Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تعاني فجوة رقمية بين الدولة والمواطنين

مقترح قانون يهدف لتقنين تعدين العملات المشفرة بينها "بيتكوين"

توقيق تونسي بسبب حيازته عملة بيتكوين الرقمية  (أ ف ب)

على الرغم من أن تونس من أولى الدول العربية التي استخدمت شبكة الإنترنت عام 1996 فإنها لم تنجح إلى اليوم في التأقلم مع التطورات الرقمية التي يشهدها العالم، خاصة من الجانب القانوني، هذا الفشل "المقنن" أسهم في خلق هوة رقمية بين الدولة ومواطنيها خاصة الشباب، حدت من طموحاتهم في شتى المجالات الحياتية والمهنية، وحتى البحثية، فانعكس هذا التأخر الرقمي والتكنولوجي سلباً على حياة التونسيين في معاملاتهم اليومية وأصبحت قاسية بسببه بعض الأحيان.

وصل أمر الفجوة الرقمية إلى حد إيقاف شاب بسبب استخدامه للعملة الافتراضية "بيتكوين"، أو أن تنتظر عجوز في الثمانين نصف يوم بأكمله واقفة في صف يضم العشرات من أجل سحب جرايتها عوضاً عن سحبها آلياً، أو منع استخدام الاستخلاص الإلكتروني لشراء أشياء ضرورية في عملهم من مواقع عالمية، فإن الوضع لم يعد مقبولاً حتى من طرف مسؤولين من الدولة، إذ عبر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، عن تأثره وحزنه بعد الزج بشاب في سن ابنه السجن بسبب تداول العملات الرقمية أو التعدين أو الأعمال الحرة في هذا المجال.

فراغ تشريعي

وأضاف مروان العباسي رداً على تساؤلات نواب مجلس نواب الشعب، خلال جلسة حوار أول من أمس، الجمعة، أن هذه العمليات دقيقة جداً وتتطلب تأطيراً في حال للسماح باعتمادها في تونس.

هذه الحادثة أثارت سخط وغضب الجميع معبرين عن رفضهم لهذه القيود الافتراضية التي جعلت من حياة الشباب الذي يعاني البطالة والتهميش أكثر صعوبة.

في هذا الصدد نشر حزب آفاق تونس بياناً، عبر صفحته الرسمية بـ"فيسبوك"، عبر فيها عن رفضه لمثل هذه الممارسات التي وصفها بالتعسفية، التي لا تتلاءم مع التحولات الرقمية والمالية الكبرى التي يشهدها العالم، ودعا الحزب البنك المركزي ووزارة المالية والسلطات القضائية والأمنية إلى التعامل الإيجابي والمرن مع هذه الأنشطة المشروعة على منصات عالمية موثوقة ومدرجة في البورصات العالمية، وقبولها في ظل الفراغ التشريعي الواقع وحاجة الشباب التونسي إلى التشغيل والاستفادة من فرص الاستثمار والعمل الواعدة في هذا المجال الريادي.

كما دعا "آفاق تونس"، الحزب الوحيد الذي تفاعل مع القضية، الحكومة إلى العمل على مراجعة وتحسين قانون الصرف والتجارة الذي أصبح يتناقض مع الواقع الاقتصادي والاستثماري في تونس وفي العالم بسبب التعقيدات الإدارية وطول الإجراءات والطابع التعسفي للعديد من المعاملات المالية ومنها ما يتعلق بالعملات الرقمية الجديدة والمحفظات المالية الإلكترونية.

جزيرة منعزلة على العالم

وتشكل هذه القيود الرقمية عرقلة واضحة في الحياة اليومية أو المهنية بالنسبة للتونسيين. تقول هناء الطرابلسي، مستشارة في استراتيجيات الاتصال وباحثة في مجال سوسيولوجيا الإعلام، "في مجال الاتصال أحتاج بشكل شبه قاري لشراءات رقمية من أجل الإشهار الإلكتروني على بعض المنصات الاجتماعية أو لاقتناء معدات تكنولوجية أو اشتراكات من مواقع إخبارية وبيع معدات"، لكن أجد نفسي مقيدة وغير قادرة على شراء ما أحتاج إليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضيف، "غالباً ما أجد نفسي مضطرة إلى الاستعانة بصديق لديه بطاقة رقمية محدودة بمبلغ معين". موضحة، أن "وزارة تكنولوجيا الاتصال تمكننا من بطاقة لا تتجاوز قيمة رصيدها 300 دولار، وهذا المبلغ غير كافٍ بالمرة، الأمر الذي يجعلني أتجول على أصدقائي المقيمين بالخارج ليقوم أحدهم بالدفع، وأنتظر إما عودته إلى تونس لإرجاع نقوده، أو أرسلها بطريقة أو بأخرى".

تذكر أيضاً، أنه "في مجال البحث العلمي تصدر يومياً مقالات مهمة لا أستطيع قراءتها أو متابعتها، لأن بلدي يمنع عني الاشتراكات الإلكترونية من الخارج، بالتالي أحرم من حقي في الاشتراك بالمواقع العلمية التي تعتبر ضرورية في إجراء البحوث"، مضيفة "هذا الأمر يجعلني أبحث مرة أخرى عن صديق في الخارج حتى يرسل لي المقالات، وكل مرة أجد نفسي في مواقف محرجة بسبب الهوة الرقمية في بلدي وقوانينها المجحفة في حقنا وكأنها تريدنا أن نعيش في سجن أو جزيرة منعزلة على العالم وما يعيشه من تطورات".

تجربة مضنية

تواصل هناء تجربتها المضنية في عالم الرقمنة قائلة "حتى (مايكروسوفت) واعية بالأزمة التي تعيشها دولتنا، والسلطة لم تَعِ بعد الصعوبات التي يعيشها الشباب الحالم بواقع أفضل"، موضحة "عند محاولتي شراء النسخة الأصلية من (مايكروسوفت) سألوني إن كنت من تونس، فقدموا لي اشتراكاً مجانياً لمدة شهرين إلى أن أجد حلاً"، مضيفة "عطلت أعمالي، وللأسف الشديد سأضطر أخيراً لشراء نسخة غير قانونية من تونس".

ولمعرفة ردود الجهات المسؤولة في البلاد أفادت المكلفة الاتصال بوزارة تكنولوجيا الاتصال، سناء يوسفي، أن "الاستخلاص الإلكتروني المرتبط بالخارج، موضوع خارج عن نطاق الوزارة لوجود قوانين تمنعه لعدة أسباب ونفس الشيء بالنسبة للعملة الرقمية التي تمنعها الدولة بسبب مكافحة الجرائم المالية".

يذكر أن محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال جلسة استماع أمام نواب الشعب قال إنه، "لا بد من الانتباه جيداً لمخاطر توظيف البعض لهذه الآلية لتبييض الأموال وغيرها من المخاطر التي تعرقل اعتماد هذه المنظومة والسماح باستخدامها من شباب طموح وأصحاب مشاريع ناشئة".

وأكدت اليوسفي، أن الوزارة وضعت منذ سنوات عدة تسهيلات خاصة للشباب أصحاب المشاريع الناشئة، وأنه تمنع للأسخاص بعد تقديم مطلب بطاقة بقيمة 300 دولار لاستخدامها في العمليات التجارية الإلكترونية، لكن يبدو أنه على الرغم من جهود الدولة لمواكبة طموح شبابها فإن الواقع مغاير تماماً، وجهودها لم تكن كافية لإرضاء طموحهم".

قوانين لا تتماشى مع الواقع

يقول محمد علي السويسي، صحافي متخصص في تكنولوجيا الاتصال، "نعيش اليوم هوة شديدة بين استراتيجية الدولة وتشريعاتها ومتطلبات الشباب في المجال الرقمي". وذكر مثالاً في مجال التجارة الإلكترونية، موضحاً أن "هذا الميدان في تونس تنظمه قوانين لا تتماشى مع واقع اليوم، على مستوى قانون الصرف أو على مستوى الديوانة التي تتعامل مع التجارة الإلكترونية وكأنها تجارة تقليدية ولا يستقيم".

وأضاف، أن "قضية (بيتكوين) أو العملة الرقمية وما حدث في تونس من جدل بعد إيقاف الشاب المهندس الذي استعملها، أمر مؤسف، في تونس ما زلنا نتعامل مع من يستخدم هذه العملة وكأنه مجرم في المقابل تسمح الدولة للمستثمرين الأجانب التعامل بها". ومن المشاكل والعراقيل الأخرى التي تواجه الشركات الناشئة خاصة في مجال الصناعة هي توريد القطع المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية، فإضافة إلى الضرائب المرتفعة لهذه المنتجات، فإن دخولها إلى تونس يتطلب إجراءات مطولة ومعقدة".

خلاصة القول يرى السويسي أن في تونس لدينا شباباً واعياً بأهمية الصناعة في التكنولوجيا مقابل عدم الإرادة السياسية في تطوير التشريعات من أجل مواكبة التطور العالمي ومواكبة طموحات الشباب، خاصة أصحاب المشاريع المتعلقة بالصناعية التكنولوحية والرقمية"، ويضرب مثالاً بمنع استعمال الطيارة دون طيار، التي تعتبر ضرورية في بعض المشاريع أيضاً ومنع الاستفادة من خدمات" الباي بال" لموقع الإلكتروني التجاري الذي يسمح للمستخدم بتحويل المال عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني لعناوين مختلفة.

ويعتقد أن "بعض السياسيين ممن تحدثوا عن أهمية تطوير التشريعات جاءت مبادراتهم في إطار حملات انتخابية لا غير، أو لربح نقاط سياسية ضد خصومهم"، مواصلاً "السياسيون، أو بالأحرى السلطة، لديها الرغبة في بقاء الحال كما هو عليه من أجل استغلاله في الوقت المناسب لربح نقاط سياسية"، معبراً عن سخطه في جر الشباب إلى استعمال كل ما هو ممنوع رقمي بطريقة غير شرعية أو يفكر في الهجرة وإقامة مشاريع خارج تونس".

يذكر أن حزب "أمل وعمل" توجه منذ مدة قصيرة لتقديم مقترح قانون تشريعي يهدف لتقنين تعدين العملات الرقمية بينها عملة "بيتكوين" وتداولها بالنسبة للمقيمين بالجمهورية التونسية مع ضمان حماية الدولة من مخاطر غسل الأموال. وتتعلق المبادرة بإضافة باب جديد في القانون رقم 18 لسنة 1976 لمجلة الصرف تحت عنوان العملات الرقمية. ويتضمن المشروع 17 فصلاً تضبط إطاراً قانونياً للتعامل بهذه العملات الرقيمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير