Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا التمس أردوغان العذر من الشعب التركي؟

اعترافات الرئيس بإخفاقاته كثيرة وهدفها امتصاص غضب الجماهير دون أن يغير سياساته

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)

لم يفاجئنا أردوغان هذه المرة أيضاً، بل إنه كلما فشل في أمر ما، أو لم يحالفه الحظ في رسم سياسة داخلية أو خارجية، إذا به يطلب من الجماهير أن يسامحوه، لكنه في الوقت نفسه لا يتراجع عن أخطائه، بل يمضي قدماً في الاتجاه الخاطئ.

صحيح، أن الاعتذار وطلب السماح من الأخلاق الفاضلة التي تَلقَى قبولاً لدى الناس، ويدفعهم نحو العفو والتغاضي عن الأخطا، لكن، هذا السلوك إنما يكتسب قيمة عندما تظهر على المخطئ علامات الندم، ولا تتكرر منه تلك الأخطاء.

وأما إذا استمر على تلك الأخطاء، فإن طلبه المعذرة والمسامحة في هذه الحالة، لن يكون إلا عبارة عن خداع واستخفاف بعقول الآخرين ومشاعرهم.

وكما هو معلوم فإن العالم كله يكافح فيروس كورونا المتفشي، وبينما نجحت دول في هذه المعركة فهناك دول أخفقت فيها. وبالنسبة إلى تركيا فإنها سلكت طريقاً لم نفهم معالمه حتى الآن.

ولتوضيح ذلك سأقدم مثالاً واحداً على سلسلة الأخطاء التي ارتكبت في هذا المجال. وسأعتمد على البيانات الرسمية التي أعلنتها وزارة الصحة التركية، لتتجلى للقارئ العزيز كيف يجري العبث بصحة المواطن.

فقبل يوم من بدء الإغلاق الأخير في الـ 29 من أبريل (نيسان)، تم إجراء 283 ألف فحص يومياً، وانخفض عدد الفحوص بعد عشرة أيام، أي في السابع من مايو (أيار)، إلى 251 ألفاً. وأعلن عدد الفحوص في الـ 14 من مايو بـ 203 آلاف فحص.

ونلاحظ أن الحكومة لجأت إلى تكتيك تقليص عدد الفحوص، لينعكس ذلك بالتالي على النتائج التي تشير إلى أن حالات الإصابة بالفيروس بدأت الانخفاض.

ويجب أن لا ننسى أن من أهم أسباب خسارة دونالد ترمب الانتخابات الرئاسية الأميركية هو عناده في قضية مكافحة كورونا، حيث كان يستخف بمخاطر الوباء، ويردد ادعاءه قائلاً: "إن التزايد في عدد الحالات مرتبط في مجملها بتزايد الفحوص، ولا نؤمن بتزايد المرض في الحقيقة". وبطبيعة الحال كانت هذه التصريحات تنعكس على تصرفات المواطنين الذين ينخدعون به، ما أدى بهم إلى عدم التزام القواعد أو تخفيفها، بالتالي مزيد من الوفيات.

وكانت هذه الحلقة المفرغة مستمرة في تركيا أيضاً منذ عام كامل، إضافة إلى البلبلة التي كانت تبدو على تصريحات المسؤولين. وبدلاً من التوحيد في قضية التصريحات حول الجائحة، فوجئنا بتصريح رئيس الشؤون الدينية علي أرباش الذي سبق وزير الصحة في الإدلاء ببيان حول التزام قوانين الحجر الصحي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تلقى المواطنون الأخبار السارة بأنه لن يكون هناك تمديد بعد الـ 17 من مايو، ولكن ليس من وزير الصحة، بل من وزير السياحة الذي يمتلك هو أيضاً شركات السياحة.

وفي وقت آخر وبدلاً من وزير الصحة المعني بالأمر أيضاً، أدلى وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بتصريح يؤكد فيه إعطاء أولوية التطعيم للعاملين في السياحة. علماً بأن دائرته الانتخابية هي أنطاليا التي تعد قلب السياحة التركية.

وأخيراً، صدر بيان مفاجئ من أردوغان بشأن إجراءات فيروس كورونا والمساعداتِ الاقتصادية، قال فيه، "نحرص على تنفيذ الإجراءات التي اتخذناها بشكل مرن، بحيث لا تضر بعمل مواطنينا ولقاحهم وخبزهم، وإذا كنا قد أزعجنا المواطنين والتجار والموظفين، فنحن نلتمس منهم جميعاً العذر والمسامحة."

وينبغي أن لا ننسى أن أردوغان نفسه هو أول من انتهك قوانين الحظر، حينما نظّم حزبه مهرجانات ومؤتمرات حزبية لم يتم فيها التزام قواعد الحظر، ما أدى إلى تفشي الفيروس بعد مدة قصيرة في المناطق التي أقيمت فيها هذه الفعاليات الحزبية، وتسببت في خسارة كبيرة في الأرواح، إضافة إلى تشديد التدابير بعد ذلك على المواطنين الذين يعانون أزمة اقتصادية خانقة.

فهل يمكن تلافي كل تلك الخسائر في الأرواح والأضرار الاقتصادية بمجرد التماس العذر من المتضررين؟

نعم، إنه يريد أن يقول لهم، صحيح أننا فشلنا في التدبير، ولم نستطع تلافي الأضرار أيضاً، لكن نطلب منكم أن لا تحاسبونا على ذلك في الانتخابات المقبلة، وأن تنسَوها، وكأن شيئاً لم يحدث.

نعم، القول مضحك والفعل مبكي.

وقد سبق مثل هذا القول من أردوغان بعد مسرحية الانقلاب العسكري في الـ 15 من يوليو (تموز) 2016، حينما خرج أمام الجماهير ليقول لهم، "أطلبُ من ربي وأمتي أن يسامحوني، لقد انخدعنا".

لكنه في الوقت نفسه عرقل أعمال اللجنة البرلمانية المكلفة التحقيق تحت قبة البرلمان حول عملية الانقلاب، ما أسفر عن فشلها في الوصول إلى نتائج ملموسة حول حيثيات محاولة الانقلاب وخلفياتها.

ومرة أخرى، رأينا أردوغان يتذمر من المباني الشاهقة التي جرى بناؤها في إسطنبول تحت مرأى ومسمع منه، التي أضرت كثيراً بالمنظر الطبيعي للمدينة التاريخية فيقول، "سنبذل قصارى جهدنا معاً من أجل إسطنبول، وقد ارتكبنا أخطاءً كثيرة بحق إسطنبول". لكنه بعد هذا الاعتراف لم يقم بأي خطوة ملموسة تَحُول دون إنشاء مبان جديدة من هذا الطراز، التي وصفها بالغول.

واعترافات أردوغان من هذا النوع كثيرة، لكنها لا تتعدى الكلام الفارغ، ولا تهدف إلا إلى امتصاص غضب الجماهير، ومن غير أن يشير إلى أنه سيغير سياساته وتصرفاته.

وبينما هو يلتمس العذر ليلهي شريحة، يَخرج أمامنا ليلهي شريحة أخرى من خلال التصريح بأن تركيا من بين الدول الأكثر مساعدة لشعوبها جراء الجائحة، بل لم يتمالك ليقول هي في المقدمة.

نعم، إنه لا يتحرج من الدخول في مثل هذه التناقضات التي تهدف إلى التلاعب بتصورات الرأي العام.

علماً بأن تقرير صندوق النقد الدولي حول المساعدات التي قدمتها الدول لشعوبها، بسبب فيروس كورونا لا يُصدّق الرئيس.

فقد نشر الصندوق تقريراً يسرد معدلات المساعدات وفقاً لميزانيات الناتج المحلي الإجمالي. وحسب هذا التقرير، فإن تركيا تقع ضمن مجموعة 2.5 في المئة التي قدمت أدنى حصة من المساعدات، بل إنها بمعدل 1.5 في المئة تحتل المرتبة الأدنى بين البلدان التي ساعدت شعوبها.

وبهذا المعدل، تنافس تركيا البلدانَ المصنفة كاقتصادات متخلفة، ويقل كثيراً عن ترتيب البلدان النامية.

وسأترك الأمر لكم لمعرفة ما إذا كان صندوق النقد الدولي يكذب أم أردوغان.

في الوقت الراهن، على الرغم من أن الرئيس يحاول التستر على إخفاقاته باستخدام الأحداث الفلسطينية، فإن شعار، "أنا لا أسامح" كان لمدة أيام على رأس قائمة الهاشتاغ المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا.

وقد كان جزء كبير من أولئك الذين يؤيدون الهاشتاغ هم من الموالين السابقين لحزب العدالة والتنمية، حيث كانوا يقولون في تعليقاتهم، "لقد صوتنا لك لمدة تسعة عشر عاماً".

ومن الآن فصاعداً، لن يتمكن أردوغان من التستر على إخفاقاته وأخطائه وجرائمه، من خلال رفع شعار دعم فلسطين والقدس، ولا باستغلال الشعائر الدينية التي كان يُلهي بها المواطنين الذين بدأوا يَصْحون من غفوتهم بعد تجارب مريرة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء