Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كباش سياسي بين الرئاسة التونسية والبرلمان بشأن المحكمة الدستورية

يدعو مراقبون إلى ضرورة العودة للمجال القانوني والابتعاد عن التسييس المفرط للملف

يرى سعيّد أن تأسيس المحكمة بعد حوالى ست سنوات يُعدّ خرقاً للدستور (وات)

بات مصير المحكمة الدستورية في تونس رهن المجهول، بعدما رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد، ختم مشروع قانون معدّل لقانون المحكمة، معللاً ذلك في ردّ وجهه إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بوجود خرق للدستور.

وكان يُفترض تثبيت المحكمة الدستورية في تونس خلال سنة من صدور دستور عام 2014، إلا أن البرلمان فشل في انتخاب ثلث أعضائها ولم يحصل إلا مرشح واحد من بين الأربعة على غالبية الثلثين.

وبقيت هذه المؤسسة الدستورية عالقة بسبب التجاذبات السياسية، إلى أن تم اقتراح تعديل قانون المحكمة الدستورية، من قبل الحكومة في عام 2018، يتضمّن تخفيض الغالبية المطلوبة لتزكية المرشحين للمحكمة، من غالبية الثلثين إلى غالبية ثلاثة أخماس، إلا أن الرئيس سعيّد، رفض هذه التعديلات وأعاد مشروع القانون إلى البرلمان من أجل قراءة ثانية. ويرى سعيّد أن تأسيس المحكمة بعد حوالى ست سنوات يُعدّ خرقاً للدستور الذي حدّد مهلة سنة واحدة لتركيزها.

حشد برلماني ضد رئيس الجمهورية

وكان البرلمان حدّد موعداً لجلسة عامة في الثامن من أبريل (نيسان) الجاري، من أجل استكمال انتخاب بقية أعضاء المحكمة، قبل التأجيل إلى الخامس عشر من الشهر ذاته، للنظر في ردّ رئيس الجمهورية حول قانون المحكمة الدستورية.

وتمثل أزمة المحكمة الدستورية حلقة جديدة في سلسلة الصراع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، بينما تمرّ تونس في أسوأ أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية فاقمها تدهور الوضع الصحي جراء تفشي وباء كورونا. فأي مصير ينتظر المحكمة الدستورية في تونس في ظل هذا الوضع؟ وهل سترى النور بعد انقضاء الآجال الدستورية لتركيزها؟

وصرح أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق المختار أن "البرلمان يسعى إلى التحشيد ضد المضمون السياسي والقانوني لرد رئيس الجمهورية"، معتبراً أن "قيس سعيد فتَح النار على الجميع، من طبقة سياسية وبرلمان وأيضاً الاتحاد العام التونسي للشغل، صاحب مبادرة الحوار الوطني، التي رفضها الرئيس يوم 6 أبريل 2021، ما أحرج الاتحاد".
واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن "الجلسة العامة المقررة للنقاش حول ردّ رئيس الجمهورية ستكون جلسة ساخنة، وورقة لتوحيد المواقف داخل البرلمان، قبل الذهاب إلى استكمال انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية".

المحكمة لن تر النور

وعبّر المختار عن تخوّفه من "أحد السيناريوهات المحتملة، وهي التكيّف مع الوضع الراهن، فتواصل الحكومة تدبير شؤونها السياسية مع البرلمان، وملفاتها الاقتصادية والاجتماعية، مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، ويتمّ عزل رئيس الجمهورية، قيس سعيد، سياسياً في قصر قرطاج".

وبخصوص مآل المحكمة الدستورية، أكد المختار أن "وجودها رهين تعاطي النواب والبرلمان، مع ردّ رئيس الجمهورية"، لافتاً إلى أن "رسالة قيس سعيد تضمّنت تهديداً ضمنياً، بعدم ختم قانون المحكمة الدستورية، وهو ما يعني أن المحكمة، لن ترَ النور في هذه الظروف، متسائلاً هل أن رئيس الجمهورية سيبقى على الموقف ذاته أم لا؟ أم هناك ما يُطبَخ في الكواليس؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حوار سياسي لحل أزمة المحكمة

في المقابل، دعا أستاذ القانون شفيق صرصار، إلى "ضرورة العودة إلى المجال القانوني والابتعاد عن التسييس المفرط لملف المحكمة الدستورية"، محذراً من "الأخطار والانزلاقات التي قد تضرّ بالدستور، وبسيادة القانون في الدولة"، معتبراً أن "ردّ الرئيس لمشروع قانون تنقيح قانون المحكمة الدستورية، يمكن قراءته بطرق كثيرة وهو حمّال أوجه". ورجّح ألا يوقّع الرئيس مشروع القانون، بعد إعادة المصادقة عليه في البرلمان بغالبية معززة"، داعياً إلى "حوار سياسي لحل أزمة المحكمة الدستورية، باعتبار أن الخلاف لم يعد خلافاً قانونياً فحسب".

ضرب مبادئ دولة القانون

في سياق متصل، أكد أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، أن "هناك خلفيات لدى البعض تهدف إلى الاستيلاء على المحكمة الدستورية من أجل قطع الطريق على إرساء دولة القانون"، معبّراً عن تخوفه من أن يتم "استغلال تركيز المحكمة الدستورية لضرب المبادئ التي وُلدت من أجلها، ومن بينها دولة القانون".

وبيّن محفوظ في مداخلة بمناسبة مشاركته في ملتقى علمي حول المحكمة الدستورية، نظمته "الجمعية التونسية للمحامين الشبان" يوم الثلاثاء 6 أبريل (نيسان) 2021، أنه "يوجد في تونس اليوم بون شاسع بين ما يجب أن يكون، وما هو كائن، في ما يخصّ محاولات تركيز المحكمة الدستورية، تتجلّى في عدم احترام المبادئ التي يجب أن تقوم عليها هذه المحكمة، وهي الاستقلالية الإدارية والمالية والاحترام الشديد لمعيار الكفاءة".

وتساءل عن سبب وجود ثلاثة أعضاء من غير المختصّين في القانون في تركيبتها، وما سيكون دورهم في المحكمة، ملاحظاً أنه "تم ترشيح شخصيات كفوءة وذات صيت دولي، ولم يتم التصويت لها، خلال الدورات العديدة التي أجريت لانتخاب أعضاء هذه المحكمة من قبل البرلمان".

وعبّر محفوظ في وقت سابق، عن تخوفه "من أن تمرّ بعض الترشيحات، التي لا يتوافر فيها شرط الكفاءة"، معتبراً أن "الفلسفة التي يقوم عليها هذا القانون هو أن تكون تونس دولة قانون، وهو المعمول به في الدول التي اعتمدت محكمة دستورية، مثل ألمانيا والنمسا وغيرها من الدول".

وتتطلب القراءة الثانية في البرلمان لمشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية، حصول مشروع القانون على غالبية معزّزة بثلاثة أخماس عدد النواب الـ217، غير أن ذلك قد لا يكون كافياً لحمل الرئيس التونسي على توقيعه، إذ إنه يعترض على تأسيس المحكمة بسبب خرق الآجال الدستورية التي تنصّ على ضرورة تأسيسها في عام 2015.  فهل ستُحَل أزمة هذه الهيئة الدستورية قانونياً أم سياسياً؟

المزيد من العالم العربي