Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر بين ألغام الدستور والحسابات السرية

يرفض الشارع استمرار مؤسسات الدولة بوجوه النظام نفسها

يبدو المشهد السياسي الجزائري في حالة انسداد حقيقي (رويترز)

لم ينفِ قيادي في "قوى التغيير لنصرة خيار الشعب"، الذي يضم أحزاباً معارضة وشخصيات مستقلة، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن يكون مقترح "ندوة الحوار" رداً مباشراً على دعوة الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري.

ويبدو هذا المقترح "حلاً مدنياً وسطاً" قد تتمسك به المؤسسة العسكرية في ظل رفض الشارع الجزائري استمرار مؤسسات الدولة بوجوه النظام نفسها، بذريعة "الخيار الدستوري".

وقال الطاهر بن بعيبش، رئيس حزب "الفجر الجديد"، إن "مقترح الحوار هو رد مباشر على دعوة قايد صالح"، الذي دعا "المتعنتين"، كما أسماهم، إلى التمسك بالحوار. ولم يشرح رئيس الأركان إذا كان يقصد الحوار الذي دعا إليه رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الأحد الماضي، أم أي وعاء "مدني" يقدم بدائل سياسية لـ "المأزق الحالي".

وأفاد بن بعيبش، عقب اجتماع الخميس الماضي مباشرة، بأن "الدعوة مفتوحة لممثلي الحراك. يجب أن يطرحوا أسماءً الآن. وأضاف "مفتوحة أيضاً للمؤسسة العسكرية، نعم للجميع إلا من أسهم في الأزمة الحالية".

وقد وردت هذه الدعوة في "ديباجة البيان" كالآتي "تجديد الدعم لاستمرار كل أطياف الشعب في الهبة الشعبية السلمية والدعوة إلى الرفع من وتيرتها والحفاظ على تماسكها حتى تحقيق المطالب"، و"تشكيل لجنة لتنظيم لقاء وطني لقوى التغيير يكون مفتوحاً على فعاليات المجتمع كافة، بإستثناء الذين كانوا سبباً في الأزمة الحالية أو طرفاً فيها من أجل البحث عمن يستجيب المطالب الشعبية السلمية". أضاف البيان "التأكيد على موقف فعاليات قوى التغيير لنصرة خيار الشعب الداعي إلى انفتاحها على كل مبادرة يمكنها المساهمة في تلبية مطالب الشعب والإلتزام بمبدأ الحوار في إيجاد الحلول التي تستجيب لذلك، ومباركة الدعوة إلى الحوار المعبر عنها في بيان مؤسسة الجيش، الصادر يوم الأربعاء 24 أبريل (نيسان)".

يشرح لخضر بن خلاف، البرلماني عن جبهة العدالة والتنمية، المبادرة المعلنة  قائلاً إن "مبادرتنا كانت منذ البداية واضحة ونوقشت وتبنتها فعاليات التغيير، وبلغت إلى الرأي العام قبل شهر ونصف الشهر تقريباً". وأشار إلى أن هذه المبادرة لا تزال موجودة والرأي العام يعلم أنها في إطار المادة 102 والمادتين 7 و8 من الدستور.

أضاف أن السلطة غير الشرعية تبنت المادة 102 فقط، تاركة المواد الأخرى. وشدد على ضرورة تطبيق المادتين 7 و8 عن طريق حوار جاد بين مؤسسة الشعب ومؤسسته العسكرية.

وذكر أن اجتماعاً آخر سيحدد كيفية تبليغ هذه المبادرة إلى الجيش، مشيراً إلى أن هذه الجبهة ترحب بأي حوار تطلقه المؤسسة الشرعية، رافضين بذلك التحاور مع السلطة المرفوضة من الشعب.

حل "مدني" بين بضعة أطراف

ببلوغ المشهد السياسي مرحلة انسداد حقيقي، واكتفاء رئيس الدولة عبد القادر بن صالح بإصدار قرارات بإنهاء مهمات أفراد وتعيين بدلاء منهم، يظل الحل السياسي غائباً بين الفعاليات السياسية. وانقسمت الساحة السياسية إلى بضعة أراء، يصب بعضها في حل دستوري سياسي في آن واحد، والبعض الآخر في حل سياسي مجرد من الدستور، بناءً على مجلس تأسيسي أو هيئة جماعية تقود المرحلة الإنتقالية.

ويبدو مقترح المعارضة متناغماً مع طرح المؤسسة العسكرية، قياساً على بحث الأخيرة عن "حل وسط" يبعث حواراً من خارج السلطة. ولا تخفي المعارضة في "قوى التغيير" تأييدها فكرة "هيئة رئاسية" مع الإبقاء على نص الدستور قائماً.

وتقوم المبادرة، بهذا الشكل، على الإعتماد على "ثغرات دستورية"، إما بتعيين الأعضاء السبعة الذين لبثوا في الثلث الرئاسي لمجلس الأمة، يكون بينهم الأربعة الآتية أسماؤهم: أحمد طالب الإبراهيمي وليامين زروال ومولود حمروش وأحمد بن بيتور. ثم الإنتقال إلى مرحلة "دفع بن صالح إلى الإستقالة" ومعه

رئيس الوزراء نور الدين بدوي. وتفضي هذه الخطة، وفق اعتقاد أصحابها، إلى ضمان حل سياسي بناءً على نص الدستور القائم، وهذا ما يعني "إعفاء" مؤسسة الجيش من تهم تخشاها، بحشر نفسها في العمل السياسي بعيداً من مهماتها الدستورية.

معارضة سياسية لقايد صالح

بتطور الأحداث وتوالي المسيرات، بات الفرز واضحاً داخل الطبقة السياسية، مع إمكان تحديد فروق عميقة في الأطروحات المقترحة لحل الأزمة السياسية.

ولم يعد كريم طابو، وهو ناشط سياسي من التيار البربري، ينفي رفضه التام لنيات المؤسسة العسكرية، ممثلة في رئيس الأركان. وخاطب طابو رئيس الأركان قائلاً إن "تصفية الحسابات مرفوضة. هدفكم ترك المطالب المشروعة التي عبّر عنها الشعب جانباً". وكان يقصد ملاحقة القضاء لرجال الأعمال.

وبشأن قايد صالح، أكد طابو أنه "ليس من حقه التدخل في الشؤون السياسية". ثم شكك في صدق نياته، قائلاً إنه "لم يعبر عنها البتة عندما كانت العصابة تنهب في ثروات البلاد".

ويواجه قايد صالح نقداً لا يقل عنفاً من التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال، الذي يتمسك بخريطة طريق تقوم على "مجلس تأسيسي"، بعد رحيل الجميع وحل المؤسسات الدستورية القائمة كافة.

لماذا لا تقنع مقترحات الجيش طرفاً في الحراك؟

حتى الساعة لم تحقق مقترحات الجيش الإجماع بين الفاعلين في الحراك الشعبي. فمنذ البداية تقوم هذه المقترحات على المسار الدستوري، وفقاً لحسابات "سرية" تلمح إليها المؤسسة العسكرية بـ"محاولات لضرب استقرار الجزائر من الداخل والخارج والدفع نحو فراغ دستوري".

أما في الجهة المقابلة، فيقول مصطفى بوشاشي، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ناشط حقوقي يؤيده كثيرون في الحراك الشعبي، إن الحل "يجب أن يكون سياسياً". ويشرح رأيه بعد حوالي ثلاثة أشهر من النقاشات بشأن الحل الأفضل للوضعية الراهنة، بالقول "حل الأزمة السياسية الراهنة لا يمكن أن ينبثق من الدستور. إذ إن الأخير تعرض للتلغيم خلال مراجعته في العام 2016، لضمان استمرار النظام. إنه دستور محرج بالنسبة إلى الفاعلين في الساحة السياسية في الجزائر، ولا يسمح بالتوجه نحو ديمقراطية حقيقية".

ويذكّر بوشاشي باقتراحه لمرحلة انتقالية قائمة على بعض الآليات، التي من شأنها "ضمان تغيير النظام والتوجه إلى ديمقراطية حقيقية". ومن هذه الآليات، يحث بوشاشي على "قيادة جماعية من قبل شخصيات ذات صدقية ونزاهة، لم تكن مع النظام أو متورطة في قضايا فساد".

المزيد من العالم العربي