Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس على موعد مع سيناريو صعب بسبب الديون الخارجية

"أهم خطر يواجه البلاد هو تفاقم العجز التجاري الذي وصل إلى 11.2 في المئة من الناتج المحلي الداخلي"

تقدر حاجة تونس من التمويلات الخارجية بـ6.7 مليار دولار متوقعة في موازنة 2021 (أ ف ب)

فشلت تونس في فرض منوال تنموي جديد بعد 10 سنوات من "ثورة الياسمين" التي أطاحت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ترجمه تسجيل نسب نمو ضعيفة جداً عجزت عن تحقيق الأهداف التي دعت إليها، خصوصاً توفير العمل للشباب وتحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية الجهات الداخلية الفقيرة والمهمشة.

هذا الوضع جعل البلاد تنجر وراء حلقة مفرغة من الاستدانة المفرطة لتمويل موازناتها من دون أن يكون لها أي أثر إيجابي على التونسيين.

ولطالما وجهت الحكومات بعد "الثورة" جزءاً مهماً من الديون، التي اقترضتها بشكل متكرر من صندوق النقد الدولي أو البنك الأفريقي للتنمية أو البنك الإسلامي للتنمية أو البنوك الأوروبية المانحة، إلى دفع الأجور ودعم المؤسسات الحكومية لتوريد الطاقة وإرجاع الديون المستحقة في آجالها.

كم تحتاج تونس من القروض؟

وتقدر حاجة تونس من التمويلات الخارجية بـ6.7 مليار دولار متوقعة في موازنة 2021، ويمكن أن تصل إلى 8.1 مليار دولار، نتيجة عدة عوامل من بينها ارتفاع سعر البترول وسعر صرف الدينار.

وتتمثل أهم التسديدات بعنوان أصل الدين العمومي لسنة 2021 المطالبة تونس بإرجاعها في قسط من الاكتتاب القطري بقيمة 250 مليون دولار تم تسديده في أبريل (نيسان) 2021. وقرض السوق المالية بضمان الحكومة الأميركية بقيمة 500 مليون دولار في يوليو (تموز) إلى جانب قرض السوق المالية بضمان الحكومة الأميركية بقيمة 500 مليون دولار في أغسطس (آب) 2021.

أما على المستوى الداخلي فإن الحكومة الحالية بقيادة هشام المشيشي يتعين عليها إرجاع أقساط من القرض البنكي بالعملة بمبلغ 203 مليون يورو (52 مليون دولار)، علاوة على إرجاع رقاع الخزينة القابلة للتنظير بقيمة 617 مليون دولار.

حلقة مفرغة من الديون

ويرى المحللون الاقتصاديون أن تونس عالقة في حلقة مفرغة من الديون لا يمكن تحملها، خاصة أن حجم الدين العام يتجاوز 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأجمعوا أن تحقيق نسبة نمو اقتصادي إيجابي هذا العام أمر صعب للغاية حتى مع الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

وتستهدف تونس تحقيق نمو بنسبة 4 في المئة مع نهاية العام الحالي. وانكمش الاقتصاد التونسي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بنسبة 3 في المئة.

وحذر المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان من الوضعية المخيفة لحجم المديونية في تونس، والتي يرى أنها ستشكك في قدرة البلاد على مواصلة سداد ديونها الخارجية التي جلها (70 في المئة) بالعملات الأجنبية اليورو أو الدولار.

ولاحظ أن ما عمّق حجم المديونية هو وضعية المؤسسات العمومية التي بلغت ديونها إلى أكثر من 6 مليارات دولار، مضيفاً أن هذه الديون ضمنت فيها الدولة التونسية، ما يعني من وجهة نظره، أن الدولة ستضطر إلى دفع هذه الديون ليصل بالتالي حجم الديون إلى مجموع 44 مليار دولار.

ويشير سعيدان في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إلى أن استفحال الدين العمومي والدين الخارجي هو ما جعل تونس تصل وضعية التداين غير المستدام، ما يعني الشك في قدرة تونس على سداد ديونها الخارجية خاصة.

وخلص بالقول إن الحل لهذه المعضلة سياسي بالأساس "لأننا نخاطب الجهات المانحة بخطاب مشتت من عدة جهات رسمية (الحكومة والبنك المركزي واتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية)"، مضيفاً "لقد سبق أن اقترحنا هدنة سياسية لكي يعيد الاقتصاد التقاط أنفاسه، لكن مع الأسف هذا الأمر لم يحدث".

ثمن الانتقال الديمقراطي

من جانبه، أكد عبد القادر بورديقة، رئيس حلقة الماليين بتونس (جمعية مستقلة)، أن الدين الخارجي لتونس يعد مقبولاً نسبياً في الوقت الراهن، وأنه لا داعي للخوف والهلع، وذلك بالمقارنة مع عدد من الدول حتى المتقدمة منها.

وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن هناك بعض العوامل التي تدعو للحيرة، وهي نسبة المديونية بالعملات الأجنبية التي تصل إلى مستوى 70 في المئة، لكنة شدد على أن البعض ينسى أن تونس تمر بفترة انتقال ديمقراطي مهمة، وأنه وفق دراسة أنجزها فإن الانتقال الديمقراطي سيظل بين 15 و20 عاماً لكي يكون له تأثيرات إيجابية على الاقتصاد التونسي.

واعتبر أن هناك مسؤولية مشتركة مع الجهات المانحة في المرافقة الجدية والناجعة لتونس، مستدلاً على ذلك بأن تدخلات برامج الأمم لمتحدة في تونس كانت أنجع من برامج البنك الدولي لأنها من وجهة نظره ركزت على التدخلات الاجتماعية والمساعدات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جدوى شطب الديون

وتحدّث رئيس حلقة الماليين التونسيين عن ارتفاع الدين العمومي في مختلف دول العالم بنحو 30 في المئة خلال عام 2020، بسبب أزمة كورونا، مضيفاً أن 30 في المئة من الدين العمومي في أوروبا تملكه البنوك المركزية، على غرار الوضع في تونس أيضاً.

وصرح بودريقة بأن هناك بعض الشكوك المطروحة فيما يتعلق باستدامة الدين العام في تونس خلال السنوات المقبلة، مشيراً إلى أن عديداً من الدول التي قامت بمراجعة الدين العمومي، سواء بالشطب والتخفيض أو إعادة الجدولة، عادت مجدداً إلى نفس المستوى بعد فترة ليست بطويلة، وفسر ذلك بعدم القيام بإجراءات وإصلاحات وعدم اعتماد قواعد السلامة للتصرف في المخاطر المالية والاقتصادية.

ومضى يقول، "إن إعادة جدولة الدين حالياً يجب أن تكون مرفوقة ببرنامج للإصلاحات لضمان عدم تكرر نفس الوضعية المالية"، مضيفاً أنه ابتداءً من موعد التقدم بطلب لإعادة جدولة الديون يكون من المستحيل أن تتحصل الدولة على قروض من السوق المالية الدولية.

وخلص إلى دعوة الدول الشقيقة والصديقة لتونس لمساعدتها في مرحلة انتقالها الديمقراطي وصولاً إلى الاستقرار الاقتصادي.

ما فائدة القروض التي أخذتها تونس حتى الآن؟

بحسب ما أوضحه المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان، يعتقد الكثيرون أنه على تونس الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتمويل ميزانية الحكومة، والتمكن من دفع رواتب موظفي القطاع العام، لكن هذه الرواتب لا تدفع بالدولار، بل بالدينار التونسي.

وفي الواقع، لا تستخدم القروض التي تم التعاقد عليها مع صندوق النقد الدولي أو حتى بقية المانحين لهذا الغرض، بل تُعتمد من قبل وزارة المالية والبنك المركزي لحماية قيمة الدينار من الضغط الذي تفرضه الواردات الهائلة من الغذاء والطاقة، ناهيك بتبعات العجز التجاري الهيكلية، بحسب سعيدان.

وينتقد عدد من المحللين الاقتصاديين التونسيين عدم توجيه كل قيمة القروض المتحصل عليها منذ 2011 إلى دفع الاستثمار والتشجيع على إحداث المشاريع لتأمين العمل.

ومن بين العناصر الحساسة في التفاوض مع المانحين، وخصوصاً صندوق النقد الدولي أجور العاملين في القطاع العام التي تمثل في الوقت الحالي ما يقارب 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

إيجاد الموارد المالية للإيفاء بالتعهدات الخارجية

وقال محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، إن الدولة مطالبة في فترة وجيزة بإيجاد الموارد المالية للإيفاء بتعهداتها الخارجية واستعادة نسق الاستهلاك والتصدير والاستثمار.

وجدد في آخر تصريح له خلال جلسة حوار مع البرلمان في 21 مايو (أيار) التأكيد أن الوضعية الاقتصادية لتونس صعبة جداً، وأنه يجب مواجهة التحديات الكبيرة وإقرار هدنة سياسية.

ولفت إلى أنه تم في ظرف عامين اتخاذ إجراءات اعتبرها مهمة من أجل تطويق التضخم الذي كان مرشحاً بأن يصل إلى رقمين (أكثر من 10 في المئة).

وشدد العباسي على أن أهم خطر يواجه تونس هو تفاقم العجز التجاري الذي وصل إلى 11.2 في المئة من الناتج المحلي الداخلي، ما يعني أن الدولة سيتعين عليها موصلة التداين والاقتراض لمواجهة هذا العجز المتنامي.

واستكمل تحليله بأن البنك المركزي لا يضع قيوداً على التوريد، بل يستوجب ترشيد التوريد والاستغناء عن بعض الكماليات والتركيز على توريد المواد نصف المصنعة والمعدات.

وتطرق إلى موضوع التمويل النقدي للدولة في ظل طلبات عديد بوجوب إقراض البنك المركزي للدولة، الأمر الذي يتعارض مع قانونه الأساسي، لافتاً بالقول "نحن ليس لدينا إشكال مع استقلالية البنك، إذ هو بنك كل التونسيين، ولكن لدينا مسؤوليات ووجب التحذير من مسألة طبع الأوراق النقدية، ما سيدخل البلاد في ضغوط تضخمية نحن في غنى عنها".

تصنيف "فيتش"

وحذر العباسي من حصول سيناريو سيئ جداً لتونس خلال الشهرين القادمين من إمكانية تخفيض الترقيم السيادي من وكالة "فيتش رايتنغ" إلى مستوى C في يونيو (حزيران)، وما سيكون لهذا التخفيض من وضعية كارثية على الاقتصاد التونسي.

وأكد أن السلطات التونسية ستجلس مع ممثلي وكالة "فيتش رايتنغ"، مشدداً على أنها في حال عدم اتخاذ إجراءات إصلاحية عاجلة وسريعة فسوف يقع التخفيض من الترقيم السيادي، ما يؤدي إلى حصول تداعيات سلبية على تمويل الاقتصاد وصورة البلاد.

واعتبر أن الشهرين القادمين سيكونان حاسمين لتونس، وخصوصاً العمل على استرجاع الثقة في الاقتصاد، مشيراً إلى أن البلاد فوتت على نفسها منذ يونيو عام 2019 عديداً من الفرص للقيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية.

وفي حديثه عن المفاوضات الحاصلة مع صندوق النقد الدولي قال العباسي، إن هذه المفاوضات ضرورية ومهمة من أجل الحصول على الضوء الأخضر من الصندوق والخروج على الأسواق المالية الدولية، مبرزاً أنه "من دون هذه المباركة لا يمكن لتونس الحصول على القروض الضرورية لتعبئة موارد الميزانية".

ولاحظ أن النقاشات التقنية ستتواصل لثلاثة أسابيع، وأنه يتعين القيام بالتعبئة السياسية الضرورية من أجل الحصول على برنامج اتفاق إصلاحات مع الصندوق.

ودعا الى وجوب إقرار التضامن الاقتصادي بين كل المتدخلين من أجل تجاوز المرحلة العصيبة التي تمر بها تونس في الظرف الراهن.

اقرأ المزيد