Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارقص حتى أعرف لأي بلد عربي تنتمي

جولة بين 10 استعراضات فلكلورية من بين مئات تمارسها شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج

الرقص ليس فقط الخطوات التي ينقل بها المؤدون أقدامهم من موقف لآخر، بل ما بين الخطوات من قصص أعطت لتلك الإيحاءات معنى سمح لها بالاستمرار لعقود طويلة.

في المنطقة العربية ذات الأعراق المتعددة، رقص الناس منذ القدم قبل الحرب وبعده، بالعصي والسيوف، للتعبير عن فرح الأعراس، أو حزن العمال في مناجم الفحم، في حين اختار البعض تحريك أجسادهم كشكل من أشكال الصلوات التي يعبرون فيها عن تدينهم.

وما بين تلك المعاني المتعددة، ظلت الرقصات الشعبية التي لا حصر لها في دول مركبة من عرقيات مختلفة عصية على عوامل الزمن، وإن اختفت قصتها الأولى في روايات الراقصين، إلا أنها أوجدت مناسبة تحضر من خلالها في مناسبات العرب من المحيط إلى الخليج.

في اليوم العالمي للرقص، نتجول بكم بين عدد من الدول العربية، نحاول تسليط الضوء على جزء من الرقصات في هذه المنطقة.

الانشراح اليمني

يظل الرقص أحد أشكال التعبير الوجداني الخلاق عن حالة الإنسان، لذا اختار اليمنيون الأوائل تسمية إحدى رقصاتهم التي يؤدونها في المناسبات والأفراح بـ"الشرح"، نسبة إلى الانشراح.

وحول تفاصيلها توجهنا بالسؤال إلى علي المحمدي، المتخصص في مجال الرقص، والذي قضى أكثر من ثلاثين عاماً يعمل في مجال الرقص الشعبي، بعد أن درس في أكاديميات متخصصة في مصر والاتحاد السوفياتي.

ويوضح المحمدي أن "الشرح" هي رقصة خاصة بمحافظات أهمها "لحج، وشبوة، وحضرموت، والبيضاء، والمهرة، وانتقلت عبر المغتربين من اليمن إلى بعض الدول العربية، لا سيما الخليجية".

 

ويشير المحمدي إلى أن رقصة "الشرح" تتميز بالتنافس في الأداء الحركي المصاحب للإيقاع، باعتبارها "رقصة بسيطة وسريعة، عندما يسمع الراقص الإيقاع ينتقل الإحساس إلى داخله، فيعكسه بشكل أكثر في تفاعله الحركي مع الإيقاع".

وأضاف "الشرح رقصة انسيابية خفيفة يشارك فيها الغناء والتصفيق، ولها إيقاع خاص غنوا عليه كثير من أهل محافظات الجنوب، فمثلاً في محافظة لحج أبدع فنانونها في صنع ألحان عليها زادت من جمال الرقصة أكثر، ومن أشهر من وضع ألحان لهذه الرقصة، سيد الأغنية اللحجية الأمير أحمد فضل القمندان، وكبار فناني لحج واليمن أمثال فيصل علوي وعبد الكريم توفيق". 

ويتم أداء هذه الرقصة من خلال توزيع الراقصين إلى صفين، رجال ونساء يقومون بالرقص، ويدخل رجل وامرأة للرقص معاً وسط حلبة الرقص، ثم يرجعان مكانهما في الصف، وتستمر العملية بهذا الشكل، وأحياناً يصاحبه الغناء والمزمار، ولكن في الثلاثة العقود الأخيرة تغير الأمر بعض الشيء، فلم يعد بالضرورة أن يؤدي الرجال والنساء معاً هذه الرقصة، بل منفصلين بعيداً عن الاختلاط، بحسب المحمدي.

وبالحديث عن المزمار، تستخدم الشرح الطبل والمرواسن، وفي بعض الأحيان تستخدم آلات مثل "العود، والأورغ، والقانون، والربابة".

جوغ الشركس في الأردن

استوطنت الأفواج الأولى من الشراكسة الذين أتوا إلى الأردن في عام 1888 وعام 1905، بالعاصمة عمان، وكانوا أول من أنشأ حي الشابسوغ الذي يشير لاسم أول قبيلة شركسية وصلت إلى الأردن، وتوالت الأفواج القادمة وأسسوا حي المهاجرين ومنطقة سقف السيل، باحثين عن الماء والخضرة التي نشأوا وترعرعوا في أحضانهما في بلادهم الأصلية، وأثرت في تشكيل ثقافتهم القومية، لينتشروا بعدها في غيرها من الأحياء العمانية التي ما زالت تحتفظ بأسمائها الشركسية.

مارس الشراكسة عاداتهم في المدينة، وكان من ضمنها الرقصات الشعبية، التي ظلت حكراً عليهم قبل أن يذوبوا في المجتمع ليصبح بالإمكان اليوم لأي فرد تعلمها، وهو الذي نشأ في الأساس للتدريب على القتال والتمرين على الرشاقة.

يقدم الشركس رقصاتهم الشعبية المستوحاة من بلاد القفقاس وفرسانها بين إيقاع سريع وآخر بطيء، ومن أبرز الرقصات تلك التي تكون على رؤوس الأقدام وتدعى رقصة الأمراء، فيما تشتهر رقصة "الوج" التي تقام لحظة الوداع للذهاب للقتال أو السفر، أما رقصة "الشوشن"، فهي من الرقصات السريعة التي تظهر رشاقة الراقصين وخفة حركتهم.

وتعرف حلقة الرقص الشركسية باسم الـ"جوغ"، ويمثل مكان وقوف الشاب رمزية موقعه في الحياة والمجتمع، كما يعتبر دليلاً على شرفه وكبريائه.

ويصاحب الرقص الشركسي موسيقى بآلات موسيقية محددة مثل الأكورديون والفلوت، وآلات قديمة مثل "شبكا بشنة" ومعناها باللغة الشركسية "آلة العزف"، و"الباربان" وهو آلة إيقاعية.

كما أن للرقص الشركسي أزياء خاصة للذكور والإناث، تمثل الزي الخاص بأهالي القفقاس وأسلحتهم.

"الدبكة اللبنانية" رقصة عصير العنب

"الدبكة اللبنانية" التي يؤديها راقصون يقفون جنباً إلى جنب، والكتف إلى الكتف، لم تكن رقصة احتفالية عند ظهورها أول مرة، إذ يقول المخرج المسرحي ومدرب الرقص لويس ناضر، إن "الدبكة اللبنانية" عندما كان الهدف منها في بادئ الأمر "عصر العنب"، كانت الأيدي تتشابك وتمشي المجموعة جنباً إلى جنب فيما "يدبك" الكل على الأرض لهرس العنب، إلا أنها تطورت وترافقت مع إيقاعات لإضفاء أجواء المرح، وبدأت تأخذ منحى آخر بمرافقة آلة المجوز أو المزمار، لتعتمد في القرن 15 للتعبير عن حاجات جسدية احتفالية.

ووفق مصمم الرقص الفلكلوري والتراثي، مؤسس فرقة المجد للدبكة البعلبكية خالد النابوش، فكانت لنشأة الدبكة أطر مختلفة أيضاً. كانت الفنون عامة عبارة عن تفاعلات نفسية مع المحيط ووسيلة للتعبير عن مشاعر الفرح بحسب البيئة وطبيعة الأرض فتعكسها بشكل واضح، كما كان للعقائد أثر فيها أيضاً. أما أصول الدبكة فشرق أوسطية، ومن بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام من دون أن تنسب إلى منطقة بذاتها.

العامل العمراني أيضاً لعب دوراً، فالبيوت القديمة كانت من الطين يخلط لبنائها الشعير والماء. كان الشباب في بلاد الشام يدهسون بأقدامهم على الأسطح لساعات طويلة لتمسيدها، فيما تغني النساء في الأسفل. انتقلوا بعدها إلى الأرض وأصبحت أقرب إلى الرقصة، تترافق مع الغناء والعزف على المزمار و"المنجيرة".

تعددت تسميات الدبكة، ومنها "الدلعونا" و"الهوارة" و"أبو الزلف" التراثية، كما اختلفت بحسب المناطق اللبنانية التي كان لها دبكة خاصة تختلف في نواح معينة، كوقفة الراقصين وأدائهم، فلا يعرفها إلا أهالي المنطقة نفسها، كالدبكة البعلبكية والشمال وجبل لبنان تلك الخاصة بجنوب لبنان.

ويختلف الإيقاع بحسب الموسيقى المرافقة، فتعرف الدبكة بالإيقاع الرباعي أو السداسي أو الثماني وفق الإيقاع الموسيقي. 

ويوضح النابوش أن ثمة أنواعاً حصرية للرجل، أما الدلعونا التي تقوم على الإيقاع السداسي يرقصها الكل في مختلف المناطق أو غيرها من أنواع الدبكة السهلة، فوجود المرأة يشكل عنصراً أساسياً فيها، ويضفي نكهة خاصة على الرقصة.

رقصة السيف في السودان

يعتبر "رقيص العروس" من الطقوس الأساسية التي يُفرد لها يوم كامل في مناسبات الزواج في السودان، تصاحبها رقصات مختلفة على أنغام آلة "الدلوكة" الإيقاعية، مع أغنيات حماسية تراثية، على الرغم من انحسار هذا الطقس في السنوات الأخيرة.

وتشتهر كل منطقة في السودان برقصات مختلفة. حيث تعرف منطقة دارفور غرب السودان برقصات "الغزالة الشاردة، والدينارية، والعريج، والسنجك"، وغيرها. بينما تعتبر رقصة "الكلس" من أهم الرقصات في منطقة النيل الأزرق. وفي شمال السودان تشتهر رقصة الجابودي والكومباك. وأما شرق السودان، فإن "السيسعيد" تعد من أشهر رقصات البني عامر في المنطقة.

إحدى هذه الرقصات التي تشتهر بها قبائل الهدندوة وبني عامر في شرق السودان هي رقصة السيف، وترقص في مناسبات الزواج خصوصاً، وجميع المناسبات عموماً، حيث يلبس الزي القومي، وهو عبارة عن جلابية و(سديري)، وتلبس النساء الثوب السوداني. مع حمل السيف والرقص به مع القفز عالياً.

الباحث في تراث البجا، جعفر بامكار، قال إن "رقصة السيف (العرضة) تعبر عن التعبئة للحرب والقتال. ويجتمع الشباب على إيقاع آلة الطمبور ويقومون بالتصفيق بالأيدي وأخذ السيف والدرع والرقص في حركة جماعية متناسقة مع الإيقاع وتُستعرض المهارات بالسيف مترافقاً مع حماس عال واستعراض للياقة البدنية والخفة". ويرى بامكار أن هذه الرقصة للرجال فقط في مناسبات قبيلة البجا بشرق السودان.

أما طارق مصطفى الباحث في الفن البيجاوي، فيرى أن "السيف يمثل أهم الموروثات التاريخية لدى السودانيين، فهو رمز للشجاعة والحضارة لدى العديد من القبائل ويستخدم حتى يومنا هذا للتعبير عن السعادة".

العرضة السعودية… من الحرب إلى مناسبات الملوك

في السعودية البلد الأكبر مساحة في الخليج والأكثر سكاناً، تتعدد الرقصات والفولكلورات الشعبية فيها، لكن ثمة رقصة تعرف باسم "العرضة" هي بمثابة الرقصة الرسمية التي تستقبل بها البلاد زعماء وملوك دول العالم، وتحييها أيضاً في أوقات المهرجانات الكبرى، بخاصة مهرجان الجنادرية السنوي الذي يحتفل فيه السعوديون بتراثهم وثقافتهم في فصل الربيع من كل عام.

الرقصة التي قرعت طبولها قبل نحو تسعة عقود في ملاحم الحروب وتحت وطأة صليل السيوف ما قبل تأسيس البلاد باسم العرضة اشتقاقاً من "العرض" وهو "الجيش الكبير"، إذ كان الفرسان قبل خوض المعارك يؤدونها لاستنهاض همم الرجال من خلال صوت جماعي يصطف فيه يصاحبهم إيقاع الطبول، وهم يرددون شعراً حماسياً وفي أيديهم السيوف و"راية البلاد".

وبحسب دارة الملك عبدالعزيز، وهي جهة بحثية ثقافية، فإن مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز كان حريصاً على أدائها قبيل انطلاقه للحرب في معارك توحيد البلاد، لهذا أصبحت رمزاً ثقافياً عريقاً يفتخر به السعوديون، كما يحرص على تأديتها الملوك ويستقبل بها كبار ضيوف الدولة من رؤساء دول وغيرهم.

الرقصة العسكرية في بدايتها أثارت انتباه المثقفين، كان أحدهم الأديب المصري عباس محمود العقاد حين وصفها في كتابه "مع عاهل الجزيرة العربية" بأنها "رقصة مهيبة ومتزنة تثير العزائم، والعرضة السعودية هي أداء يحيي في النفوس مشاعر الشجاعة لا سيما شجاعة الفرسان، وبقي أسلوب أدائها كما هو عليه إلى وقتنا الحاضر منقسمة إلى مجموعتين، الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول، ويتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين، ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، ثم يليها الأداء مع قرع الطبول لترتفع السيوف".

الرقصة التي أدرجت كتراث غير مادي في قائمة اليونيسكو عام 2015، باتت تحظى باهتمام خاص، إذ قامت الحكومة السعودية عام 2017 بتأسيس مركز خاص بالعرضة وأطلقت عليه "المركز الوطني للعرضة السعودية"، وبات تحت مظلة دارة الملك عبدالعزيز.

وللعرضة السعودية لباس تقليدي خاص يتميز بالألوان البراقة، وتستخدم فيه أساليب فنون التطريز مثل لباس الثوب الأبيض الفضفاض ذي الأكمام الطويلة المتدلية، وحزام أسود يوضع فيه الرصاص الخاص بالبنادق، وحزام آخر توضع فيه الجنبية أو ما تعرف بـ"الخنجر"، إضافة إلى الصاية أو ما تعرف محلياً بـ"الدقلة" وهي رداء طويل ملون ومطرز يغطي كامل الجسم.

ويقول صالح العبدالواحد وهو رئيس فرقة الدرعية، أشهر فرقة عرضة في السعودية، إنه حمل سيفه راقصاً في حفل تتويج الملك فهد بن عبدالعزيز ملكاً للبلاد في 1982، وفي تتويج سلفه عبدالله بن عبدالعزيز عام 2005، إضافة إلى مناسبات عدة حضرها عاهل السعودية الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، على حد قوله.

وأضاف "كنت حاضراً برفقة رؤساء دول العالم أبرزهم الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب حين كانوا في زيارة إلى الرياض".

ويردد راقصو العرضة السعودية أبيات شعر مختلفة، لكن أشهرها على الإطلاق قصيدة "نحمد الله جت على ما نتمنا"، كبتها الشاعر السعودي الراحل عبدالرحمن الصفيان، ورددها الملوك طويلاً في مناسبات البلاد الرسمية. وتقول القصيدة التي ولد صاحبها عام 1918 ومات في بلدته الدرعية 1992 "نحمد الله جت على ما تمنى، من ولي العرش جزل الوهايب، خبر اللي طامع في وطنا، دونها نثنى إلي جا الطلايب، يا هبيل الراي وين أنت وإناـ تحسب إن الحرب نهب القرايب".

في العراق بين الهوسة والهجع والجوبي 

غالباً ما يكون الرقص متأثراً بالبيئة التي ينشأ فيها، حيث إن الطبيعة كثيراً ما نسجت نمط وأسلوب حياة الإنسان وطرف احتفاله، يتضح هذا في الحالة العراقية، إذ يضم تراث الرقص أشكالاً متعددة، فرقصات الشمال تختلف في مسمياتها عن رقصات الجنوب والوسط، فضلاً عن الاختلاف الجوهري في الموسيقى والحركات.

ففي جنوب العراق، وفي مناسبات الفرح كالأعراس يوجد الرقص الشائع وهو "الهوسة والهجع"، فالهوسة تكثر عند سكان الأرياف، والتي تكون مصحوبة بالأهزوجة الملقاة لا المغناة، إذ يقف الشاعر وسط حشد من الناس الذين تحلقوا حوله ليلقي شعراً تعقبه "هوسة" يصاحبها تحرك على شكل دائري من قبل الجميع، ولم تكن هناك موسيقى مصاحبة لهذه الرقصة عدا أصوات الكرات الحديدية المعلقة في حامل "البيرغ" وهي الراية.

أما "الهجع"، فهي الرقصة التي تؤديها النساء، وغالباً ما تكون في الأعراس وتكون مصحوبة بأصوات الفتيات المرددات للأبيات الشعرية المختومة بكلمة "هجع" التي تعطي الرقصة إيقاعاً خاصاً.

أما رقصة "الجوبي" التي تختص بها المنطقة الغربية يصاحبها غناء خاص تشيع في ثناياه معاني الحب ولوعة المحبين، إضافة إلى معان يقصد منها التهكم والنكتة لإثارة الضحك، أما الآلة المصاحبة لهذه الرقصة فهي آلة "الماصول". تبدأ الرقصة بعد اصطفاف الراقصين جنباً إلى جنب متماسكي الأيدي، أما تحركهم فيكون عادة بحسب نغمات الماصول، ويتم برفع الأرجل إلى الأمام وإرجاعها إلى الخلف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يوضح الشاعر يوسف الدليمي المهتم بالتراث أن رقصة الجوبي التي تمتاز بها المنطقة الغربية رقصة خاصة بالرجال من دون النساء. يرافق هذه الرقصة آلة الطبل والمطبج (آلة نفخ مزدوجة) مصنوعة من القصب وفيها ثقوب متقاربة، ويرافق الرقص والعزف أغان تضبط إيقاع الراقصين منها "كل الهلا بحبيبي الجاني زعلان، أبو عيون الوسيعة وخد الريان".

ويرى الباحث في التراث، بهاء ياسين، أن رقصة الجوبي "تمارس في الغالب من قبل الشباب حيث يشكلون حلقة مفتوحة، يقف في بدايتها شخص يسمى (الروساني)، أما في المنتصف فهناك شخصان هما (العاوود) أي منشد الأغاني، والثاني عازف المطبج أو قارع الطبل".

أحواش الأمازيغ في المغرب

رقصة "أحواش" أقدم تعبير فني في منطقة سوس المغربية، ذات الغالبية الأمازيغية، التي باتت تعد مصدراً لبقية الفنون التي نهل منه هذا المكون الاجتماعي في شمال أفريقيا.

إذ يشير محمد القادري، الباحث في الثقافة المغربية، إلى أن "أحواش" يعد من أشهر فنون الرقص والغناء عند الأمازيغ، معتبراً أنه يكتسب أهمية خاصة لكونه يضم رقصة جماعية تجسد تلك الروابط الإنسانية، ليس فقط بين الممارسين لها أو المبدعين في أدائها، بل بينهم وبين الحاضرين وعموم المهتمين.

وتؤدى رقصة أحواش بشكل جماعي، بحيث يشارك فيها الرجال والنساء الذين يرتدون الزي التقليدي الأمازيغي، ويتحركون ويرقصون ضمن تنظيم معين، وذلك على إيقاع الدفوف والطبل والمزمار، منشدين شعراً يجسد مختلف مناحي حياتهم.

وأضاف القادري "تؤدى بشكل جماعي في ميدان يسمى عادة (أسايس)، والكلمة جامعة لأنواع متعددة ومتباينة من الرقص والغناء، منها رقصات ذكورية محضة وأخرى نسوية وأخرى مختلطة، وكان الناس قديماً يؤدونها من دون أي مناسبة، أما في المناسبات الاجتماعية الكبرى كالأعراس والمواسم فهي من الأولويات، حيث تؤدى الرقصة بعفوية وتلقائية، فكل شيء فيها فطري". 

وتبدأ حفلة "أحواش" غالباً بموال افتتاحي بعد أن يأخذ كل واحد موقعه الخاص به، وغالباً ما يكون الافتتاح بالبسملة، وطلب العون من الله، والمدد وحسن التوفيق أو التوسل بالأولياء والصالحين، وتنقسم الوصلة الغنائية في "أحواش" إلى دورين، الأول يسمى "أمجوكر" أي الرتيب والثقيل في كلماته وحركاته التعبيرية، ثم يرتفع الإيقاع وتتسارع الحركة في تناسق تام مع الغناء حتى يصل إلى مستوى معين يكون من اللازم الانتقال إلى الدور الثاني، وبضربة خاصة من ضابط الإيقاع يحول "أمرياس" الإيقاع إلى الدور الثاني الذي يختلف عن الدور الأول (أمجوكر الثقيل) بالسرعة في الحركة والتتابع في الإيقاع والاختزالية في مقاطع الأغنية، ويسمى هذا الدور "أمسوس"، ويعني ذلك بالأمازيغية كمن ينفض الغبار عن ثيابه قياساً على حركاته السريعة، وفي نهاية هذا الدور يتوقف الغناء ليحل محله "العواد" (المزمار) حيث يختفي الكلام لصالح نغمات هذا الأخير، وفي بعض أنواع "أحواش" لا غناء أصلاً فقط "العواد" والإيقاع والحركة، بحسب القادري.

"ربوخ" العمال في تونس

بلباس "الدنقري" الأزرق الخاص بالعمال، والذي بات لباساً يرتديه الشباب اليوم، يؤدي الراقصون "الربوخ" التونسية الشعبية أو كما تعرف برقصة العمال ليتحدوا من خلالها المصاعب كما كانوا يفعلون في أحلك أيامهم.

ويقول الراقص رشدي بن بلقاسم، إنه "في البداية كانت رقصة الربوخ مخصصة للرجال فقط، لكن بعد الاستقلال ومع خروج المرأة إلى سوق العمل والمجال العام، أصبحت هذه الرقصة تجمع الجنسين في المحافل والأفراح". وتابع "عرفت الرقصة بداية بتحريك الأرجل والسواعد، لكن مع ممارسة المرأة لهذه الرقصة أصبحت رقصة السواعد والأرجل للرجال مع إضافة تدوير الخصر بالنسبة للنساء"، مشيراً إلى أن "المرأة أضافت إلى هذه الرقصة شيئاً من الفرح والجمالية".

ويمكن وصف "الربوخ" بأنها "رقصة الهوية التونسية، إذ خرجت من آلام العمال وتحولت إلى محطة في أفراح كل فئات المجتمع". 

وتقول الباحثة في التراث الشعبي صفية عزوز، إن "الرقص الشعبي أحد الفنون الأساسية التي تؤثث المشهد الفني الفلكلوري في المهرجانات الشعبية والتراثية وينفرد بخصوصية بارزة سواء في طريقة أدائه وجملة العناصر المكونة لمشهديته في الفضاء أو في أبعاده وخلفياته التعبيرية"، مضيفةً في بحث نشر لها أن "الرقص سواء كان فلكلورياً فردياً أو ثنائياً أو جماعياً، فإنه يعد بمثابة تعبيرات عن مخزون ثقافي متنوع تتمتع به المناطق الصحراوية وتحرص على المحافظة عليه، ومن القواسم المشتركة بين هذه الألوان الفنية طابعها المشهدي الذي يجعل منها فناً جماهيرياً بامتياز".

يذكر أنه على غرار رقصة الربوخ تتنوع وتختلف الرقصات الشعبية في تونس بحسب المناطق والمناخ الاجتماعي أو الطبيعي.

الرقص بالعصي في مصر

تشهد جدران المعابد الفرعونية في مدينتي الأقصر وأسوان، في جنوب مصر، على أن الرقص يشكل جزءاً أصيلاً من حياة المصريين.

إذ قال الباحث في شؤون التراث والفلكلور المصري، أحمد العربي، إن "معظم حضارات الأرض اتخذت أشكالاً شعبية للرقص، حتى المتشددة منها، إلا أن الرقص الشعبي المصري له أنواع شتى وطقوس مختلفة، بل جعل المصريون القدماء الرقص من الطقوس المقدسة لمناشدة السماء هطول المطر، وكذلك دمج الرقص ضمن المراسم الجنائزية لرحيل النبلاء، إضافة إلى أن الرقص كان ولا يزال يعكس حالة الفرح في الزواجات والمناسبات السعيدة".

وتابع العربي، أن "تنوع فنون الرقص وألوانه في مصر يعد أحد أبعاد الثراء الحضاري والتراثي للشعب المصري، ما جعل المصريين يطوعون الرقص للتعبير عن تناقضات غريبة، مثل البهجة والحزن والخشوع، وكذلك لطلب التداول الشعبي كما هو الحال في رقصات الزار خلال القرون الوسطى".

 

ويقف الراقص بالعصا، على ساق واحدة ممسكاً بعضاً من الخيزران لا تتجاوز 160 سنتيمتراً، على موسيقى المزمار البلدي في ما يعرف بـ"رقصة التحطيب"، وهي لعبة استعراضية غير قتالية نجحت مصر في توثيقها دولياً كتراث ثقافي لجنوب الصعيد. وتجري هذه اللعبة، كشرط أساسي، على عزف الموسيقى الشعبية الخاصة بصعيد مصر المكونة من آلة الربابة والمزمار، وكذلك الطبل. وتبدأ برقص اللاعبين على ساق واحدة ثم على الساقين، مع العصا الخشبية وسط تشجيع الحضور، ثم يتبارزون في تسديد الضربات دون قتال.

وكشف عبدالمنعم الوافي، أستاذ علم المصريات، عن أن وزارة الثقافة المصرية نجحت خلال عام 2016 في تسجيل "لعبة التحطيب" في منظمة اليونيسكو كتراث ثقافي عالمي غير مادي، مشيراً إلى أن "لعبة التحطيب تضم لوناً مهماً لفن الرقص الشعبي المصري ما زال راسخاً حتى الآن في كل القرى بجنوب مصر، وهو الرقص عبر العصا، كاستعراض للفتوة والقوة".

وأوضح مهدي الهاشمي، رئيس لجنة التحكيم بحلقات التحطيب بمولد سيدي عبدالرحيم القناوي، أن "لرقصة التحطيب قواعد وشروطاً متعارفاً عليها بين أبناء الصعيد باعتبارها رقصة تراثية، أولها أن تكون على أنغام المزمار البلدي، وألا يتجاوز طول العصا 150 سنتيمتراً، وأن تمارس في مساحة تتراوح بين 20 و30 متراً مربعاً، حتى يصطف الجمهور كباراً وصغاراً حول اللاعبين أو الراقصين". وتابع، أن "أكثر ما يميز راقص التحطيب المحترف هو التناغم مع الموسيقى من خلال تسديد الضربات نحو رأس الخصم على الهواء دون اعتداء"، مشيراً أيضاً إلى أن "لرقصة التحطيب آداباً، فلا بد أن يبدأ اللاعبان بالتصافح والتحية، وإذا لعب شاب أمام رجل يكبره سناً، فلا يبدأ برفع العصا، كنوع من الاحترام، ثم يتناغم كل منهما بالرقص بالعصا في شكل دائري قبل المبارزة".

النايلية الجزائرية

كأجنحة الحمامة تبسط المرأة النايلية ذراعيها لتعانق الهواء بلباس، بينما تتراقص قدماها بخطوات متثاقلة ورشيقة في آن واحد، في حين يلتفت الرأس يميناً ويساراً على إيقاعات موسيقى بدوية مفعمة بالحب والفرح والسعادة.

تقول سارة بانة، ابنة مدينة بوسعادة (جنوب العاصمة الجزائرية) إن "هناك تناسقاً رهيباً وجميلاً بين كل عناصر الهوية النايلية التي تنعكس في المرأة النايلية بالذات، مما يجعلها متفردة ومميزة".

ولا يمكن تأدية هذه الرقصة من دون زي نايلي أصيل، الذي يحظى بمكانة مميزة وسط النساء النايليات نظراً لأناقته وأصلاته، إذ يتكون من قطع عدة وهي الجبة، الملحفة وغيرها. وتختار النسوة نوعية القماش بعناية، إذ يجب أن يكون من النوعية الرفيعة مثل "الدونتال" أو "الفولار". ويعتبر اللون الأبيض رمزاً للسلام والنقاء وهو الدارج لغاية يومنا هذا، لكن في ظل التطور باتت الفتيات تتفنن في خياطته بألوان مختلفة مع وضع لمسات عصرية.

ويزين هذا اللباس، حلي تقليدية مثل "سخاب العنبر" وهو عبارة عن عقد باللون الأسود مصنوع من مواد طبيعية أولها القمحة وهي حبات تشبه القمح لكنها أكبر حجماً، إضافة إلى الطيب والقرنفل، إذ تعجن بالمسك حتى الحصول على عجينة يتم تكوينها في أشكال هندسية مربعة ومثلثة، ومن ثم يتم ثقب حبات العنبر لتسهيل عملية جمعها بعد أن تجف.

إضافة إلى ذلك، يعتمد أداء الرقصة النايلية على الموسيقى البدوية المصاحبة لها، والتي تستخدم فيها القايطة (تشبه المزمار) والبندير والرحبة، إذ تمتزج أنغامها مع البندير مشكلة نغمة جبلية يرفع من حدتها مغن له صوت قوي يحمس الأبدان عن الرقص.

المزيد من فنون