Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجمعات العربية شرق الفرات... وتحديات ما بعد داعش

كُتلة سُكانية من دون أي إطار سياسي جامع وضابط لها

البيان الختامي لإجتماع العشائر العربية في عين عيسى (موقع يكيتي ميديا الكردي)

شهدت الأيام القليلة الماضية في منطقة شرق الفرات ما يُمكن نعته بالتسابق بين مُختلف القوى السياسية لأن تستقطب ولاء المُجتمعات العربية في تلك المنطقة. فقد نظم النِظام السوري في جرمز القريبة من مدينة القامشلي اجتماعاً موسعاً ضم طيفاً من الشخصيات الموالية له، برئاسة محمد الفارس، الذي يقود ميليشيات الدفاع الوطني المرتبط للنِظام السوري في منطقة شرق الفُرات. هذا المؤتمر الذي خرج ببيان ختامي ندد بما سماه بـ "الاحتلال الأميركي" لمنطقة شرق الفرات، ونعت المؤتمرات التي تنظمها الإدارة الذاتية في هذه المنطقة بـ "الخائنة والعميلة".

في ذلك اليوم نفسه، كانت الإدارة الذاتية الكُردية قد نظمت مؤتمراً عاماً للزعمات المحلية العربية في بلدة عين عيسى، تحت شعار (العشائر السورية تحمي المجتمع السوري وتصون عقده الاجتماعي) دعا في بيانه الختامي إلى وحدة الأراضي السوري وإنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، وتحرير منطقة عفرين، والتأكيد على ضرورة إقرار دستور سوري ديمقراطي توافقي يمثل جميع القوى والفعاليات المجتمعية السورية.

ثمة آليتان مُختلفتان تدفعان أي من الطرفين، النِظام السوري والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، حيث يعتقد الطرفان بأن التجمعات العربية في تلك المنطقة، والتي تُشكل قُرابة نصف سُكان المنطقة، أنما هي كُتلة سُكانية من دون أي إطار سياسي جامع وضابط لها، وأن الطرف الذي يتمكن من ربط هذه التشكيلات الاجتماعي به، يحقق هدفاً سياسياً استراتيجياً للسيطرة على منطقة شرق الفرات.

وتكشف المُجريات بأن تُركيا تتجه لتكثيف سعيها إلى تنظيم مُجتمعات النازحين السوريين من منطقة شرق الفُرات، المُستقرين بأعداد كثيفة في ولاية أورفا على الحدود السورية عند محافظة الرقة. فتركيا ترى بأن الحياة السياسية العامة في منطقة شرق الفُرات أنما صارت تتقادم دون أي نفوذ أو تأثير منها.

يعتقد النِظام السوري بأن منطقة شرق الفرات تتجه إلى واقع سياسي خارج عن سيطرته تماماً، وأن بقاء القوات الأميركية في تلك المنطقة خط أحمر بالنسبة إليه، مثلما هو بالنسبة إلى تُركيا، على الأقل حتى نهاية عُمر الإدارة الأميركية الراهنة، بعد قُرابة عامين من الآن.

ضمن هذا السياق، يرى النِظام السوري بأن هذه المنطقة إذا تمتعت باستقرار حقيقي طوال هذه الفترة، ستستحوذ على المزيد من الاعتراف والتعاطي الدوليين، وخصوصاً من قِبل الولايات المُتحدة والدول الأوربية، وستتمكن من زيادة قُدراتها الأمنية والعسكرية، وستساعدها هيمنتها الاقتصادية والبيروقراطية على استحصال رضا القواعد الاجتماعية في تلك المنطقة، وهي عوامل بمجموعها تُصعب من قُدرة النِظام السوري وتطلعاته لإعادة هيمنته على تلك المنطقة.

لأجل كل ذلك، يسعى النِظام إلى استخدام أكثر أداوته قُدرة على الإطاحة بحالة الاستقرار السياسي والمُجتمعي في تلك المنطقة. وهو يعتقد بأن تعبئة المُجتمعات المحلية العربية هُناك، عبر استخدام خطاب المظلومية العربية تجاه سُلطة الحُكم الكُردي، مع مزيج من التحريض الأيديولوجي المضاد لقوة الحماية الرئيسة لتلك المنطقة، الولايات المُتحدة، والإغراءات المالية والوظيفية لزعماء هذه التجمعات، ستؤدي الى مزاحمة عربية - كُردية في تلك المنطقة، تكون كفيلة بخلق حال القلق وسوء الاستقرار، ما يصعب من مهمة الولايات المُتحدة وقوات سوريا الديمقراطية من طرف، ويسهم بأن يبقى للنِظام السوري أدوات للتدخل في شؤون تلك المنطقة مستقبلاً.

أزمة إدارة شرق الفرات

على العكس من ذلك تماماً، فأن الإدارة الذاتية لشرق وشمال الفرات ترى نفسها في مواجهة مصاعب الحُكم في مرحلة ما بعد انتهاء معارك ضد داعش، والمتعلقة بتوفير الأمن والخدمات العامة والحالة الاقتصادية وتوزيع الثروة العامة وصراعات المجموعات الأهلية فيما بينها. فالانتصار العسكري والهيمنة الأمنية التي حصلتها هذه الإدارة من المعارك الطويلة التي خاضتها، لا تبدو كافية لاستقرار مُجتمعي وسياسي دائمين.

إذ خرجت طوال الأيام التي سبقت عقد مؤتمر بلدة عين عيسى العديد من التظاهرات، ولو الصغيرة، في مختلف قُرى وبلدات مُحافظة دير الزور، لكنها كانت مهيأة لأن تتوسع وتكبر. تمحورت مُطالباتها حول مسائل منع تهريب المازوت والنفط إلى مناطق النظام عبر الأنابيب البلاستيكية والعبّارات في نهر الفرات أو بالصهاريج، وطالبت بتوزيع النفط لأصحاب الحراقات (مصافي محلية بدائية) لتخفيض أسعاره المرتفعة، وتوسيع صلاحيات القادة العرب داخل صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ودعم مجلس دير الزور العسكري، كما طالبت بمنع ظاهرة استشراء الفساد وتعاطي الخمور والمخدرات والحشيشة وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين وإلغاء التجنيد القسري ونظام الكفيل.

يبدو أن الإدارة الذاتية قد تلقفت تلك الإشارة واستعجلت عقد مثل هذا المؤتمر، لإعادة ضبط شكل علاقتها مع الأطراف المحلية العربية، حتى لا تتأزم الأحوال أكثر من ذلك، ولا يغدو الاحتقان الاجتماعي في المناطق العربية مساحة يستفيد منها النِظام السوري، أو حتى تُركيا.

قلق من القوى المحلية

لا يستأمن الطرفان، النِظام السوري والإدارة الذاتية على حدٍ سواء، لا يستأمنون جانب الزُعماء المحليين في تلك المناطق بشكل تام. 

فالنِظام السوري الذي بقي طوال عقود يوفر رعاية استثنائية للعشرات من الزُعماء المحليين هؤلاء، وسعى الى حمايتهم من مزاحمة المُنافسين، لكنه راقب بذهول كيف أن العشرات من هؤلاء بدلوا بكُل سلاسة ولاءاتهم السياسية طوال السنوات الماضية.

كذلك تجد الإدارة الذاتية كيف أن هؤلاء القادة المحليين يتملكهم الضعف، ولا يملكون أي تأثير حقيقي على قواعدهم الاجتماعية، وأن ادعاءهم موالاة هذه شكلي تماماً، فقد كانوا قبل شهور قليلة يستعدون للانقلاب على مواقعهم الراهنة، فما أن أعلنت الإدارة الأميركية سحب قواتها من منطقة شرق الفرات، وصار وضع الإدارة في مرحلة الحرج، بدأ هؤلاء بالتواصل مع القادة الأمنيين للنِظام السوري.

يذكر أن المناطق العربية في منطقة شرق الفرات، بقيت الإقليم السوري الأكثر هامشية وأقل تنمية بالرُغم من ثرواتها الهائلة، التي كانت تسهم بقُرابة ثُلث الميزانية العامة السورية.

المزيد من العالم العربي