Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاق الصيني - الإيراني وصراعات جديدة تنتظر المنطقة

يرى البعض أنه سيفتح معركة جديدة مع واشنطن ويذهب الآخر إلى إضعاف الدور الأميركي واللحاق بركب النفوذ الآسيوي في القرن الـ 21

الوفد الصيني ونظيره الإيراني أثناء توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين  (أ ف ب)

قد تكون التغريدة التي نشرها كاظم جلالي، سفير طهران لدى موسكو تعليقاً على حادثة جنوح الناقلة في قناة السويس المصرية، مؤشراً إلى التطورات التي يراهن عليها النظام الإيراني بعد التوقيع على الاتفاق الاستراتيجي الاقتصادي مع الصين.

جلالي اعتبر في تغريدته، أمس الأول، أن تعطل حركة التجارة بسبب الحادثة التي تشهدها قناة السويس منذ أيام يستدعي "الإسراع أكثر من أي وقت مضى في إكمال البنى التحتية وتفعيل ممر (شمال – جنوب) كبديل عن ممر قناة السويس"، مضيفاً "أن هذا الممر يختصر الزمن حتى 20 يوماً والكُلف حتى 30 في المئة، ويعد خياراً أفضل كبديل عن قناة السويس في مجال الترانزيت"، وهو مشروع يؤكد من وجهة نظر الدول المعنية بهذا الطريق (الممر) ضرورة البحث عن بديل أقل خطورة من قناة السويس.

إشارة السفير جلالي، الذي شغل قبل توليه موقعه في موسكو رئاسة مركز الأبحاث الاستراتيجية في البرلمان الإيراني زمن تولي علي لاريجاني رئاسة السلطة التشريعية، والدور الفاعل الذي لعبه في تسهيل المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على هذا الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، تسلّط الضوء على أحد المحاور التي جاءت في هذا الاتفاق، والتي تتطرق إلى "المشاركة الفاعلة من قبل الطرفين في الممر الجنوبي – الشمالي"، ويعيد إلى الواجهة أيضاً محاولات النظام الإيراني مع الحكومات العراقية المتوالية لتفعيل العمل في بناء وصلة سكك الحديد التي تربط بين مدينة المحمرة ( خورمشهر) بمدينة البصرة العراقية بطول 37 كيلومتراً، وتسمح لطهران بربط خطوطها السككية التي تبدأ من الصين والهند وباكستان بالعراق وسوريا وسواحل البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن الجهود التي تبذل أيضاً لربط ميناء جابهار الإيراني الذي تسهم الهند وروسيا في أعمال تطويره وبنائه، بخطوط برية وسككية مع ميناء غوادر الباكستاني الذي تقوم الصين بتشييده، ويرتبط مع المناطق الصناعية الصينية بخطوط بريّة وسككية باتجاه مختلف مناطق العالم، ويؤسس لتشاركية "صينية وروسية وهندية وباكستانية وإيرانية" للتحكم بخطوط الطاقة والتجارة، لجهة أن ممر "جنوب – شمال" يربط المياه الدافئة في الخليج وما وراءها بالعاصمة الروسية، امتداداً إلى أوروبا الشرقية.

وبعيداً من البعد الاقتصادي الذي من المرجح أن يكون الهدف الأساس للاتفاق الإيراني - الصيني، والذي يتكامل مع تمديد الاتفاق الاقتصادي بين موسكو وطهران لمدة خمس سنوات، وتوسيعه لينتقل إلى البعد الاستراتيجي، إلا أن البعد السياسي لهذا الاتفاق لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي الذي يهدف إليه، وهنا فإن التوظيف السياسي لهذا الاتفاق يحظى بالأهمية نفسها، وعلى المستوى ذاته لكل من النظام الإيراني والدولة الصينية في إطار الصراع والمواجهة بينهما وبين الولايات المتحدة الأميركية.

الموقف الإيراني الذي سرّع إبرام هذا الاتفاق ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية التي رسمها المرشد الأعلى للنظام في الرسالة التي وجهها للرئيس الروسي فلاديمير بوتن قبل أكثر من شهر، ودعا فيها بحسب التسريبات إلى تشكيل محور ثلاثي بين إيران وروسيا والصين، والانفتاح على دول شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وغيرهما، الذي سيقود العالم في المستقبل انطلاقاً من اعتباره أن القرن الحالي هو قرن آسيوي في الاقتصاد والسياسية والأمن والعسكر، على حساب تراجع الدور والنفوذ الأميركي في العالم نتيجة لأزماته المتراكمة.

الخطوة الإيرانية في حسم موقفها بحسم الجدل والانتقال إلى مرحلة التوقيع، يأتي في إطار الرد على العقوبات الأميركية والحصار الخانق الذي فرضته واشنطن بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، وعدم التزامها بتنفيذ ما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2231)، إضافة إلى فشل كل الجهود التي تضمنت تنازلات قدمتها إيران عبر الشركاء الأوروبيين في الاتفاق حول إمكان فتح أسواقها وقطاعاتها الإنتاجية والصناعية أمام الاستثمارات الأميركية المباشرة، في مقابل رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق، وبالتالي فإن طهران تسعى من وراء التوقيع على هذا الاتفاق إلى توجيه رسالة لواشنطن والعواصم الأوروبية بوجود خيارات بديلة، وأن خيار التوجه نحو الشرق أصبح خياراً استراتيجياً للنظام مع استمرار الضغوط الأميركية، وأن هذا الاتفاق سيوفر لطهران غطاء للتمسك بموقفها الرافض لأي تفاوض حول برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي، الذي سيتحول إلى ممر لدور ونفوذ أكبر وأوسع لكل من بكين وموسكو في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة الدور الأميركي، يساعدهما باستغلال أزمة واشنطن مع النظام الإيراني لتكريس شراكتهما على الساحة الدولية.

وعلى الرغم من احتفاظ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بموقفها المتشدد من الطموحات الصينية، وتأكيدها سياسة التصدي لها والحد من تأثيراتها الاقتصادية في الدور الأميركي العالمي، خصوصاً بعد التوتر الذي سيطر على الاجتماع الأخير الذي جرى في مقاطعة ألاسكا بين وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن ووانغ يي بمشاركة مسؤول السياسات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني ومستشار الأمن القومي الأميركي، إلا أن القيادة الصينية وجدت في التغيير الذي حصل في إدارة البيت الأبيض والتحدي المباشر الذي فرضته عليها، فرصة لتفعيل نشاطاتها الدبلوماسية في القضايا الدولية، خصوصاً في أزمات الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية بخاصة، من خلال الطرح الذي تقدمت به لاستضافة مفاوضات مباشرة في بكين بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني تحت سقف البحث عن السبل التي تساعد في تطبيق حل الدولتين وإنهاء الصراع بينهما.

ووجدت أيضاً الفرصة أمامها سانحة لحسم موقفها من التوقيع على الاتفاق مع النظام الإيراني، والتخلي عن حال انتظار النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وما تحمله هذه الخطوة من رسالة إلى واشنطن من حيث حجم الاستثمارات التي يتضمنها هذا الاتفاق البالغة قيمته نحو 400 مليار دولار، والذي أخرج واشنطن من دائرة التنافس عليها في حال حصول علاقات مرتقبة بين إيران والولايات المتحدة في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسعى بكين إلى توسيع هامش تأثيرها في قضايا الشرق الأوسط، فهي إلى جانب مبادرتها حول القضية الفلسطينية تعمل على بلورة مبادرة شاملة من نقاط عدة، تهدف إلى المساعدة في حل مختلف المسائل التي تهم دول المنطقة، وتقوم على تأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين دول المنطقة، تؤسس لشراكة في التنمية والسلام، تساعدها بالاعتماد على تفاهمات إقليمية في إيجاد حلول سياسية للأزمات التي تعانيها دول عدة في الشرق الأوسط، في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها، وتكون القضية الفلسطينية في صلب جهود تحقيق العدالة الدولية لشعوب هذه المنطقة.

الرؤية الصينية لم تستبعد الهواجس الدولية عامة والإقليمية بخاصة، وتحديداً العربية والإسرائيلية من الطموحات النووية الايرانية، لذلك فمن المتوقع أن تشمل العمل على وضع خريطة طريق لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في هذه المنطقة، وتساعد في وضع إطار زمني لإعادة تفعيل الاتفاق النووي في المستوى المتعلق بالأزمة الأميركية - الإيرانية، والدفع باتجاه تدوير زوايا الشروط المبادلة بينهما، بحيث تلجأ واشنطن إلى خطوات عملية لرفع العقوبات عن إيران، في مقابل أن تلتزم طهران بالعودة لالتزاماتها وتعهداتها النووية في الاتفاق.

وتقترب الرؤية الصينية في ما يتعلق بأمن المنطقة من الرؤية الإيرانية التي سبق أن كشف عنها الوزير ظريف تحت اسم "أمن هرمز"، إذ من المحتمل أن تتضمن المبادرة الصينية دعوة إلى إقامة "أمن جماعي مشترك" بين دول المنطقة، لتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، يأخذ بعين الاعتبار هواجس جميع الأطراف واستعدادها لاستضافة حوارات هذه الأطراف على أراضيها، ورعايتها بهدف التوصل إلى تفاهمات حول أمن الخليج، بما فيه أمن المشتقات النفطية والمعابر البحرية، ووضع آلية لتعزيز الثقة في الشرق الأوسط، مما يعني أن بكين تنضم إلى طهران وموسكو في مساعي تقليل التدخل الأميركي المباشر أو عبر الناتو أو أي تحالف آخر (ناتو إقليمي) في أمن المنطقة، ولا يأخذ بعين الاعتبار مخاوف الأطراف الأخرى غير المشاركة في هذه التحالفات أو تعارضها. 

الدخول الصيني إلى أزمات الشرق الأوسط، بخاصة في ما يتعلق بالتوترات الإيرانية - الخليجية، وإن كان الهدف المباشر منه تكريس دور لبكين من بوابة شراكتها في الاتفاق النووي في إطار المجموعة السداسية "5+1"، إلا أن الهدف قد لا يكون بعيداً من الاشتباك المحتدم بينها وبين واشنطن على خلفية الطموحات الاقتصادية لبكين، وتعزيز مواقعها لتوسيع مشروعها "حزام واحد، طريق واحد" الذي يشمل 19 دولة في الشرق الأوسط، ويشكل أحد أبرز الهواجس ومصادر القلق الاقتصادي للإدارات الأميركية.

وعلى الرغم من التوقيع الرسمي على الاتفاق بين ظريف ووانغ في طهران، فإن هذا لا يعني أن الجدل الداخلي الإيراني لن يتحول إلى مادة للصراع السياسي بين القوى السياسية الإيرانية، ومحاولة توظيفه في لعبة الانتخابات الرئاسية والسيطرة على مراكز القرار في السلطة، خصوصاً أن الاتفاق يأتي من خارج السياقات الطبيعية التي تفترض إشراك السلطة التشريعية في المحادثات التي أوصلت إلى الصياغة النهائية له، بخاصة أن زيارة الوزير الصيني شملت لقاء الرئيس السابق للبرلمان علي لاريجاني، الذي وصف بأنه أحد الرعاة الأساسيين لهذا الاتفاق والتفاوض حوله، الأمر الذي يعيد وضعه في دائرة التنافس الحقيقي في السباق الرئاسي على حساب الموقف السلبي للقوى المحافظة التي استبعدته من لائحة الأسماء المرشحة لتبنيها في الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن أن هذه الأطراف لن تصمت عن إمكان مواجهة التجربة نفسها التي رافقت الاتفاق النووي، واستبعاد البرلمان من مجريات المفاوضات ونصوص الاتفاق، وحصر التعامل في المجلس الأعلى للأمن القومي بقرار من المرشد الأعلى، في حين أن جهات أخرى ترى في الاتفاق مع الصين مقدمة لفتح معركة جديدة مع واشنطن، قد تعقد عملية التفاوض حول رفع العقوبات والعودة لتفعيل الاتفاق النووي والانفتاح على العالم والمجتمع الدولي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل