Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب نقمة شباب الحراك على الإعلام الجزائري

لا تزال السلطة الرابعة في نظر البعض موجّهة ومجرّد أداة في يد جهة على حساب أخرى

الأسبوع العاشر من الاحتجاجات في الجزائر العاصمة (أ.ب)

"أنا مرتاح هكذا... لا أرى ولا أسمع"، هي كلمات شاب جزائري، ليس من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإنما طالب جامعي يُزاول دراسته في جامعة باب الزوار في العاصمة، وهي أكبر الجامعات في أفريقيا وتحمل اسم الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين. 

كان عمر يجلس برفقة زملائه قرب مقر الجامعة المركزي، عندما اقتربنا منه لسؤاله حول وجهة نظره في أوضاع البلاد، وطموحاته كشاب جزائري ومطالبه من الحراك الشعبي المستمر لعشرة أسابيع متتالية، إلا أنه رد علينا بتحفظ بمجرد معرفته أننا من الصحافة ANTI  MEDIA (ضد الإعلام)، وهي العبارة التي رددها أصدقاؤه أيضاً. 

بعد حوار مقتضب معه، أخبرنا عمر أنه لا يشاهد المحطات التلفزيونية ولا يقرأ الجرائد ولا يبحث عن ذلك إطلاقاً قائلاً "بكل بساطة هذا خياري وليس بالضرورة أن يلزم غيري، لا أعتقد أن الإعلام حر في بلادنا، ولست من الأشخاص الذين يتقبلون فكرة توجيه الرأي العام، واستغباء العقول".

حرية مزيفة

أما صديقه سفيان (24 سنةً) فيقول "لا وجود لحرية التعبير في بلادنا والصحافيون يقولون نصف الحقيقة لأنهم مجبرون على ذلك، بتعليمات من مديري المؤسسات الإعلامية، الذين يبحثون عن خدمة أفراد في النظام". "لكن كيف يمكنكم متابعة الأحداث في البلاد على تسارعها"، سؤال رد عليه هؤلاء الشباب بكل بساطة "نحن نؤمن بالشارع والميدان وهناك وسائل التواصل الاجتماعي. بحكم دراستنا في الجامعة، نلتقي عبر فيسبوك، عن طريق المجموعات التعليمة التي نتبادل معها الأفكار والآراء بكل حرية وديمقراطية، أو في الشارع، والحديث عن مسيرات الطلاب والحراك السلمي في بلادنا".

يقاطعه عمر لاستكمال حديثه "لا تتفاجئي إن أخبرتك أنني من بين المشرفين على تنظيم مسيرات الطلاب التي تُصادف كل يوم ثلثاء منذ بداية الحراك. حقيقة أنا أتأسف لوضع الإعلام في الجزائر وكل القطاعات، ولهذا يجب أن تستمر انتفاضتنا السلمية للوصول إلى دولة الحق والقانون وحرية التعبير، هنالك فقط يمكنني حمل جهاز التحكم لمشاهدة القنوات بكل راحة واطمئنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قنوات في قفص الاتهام

منذ انطلاق الحراك الشعبي الداعي إلى رحيل النظام السياسي في الجزائر يوم 22 فبراير (شباط) 2019، تُواجه وسائل الإعلام ضغوطات ومتاعب ناجمة عن ضعف تقدير بعضها لمطالب الشارع وتباطؤ انخراطها في هذا المسار الثوري، الذي بدأ بالدعوة إلى تنحية الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لتتطور إلى إسقاط رموز النظام كافة ومحاسبة الفاسدين وناهبي مال خزينة الدولة. 

وعلى الرغم من استمرار الحراك ودخوله شهره الثالث، واصطفاف وسائل الإعلام الجزائرية مع مطالب الشعب، ضد ما يسميه الشارع "العصابة الحاكمة"، إلا أن ذلك لم يشفع للسلطة الرابعة التي حرّرها الحراك من القيود والضغوطات، إذ لا تزال في نظر البعض موجّهة ومجرّد أداة في يد جهة، على حساب أخرى. 

ومن فترة إلى أخرى يتعرض بعض الصحافيين إلى انتقادات حادة، أثناء تغطيتهم المسيرات الأسبوعية، حتى أن البعض منهم بات يضطر إلى إخفاء هويته والقناة التلفزيونية التي يعمل لديها، تفادياً للإحراج. هذه الانتقادات تمثلت أيضاً بشعارات تدعو إلى ضرورة تطهير قطاع الإعلام من أصحاب المصالح والدخلاء، "صحافة ديقاج" (فلترحل).

وفي ظل الانتقادات اللاذعة التي تطارد الصحافيين في الشارع، إثر التعامل "غير المهني" لمالكيها مع الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، واصطفاف البعض منهم على حساب حراك 22 فبراير، أعلن إعلاميون كثر استقالتهم بسبب الخط الافتتاحي للوسائل التي يعملون فيها، والتي منعتهم في السابق من الحديث عن دعوات رحيل بوتفليقة من الحكم، والاكتفاء بالإشارة إلى مطالب التغيير والإصلاح، التي يرفعها المتظاهرون.

ودفع ذلك بالصحافيين إلى التجمع في ساحة الحرية في وسط الجزائر العاصمة، للاحتجاج على الظروف التي يعملون فيها والقيود المفروضة عليهم من كل الاتجاهات، وأسهمت تلك التحركات في تحرير الصحافيين بعض الشيء، لكن ليس بشكل نهائي، ووفق طموحات الشعب الجزائري الذي يدعو إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة، وصولاً إلى إعلام موضوعي ومحايد بالكامل، مع الحرص الصارم على تقديم خدمة عمومية بكل شفافية.

أخطاء النظام

ووقعت وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، ضحية ممارسات نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي كرّس ثقافة "الولاءات"، التي مسّت قطاعات عدة على رأسها الصحافة، عن طريق التحكم في سوق الإشهار، وتوزيعه وفق المصالح الشخصية ومن يقررون الدوران في فلك بوتفليقة ومحيطه. ويفتقد الصحافيون الجزائريون لفضاء تنظيمي يُمثلهم ويُدافع عن اهتماماتهم وانشغالاتهم المهنية والاجتماعية، وهو ما أثر في مشهد الإعلام الذي غرق في الرداءة والضحالة، باعتراف أهل المهنة وأساتذة جامعيين وخبراء في الاتصال. 

وحتى الساعة، تفتقد الصحافة الورقية لسلطة ضبط تحكمها، بينما القنوات التلفزيونية، لا تخضع للقانون الجزائري، وتُعتبر مجرد مكاتب أجنبية تبثّ من الخارج، في حين لا تحوز الصحافة الإلكترونية، على الرغم من سيطرتها على المشهد الإعلامي في الجزائر، على إطار قانوني يضبطها.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي