Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العقول المهاجرة" من تركيا... لماذا تبدد أنقرة ثروتها البشرية؟

حلم طفل تركي بالحصول على الجنسية الألمانية عبر عنه خلال بث حي يثير الكثير من الأصداء، لكن البلاد منذ زمن تفقد عشرات الآلاف من شبابها الساعين خلف هذا الحلم

ما يقارب الخمسين ألف طالب وطالبة تركي يتلقون تعليمهم خارج البلاد (إندبندنت تركية)

"الجغرافيا قدر، عبارة أحبها كثيراً. وجغرافيتنا تجبرنا على قضاء حياتنا في السعي لإبعاد أطفالنا عنا. ففي حين يترك ذهابهم نقصاً حولنا نسعى في جميع السبل كي يستطيعوا الذهاب"

هذا ما قالته "آينور" خلال حديث "اندبندنت تركية" معها. وهي واحدة من آلاف أولياء الأمور الذين يسعون جاهدين لإرسال أبنائهم ليكملوا دراستهم الجامعية خارج البلاد. وتشير أحدث المعطيات إلى وجود ما يزيد على 50 ألف طالب وطالبة تركي يتلقون تعليمهم الجامعي أو الدراسات العليا خارج البلاد منهم 24 ألفاً في ألمانيا و15 ألفاً في الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هجرة العقول الشابة

تشهد أعداد العائلات التي ترسل أبناءها للتعليم خارج البلاد تزايداً كل عام ويردد القسم الأعظم من الذاهبين عبارة "لن أعود إلى تركيا"، وأظهرت معطيات مؤسسة الإحصاءات التركية (TÜİK) مغادرة 113 ألف مواطن تركي خلال عام 2017. وازدادت أعداد المغادرين للبلاد بنسبة 63% في عام واحد فقط. كما أن 2 من كل 5 من المغادرين ينتمون للفئة العمرية بين 20-34. كما ارتفعت نسبة النساء بين المغادرين من 37% إلى 42%. وتظهر المعطيات مجدداً أن القسم الأعظم من المغادرين ينتمون للفئة المتعلمة وأبناء المدن.

"دينيز"، واحد من أولئك المغادرين وهو في السابعة والعشرين من العمر، ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية لاستكمال دراسته الجامعية، وهو الآن يتابع دراساته العليا، ولا يفكر بالعودة على الإطلاق. هو الابن الوحيد لعائلته التي عانت كثيرا من الناحية المادية خلال فترة دراسته في الجامعة، وهو الآن يعمل ويستطيع تحمل نفقاته الخاصة.

"لا أرى مستقبلي في تركيا. يقولون أن واحداً من كل أربعة شباب بلا عمل في البلاد. وأنا لا أصدق هذا الرقم، برأيي أن الحال أسوأ من ذلك. ليس لدي واسطة ولست من محيط قريب من السلطة لكن لدي عقل، ويجب أن أعيش في مكان يعطي قيمة لعقلي. يجب أن أعيش في مكان يعطي للعقل قيمته"

هكذا عبّر دينيز عما في داخله، سألته "متى تفكر بالعودة إلى تركيا"، أجابني "سأفكر عندما يصبح لعقلي قيمة في تركيا"، برأيك متى سيحدث هذا؟". وفي الحقيقة جواب هذا السؤال واضح من نبرة السائل.

تضاعف وتيرة هجرة العقول بعد 2016

حدثت موجة كبيرة من هجرة العقول بعد المحاولة الانقلابية في 15 يوليو (تموز)، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لدرجة لفتت حتى أنظار المؤسسات الدولية. ويقول المتابعون للموضوع عن قرب أن قسماً من المغادرين على ارتباط بمنظمة فتح الله كولن (FETÖ) لكنهم يقولون "هؤلاء قلة بالنسبة للمجموع العام"، ويجتمعون على القول إن السبب الأساسي هو "المناخ السياسي". وتستمر هذه الهجرة بكثافة.

"الوصول إلى حالة نفسية هي الخوف من الكلام"

في سياق هذا الموضوع تجنب الكثير ممن طرقت أبوابهم من ممثلي القطاع، والعائلات التي تسعى لإرسال أبنائها خارج البلاد والشباب الذين غادروا إعطاء أسمائهم. وقال واحد من الذين تحدثت معهم: "هذا بالتحديد واحد من أسباب المغادرة؛ الوصول الى حالة نفسية هي الخوف من الكلام".

دار هذا الحديث في مكتب إحدى أبرز الشركات الرائدة في قطاع الاستشارات التعليمية خارج البلاد. وقد رد صاحب الشركة على جميع أسئلتي بأجوبة من الصميم لكن بشرط عدم ذكر اسمه أو اسم الشركة. فسألته لماذا وكان جوابه كالتالي:

"قام أحد أصحاب المناصب الإدارية العليا في إحدى شركات الاستشارات التعليمية خارج البلاد قبل عدة أعوام بالإدلاء بتصريحات مفادها أنه يوجد إقبال كبير على التعليم خارج البلاد، وأن معظم الذاهبين لا يرغبون بالعودة إلى تركيا. فتعرضت الشركة لضغوطات كبيرة بعد تلك التصريحات التي أثارت ضجة كبيرة، وتم استبعادها تقريباً من هذا القطاع. لهذا السبب من الصعب أن تجدوا شركة استشارات تعليمية خارج البلاد تتحدث في هذا الخصوص. لكن الحقيقة واضحة للعيان، انظروا من حولكم وسترونها".

ثم أكمل هذا الإداري حديثه بقوله:

"تعطي كندا 1500 تأشيرة للطلاب كل عام في تركيا. ويرجح 100 من هؤلاء كل عام البقاء في كندا. هذا يعني أن النسبة بلغت 1 من كل 15. وفي الثلاثة أعوام الأخيرة رجح ثلث الذاهبين من تركيا الى كندا البقاء هناك. لهذا بدأت كندا تتعامل بدقة مع الطلبات الواردة من تركيا وهذا مثال واحد. أما المثال الآخر: كان عدد الراغبين في إرسال أبنائهم خارج البلاد للحصول على شهادة الدراسة الثانوية قليلاً حتى عدة سنوات ماضية، كانت فقط بعض العائلات المحددة تختار هذا السبيل. لكن عشرات آلاف العائلات الآن تحث السعي لإرسال أبنائها للدراسة الثانوية خارج البلاد. العائلات لا تثق بالامتحانات، ولا تثق بجودة التعليم، وهم يشعرون بالإحباط نتيجة التغييرات في النظام التعليمي والأمثلة كثيرة، لو أعطوا المال للمدارس الخاصة فإنهم لا يثقون أنهم سيحصلون على المقابل. لهذا السبب هم يرضون بإرسال أبنائهم للدراسة في الخارج وهم في سن 14 عاماً. لقد قمنا بافتتاح قسم خاص للتسجيل للدراسة الثانوية خارج البلاد، ولم يكن الحديث عن هذه الحاجة وارداً حتى قبل عامين"

"التصحر الفكري"

تحتل تركيا المرتبة 11 بين أكثر الدول إرسالاً للطلاب خارج البلاد. كل "عقل" يغادر يعني المزيد من الفقر في البلاد التي تركها خلفه، لأنه كما توجد دول مانحة لهجرة العقول، هناك دول مستقبلة لهذه العقول المهاجرة. وتعد الهند والصين وتركيا من أبرز الدول المانحة لهجرة العقول، أما أبرز الدول المستقبلة فتمثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإنجلترا. تتطور الدول المستقبلة لهجرة العقول بشكل سريع وتنمو بشكل أسرع. أما الدول المانحة فتتسارع فيها مؤشرات الفقر، وبتعبير آخر "التصحر الفكري" يدفع هذه الدول نحو الفقر والاضمحلال.

مكاسب الفقراء تصب في جيوب الأغنياء

يلخص البروفيسور حسن كوراك (Hasan Gürak)، الذي أجرى دراسات شاملة بهذا الخصوص، هذه القضية في أحد أعماله بالقول:

"إن هجرة العقول من الدول النامية أكبر عملية نقل موارد تتم نحو الدول المتقدمة، ولا تقوم الدول المتقدمة بدفع مقابل للدول النامية عن هذا المورد الثمين. يجب اتخاذ تدابير سريعة لإيقاف حركة هجرة العقول العالمية أو حتى تحويلها إلى الاتجاه المعاكس. وهذا شرط لزيادة الازدهار العالمي والتقليل من عدم المساواة في الدخل العالمي".

أما الدراسة التي تحدثت عن هذه الظاهرة بالأرقام فهي قادمة من جامعة هارفرد حيث ورد في المقالة، المنشورة عام 2016 لعضو الهيئة التدريسية في جامعة هارفرد داني باهار (Dany Bahar) وهيليل رابوبورت (Hillel Rapoport) من مدرسة باريس للاقتصاد، أن متوسط خسارة البلد مقابل كل مهاجر يغادرها يبلغ 30 ألف دولار، في حين يتجاوز هذا المبلغ 160 ألف دولار عن العمال من أصحاب المزايا والامكانات العالية.

وحسب الدراسة التي أجرتها مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية التركية (TEPAV) يعاني واحد من كل أربعة من شبابها من البطالة، من المهاجرين الأتراك في 20 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) تعني استثمارات تقابل مبلغ 230 مليار دولار ذهبت مباشرة خارج البلاد.

الصورة واضحة في الحقيقة: تركيا لا تستطيع الحفاظ على قيمتها التي صنعتها بمواردها المحدودة. لا يرى معظم أصحاب التعليم العالي والشباب الاذكياء الذين ترعرعوا في تركيا مستقبلهم على هذه الأرض التي نمو فيها.

وحسبما ذكرت جمعية رجال الأعمال والصناعيين الاتراك "توسياد" (TÜSİAD) فإن الطلاب الأتراك يسهمون في اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية بمبلغ مقداره 824 مليون دولار في العام الواحد. وفي الحقيقة إن مكاسب الولايات المتحدة الأميركية هذه خسارة لتركيا.

"لا أريد التفريط بولدي"

فاتوش أيركين هي واحدة من الذين حاورناها في إطار العمل على هذا الملف، وهي أحد الأمثلة القليلة على الذين لم يمانعوا من ذكر أسمائهم. تستعد هذه السيدة لإرسال ابنها الوحيد "جان" لاستكمال دراسته الجامعية في ألمانيا وتنطوي مشاعره، كما هو حال معظم الذين اختاروا المغادرة، على "قلق المستقبل".

قاموا بإرسال جان، لكي يستطيع تعلم لغتين، إلى مدرسة ثانوية خاصة توفر هذا النوع من التعليم. تساءلت وقلت "لماذا فـ جان فتى ذكي وبإمكانه الحصول على تعليم جيد في تركيا؟" فقاطعت كلامي وقالت:

"من المؤسف أن قناعتنا بأن أولادنا لن يكونوا قادرين على تأسيس مستقبل جيد تزداد كلما نظرنا إلى النقطة التي وصلت إليها تركيا. أنا قلقة جداً حول المستقبل.  إن حكام تركيا لا يستطيعون تقييم هؤلاء الشباب، وأرى أنه يجب عليهم أن يضعوا قبعاتهم أمامهم، ويفكروا بالأخطاء التي ارتكبوها. أنا لا أريد أن أفرط بابني هنا ولهذا السبب سأفعل ما بوسعي وأرسله خارج البلاد".

كما تقول فاتوش أيركين، "إن نتيجة النظام التعليمي الذي يتغير كل سنة، ووجود الأشخاص غير المناسبين على رأس الأمر والحالة التي وصل إليها التعليم هو جيل فاشل بل غاية في الفشل. وطالما لم يقوموا بتغيير هذا النظام فلن يستطيع الأطفال تلقي التعليم في هذا البلد، وهناك احتمال كبير أن يكون مستقبلهم في دول أخرى" ويُسْتَشَفُ من حديثها أنها قد اتخذت قرارها منذ فترة طويلة.

"95 من كل 100 شاب يرغبون بالذهاب"

توفر نتائج الدراسة، التي قام بها المجلس الثقافي البريطاني (بريتيش كونسيل) على 4816 شاباً من طلاب الجامعات من الفئة العمرية 22-25 في 81 مدينة تركية، مؤشرات مهمة إلى أبعاد التهديد الذي نواجهه من ناحية خسارة القوى البشرية الفاعلة. لقد أظهرت الدراسة أن 95 شاباً من كل 100 في تركيا يرغبون في تلقي تعليمهم الجامعي والدراسات العليا في الجامعات الأجنبية خارج البلاد.

أوزان أيجه (Ozan Ege) واحد من هؤلاء الشباب سيبدأ دراسته الجامعية في العام المقبل ووجهته ألمانيا، قال، "أهدف إلى الدراسة خارج البلاد وجميع أصدقائي تقريباً يفكرون بهذا. نحن 23 طالباً في الصف، هناك شخصان فقط يستعدون لامتحانات القبول الجامعي في تركيا. أما الباقون فمعظمهم يرغب في الذهاب الى أوروبا وقسم منهم يرغب بالذهاب إلى الولايات المتحدة الأميركية. أعتقد أنني سوف أحصل على تعليم أفضل هناك. بالإضافة إلى أن أوروبا أفضل من ناحية إمكانات وفرص العمل. لقد سألتموني لماذا أفكر بالذهاب، أعتقد أنني سأعيش هناك براحة أكبر، وسوف أتلقى تعليماً أفضل، وسأكون حراً، وأنا أعتقد أنني أستحق هذا. لقد اجتهدت كثيراً وأرغب بالحصول على مقابل لهذا الجهد من ناحية فرص العمل ومن ناحية معايير الحياة".

يبدو أن جميعهم قد اعتاد منذ زمن على فكرة أن يصبح "الآخر"، وأن يصبح أقلية في المكان الذي يذهب إليه. ياسمين ابنة آينور هي واحدة من الشباب الذين اختاروا "المغادرة" حالها كحال أوزان أيجه. هدف ياسمين هو فرنسا، أما آينور فقد باعت منزلها في إسطنبول ورضيت أن تعيش في بيتها الصيفي ذي الغرفة الوحيدة في منطقة "آيفاليك" صيفاً وشتاءً في سبيل تحقيق هذه الغاية، وكان حديثها بمثابة تعبير مختصر وبليغ عن حالتها الروحية:

"أطمح أن تتلقى ياسمين التعليم الجيد، وأنا لا أعتقد أنها ستستطيع الحصول على عمل بظروف المنافسة العادلة، وأن تصل الى المرتبة التي تستحقها، وأنها ستستطيع المطالبة بحقها عندما تتعرض للظلم في تركيا. أنا أرى أن كل شيء يتحول إلى الأسوأ كل عام. لقد درس طفلاي الاثنان في ثانوية الأناضول في كاديكوي بفترة زمنية قدرها 10 أعوام. وهذه الثانوية واحدة من أفضل وأعلى المدارس الحكومية تصنيفاً على مستوى تركيا، وعلى الرغم من كونها مجانية، فهي المكان الذي يحتوي على أفضل الكوادر، وأذكى الطلاب حيث يستطيع الأطفال تلقى أحسن تعليم فيها. لقد تغيرت هذه المدرسة 100% خلال العشر سنوات الأخيرة، وأصبحت وكأنها مدرسة أخرى. تم إرسال جميع المدرسين القديرين وأصحاب التجربة وأحضروا الكوادر القريبة من السلطة. وتم إيقاف جميع النشاطات الاجتماعية للمدرسة تقريباً. حتى أنني لم أتحدث عن الدروس الفارغة وهذا مثال واحد. ويمكنكم قياس ما حدث في ثانوية الأناضول في كاديكوي على مختلف المجالات في تركيا. لقد نذرنا حياتنا لهؤلاء الأطفال ونحن نقوم باستثمارات مادية ومعنوية كبيرة عليهم، لكننا نعلم أنهم لن يتلقوا المعاملة التي يستحقونها على الإطلاق. ليس باليد حيلة، لم يعد للمتعلمين قيمة في هذا البلد، يتم النظر إلى الإنسان المثقف والمتعلم على أنه عدو. ستذهب ابنتي ولن اكتفي بدعمها بل أنا أشجعها، ولن تعود إن شاء الله".

هنا صاغت آينور جملتها التي وردت في عنوان هذا المقال والتي بدأتها بالقول "الجغرافيا قدر..."

وتختصر حال مشاعر الناس من محيطها الذين يتقاسمون نفس المناخ الاجتماعي- الثقافي، والذين يحسون أنهم "مهمشون" و"منبوذون" والذين يعتقدون أنهم لم يحصلوا على مقابل لجهودهم ومساعيهم ونجاحاتهم.

هجرة العقول في الأجندات السياسية

منهم من يذهب لأسباب سياسية، ومنهم لاعتراضهم على أسلوب الحياة، ومنهم بذريعة الاضطرابات الاقتصادية، أو قلة فرص العمل، والضرائب المرتفعة، والواسطة، والمحاباة والتمييز لكن "قلق المستقبل" يطاردهم جميعاً فيذهبون، يذهبون ويتركون عائلاتهم، وأصدقاءهم، ومنازلهم ويلقون بذكرياتهم خلفهم. يذهبون ويتركون مع كل وداع الفقر لمن خلفهم.

لقد بدأت عملية ذهابهم الدخول إلى أجندات السياسيين ولو كان هذا متأخراً، حيث قال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 10  سبتمبر (أيلول) 2017: 

"نحن نترك أذكى طلابنا لتلتقطهم مؤسسات التعليم الغربية. إن شبابنا يتجهون نحو الغرب بنسبة متزايدة لأنهم لا يرون مستقبلاً براقاً في بلادهم وجامعاتهم. إننا في موقع المستهلك لا المنتج في أهم مصادر القوة في يومنا هذا، ألا وهي المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات. وهذا الحال يوصلنا إلى مرحلة هشة في مختلف المجالات وعلى رأسها أمننا القومي".

تم تحضير مشروع لتحويل وجهة هجرة العقول إلى العكس بعد ظهور أردوغان وحديثه عن هذا الموضوع، وتم تأمين محفزات مختلفة للعائدين. ولا يوجد معطيات متعلقة بحجم النتائج التي أثمرت عنها هذه المحاولات ولا عن وجود أو عدم وجود عائدين بسبب هذه الحزمة التشجيعية. كما قام حزب الشعب الجمهوري (CHP) الذي يمثل حزب المعارضة الرئيسي بنقل هذا الموضوع إلى الأجندات عبر تقريره الذي يحمل عنوان "الهجرة الكبيرة للعقول التي فتح حزب العدالة والتنمية لها الطريق".

 وقد ورد في التقرير ما يلي:

"إن السبب الرئيسي لهجرة العقول هو السلطوية والقمع الذي يمارسه نظام حزب العدالة والتنمية. لقد ازدادت أعداد مواطنينا المغادرين لخارج البلاد بنسبة 63% في عام واحد. ويحتل المتعلمون وسكان المدن شريحة واسعة من المهاجرين خارج البلاد. وقد أصبحت تركيا الدولة الثالثة في خسارة المليونيرات حيث غادر ما يقارب 5 آلاف مليونير تركيا عام 2017 أما في السنوات الثلاث الأخيرة فقد غادر تركيا 13 ألف مستثمر ورجل أعمال. إن خسائر بلادنا تتجاوز 220 مليار دولار فقط عبر مواطنينا الذين هجروا إلى 20 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). ويجب التأكيد على أن هذا المبلغ من شأنه بناء 7 مثل مطار إسطنبول الذي يتم الترويج له على أنه مشروع القرن".

كما طالب حزب الشعب الجمهوري بتشكيل لجنة برلمانية لدراسة هذه القضية لكن طلبه هذا قوبل بالرفض.

لماذا تسارعت هجرة الأكاديميين؟

موضوع الأكاديميين مشكلة أخرى، إذ وصل عدد الأكاديميين الذين تم التفريط بهم في تركيا بموجب مراسيم القوانين منذ شهر يوليو عام 2018 إلى 6 آلاف و81 أكاديمياً. كما بلغ عدد الأكاديميين الذين تم تسريحهم من عملهم بذريعة توقيعهم على وثيقة "أكاديميون من أجل السلام" 404. وقد زادت التسريحات، وقطع المنح الدراسية، والقلق من الوقوع بين براثن البطالة في أية لحظة من وتيرة توجه الأكاديميين للهجرة خارج البلاد.

خليل إبراهيم يني غون (Halil İbrahim Yenigün) واحد من الأكاديميين الموقعين على وثيقة السلام. تم تسريحه من وظيفته كأستاذ مساعد في جامعة "وقف" لهذا السبب، وهو الآن يعمل كباحث في برنامج الدراسات الإسلامية في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأميركية ولا يفكر بالعودة إلى تركيا.

يرى يني غون أن الافتقار الأكاديمي ليس محصوراً بتركيا فقط، لكن هذه المسالة في تركيا أخذت أبعاداً وحجماً أكبر بكثير. يقول "إن الأكاديمية وخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية التي نطمح لأن تكون المأوى الآمن للفكر الحر، تواجه هجوماً وحملة إبادة على النطاق العالمي. لقد أصبحت العلوم وخاصة السياسية والاجتماعية منها رهينة للسلطات". أما بخصوص تركيا فقد لخص يني غون بلهجة مريرة وتيرة "التعليم الجامعي" المتسارعة التي تسير من خلال عدد الطلاب وعدد الأبنية على الشكل التالي:

"إن هذا النظام الذي اتبعه صناع القرار الذين لا يعرفون أي شيء تقريباً عن معنى الجامعة، وما مهمتها في المجتمع؟ وما علاقتها بالدولة والسياسة؟، والذي يهدف إلى زيادة أعداد الطلاب والجامعات كمؤشر على تنمية البلاد بشكل لا يختلف عن زيادة أعداد المدارس الابتدائية أصلاً نظام تم تأسيسه بشكل خاطئ جداً. لقد أدركت المؤسسات والشركات التي افتتحت هذه الجامعات ظناً منها أنها لا تختلف عن تشغيل المعاهد والمدارس الخاصة، بعد فترة من الزمن أنها لم تحقق المكاسب المطلوبة على الرغم من جميع الممارسات المخالفة لمنطق الجامعة، فأخرجت هذه المؤسسات من كونها جامعات بالكامل عبر دفع ظروف الطلاب والمعلمين نحو الأسوأ ودخلت في سباق "كيف نستطيع أن نرضي السلطة أكثر" فيما بينها للحصول على بعض الفوائد والموارد من الدولة غير مدركين لأهمية الاستقلال الأكاديمي وحولوا الجامعات الى ثانويات مرتبطة بوزارة التعليم الوطني (MEB)."

"مجزرة كهذه تحدث في انقلاب أو ثورة"

يقول يني غون أن "المجزرة" الأكاديمية في تركيا مستمرة منذ عام 1930، ويوضح أن كل سلطة تعمل على تحويل الأكاديمية لتعطيها الشكل الخاص بها. لكن ينوه إلى أن الأكاديميين الذين يحافظون على منظورهم النقدي ما زالوا يحافظون، حتى هذه الفترة الأخيرة، على وجودهم في الجامعات على الرغم من جميع المصاعب.

" كانت هناك تيارات واسعة يغلب عليها العلم والفكر النقدي والمسؤولية الاجتماعية والموقف السياسي الحر تتشكل بين الأكاديميين والطلاب الذين نشأوا بعد عام 1990 حتى عام 2010 في تركيا. وكانت بؤر الفكر الحر تعيش في كثير من الأماكن حتى في جامعات المدن النائية على الرغم من كل الظروف المعاكسة. تمت مناقشة مشاكل النظام من القضية الأرمينية والكردية في بيئة الحرية النسبية التي سبقت هذه الاستعادة الكبيرة الأخيرة للكثير من محرمات التاريخ والسياسة؛ تم تقديم وجهات نظر وتعليقات جديدة للشباب. بالطبع لن يتم تحمل هذه الأحوال إلى ما لا نهاية، لكن الهجوم الذي جاء تحول إلى درجة عالية من العنف. إن المجزرة الأكاديمية في المناخ السياسي التي بدأت منذ بدايات عام 2016 والتي يمكن تكييفها في إطار مختلف القوانين بعد المحاولة الانقلابية المليئة بالألغاز، لا تحدث إلا في فترات الانقلاب أو الثورة، هي مجزرة لا يمكن رؤية أمثالها إلا في تلك الفترات. أنا متأكد أننا في المستقبل عندما نلتفت وننظر إلى هذه اللحظات ونشعر بحاجة لتعريفها سنستخدم هذه المفاهيم لوصفها".

وتحدث يني غون، الذي وصف ما حدث بعد عام 2016 بـ"هجوم شامل على الأكاديمية"، عن سبب رحيله بقوله: "فضلت الرحيل والهجرة للبحث في أماكن أخرى عن الظروف التي أريد العيش فيها على البقاء والتزام الصمت والطاعة"، ويوضح علاوة على ذلك كيف سيطر عليه الخوف والقلق من فكرة "إذا بقيت فسيلقونني في السجن".

"لو عبرت عن أفكاري فكانوا سيلقون بي في السجن ويسكتونني. لقد اخترت الكلام والتعبير عن أفكاري حتى لو خارج البلاد. بالطبع لدي أصدقاء وأحباب ورفاق يقومون بأعمال يغبطون عليها داخل البلاد في سبيل الحريات في الساحة وفي سبيل بلد تمارس فيه الحرية الأكاديمية وجميع الحريات الأخرى. وأنا من هنا أحاول القيام بكل ما يسعني القيام به، دون اعتبارهم متكافئين، لاستكمال هذا النضال من الخارج. وبكل اختصار أنا موجود هنا لممارسة مهنتي وأكتب وأتكلم بحرية"

"أعتقد أن الوجع الحقيقي..."

يبدو يني غون يائساً من موضوع العودة. في الحقيقة لم يبق عنده أمل أن يقوم بأعمال مفيدة من أجل تركيا حتى لو كان مؤمناً بذلك....

"بالطبع تكون لك مساهمة في البلاد كأكاديمي مهاجر في بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية، لكن مجال حركتك يكون محدوداً في بلد كبير ونظام يكون كل شيء فيه محلياً. أما من ناحية التغيير الاجتماعي والاصلاح في بلد صغير مثل تركيا فيمكنك أن تحدث فرقاً بشكل أسهل، وتستطيع أن تسهم وتقدم فائدة لشعبك ولبلدك الذي تعرف داخله وخارجه. كنت أفكر هكذا في الماضي، لكن في السنوات الأخيرة أعتقد أن بلداناً مثل تركيا مستمرة في كونها لم تستطع احتواء الكثير ممن يفكرون بهذا الشكل طوال عدة قرون؛ وأنها تجبرهم على صراعات مريرة من أجل أصغر الحريات وتنبذ أكثرهم من بنيتها بدل استثمار عقولهم في إصلاح البلاد والمؤسسات والتقدم بالمجتمع. وأعتقد أن هذا هو الوجع الحقيقي"

سألت عن الحد الأدنى من الشروط المطلوبة "لعدم الرحيل" وجاء الجواب واضحاً:

"بالطبع كنت على الأقل أرغب بتركيا نستطيع فيها التعبير عما نفكر به بحرية لعدم الذهاب. لا يمكن صناعة الفلسفة والفكر والعلوم الاجتماعية عبر الإيماءات والعبارات المبطنة في وسط تخشون فيه من قيام أحد الطلاب بموقف غير قانوني ولا أخلاقي بتسجيلكم والإخبار عنكم. كانت هذه الشروط تُرى بالحد الأدنى حتى عام 2010 أما في الوقت الحالي فلا وجود لها بأي شكل من الأشكال"

مفهوم الشعور بالعدالة هو المفهوم الذي ركّز عليه يني غون بشدة حيث قال "إذا تم فقدانه مرة، فإن استعادته في غاية الصعوبة".

ما الأصعب؟ الرحيل أم العودة

حاله كحال آلاف الأكاديميين الذاهبين الذين يقولون "كلاهما صعب لكن العودة أصعب بكثير".

"يتخذ الأشخاص عديمو الكفاءة الذين لا يملأون مواقعهم توجهات تهدف إلى تغطية وإخفاء عدم كفاءتهم، وتحدد هذه التوجهات جميع قراراتهم وأساليب الإدارة الخاصة بهم. تتراكم اختياراتهم الخاطئة وقراراتهم المدمرة المدعومة بالتعليم السيئ الذي تلقوه من أشخاص تعلموا الأعمال السطحية نظراً لعدم كفاءتهم أيضاً، ويؤدي هذا التراكم إلى إفساد المؤسسات. ولا يظهر الانهيار على الفور لكنه يسري في عموم الجسم بمرور الزمن. وهذا هو الحال الذي تعيشه بلادنا حالياً. لقد سرى الخراب الذي خلفه أسلوب الإدارة الذي تجاوز أسلافه بخطوات منذ زمن في مواضيع تأسيس نظام منصف وعادل وتحقيق الشفافية والمساءلة والتحول نحو المؤسساتية القائمة على الكفاءة والأهلية في جميع البنية، وقد بدأ منسوبوه وأنصاره الذين لم يغلقوا أبصارهم بإدراك هذه الحقيقة شيئاً فشيئاً. ينبغي أن تكون هناك عملية تغيير جذري وإعادة هيكلة أساسية لكي نستطيع تناول النظام بأكمله والقيام بإصلاحه. ولا حاجة لإخفاء أنني متشائم مثل الكثير من الناس حول إمكانية حدوث هذا"

أكاديمي من كل 10 أكاديميين اختار الرحيل

يطفو على السطح من خلال الأبحاث المختلفة أن أعداد المتشائمين حيال المستقبل تتزايد بسرعة. حيث يقول ستيفن ووردسورث مدير مجلس "الأكاديميين المعرضين للخطر" ( Council For At Risk Academics) الذي يقع مركزه في بريطانيا، أن الطلبات المقدّمة للمؤسسة في عام 2018 زادت 300 طلب عن الأعوام السابقة وأن معظم هذه الطلبات مرسلة من تركيا.

يوجد في تركيا 181 جامعة، 112 منها حكومية، و69 منها خاصة. ويعمل في هذه الجامعات 160 ألف أكاديمي تقريباً.

تبلغ حصة الأكاديمية من هجرة العقول 9.1%، أي أن أكاديمياً من كل 10 أكاديميين "ممن اختاروا الرحيل...".

مراد (سأسميه مراد لأنه لا يريد أن يذاع اسمه)، الذي ترك عمله كمدرِّسٍ في جامعة خاصة، وغادر إلى الكويت، يؤكد ككل من غادر تقريباً على الأحقية والكفاءة والعدل فيقول:

"إن هدف الجامعات الخاصة في تركيا ذات المستوى المعين هو عدد الطلاب ولم يَعْنِها يوماً من الأيام أن تكون بين أفضل جامعات العالم. إذا قرأتم شروط الدعم الأكاديمي لبعض الجامعات الخاصة وجدتم أن الأصول محددة لكن الكلمة الأخيرة لرئيس اللجنة الإدارية. فحتى لو توفرت لديكم الشروط على أفضل وجه، فالكلمة الأخيرة تبقى رهن رئيس اللجنة الإدارية، فهو يمنح الدعم الأكاديمي لمن يشاء، وإذا لم يشأ منحكم فليس باليد حيلة"

يقول مراد "إن الخصائص التي أمتلكها إنما منحتني إياها مدارس الحكومة في بلدي"، لكنه لما عقّبَ قوله بـ"لكن" أشار إلى انفصام لديه في شعوره بانتسابه فقال: لا أفكر بالعودة حالياً.

 ولا تقتصر هجرة العقول على الأكاديميين فنسبة الهجرة لدى تقنيي التواصل 28.4 ولدى المهندسين 14.1، إذ ظهرت أنباء الشهر الماضي من مؤسسات ASELSAN و SAGEM  و TAIالتي هي أبرز مؤسسات تركيا تتحدث عن هجرة 100 مهندس إلى هولندا. صار هؤلاء المئة محط نقاش الكثير لكن الصورة أسوأ من المتوقع. فوفق بيانات مؤسسة الهجرة والمواطنة الهولندية (IND) تقدم 1020 أكاديمياً وخريجاً من تركيا بطلبات إلى هولندا من أجل "هجرة العقول" في غضون 11 شهراً من عام 2018.

ووفق الأرقام التي صرَّحت بها المؤسسة ففي عام 2016 تقدم 235 شخصاً من تركيا بطلب اللجوء إلى هولندا وبلغ هذه الرقم عام 2017 إلى 481. أي أن الأعداد تزداد أضعافاً.

"لم أرَ من يريد العودة"

سركان عاكف أقيلدز صحافي، بات يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، يقول "لم أتخلَّ أبداً عن فكرة العودة، وسأعود يوماً ما" لكنّه عقَّبَ قوله بأنه يؤجّل العودة على الدوام، ولما سألته عن سبب التأجيل قال "كيفَ ولا خبرَ إيجابي من تركيا".

"آمَلُ أن تصبح تركيا بلداً ينعم بالطمأنينة، ويتحسن اقتصادها، وأن نتخلص من التوتر الذي نشعر به أحياناً حتى أثناء مشينا في الشارع أو قيادتنا للسيارة، أتمنى أن ينتهي نزاع أنا-أنت"

وأول حديث يفتتحه مع من يأتي من تركيا إلى المدينة التي يقطنها هو بلا شك عن تركيا، ولا يبرق من ذلك الحديث أمل.

"لا تبدو تركيا من هنا جيدة للأسف، وأستطيع القول أني لم ألتق بعد بمن يرغب بالعودة أياً كان الحزب الذي يؤيّده. وخلال ما يقارب الأربع سنوات سمعت من شخص واحد فقط قوله "ربما أعود"، لكنه كان يسأل نفسه "وكيفَ أعود"، فماذا يمكن أن يفعل في تركيا وهل يجد عملاً أم لا؟. وعند الإجابة على هذا السؤال نجد ما يشغلنا سواءً كان حسناً أو سيئاً".

"كم نبعد عن ذلك القارب الأسود"

كتاب Bu Ülkeden Gitmek (الرحيل عن هذا البلد) يبحث تماماً هذا الموضوع فيحكي عن "الرحيل" من أعين الراحلين. هذا الكتاب الذي ألَّفَه غوزده كازاز وإلكسن ماويتونا يسلّط الضوء على السأم والضيق واليأس والتعاسة التي يشعر بها الراحل قبل الرحيل وعما يشعر به بعد أن يغادر.

يتحدث إلكسن ماويتونا فيما يلي عن أبرز الدوافع التي ظهرت في حوار أجراه حيث يقول:

"إن غالبية الذين يتحدث عنهم كتابنا قالوا إنهم لا يعرفون ما هم فيه بالهجرة. فقد رغبوا بالرحيل عن هذا البلد لعدم ممارستهم مهنهم ولقلقهم حيال نوعية التعليم الذي سيتلقاه أبناؤهم، ولأن النساء منهم باتوا يرون العيش في هذا البلد صعباً جداً. ومما يجب توضيحه أيضاً أن اللجوء إلى عمل ضخم كتغيير بلد يتطلب مشاعر تفوق مشاعر إنسان واحد، وإذا أردنا استخدام التشبيه الذي استخدمه أحد من تقابلنا معهم فإن قلق "ركوب القارب الأسود" أعتقد أنه يَمْثُلُ في منتصف حياتنا جميعاً كأقسى ظاهرة في السنوات البضع الأخيرة في الجغرافيا التي نعيش فيها. وبشكل منفصل عن مدى قربنا أو بعدنا عن القارب الأسود يجثم على صدور معظمنا بين الحين والآخر شعور عام بالقلق وانعدام الأمان. لذلك فكثير ممن قابلناهم حتى لو لم يربطوا ما هم فيه بأحوالهم مباشرة وحتى لو لم يتقبلوا أنهم مهاجرون، إلا أنهم كانوا يحملون في خلدهم أشد أحوال الهجرة كصورة سوداء. بالمحصلة فالمفاهيم تتبدل أحياناً لكن الواقع يمثُلُ بكلِّ قسوته في منتصف حياتنا. وقرار الرحيل إنما يأتي على إثر ضيقٍ في الحياة الاجتماعية. أي أننا نتحدث عن كتلة غادرت بسبب المناخ السياسي حتى لو لم تكن هذه الكتلة كتلة سياسية" (حوار: أوزلم آلطونوك/ T24) 

هجرة العقول خبرٌ في صحيفة نيويورك تايمز  

حاز الموضوع في الأشهر السابقة مكانة كبيرة في الصحافة العالمية، وكان من بين المؤسسات الإعلامية التي تناولت هجرة العقول من تركيا صحيفة نيويورك تايمز. وقد ذكرت الصحيفة أن الهجرة من تركيا "بلغت أرقاماً قياسية" وأن أسبابها الرئيسية "المحاباة والتسلط الزائد"، وبحسب الخبر هاجر من تركيا عام 2017 (250) ألف شخص.

جاء تكذيب الخبر سريعاً من أنقرة، إذ صرّح مكتب الموارد البشرية التابع لرئاسة الجمهورية ما يلي:

"نشر موقع صحيفة نيويورك تايمز على الإنترنت مقالة لكارلوتا غال كتبته بتاريخ 2  يناير (كانون الثاني) 2019 قامت بنشره بعض أجهزة الإعلام الأجنبية والمحلية، زعمت فيه أن "عدد الأتراك الذين هاجروا من تركيا عام 2017 يفوق ربع المليون"، مستشهدة ببيانات مؤسسة الإحصاء التركية. لكن وعند النظر إلى بيانات مؤسسة الإحصاء المفتوحة للرأي العام نجد أن عدد مواطنينا الذين هاجروا من تركيا عام 2017 لا يفوق ربع المليون كما زعم المقال، بل هو 113 ألفا و326 شخصاً".

ربع مليون أم 113 ألفاً؟

"العقل" في الحقيقة أحد أدوات الحرب في يومنا هذا، إذ ثمة بين الدول حرب "هجرة العقول" كحرب الدبابة، والمدفع، أو كحرب التجارة، فبعض الدول تجذب العقول وبعضها تفقد العقول. وتركيا في النتيجة هي الخاسر الوحيد في حرب العقول هذه.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة