Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العمل الخيري لأهداف انتخابية يثير انتقادات في المغرب

أسهمت تلك الممارسات في زيادة مقت المواطن للعمل السياسي

يرجع مراقبون انتشار تلك الظاهرة في المغرب إلى أسباب عدة مرتبطة بتدني مستوى الوعي نتيجة تراجع مستوى التعليم (أ ف ب)

مع اقتراب موعد كل استحقاق انتخابي في المغرب، تبرز ظاهرة العمل الخيري لأهداف انتخابية، إذ يعمد خلالها أحزاب وسياسيون ومستقلون راغبون في نيل مقعد في البرلمان أو في أحد المجالس المحلية، إلى القيام بأعمال خيرية أو التوجه إلى أحياء شعبية، وذلك بهدف الظهور بمظهر فاعل للخير، بقصد استمالة الناخبين.

رفض حزبي

وأدى الإكثار من الاستخدام الانتخابي للعمل الخيري، إلى تشديد ثلاثة أحزاب معارِضة هي "حزب الأصالة والمعاصرة"، "حزب الاستقلال" و"حزب التقدم والاشتراكية"، على رفض تلك الظاهرة، مستنكرةً "التوظيف السياسي للعمل الخيري والتضامني، كيفما كان ميوله السياسي، في استمالة الناخبين، بأشكال بائسة استقبلها الرأي العام بكثير من السخط والاستهجان"، وذلك في إطار حرصها على "سلامة كل مراحل العملية الانتخابية، وعلى مبدأ التنافس الشريف والمُتكافئ الذي يتعين أن يسودها".
واعتبرت الأحزاب الثلاثة أن "تلك الظاهرة غير القانونية التي تعتمد على استغلال غير مشروع وغير أخلاقي للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنين، تقتضي تدخل السلطات العمومية من أجل ردعها وإيقافها".
من جانبه، أكد رئيس الحكومة المغربية، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، أنه "لا يمكن أن نقبل استعمال المال لاستمالة المواطنين"، مؤكداً أن حزبه كان يرفض دوماً استعمال الإحسان في العمل السياسي، مشيراً إلى أن "هذا شيء قاومناه دائماً، ولن نقبله من أي شخص، لأن فيه توظيفاً سياسياً للعمل الإحساني، ويتضمن أيضاً فرضاً للانتماء الحزبي".

أسباب الظاهرة

ويُرجع مراقبون انتشار تلك الظاهرة في المغرب إلى أسباب عدة مرتبطة بتدني مستوى الوعي نتيجة تراجع مستوى التعليم، وتحول العمل النيابي إلى فرصة للإثراء السريع. وصرحت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، بأن "تلك الظاهرة تكشف عن عدد كبير من المبعدين والمهمشين، أناس خارج دائرة الوعي، وخارج الإحساس بالكرامة"، مؤكدة أن "ذلك يشكل نتيجة لتغييب المدرسة التي هي الآن فاشلة بكل المقاييس، بسبب التخلي عنها من طرف الدولة، واتباع المسؤولين توصيات المؤسسات المالية، ورفع يد الدولة تدريجاً عن المدرسة والجامعة العموميتين... وبالتالي فقدنا القدرة على مواكبة الأجيال الناشئة من أجل تعليمها وتمنيعها بالقيم الرفيعة، ومن ضمنها قيمة العمل".
واعتبرت منيب أن "السياق العام الحالي أفرز الإنسان المستهلك، الإنسان الوصولي الانتهازي، الذي وصل إلى السياسة واعتبرها أقصر طريق إلى الإثراء، إضافة إلى تسخيره مؤسسات الدولة لمراكمة الثروات"، موضحة أنه "من جهة، هناك تخريب المدرسة، ومن جهة أخرى هناك غزو المجال السياسي من قِبل أناس فاقدين للقيم، ولمفهوم الخدمة العامة، ولقيمة التضامن الإنساني، إنها ظاهرة استغلال البؤساء".
وظهرت "الإعانات الانتخابية" قبل سنوات في المغرب، إلى أن أصبحت جزءاً من العملية الانتخابية، عبر استخدامها المتكرر من قبل أحزاب عدة. وذكرت منيب في هذا الشأن أن "ظاهرة قفة رمضان ليست سرية، بل تتم أمام أعين أجهزة الدولة، لكنها لا تريد محاربتها، بل إنها وكأنما تقول لأحزاب معينة إن لديها المجال أن تفعل ما تشاء في دوائر أو جهات معينة، ولذلك نجد أن بعض الأحزاب تتحالف وتتعاون على توزيع هذه القفة لاستمالة الناخبين في بعض المناطق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جدل حالي

وكان الجدل حول استخدام العمل الخيري لأهداف انتخابية تجدد، أخيراً، إثر توزيع "حزب التجمع الوطني للأحرار" المعارِض، مليون "قفة رمضان" موجهة إلى الفقراء، قبيل نحو 4 أشهر من إجراء الانتخابات. وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، إن "حزب التجمع الوطني للأحرار عبر جمعيته الخيرية "جود"، أطلق عملية توزيع مليون قفة إعانة، يتراوح ثمن كل واحدة منها ما بين 150 و200 درهم مغربي (ما بين 16 و22 دولاراً)، وبالتالي فإن المبلغ المرصود لتلك العملية قد يصل إلى 200 مليون درهم مغربي (أكثر من 22 مليون دولار)، ما يعادل مجموع الدعم المالي الممنوح من الدولة للأحزاب خلال العملية الانتخابية".
في المقابل، أكدت النائبة السابقة عن حزب "التجمع الوطني للأحرار" نعيمة فراح، أن "الأمر لا يتعلق بتوزيع قفة إعانات، بل يشمل توزيع حقائب مدرسية مع كل دخول مدرسي، إضافة إلى الهواتف التي قُدِمت للتلاميذ مع بداية الجائحة لتمكينهم من متابعة الدراسة عن بعد، لا سيما أبناء الأسر الفقيرة". كما أشارت فراح إلى أن "بعض المواطنين كانوا يقولون وهم يحصلون على هذه القفة: هذا جزء يسير من مالنا يعود إلينا"، مؤكدة أن "استخدام العمل الخيري لأهداف انتخابية أسهم في زيادة مقت المواطن البسيط للعمل السياسي، وزاد من قناعته بأن المسؤول السياسي لا يرغب أبداً في أن يعلمه كيف يصطاد السمكة، بل يرغب فقط أن تبقى يده ممدودة".
وتساءلت النائبة السابقة أنه "إذا كانت هذه العملية الإحسانية يُرجى منها مساعدة فقراء الوطن دون أي هاجس انتخابي، ألم يكن من الأجدى منحها إلى رجال السلطة ليقوموا هم بتوزيعها دون أن ترى اليد اليمنى ما قدمت اليد اليسرى؟ أو يتم منحها لمؤسسة محمد الخامس للتضامن لتتصرف فيها بحسب معرفتها، كونها تقوم بهذه العملية منذ أكثر من 20 سنة، وتعرف خريطة الفقر في المغرب بشكل دقيق".
من جهة أخرى، وفي رده على الانتقادات الموجهة لعملية "قفة رمضان"، استغرب الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، الجدل القائم حول العمل الخيري التي تقوم بها جمعية "جود" المقربة من الحزب منذ نحو خمس سنوات، داعياً المنتقدين إلى النزول إلى العمل الميداني عوض الاكتفاء بإبداء الملاحظات، متسائلاً لماذا لم يتم الحديث عن عمل تلك الجمعية في السابق، بينما يتم الحديث عنها الآن فقط قبيل الانتخابات.

عدة أوجه

ولا تقتصر أشكال ظاهرة العمل الخيري لأهداف انتخابية على مساعدات قفة رمضان، بل تتعداها، فعلى سبيل المثال يتوجه العديد من السياسيين المغاربة قبيل الانتخابات إلى الأحياء الفقيرة لتوثيق حديثهم مع بعض المواطنين الفقراء، أو تناول الطعام في مطعم شعبي، وتصوير نشاطهم وعرضه على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار حملة انتخابية إلكترونية لا تكلف أموالاً طائلة، وهو ما بات يُسمى محلياً بظاهرة "شوفوني" (أي شاهدوني)، وكأن ذلك السياسي يقول من وراء تلك الصور "شاهدوني وأنا أتواضع مع الفقراء".

المزيد من العالم العربي