ما هو السعر الأمثل للنفط السعودي؟ والنفط الخليجي؟ أو في العالم ككل؟ لا يمكن الوصول إلى الجواب بسهولة، لهذا فإن الأجابة ليست مجرد رأي أو اعتقاد.
الإجابة معقدة وتتغير من وقت إلى آخر حسب الأوضاع والظروف. وقبل الخوض في التفاصيل لابد من توضيح النقاط المهة التالية:
1- السعر العادل للنفط هو مجرد مفهوم ضبابي وتعبير سياسي وإعلامي لا معنى له على أرض الواقع ولا في علم الاقتصاد، وعندما يستخدمه المسؤولون، فإنه يجب ألا يؤخَذ بمعناه الحرفي وإنما بإجمالي المعنى. فعندما يقول مسؤول إن السعر الحالي عادل، فإنه يقصد أنه راض عن الأسعار الحالية، وإذا قال إن السعر الحالي غير عادل فيعني ذلك أنه غير راض عن السعر الحالي.
فهل هذا السعر هو عادل من وجهة نظر المنتجين أم المستهلكين؟ ولماذا يكون السعر عادلاً في وقت ما، والسعر نفسه غير عادل في أوقات أخرى؟ وهل هو عادل من وجهة نظر مالية تتعلق بالموازنة العامة، أم عادل من ناحية اقتصادية عند مقارنة التكاليف بالإيرادات؟ من هذا المنطلق، يجب عدم استخدام هذا التعبير، وإذا تم استخدامه، فإنه يجب النظر إليه في مفهومه العام كما ذكر أعلاه.
2- في الأسواق الحرة التي تتكون من أعداد كبيرة من المنتجين والمستهلكين، يتحدد السعر عند تساوي الطلب مع العرض، ولا يمكن لأي فئة سواء من البائعين أو المشترين التأثير في هذا السعر. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن سعر السوق هذا هو "السعر العادل" للسلعة، لكن أسواق النفط ليست حرة لأسباب عدة. وأول ما يخطر على بال القارئ هنا هو "أوبك"، إلا أنه حتى لو لم تكن "أوبك" موجودة إطلاقاً، فإن أسواق النفط ليست حرة بسبب سيطرة الشركات الضخمة من جهة، وكثرة القوانين التي تحكمها في مرحلة الإنتاج والنقل والتوزيع والاستخدام من جهة أخرى. الحقيقة أن النفط والمنتجات النفطية من أكثر السلع خضوعاً للقوانين في شتى أنحاء العالم. أضف إلى ذلك الضرائب الهائلة في الدول المستهلِكة على المنتجات النفطية، بخاصة في أوروبا. لهذا فإن أسواق النفط ليست حرة، وإذا لم تكن حرة، فإنه لا يمكن الحديث عن السعر العادل.
3- من أهم الدروس في الخمسين سنة الماضية، هي أن العداء السياسي والإعلامي للنفط شيء، والواقع شيء آخر. قد يقول قائل، إن الأمر قد تغير الآن مع سياسات التغير المناخي. من قال ذلك عليه أن يعود ويقرأ عن العداء للنفط في السبعينيات، ليدرك الفرق بين المأمول والواقع. وعليه أن يدرك أن لا تنافس بين النفط والطاقة المتجددة في الدول الصناعية والصين والهند.
هذا يبقي موضوع السيارات الكهربائية. وإذا أخذنا توقع وكالة الطاقة الدولية الأخير، القائل بأن عدد السيارات الكهربائية سيرتفع من نحو 14 مليون حالياً إلى 145 مليون بحلول عام 2030 (زيادة بنحو 130 مليون سيارة خلال 9 سنوات)، عليه أن يتذكر أن عدد السيارات العاملة بالبنزين والديزل سيزيد بنحو 240 مليون سيارة، وأن صافي الزيادة في الطلب سيرفع الطلب العالمي على النفط فوق 105 ملايين برميل يومياً، بعد أن كان 100 مليون برميل يومياً في 2019. بعبارة أخرى، نمو أعداد السيارات الكهربائية بشكل كبير سيؤثر في نمو الطلب على النفطـ وليس في الطلب على النفط.
صفات السعر الأمثل
الوصول إلى معرفة السعر الأمثل في أي وقت أو مرحلة، يتطلب حسابات معينة مبنية على الواقع الاقتصادي في الدول المنتجة والمستهلكة. ولا يهدف هذا العمود الأسبوعي إلى حساب هذا السعر، أو وصف طريقة حسابه، وإن كان الكاتب يقوم بذلك من وقت لآخر، ولكن الهدف هو تقدير إطار عام للسعر الأمثل، هدفه في النهاية شرح النطاق العام للأسعار الذي تفضله كبار الدول النفطية مثل السعودية.
اقتصادياً، يمكن بسهولة حساب السعر الأمثل لكبار المنتجين، على الرغم من الصعوبات المتعلقة بمعدلات التضخم وأسعار صرف العملات. إلا أن النفط سلعة سياسية استراتيجية، ومن ثم فإن السعر الأمثل من الناحية الاقتصادية قد لا يعبر عن الأمر الواقع. كما أنه لا يعبر عن السعر الأمثل للمستهلكين، ومن ثم فهو ليس السعر الأمثل للنفط عالمياً. هذه الفكرة مهمة لإبراز حقيقة أن حساب السعر الأمثل ليست بهذه السهولة. فالسعر الأمثل للنفط من وجهة نظر كبار المنتجين ليس فقط السعر الذي يضمن إيرادات مالية تسهم في تحقيق تنمية اقتصادية، ويضمن حصة مستقرة في أسواق النفط أو زيادة فيها، ولكنه أيضاً السعر الذي يضمن الاستقرار السياسي داخلياً وخارجياً، واستقرار العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى. هذا يعني أن هناك أبعاداً استراتيجية وسياسية للسعر الأمثل، على الرغم من محاولة هذه الدول تحييد النفط سياسياً.
وحتى ندرك نطاق السعر الأمثل، كل ما علينا فعله هو أن ندرس آثار أسعار النفط المنخفضة في الدول المنتجة للنفط، ثم آثار الأسعار المرتفعة، لندرك أن هناك نطاقاً في الوسط هو الأنسب لهذه الدول، وضمن هذا النطاق يمكن حساب السعر الأمثل لكل فترة زمنية.
ولكن ماذا عن السعر الأمثل للدول المستهلكة؟ كما أن الأسعار المنخفضة تؤثر في الدول المنتجة، فإنها تؤثر أيضاً في الدول المستهلِكة، وكذلك الأسعار المرتفعة. ومن ثم فإن السعر الأمثل للمنتجين ليس السعر الأمثل للنفط عالمياً.
السعر الأمثل للنفط عالمياً، هو السعر الذي يمنع حدوث عجز في الإمدادات، ومن ثم فإنه السعر الذي ينتج أقل الذبذبات والتقلبات مقارنةً بالأسعار الأخرى، ويضمن معدلات نمو اقتصادي إيجابية في الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. كما أنه السعر الذي يعزز أمن الطاقة عالمياً ككل، وليس السعر الذي يعزز أمن النفط فقط. ومن دون الدخول في أي تفاصيل، هو السعر الذي له أثر حيادي نسبياً في التضخم وأسعار الصرف أيضاً.
فأسعار النفط المنخفضة تؤدي في مرحلة لاحقة إلى عجز في الإمدادات وارتفاع الأسعار، ومن ثم زيادة ذبذبة الأسعار. زيادة الذبذبة تعني أن المنتجين لا يستطيعون الاستثمار في الصناعة بشكل مستمر لمقابلة الطلب على النفط. كما أن الموزانات العامة للدول المنتجة والشركات تتأثر سلباً بهذا الانخفاض. كما أن انخفاض أسعار النفط يعرّض أمن الطاقة للخطر ولأن يؤدي إلى وأد مصادر الطاقة الأخرى، التي يحتاجها العالم ليس لأسباب بيئية فقط، وإنما بسبب النمو المستمر في الطلب على الطاقة في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن أسعار النفط المنخفضة تزيد في الحصة السوقية للدول التي تستطيع زيادة إنتاجها بشكل كبير مثل السعودية، إلا أن تاريخ الصناعة يشير إلى أن الدول المستهلكة فرضت أعلى ضرائب على النفط في فترة الأسعار المنخفضة، ومن ثم فإن الطلب على النفط لن يزيد بما يتلاءم مع هذه الزيادة في الحصة الإنتاجية. بعبارة أخرى، أي فوائد من زيادة الحصة الإنتاجية وتخفيض الأسعار، قصيرة المدى.
كما أن أسعار النفط المرتفعة تؤدي إلى انخفاض الطلب، ومن ثم حصول فائض في السوق وانخفاض الأسعار. هذا الانخفاض مضرّ بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء، ويزيد من ذبذبة الأسعار. هذه الذبذبة تؤثر بشكل كبير في القطاع الصناعي العالمي، لأنها تؤثر في القدرة على التخطيط على المدى الطويل كما تمنع هذه الصناعات من التركيز على خفض التكاليف. والأهم من ذلك أن أسعار النفط المرتفعة تشجع البدائل سواء كانت مصادر الطاقة أو التكنولوجيا، ومن ثم فإن النفط يخسر حصته السوقية. بعبارة أخرى، ارتفاع أسعار النفط الكبير يسرّع من وجود البدائل، ومن ثم ليس من بينها السعر الأمثل، حتى من وجهة نظر المنتجين.
خلاصة القول، إنه لو نظرنا إلى أنسب نطاق للأسعار من وجهة نظر المنتجين فقط، أو من وجهة نظر المنتجين والمستهلكين، نجد أنه يتنافى مع الأسعار المنخفضة، كما يتنافى مع الأسعار المرتفعة، ومن ثم فإن الأسعار المرتفعة ليست من صالح الدول النفطية بخاصة أكبر المنتجين. ضمن هذا النطاق يقع السعر الأمثل لكل فترة زمنية، الذي يمكن حسابه وفق مبادئ اقتصادية ومالية معروفة، ثم تعديله وفق حسابات سياسية واستراتيجية.
أخيراً، لو نظرنا إلى البيانات التاريخية على مدى الخمسين سنة الماضية، فإنه يمكننا حساب السعر الأمثل، وإذا قارنا هذا السعر الأمثل بالسائد، فإننا سنجد أنهما نادراً ما يتطابقان. وعلى الرغم من أن السعر السائد كان أعلى من السعر الأمثل بكثير في بعض الفترات، إلا أن السعر الأمثل سواء كان من وجهة نظر الدول المنتجة أو من وجهة نظر الدول المنتجة والمستهلكة معاً، كان أعلى من السعر السائد. بعبارة أخرى، مشكلة النفط أنه كان رخيصاً في أكثر الأوقات. وإذا نظرنا إلى الأسباب نجد أن السبب الرئيس هو طبيعة الصناعة نفسها، لأن أغلب تكاليفها تُدفع قبل إنتاج قطرة واحدة، الأمر الذي يجعل تكاليف التشغيل منخفضة مقارنة مع التكاليف الكلية، وبالتالي يمكن الإنتاج بأي سعر لتحقيق تدفقات مالية. ومن الأسباب أيضاً أن قدرة دول "أوبك" على التحكم بالسوق محدودة، لأنها تتحكم بجزء من أسواق النفط الخام، ولا تتحكم رأسياً وأفقياً بالصناعة كما فعلت الأخوات السبع، منذ نهاية عام 1920 وحتى نهاية ستينيات القرن الماضي.