Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقنين القنب الهندي في المغرب يثير تجاذبات تنذر بانشقاقات عميقة

يرى البعض فيه فوائد اقتصادية واجتماعية بينما يخشى آخرون سوء تطبيقه واستغلاله

حقل مزروع بنبتة القنب الهندي قرب قرية كتامة في الريف المغربي (أ ف ب)

صادقت الحكومة المغربية اليوم الخميس 11 مارس (آذار)، على مشروع قانون تقنين الاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي، وهو موضوع أثار جدلاً واسعاً في البلاد، فمن جانب يوجد سوء فهم بخصوصه، إذ يظن البعض أن التقنين سيسهم في زيادة الاستعمال الترفيهي للنبتة، ومن جانب آخر أدى مشروع القانون، إلى تجاذب داخلي في حزب العدالة والتنمية الحاكم بخصوص آلية تقنين القنب الهندي.

تقنين القنب

ويهدف مشروع قانون الاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي، الذي اقترحته وزارة الداخلية، إلى جلب "استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة لتلك النبتة في الأغراض الطبية والصناعية"، وذلك عبر تحويل تلك الزراعات إلى نشاط مشروع ومستدام وموفر لفرص العمل. كما يصبو المشروع إلى وضع إطار قانوني يسمح بتطوير الاستعمال الطبي للقنب الهندي، إضافة إلى الاستعمالات التجميلية والصناعية، في إطار ملائمة القوانين مع الالتزامات الدولية للمغرب، خصوصاً بعد تصويت البلاد لمصلحة إدراج نبتة القنب الهندي كمكوّن علاجي طبي، خلال اجتماع للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة نهاية العام الماضي.
وينص مشروع القانون على أن إنتاج القنب الهندي يتطلب ترخيصاً، ويقع ضمنه نشاط استيراد البذور والنباتات وتصديرها، واستحداث واستغلال المنابت والزراعة والتحويل وتصدير القنب الهندي ومشتقاته، واستيراد مواد مستحضرة منه، وتسويق تلك النبتة ومشتقاتها، ونقلها.

وينص كذلك على أن تكون شركات التحويل والتسويق والتصدير خاضعة للقانون المغربي، وأن تتوافر على المقومات التقنية والبشرية والمالية اللازمة لتأدية هذا النشاط، إضافة إلى حصولها على التراخيص اللازمة لممارسة نشاطها، والالتزام باحترام دفتر الممارسات الفضلى الموضوعة من طرف "الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي".
وعلى الرغم من وضوح مقتضيات مشروع القانون، إلا أن هناك سوء فهم لدى البعض ممن يعتبرون أن تقنين إنتاج القنب سيشمل الاستعمال الترفيهي، وبالتالي سيؤدي سوء الفهم ذاك إلى تشكل تصور داخل فئات من المجتمع مفاده أن "الحشيش" سيصبح متاحاً للجميع.

نشاط استثماري جديد

من ناحية أخرى، رأى متابعون أن مشروع القانون هذا سيفتح مجالاً جديداً للاستثمار. وقال الباحث السياسي المغربي، بلال التليدي، إن "مشروع القانون الذي اقترحته وزارة الداخلية يضع الموضوع كله ترخيصاً وتقييداً بيدها، وبات ممكناً منذ الآن، أي منذ المصادقة على المشروع، إنشاء شركات تزاول هذا النشاط الجديد، فيما يمكن للمزارعين أن يحصلوا على الترخيص من الجهات المعنية".

واعتبر التليدي أن "الأمر يتعلق بفتح نشاط جديد للاستثمار"، منبهاً إلى "وجود أوجه غير شرعية واسعة لمزاولته، إلا أنه سيؤدي من جهة إلى رفع الحرج عن المزارعين وتوجيه نشاطهم، والتحكم من جهة أخرى في عائدات هذا النشاط من خلال تحديد سعر جديد أقل بكثير مما كان المزارعون يتقاضونه في نشاطهم غير المشروع".

قانون صارم

وفي ظل التخوف من ضعف تطبيق القانون الجديد، واحتمال احتيال بارونات المخدرات عليه، تؤكد الحكومة أن "تطوير الزراعة المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين، وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات".
ونص مشروع القانون في هذا الصدد، على إنشاء "الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي"، التي ستستأثر بمنح رخص زراعة تلك النبتة، وستعمل على احترام تطبيق ذلك القانون بالتعاون مع السلطات الرسمية، وستوكل إليها أيضاً مهمة ضبط وضعية مخزون القنب، ومراقبة الأراضي المزروعة بتلك النبتة ووحدات التصنيع والتحويل والتخزين.
وقال منسق "الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف"، شكيب الخياري، إنه "لا يمكن ضبط الاختلالات التي يُحتمل أن تقع في تطبيق أي قانون"، معتبراً أن "الأهم هو توافق مشروع القانون الجديد مع الالتزامات الدولية للمغرب، إضافة إلى ضبطه الجوانب المتعلقة بعدم تسريب تلك النبتة في مجال الإتجار غير المشروع". وأشار الخياري إلى المادة (49) من مشروع القانون التي تنص على أنه "يمكن للوكالة تعبئة كل الوسائل التقنية المتوفرة وطنياً أو دولياً لرصد المخالفات عن بُعد"، مما يعني أنه "إلى جانب مراقبة حقول الزراعة في عين المكان، يمكن مراقبتها كذلك بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيّرة"، مؤكداً أن "تعدُد الجهات المراقبة يضمن صرامة تطبيق القانون، وأن القانون يلزم المزارع ببيع محصوله لتعاونيات تبيعه بدورها إلى شركات مختصة، وفق محضر تعده لجنة ثلاثية مؤلفة من الوكالة والسلطات المحلية والأمنية، بما يضمن تحديد مسؤوليات الأطراف المنتجة والمصنعة للنبتة، كما أن إتلاف جزء من المحصول لا يتم إلا بحضور تلك اللجنة"، وهو ما يعتبره الخياري "صرامة في مراقبة إنتاج القنب الهندي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جدل حزبي

وبالإضافة إلى الجدل الدائر داخل المجتمع المغربي بخصوص مبدأ تقنين القنب الهندي، يدور جدل حزبي بشأنه أيضاً، ففي وقت تدعم فيه أحزاب عدة مشروع القانون، تتعالى أصوات رافضة من داخل "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي.
ووجد "العدالة والتنمية" نفسه في موقف محرج، على اعتبار أن مرجعيته دفعته في وقت سابق إلى دعم تجريم زراعة القنب الهندي ورفض مبدأ التقنين، وهدد زعيمه السابق، رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران بالاستقالة من الحزب في حال تمت المصادقة على مشروع القانون، كما رفض بنكيران حين كان رئيساً للحكومة، مشروع قانون مشابه تقدمت به بعض الأحزاب.
وأكد مراقبون صعوبة موقف الحزب الإسلامي الذي عجز حتى عن فتح نقاش بخصوص آلية تقنين القنب الهندي. وقال بلال التليدي إنه "في لغة الأحزاب الإصلاحية، وبشكل خاص العدالة والتنمية، كانت الحجة أن الشر لا يمكن أن يأتي بخير، وأنه لا أحد يستطيع أن يضمن أن توجه هذه الأنشطة فقط إلى الأغراض الطبية، وأن المزارعين سيستفيدون من الغطاء القانوني لتوسيع نشاطهم، وأن النشاط غير المشروع سيبقى مستمراً وسيزدهر، ما دامت الأسعار التي ستُقدم لهذا المنتوج الموجه للأغراض الطبية والصناعية أقل بكثير من أسعار المنتج الموجه للفعل الإجرامي (المخدرات)، وبالتالي فلن يوفر بديلاً اقتصادياً لمنطقة تحتاج إلى تنمية اقتصادية حقيقية، وسيؤول إلى فوضى ويمكن أن يخلق نزعات انفصالية".
وأشار التليدي إلى أن "كثيرين داخل حزب العدالة والتنمية سينتفضون من موقف القيادة، ويعتبرون أن هذا الملف يمثل حلقة من حلقات التراجع والانبطاح، والبعض منهم يتحدث عن الكارتيلات الاحتكارية المستفيدة من هذا المشروع، لكن لا أحد يجرؤ على فتح النقاش المرتبط بالغرض السياسي منه، وما إذا كان الحزب بمصادقته على هذا المشروع سيضع حبلاً آخر يشنق به نفسه، لأن رفع التجريم عن زراعة الكيف و"تأميم" هذا القطاع والتحكم بمكوناته من مستثمرين ومزارعين، قد يعني دخولاً منظماً لهذه النخب في الانتخابات".
من جهة أخرى، اعتبر المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق، أن "الوضع يتطلب اعتماد نقاش سياسي ومجتمعي بعيداً من التوظيفات الحزبية الشعبوية، على اعتبار أن الموضوع مطروح على مستوى دولي، ويتأثر برأي منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وتغير السياسات الدولية".

 قرار إيجابي

وفي حين يضم "حزب العدالة والتنمية" تيارين أحدهما موال لأمينه العام الحالي، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والآخر موال لبنكيران، رأى لزرق أن "جناح بنكيران يغالي ويرفض ويتشدد، فيما يقوم جناح العثماني بتلطيف الأجواء واقتراح الحلول الوسط، بعد إظهار بعض المقاومة والتمنع".
من جهته، وصف القيادي في "العدالة والتنمية"، عبدالصمد السكال، مشروع القانون بالخطوة الإيجابية، معتبراً أن الموقف السابق لحزبه أثناء ولاية بنكيران الرافض للتقنين، "مرتبط بسياق التوظيف السياسي الفج الذي طُرح فيه الموضوع".
وقال السكال إنه "لا يمكن إلا اعتبار أن مبدأ التقنين يشكل خطوة إيجابية لاعتبارات عدة، أولها أنه يأتي منسجماً مع القرار الذي اتخذته المنظمات الدولية ذات الاختصاص في نهاية السنة الماضية، بإعادة تصنيف النبتة من المواد الأقل خطورة"، مذكراً بأوجه الاستعمالات الطبية والتجميلية والصناعية لتلك النبتة.
وخلص السكال إلى أنه "أمام المستجدات العلمية وقرار المؤسسات الدولية، فإن التقنين يمثل أفضل حلّ، خصوصاً أنه يفتح المجال أمام استغلال النبتة لأغراض مشروعة ومفيدة، وفي الوقت ذاته يوجد حلاً لمعضلة اجتماعية طال أمدها"، في إشارة إلى وضعية مزارعي النبتة الذي يوجد جلّهم إما في حال ملاحقة قضائية أو في حال فرار، أو ترقب دائم لملاحقتهم من قبل قوات الأمن.

المزيد من العالم العربي