم الإرهابية وقانون العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية، والجرائم الاقتصادية والجنسية قد استثنتها معظم اللجان الرفيعة المستوى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قدمت ناروال الشهر الماضي عريضةً تطالب فيها بتطعيم نزلاء سجن تيهار حين تحتجز. وأصدرت محكمة دلهي العليا بعدها توجيهات إلى أمر السجن السادس المركزي في سجن تيهار بطلب اللقاحات للسجناء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً.  

ويقول فيرما إن عملية التطعيم بدأت داخل السجون الهندية والسلطات تشجع السجناء على تلقي اللقاح لكن ليس الجميع مستعداً لأخذه، وربما ذلك غير مفاجئ، نظراً لقلة المعلومات المتاحة لهم.

تقدم الهند جرعات اللقاح بعد التسجيل على منصة حكومية إلكترونية، تسمى CoWIN، تطلب إثبات وجود بطاقة هوية سارية المفعول. وفي حال عدم توفر بطاقة هوية حكومية، بدأت سلطات السجون بتسجيل السجناء باستخدام هوياتهم الخاصة داخل السجن.

وضمت سجون الهند 478600 نزيل عند نهاية عام 2019. ومع ذلك، عند وقت نشر المقال تظهر معلومات مبادرة الكومنولث لحقوق الإنسان أن 38 ألف جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19 فقط قد أطيت للسجناء وموظفي السجن.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات