Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح تقنين زراعة القنب الهندي فرصة استثمارية في المغرب؟

60 ألف أسرة تعيش على مداخيل الأنشطة في الإنتاج والتسويق 

يأتي القانون المغربي تماشياً مع التغير الذي عرفه القانون الدولي الذي رفع المنع عن استعمال نبتة القنب الهندي ورخص استعمالها لأغراض طبية (رويترز)

القنب الهندي، أو ما يطلق عليه المغاربة "الكيف"، نبتة وصف العمل فيها باللامشروع لسنوات، حيث ارتبطت لعقود بتجارة المخدرات، وبعد نحو عشر سنوات من طرح ملف تقنين زراعتها، تم أخيراً التصديق على هذا القانون المؤطر لهذا النشاط، حيث أوضح بيان للمجلس الحكومي، أن هذا القانون يهدف إلى إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص. 

وفي الوقت الذي أثار فيه القانون نقاشاً حاداً بين مؤيد ومعارض للمصادقة عليه، رأى فيه المزارعون طوق نجاة من سنوات الاستغلال. 

من منع دولي إلى ترخيص لأغراض محددة 

ويأتي القانون المغربي تماشياً مع التغير الذي عرفه القانون الدولي الذي رفع المنع عن استعمال نبتة القنب الهندي ورخص استعمالها لأغراض طبية وصناعية. فقد أزالت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة القنب الهندي من قائمة المواد الأكثر خطورة بعد عملية تصويت، ما عبّد الطريق أمام الحكومة المغربية لصياغة مشروع قانون جديد بعد عشر سنوات من النقاش.

المزارع الحلقة الأضعف

ويعتمد نحو 400 ألف شخص يمارسون هذه الزراعة، أي ما يعادل 60 ألف أسرة تعيش على مداخيلها، وعلى الرغم من أنه المنتج الأول للنبتة، فإن الفلاح يبقى الحلقة الأضعف في سلسلة زراعة وإنتاج القنب الهندي. فطيلة سنوات توارث هؤلاء العمل في الظل ووصف عملهم باللامشروع، وعلى الرغم من أنهم لا يمارسون إلا زراعة نبتة فقد كانوا ضحايا استعمالات تلك النبتة بعد جنيها. 

وهكذا، يقول محمد بوصامت، وهو مزارع شاب، إن 40 ألف مزارع هم محط متابعات قضائية، ما يعني حرمانهم من كل حقوقهم الاجتماعية والإدارية. ويضيف أنه في بعض الأحيان يُحرم الأب من تسجيل ابنه بالملحقة الإدارية مخافة إلقاء القبض عليه، بالإضافة إلى الحرمان من التغطية الاجتماعية والخدمات الصحية.

وجرب بوصامت العمل مرشداً سياحياً، لكن من دون عائد يكفيه، فالتحق بوالده لزراعة الكيف بالأراضي المجهرية بسفح جبل تدغين بالريف الأوسط. ويصف مدخوله متحسراً بالقول، "إنه فتافيت بارونات المخدرات الذين يعيشون بسواحل إسبانيا... نحن نعمل تحت الشمس مختبئين عن أعين السلطات في خطر دائم مقابل عائد هزيل وهم يتاجرون بتعبنا وينعمون بالرفاهية". وحين سؤالنا لماذا القنب الهندي وليس شيء آخر؟ أجاب بأن الزراعة تتركز بمناطق صنهاجة وغمارة بإقليمي الحسيمة وشفشاون، وهي مناطق جبلية تعرف طقساً بارداً بفعل الأمطار والثلوج، إضافة لكونها مجهرية مقسمة لا تكفي ولا تصلح لشيء آخر عدا بعض الزراعات المعيشية. 

تقلص أراضي زراعة الكيف
وتمارس الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي بالأقاليم الشمالية للمغرب "الحسيمة وشفشاون ووزان وتاونات والعرائش وتطوان"، وقد عرفت مساحة هذه الأراضي تقلصاً ملحوظاً عام 2003، وهو العام الذي شهد إنجاز الدراسات الاستقصائية متعددة الأبعاد بتعاون بين المغرب ومكتب الأمم المتحدة المتخصص في محاربة المخدرات والجريمة.

وبحسب دراسة لوزارة الداخلية المغربية فقد تقلصت مساحة هذه الأراضي من نحو 130 ألف هكتار عام 2000 إلى نحو 50 ألف هكتار في السنوات الأخيرة، فيما يتراوح الدخل السنوي للهكتار من 16 ألف درهم (نحو 1500 دولار) إلى 75 ألف درهم (نحو 7700 دولار)، حسب نوعية التربة ومردودية النبتة. 

قيمة المداخيل الفلاحية السنوية

وحسب الدراسة نفسها لوزارة الداخلية فقد تقلصت المداخيل الفلاحية السنوية الإجمالية لزراعة القنب الهندي من نحو 500 مليون يورو (610 ملايين دولار) عام 2000 إلى 325 مليون يورو (396 مليون دولار) حالياً، فيما تقلص رقم المعاملات النهائي بأوروبا من نحو 12 مليار يورو (عشرة مليارات دولار) إلى 10.8 مليار يورو (نحو 8.5 مليار دولار).

وقد سجلت سوق القنب الهندي عام 2018 نحو 14 مليار دولار بالنسبة للسوق العالمية المقننة و8.1 مليار دولار للسوق العالمية الطبية فيما سجلت السوق الأوروبية الطبية 564 مليون يورو (688 مليون دولار)، وتمثل السوق العالمية الطبية 60 في المئة من السوق العالمية المشروعة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى متخصصون أن تقنين زراعة القنب الهندي وإضفاء الشرعية على زراعته، سيفيد الدولة بالدرجة الأولى، حيث سيمكنها من هامش مراقبة وتحكم، وستجني جزءاً من أرباح النشاط كذلك، كما سيرفع مداخيل المزارعين ويحميهم من شبكات التهريب الدولي. 

وفي الوقت الذي يشكل فيه الحشيش المغربي ثلاثة أرباع الموجود بالاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير لهذا الأخير عام 2016، فإن تقنين القطاع سيحول 80 في المئة من منتوج النبتة نحو استعمالات مشروعة أغلبها في صناعة الأدوية ومواد التجميل، ما سيمكن المغرب من اكتفاء ذاتي، بل وتصديرها، بدل استيرادها بالعملة الصعبة. 

وجاء في مشروع القانون أن الاستفادة من سوق الاستعمالات تتطلب استقطاب الشركات العالمية وتطوير المنظومة الوطنية القانونية لضمان استفادة أكبر من مداخيل السوق الدولية لهذه الزراعة.

الصناعات الدوائية مستقبل القنب الهندي 

ويتجه العالم، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، لتوجيه القنب الهندي نحو الاستعمالات المشروعة أكثر من الاستعمالات الترفيهية "الحشيش". 

ويتجه المغرب بتقنينه للقطاع بدوره نحو خفض ومحاربة استعمال النبتة في استعمال الحشيش وتسخيرها لاستعمالات طبية، حيث تستعمل في علاج الأمراض العصبية، مثل الباركنسون وألزهايمر والأمراض الناجمة عن الالتهابات والمرتبطة بالمناعة الذاتية. وتصنفه الأوساط العلمية علاجاً فعالاً للصرع وللحد من أوجاع مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" والأمراض السرطانية والعلاج الكيماوي. 

ترحيب بالتقنين ومطالبة بالمراقبة 

واستبشر مزارعو القنب الهندي خيراً بالمصادقة على تقنين الزراعة، فهم يرون فيها خلاصهم من براثن شبكات المخدرات التي تتحكم بمصائرهم. ويقول المزارع بوصامت، "على الرغم من أن الدولة لم تقدم لنا ضمانات لإنجاح المشروع، فإننا نأمل خيراً في أن تأتي هذه الخطوة بمشروع تنموي يرفع التهميش عن المنطقة بتأهيل البنى التحتية وإقامة مشروع سياحي اعتباراً لما تزخر به من مؤهلات سياحية. لا نريد الاكتفاء بالحديث عن الصناعة والأدوية"، كما يأمل المزارعون أمثال بوصامت في عفو شامل عن كل المتابعين قضائياً بتهمة زراعة الكيف، ما سيمكنهم من الولوج لكل الخدمات وعيش حياة طبيعية من دون الاختباء بأعالي الجبال، إضافة إلى تحسين مدخولهم الشهري لضمان كرامة العيش. 

هذه الآمال المعقودة على خطوة شرعنة هذه الزراعة تصاحبها مخاوف من أن يكون التقنين ضوءاً أخضر لتفريغ المساحات المزروعة بشكل عشوائي، وهنا ارتفعت الأصوات التي تلح على ضرورة مصاحبة الترخيص بالمراقبة لردع الغش والانتقائية في تحديد مناطق لزراعة الكيف دون أخرى.

كما تحدث القانون الجديد عن إنشاء وكالة وطنية للتنسيق بين مختلف الشركاء من قطاعات حكومية ومزارعين ومستثمرين، ونص على أن تحدد أماكن الزراعة بمرسوم وزاري، وأن الإنتاج سيكون في حدود المطلوب لاستعمالات الأنشطة الصناعية والطبية، كما تضمن مواد تحدد عقوبات جزرية للمخالفين. 

"الأصالة والمعاصرة"

ويرى بعض المتابعين للموضوع أن فتح الأحزاب المغربية لملف تقنين زراعة الكيف كان لأغراض انتخابية، فيما تقول الأغلبية إن الأمر لم يعد مهماً بعدما نفضت الحكومة المغربية ممثلة في وزارة الداخلية الغبار عن الملف وتمت المصادقة عليه. ويقول عبدالله عيد، عضو المكتب السياسي لحزب "الأصالة والمعاصرة"، إن لطرح موضوع زراعة القنب الهندي وتقنينها دواعي اقتصادية واجتماعية جعلت الحزب يبادر بالخطوة عام 2013 حين قام بدارسة استخلص منها أن تقنين هذه الزراعة فرصة استثمارية كبيرة للمغرب بشكل عام، ورافعة للتنمية لتلك المناطق بشكل خاص، ومناسبة لإنصاف المزارعين وإنهاء معاناتهم وعزلتهم وتمكين أسرهم وأطفالهم من الدراسة، الشيء الذي افتقدوه من قبل، حيث كانوا يعملون خارج القانون. 

وشكل موضوع تقنين زراعة القنب الهندي ضربة قصمت ظهر حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود التحالف الحكومي، فبعد أن قدم رئيس الحكومة، الذي ينتمي للحزب نفسه، مشروع القانون، عارض برلمانيو الحزب الخطوة داخل قبة البرلمان، وهو ما اعتبره البعض عدم انسجام سياسي بين مكونات الحزب الذي يقود الحكومة لولاية ثانية والمغرب على أبواب انتخابات وشيكة.

ولا يخفى على أحد ما أقدم عليه رئيس الحكومة السابق والعضو البارز بحزب "العدالة والتنمية"، عبدالإله بن كيران، حين خرج موقعاً على ورقة يعلن فيها مقاطعته لرئيس الحكومة الحالي وعدد من وزراء حزبهم، ومعارضته، لتقنين الكيف قبل أن يعود ليتراجع عن قرار المقاطعة ويبقى على رفضه لمشروع القانون. 

ويقول رضوان ربيع، رئيس الجمعية المغربية الاستشارية لاستعمالات القنب الهندي، إنه حالياً لا يمكن الحديث عن استعمالات نبتة الكيف لأنها غير شرعية. ويضيف أنه حسب دراسة للجمعية، فإن 90 في المئة من المغاربة يقبلون استعمال القنب الهندي في أشياء مفيدة يذهب جلها في الاتجاه الطبي.

ويؤكد ربيع أن تقنين القطاع من شأنه تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي وخلق فرص شغل بالمناطق المعنية والحد من الانعكاسات السلبية لهذه الزراعة غير المشروعة على الصحة العامة والتقليل من الآثار التخريبية على البيئة.