Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعيد يقطين يسأل: هل يوحد الكسكس المغرب العربي؟

الناقد والمفكر يبحث في المفاهيم الثقافية اليومية ويرى أن السجالات السياسية تفتقد إلى رؤية

الناقد والمفكر المغربي سعيد يقطين (صفحة الكاتب على فيسبوك)

يخرج الناقد المغربي المعروف سعيد يقطين أحياناً من عالم السرد ليدخل عالماً آخر يبدو لمن لا يتابع مساره عن كثب، بعيداً عن مجال اشتغاله. فالكاتب المغربي، الذي يعتبر أحد أهم الباحثين في مجال السرديات وتحليل الخطاب الروائي، اختار أخيراً أن يفتح نقاشاً موسعاً حول تيمة سياسية بالأساس، غير أنها لا تتجرد من أبعادها الثقافية والاجتماعية. لذلك جاء كتابه الجديد "الفتنة القائمة... عشر سنوات على الربيع العربي" الصادر حديثاً عن دار ظلال وخطوط، دفاعاً عن مشروعه "الحق في الثقافة"، الذي كان قد تبلور في كتاب سابق عنوانه "معجم المشكلات الثقافية".

ألّف سعيد يقطين كتباً عديدة في تفكيك بنيات الخطاب السردي، أولها "القراءة والتجربة: حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب" 1985، ثم "تحليل الخطاب الروائي: الزمن. السرد. التبئير"، و"انفتاح النص الروائي: النص والسياق". وأصدر بعدهما كتباً أخرى انصبت بالأساس على موضوع الخطاب السردي من زوايا عدة: التراث، والعجائبية، والثقافة الشعبية، والسيرة الذاتية، وغيرها من المداخل التي جعلته يغدو أحد أبرز مراجع النقد الروائي في العالم العربي. ذلك أن مقارباته النقدية اتسمت بالجدة والعمق والرغبة الدائمة في الإضافة والإثراء. وإذا كان من ناقد عربي يمكن أن نمنحه صفة "المفكر الأدبي"، فإن سعيد يقطين أحد الجديرين بها. وهذه الصفة ليست بعيدة عن مشروعه الثقافي، فهي تعيدنا بالضرورة إلى كتابه الصادر في بيروت سنة 2014 بعنوان "الفكر الأدبي العربي: البنيات والأنساق".

غير أن هذا الانشغال الأدبي لم يمنع سعيد يقطين من ممارسة تأملاته ونقل أدواته النقدية إلى حقول مجاورة، لعل الحقل السياسي أبرزها. والحقيقة أننا في حالة يقطين نجد أنفسنا أمام رؤى مستمدة من "الماكرو سياسة"، في ما يشبه وضع مسافة فاصلة بين الرؤية الفكرية للحياة السياسية والمقاربة الصحافية لها. وهذا الاشتغال ليس جديداً في حياة الناقد المغربي، فقد سبق أن أصدر كتباً بعيدة عن مجال الأدب، ونذكر هنا كتابه "المغرب مستقبل بلا سياسة" 2013، وكتابه "الديمقراطية في قاعة الانتظار: إكراهات التحول الاجتماعي المغربي" 2014. كما يمكننا استحضار كتاب ثالث شكل جسراً بين الأدب والسياسة عنوانه "الأدب والمؤسسة والسلطة" 2002.

في مقدمة كتابه الجديد "الفتنة القائمة" يعترف سعيد يقطين بأنه كان ينوي أن يجعل العنوان الفرعي على النحو التالي: "دفاعاً عن الحق في السياسة"، كأنما يريد أن يكون تعاقده مع القارئ مبنياً على تصنيف الكتاب من جهة، وعلى الإحساس المشترك بأن المسألة السياسية ليست حكراً على السياسيين فحسب، بل هي محط نقاش وتقييم وتداول من لدن الجميع.

خيبة المجتمع السياسي

يقلب سعيد يقطين مفهوم "الربيع العربي" وسط تأويلات عديدة واكبته: انتفاضة، ثورة، حراك، مؤامرة أجنبية، وخرافة، مؤكداً أن قراءة هذا المفهوم، وقراءة الظاهرة بشكل عام، أمر بالغ الصعوبة، باعتبار أن ما يقاس عليها في التاريخ العربي غير موجود. توقف الباحث المغربي عند تحولات الربيع الذي أطاح بأنظمة سياسية عدة في العالم العربي، ورأى، وفق نظرة جماعية، أن المغرب شكل استثناء، غير أن هذا الاستثناء لم يكن بالضرورة إيجابياً في كل مناحيه. فبقدر ما عبرت الدولة عن الرغبة في التغيير، وبادرت إلى إصلاحات عديدة، خصوصاً على المستوى التنظيمي والتشريعي، أفرزت المرحلة بالمقابل تحولاً ربما لم يكن في الحسبان. فقد قادت الانتخابات الأخيرة التيار الإسلامي إلى الحكم، غير أن أداءه ظل محط نقاش وانتقاد، مما جعل يقطين يتحدث عن "خريف إسلامي" واقع مقابل "ربيع عربي" مفترض.

يعود يقطين إلى هزيمة 67 باعتبارها، وفق تصوره، نقطة تحول في التاريخ الجماعي العربي الحديث، وفي أنماط التفكير. فالهزيمة لم تكن عسكرية فحسب، بل شملت مختلف الحقول التي تعد الثقافة أحدها. وبالتالي توجب تغيير دفة سفينة الإبداع بعيداً عن الخطاب الاشتراكي الحالم. غير أن هذا التحول كانت له سلبياته أيضاً: "كان التلميذ والطالب والمناضل يحلم بأن يلعب دوراً في تطوير المجتمع، وتحقيق رفاهية الشعب. تحول الحلم إلى كابوس مرعب، وبات الكل يحلم بأن يحتل موقعاً في السلطة يمكنه من ممارسة العسف، ومراكمة الثروات، ونيل تقاعد مريح".

يريد يقطين أن يشير إلى الحقيقة التالية: لقد تغير الفرد، وبالتالي سيتغير المجتمع. عم الفساد مختلف القطاعات، تراجع منسوب الوطنية. غير أن يد الربيع العربي لم تكن تحمل يداً سحرية. فبعد الحركات الاحتجاجية التي عرفتها بلدان عدة عادت الأمور تقريباً إلى ما كانت عليه. لكن النظر إلى بعض المفاهيم وقع فيه تغيير كبير. فمفهوما "القمة" والقاعدة" لم تعد لهما المكانة نفسها، انتبه الناس إلى أن القمة زائلة، بينما القاعدة مستمرة. لقد ظلت الشعوب في مكانها، بينما سقطت أنطمة سياسية لم يكن أحد يعتقد أنها سستقط بتلك السرعة، وستنتهي نهاية مُذلة بعد تاريخ من التحكم والإطباق.

لم يشأ الباحث المغربي أن يناقش الربيع العربي في بلدان أخرى، بعيداً عن الساحة الداخلية. بل قدم قراءة في وضع بلده المغرب أفقياً وعمودياً، عبر تحليل الراهن، والعودة إلى التحولات التي عرفتها البلاد منذ بدايات القرن الماضي، وحلول المرحلة الكولونيالية، وظهور الحركة الوطنية، وما عقب ذلك من تحول كبير في وعي الفرد بمحيطه.

يرى يقطين أن هذا الوعي تعمق في مرحلة لاحقة تزامناً مع ظهور الإنترنت، الذي أتاح تداول المعلومة على نطاق واسع، وجعل "القاعدة" قادرة على الإطلاع على ما كانت تمنعه "القمة" عنها، أو تقدمه وفق معايير رقابية: "صارت القاعدة اليوم أكثر إلماماً بما كانت تجهله حتى وقت قريب. ومن هنا جاءت مطالبة جديدة بأن تكون القمة في مستوى تطلعات القاعدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتوقف الناقد المغربي عند تلك الهوة التي تفصل بين الشعوب وأنظمتها السياسية، متسائلاً عن جدوى استمرار هذه المسافة الفاصلة التي لن ينجم عنها سوى المزيد من هدر الفرص والتراجع عن مواكبة العالم الحديث: "ما الذي يمنع من إقامة علاقة جديدة وعلى أسس سليمة بين القمة والقاعدة في العالم العربي؟ أليس الإنسان العربي جديراً بأن يشارك في الحياة وفق إرادته في العيش الكريم على غرار الشعوب المتطورة؟ إلى متى ستظل القمم العربية بلا قاعدة؟".

يعود يقطين في أكثر من مناسبة إلى المغرب، مواصلاً تأملاته في ما عرفته البلاد من حركات احتجاجية على السنوات العشر الأخيرة، بدءاً من التفاعل الأولي مع ما عرفته تونس ومصر وليبيا تحت مسمى "الربيع العربي" وظهور حركة 20 فبراير (شباط) بالمغرب، وصولاً إلى ما صار يعرف بـ"حِراك الريف". وهو إذ يقدم قراءاته النقدية في الواقع المحلي يلقي باللائمة على ما سماه "المجتمع السياسي"، منتقداً غياب الرؤية لدى معظم الأحزاب السياسية، خصوصاً في مرحلة بدأت الحياة الاجتماعية والثقافية في المغرب تعرف نقاشات متشعبة حول العديد من القضايا التي تشغل الناس، وتشكل أفقاً لمصائرهم.

مقاربة سياسية برؤية سردية

 من حين لآخر يعمد الباحث المغربي إلى نقل مفاهيم من الحقل الأدبي والنقدي إلى تحليل الظواهر السياسية. فنجده مثلاً يبحث في حراك الريف عن "الحافز السردي"، ويتوقف عند "القصة" و"الراوي"، ويستقرئ "الدعاوى اللغوية والثقافية". وفي فصل آخر نجد الكاتب يوظف، في مقارباته السياسية، مفاهيم النقد السردي من قبيل: التبئير، الحبكة، الرؤية السردية، الخيط الناظم، والنهاية السعيدة.

ليس "الربيع العربي" هو الموضوع الوحيد لكتاب يقطين، كما يوحي بذلك عنوانه. بل ثمة مواضيع متشعبة، وهي في النهاية غير منفصلة عنه. من بين هذه المواضيع التي أعمَل فيها الباحث المغربي أداوته النقدية ظاهرة العنف الاجتماعي، جمهور كرة القدم نموذجاً، ظاهرة "زيروميكا": منع استعمال الأكياس البلاستيكية بالمغرب، ظاهرة "الكريساج": الاعتداء على المارة بالسلاح الأبيض، البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، العلاقة بين الفقيه والمثقف، كما طرح أسئلة تندرج ضمن الطرافة السوداء من قبيل: "المغرب العربي هل يوحده الكسكس؟". وتناول كثيراً من المفاهيم التي شغلت الرأي العام في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة: الإرهاب، التعليم الموحد، التطرف، تجديد الخطاب الديني، حرية التدين، حقوق الإنسان، المسألة العرقية، وثنائية المشرق والمغرب. ويتوقف يقطين بكثير من الحكمة والتبصر عند حلم الوحدة العربية، مؤكداً أن الرؤية التي يمكن أن توحد العالم العربي هي النظر إلى المستقبل والتخلص من كثير من الحبال الأيديولوجية التي تجره إلى الوراء.

حمل أحد فصول الكتاب عنوان "السياسة والسرد"، وفيه يرد يقطين على منتقديه الذين طالب عدد منهم بأن يبقى الباحث المغربي منكباً على دراساته السردية بعيداً عن عالم السياسة. أورد نماذج لبعض الرسائل والتعليقات التي تصله، منها ما ينتقد وفق ضوابط التواصل والحوار، ومنها ما يدخل في خانة الشتائم. واختار أن يرد برحابة صدر، محتكماً إلى خطاب عقلاني يؤمن بثقافة الاختلاف. فالسياسة حقل شائك يقتضي المشي فيه الكثير من الحذر.

 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة