Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مزارعون تونسيون يواجهون شح مياه الري بآلية المد والجزر

يهدد نقص الأمطار وتغير حركة دخول وخروج المياه إلى البحيرة بنسف تلك الفكرة

يقوم علي بجولته الصباحية بين قطع الأرض المستطيلة المسيجة بالقصب على الرمال عند أحد سواحل شمال تونس، متفقداً مزروعاته من البطاطس والخس والبصل التي يعتمد فيها نظاماً زراعياً فريداً في العالم، يعتمد على حركة المد والجزر للريّ وتعويض الشح في المياه.

نظام ري سلبي

وأدرجت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في منتصف 2020 نظام الزراعة التقليدية "الرملي" على شواطئ منطقة غار الملح الساحلية، على قائمة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، لكونها لا تعتمد على استنزاف الموارد المائية.

ورث علي القارصي وزوجته قرابة 0,8 هكتار من مجموع 200 هكتار من قطع الأراضي الرملية الرطبة التي تسمى "القطعايا"، وهي موزعة على قرابة 290 مالكاً في المنطقة، ويجري توارثها منذ قرون.

حين قدم الأندلسيون مهاجرين إلى منطقة شمال أفريقيا في القرن الـ 17، استقرّ بعضهم في منطقة غار الملح. وللتكيف مع ظاهرة شح المياه ومحدودية الأراضي الزراعية في المنطقة، نقلوا رمالاً من الشاطئ ووضعوها داخل بحيرات طبيعية قريبة من البحر لتشكل قطعاً زراعية متناثرة استغلوها لزراعة الخضراوات بأنواعها.

 

وتعتمد هذه الزراعة المبتكرة على ما يعرف "بنظام ري سلبي"، إذ تتغذى جذور النباتات من مياه الأمطار المخزنة داخل الرمال، فبفعل حركة المد تدخل مياه البحر المالحة إلى البحيرة المتصلة بالبحر، وتدفع المياه العذبة المخزنة من مياه الأمطار إلى الارتفاع والوصول إلى جذور النباتات فتغذيها. ومع حركة الجزر، تتوقف حركة الري الطبيعي حتى لا تحصل النباتات على أكثر من حاجتها.

ويقول على القارصي، وهو معلم متقاعد (61 عاماً) يزرع الأرض منذ 20 عاماً، "حركة المد والجزر تُرضع جذور النباتات من خزان المياه العذبة الموجودة داخل الرمال من دون أن تتأثر بالملوحة، ولا يتطلب ذلك جلب الماء كما في باقي الزراعات السقوية في البلاد".

ويضيف، "نعتمد كلياً على مياه الأمطار التي تنزل وتتخزن في الرمل. فمثلاً، بإمكان هكتار واحد أن ينتج بين 13 و20 طناً من البطاطس في كل فصل". ويلخص "البحر والبحيرة والرمل، أساس الدورة الإنتاجية".

وتتطلب العملية الزراعية عملاً يدوياً من دون استعمال للآلات، و"شغفاً وفناً"، وفق قوله، لأن المساحات صغيرة والرمال هشة.

وتنتج "القطعايا" خضراوات مطلوبة في السوق والمطاعم لمذاقها الفريد، لكن وعلى الرغم من تصنيف الموقع دولياً، ليست مسجلة كعلامة تجارية، "ولم يتم بناء سوق خاصة بهذه المنتوجات لنتمكن من بيعها بأثمان أعلى"، وفق ما يقول المزارع خالد (40 عاماً).

مخاوف التغيرات المناخية

ويعيش علي وخالد وبقية المزارعين أرقاً وقلقاً متواصلين للحفاظ على هذا النظام الزراعي "الهش" من العديد من العوامل المرتبطة بالتغيرات المناخية، وما ينتج منها من نقص في مياه الأمطار وتغير في حركة دخول وخروج المياه إلى البحيرة.

ويرتفع مستوى الرمال المغروسة بشتل البصل والخس نحو 40 سنتيمتراً فوق مستوى الماء.

 

ويقول خالد بن يوسف، "يجب المحافظة على هذا الارتفاع كي لا تمتزج المياه المالحة بالعذبة وتتلف الخضر"، لافتاً إلى "صعوبة جلب رمال جديدة من الشاطئ في حال انخفاضها لأنه ممنوع قانونياً، بالتالي نخسر في المساحة المزروعة".

وتقول المتخصصة في الموارد المائية والتغييرات المناخية روضة قفراج، إنه بسبب التغيرات المناخية فمستوى مياه البحر في ارتفاع متواصل منذ سنوات، محذرة من تبعات ذلك، إذ يمكن أن "تصبح طبقة المياه المالحة فوق طبقة المياه العذبة التي تغذي النبتة، مما يمكن أن يدخل نظام الري الطبيعي في اضطراب". كما أن الترسبات الموجودة في البحيرة تعيق حركة دخول مياه البحر وخروجها.

وتضيف، "صحيح أن النظام الرملي لا يمكننا من الحفاظ على كميات كبيرة من المياه كونه صغير المساحة، لكن يجب أن نحافظ عليه لأن البلاد في حاجة إلى كل قطرة ماء".

الفقر المائي

وتبين تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية للعام 2017، أن نصيب كل تونسي من الموارد المائية العذبة المتجددة سنوياً في مستوى 403 أمتار مكعبة، وهذه "ندرة مطلقة للمياه" لا تسمح بإرساء تنمية مستدامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتونس جزء من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تواجه فقراً كبيراً في المياه العذبة المتجددة وفقاً للمنظمة الأممية.

وتوجه 80 في المئة من الموارد المائية المتجددة في تونس إلى الزراعة، وهذا إشكال كبير تواجهه الدولة في عملية التصرف في مواردها، مما دفع وزارة الفلاحة إلى تكوين المزارعين في مجال ترشيد استعمال المياه.

وتحاول بعض منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال ترشيد استهلاك المياه بالتعاون مع منظمات دولية تدشين مبادرات للحد من ظاهرة شح المياه، ومن بينها مشروع "فسقيتنا" لإعادة تأهيل مسابح قديمة لحفظ مياه الأمطار فيها، وتوزيعها على السكان في جزيرة جربة (شرق) التي تواجه مشكلة الانقطاع المتكرر للمياه.

وشكّل توفير الموارد المائية هاجساً لسكان الحضارات المتعاقبة على تونس منذ قرون، فأسس الأغالبة في القرن التاسع "فسقيات" في مدينة القيروان (وسط)، وهي عبارة عن مسابح كبرى لجمع مياه الأمطار والمحافظة عليها، فضلاً عن أن الرومان شيّدوا في القرن الثاني معبد المياه في محافظة زغوان (وسط)، وبنوا قنوات ضخمة لنقله لا تزال موجودة إلى اليوم وتعرف بـ "الحنايا".

ويفصح علي، بينما يجلس مع مجموعة من المزارعين حول إبريق شاي في فترة استراحة الظهيرة بالقرب من كوخ من القش، "نحاول أن نحافظ على هذه الأرض لأن الشباب لم يعد يُقبل على الزراعة، كما أن عدداً من المزارعين يفكرون في بيع الأراضي بأثمان غالية لمن يريدون بناء منازل تطل على البحر والجبل".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات