Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اكتشاف أثري في السعودية عمره أكثر من 250 ألف عام

تضمنت المواقع المرصودة شمال البلاد آثار بحيرة عذبة وما ارتبط بها من أدوات

قطع لوجود بشري في منطقة مهجورة شمال السعودية (هيئة التراث السعودية)

تقود هيئة التراث السعودية التابعة لوزارة الثقافة جهوداً كشفية في الآونة الأخيرة، للتنقيب في المساحات الشاسعة التي لم تحظى باهتمام كافٍ خلال العقود الماضية.

هذه الجهود تكللت في الأشهر الماضية بعدد من الاكتشافات، كان آخرها ما نشرته مجلة Nature Scientific Reports في مقال أخيراً تحت عنوان "انتشار الإنسان في العصر الأشولي بصحراء النفود بشمال المملكة".

وأظهرت نتائج البحث في موقع يدعى "النسيم" في صحراء النفود بمنطقة حائل "شمال السعودية"، أدلةً بيئية على وجود بحيرةٍ عميقة ربما كانت عذبة المياه، مع أدلة معالم بيئية قديمة وما ارتبط بها من مواد أثرية تعود إلى عصر البلايستوسين الأوسط.

أقدم المواقع الأشولية

وأكدت النتائج الأخيرة لمشاريع المسح البيئي والأثري لمشروع "الجزيرة العربية الخضراء" الذي بدأ منذ 10 سنوات، على أن الجزيرة العربية مرّت بتغيرات مناخية خلال عصر "البلايستوسين" فأضحت أجواؤها أكثر رطوبة، وأثر ذلك في انتشار الإنسان فيها وفي القارات الأخرى، وينطبق هذا على الجماعات البشرية في الفترة الأشولية، الذين كان ارتباطهم أشد بمصادر المياه في ما يبدو أكثر من غيرهم في العصر الحجري الأوسط.

 

ويمثل موقع النسيم حالياً أقدم المواقع الأشولية الموثقة حتى الآن في السعودية، ويكشف الستار على المستوى الإقليمي عن أنواعٍ من مجاميعٍ لأدوات حجرية استخدمها الإنسان في عصر البلايستوسين الأوسط، ومن المرجح أنها تشير إلى تكرار عودة الإنسان إلى الجزيرة العربية عندما كانت تحتوي على مروج وأنهار ومصادر مياه وفيرة، إذ يحتوي الموقع على حوض عميق يبرز في وسطه رواسب عثر فيها على مواد أثرية من العصر الحجري الأسفل، وقد تم جمع ما يقارب من 354 قطعة فأسٍ حجري، ورقائق حجرية مختلفة. واتضح من خلال المسح وجود ارتباط شديد بين المواد الأثرية والبحيرة الجافة.

وأشار المقال إلى تشابه أدوات الحجارة المكتشفة مع تلك التي سبق العثور عليها في المواقع الأشولية في صحراء النفود، ودلّت بعض القطع على جلب مواد الخام إلى الموقع لصناعة الأدوات، وطرح بعضها بعد اختبار جودتها، وشكّلت بعض القطع قبل نبذها. وتدل المسوحات الموسعة للمشروع ضمن نطاق صحراء النفود على أن مادة الكوارتزيت المحلي استخدمت في كثيرٍ من الأحيان لصنع أدوات حجرية أخرى ضمن الفترة الأشولية لم يتم تأريخها بعد، تشمل الفؤوس بأشكالٍ مختلفة منها بيضاوية وقلبية ومثلثة، إضافة إلى اختلاف أحجامها كما هي الحال في المواقع الأشولية الأخرى في صحراء النفود.

وتبيّن تلك الأدوات الحجرية الأشولية بموقع النسيم أنها تعود إلى أواخر عصر البليستوسين الأوسط في حدود (35 ألفاً إلى 250 ألف عام) أي ما يتوافق على الأرجح مع مرحلة النظير البحري التاسع حين ذاب الجليد فيها وتشكلت بحيرات في صحراء النفود.

ويدل التشابه بين المواد الأشولية بموقع النسيم والمواقع الأشولية الأخرى غير المؤرخة في صحراء النفود، على أن المياه العذبة العميقة المستقرة في صحراء النفود كموقع النسيم أسهمت في سهولة انتشار الإنسان وتنقله نظير ما وجده من مياه عذبة ووفرةٍ في الصيد حولها.

ويدل تنوع الثدييات كبيرها وصغيرها على وجود بحيرات تكونت إبان فترات ذوبان الجليد بمنطقة النفود، مما يدل على انتشار الحيوانات في المنطقة خلال المراحل الرطبة ووفرتها حول المياه مصدراً لعيش الإنسان.

الجزيرة العربية الخضراء

وتعكف هيئة التراث بمشاركة مجموعة من الخبراء السعوديين على استكمال المشروع العلمي "الجزيرة العربية الخضراء" بالتعاون مع نظرائهم الدوليين من معهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان، والذي يركز على تتبع ودراسة التغيرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزيرة العربية على مر العصور، وبين بداية الاستيطان البشري في البلاد وهجرة البشر إليها عبر قارات العالم القديم، وقد كشفت نتائج الدراسات السابقة للمشروع عن أدلة لوجود آلاف البحيرات، والأنهار، والغابات، والكائنات في أنحاء الجزيرة، والتي نشأت حولها العديد من الحضارات المتعاقبة. بسبب المناخ المعتدل لشبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت.

وقد أعلنت الهيئة خلال الربع الأخير من عام 2020 عن اكتشاف أثري في غاية الأهمية يتضمن العثور على آثار أقدام بشرية وفيلة وجمال وحيوانات مفترسة حول بحيرة قديمة جافة على أطراف منطقة تبوك يعود تاريخها إلى أكثر من 120 ألف سنة، ويمثل هذا الكشف الأثري الدليل العلمي الأول على أقدم وجود لطبعات أقدام الإنسان والحيوان على أرض الجزيرة العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت نتائج المسح الأثري أن تلك الآثار تعود لسبعة أشخاص وبعض الجِمال، بواقع 107 طبعات أثر، وأكثر من 40 طبعة لفيلة، وأخرى لحيوانات من فصائل الوعول والبقريات.

وأكدت النتائج اكتشاف 233 أحفورة لبقايا عظام تعود لحيوان الفيل والمها، وبعض آثار الأنياب التي تؤكد وجود حيوانات مفترسة.

ويقدم الاكتشاف لمحة عن البيئة الحيوية والجغرافية أثناء انتقال الإنسان في هذه المناطق، ويعطي مؤشراً عميقاً إلى أن أرض الجزيرة العربية كانت لها تضاريس مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم، لتنوع الحيوانات المكتشفة، ما يؤكد وجود غطاء نباتي كثيف ووفرة مائية، بحسب إعلان الهيئة في حينها.

مستطيلات الصحراء

ويأتي هذا الاكتشاف بعد أيام من تقرير ميداني نشرته جامعة كامبريدج، عن ما أسمته "مستطيلات الصحراء"، وهي هياكل مستقيمة ضخمة في محافظتي العلا وخيبر (غرب السعودية)، أوضحت الدراسة أنها تضم غرفاً ومداخل وأحجاراً منتصبة، يمكن تفسيرها على أنها منشآت لممارسة طقوس تعود إلى أواخر الألفية السادسة قبل الميلاد، حيث كشفت الحفريات الأخيرة عن أقدم دليل على عبادة الماشية في شبه الجزيرة العربية.

وتعد المستطيلات من بين أقدم الآثار الحجرية في شبه الجزيرة العربية وواحدة من أقدم تقاليد البناء الأثرية التي تم التعرف إليها على مستوى العالم.

تم تحديد الآلاف من الهياكل الحجرية في جميع أنحاء هذه المنطقة وبشكل أوسع في شبه الجزيرة العربية، تُعرف هذه الهياكل مجتمعة باسم "إنجازات الإنسان القديم"، ويتدرج تاريخها من عصر "الهولوسين الأوسط" (ما بين 6500-2800 قبل الميلاد) حتى الوقت الحاضر، وهناك افتراضات عدة بأنها قد تكون علامات إقليمية.

تتراوح أشكال الهياكل ما بين المقابر والأبراج والمدافن "المزينة"، إلى رموز صخرية ومصائد ضخمة للحيوانات الضخمة وهياكل في الهواء الطلق مثل البوابات.

من بين الأشكال المذكورة حظيت ما تسمى بـ"البوابات" باهتمام محدود. وقد سجلت هذه الهياكل الضخمة المعزولة في غرب شبه الجزيرة العربية للمرة الأولى خلال الدراسات الاستقصائية في السبعينيات. على كل حال، لم تتم محاولة إجراء أول دراسة منهجية لهذا النوع من العلامات إلا في عام 2017.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة