Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السفر باني الحضارات يواجه إجراءات كورونا

تراجع التنقّل بواسطة الطائرات بشكل لم تشهده العلاقات البشرية سابقاً

تراجعت حركة السفر منذ بدء انتشار فيروس كورونا (أ ف ب)

لن يتوقف تطوّر السفر والانتقال، مهما تغيّرت ظروف سكان هذا الكوكب الأزرق. فالسفر والانتقال من مكان إلى آخر دأب البشر منذ ملايين السنين، وبسببه انتقلوا بين القارات وأقاموا الحضارات وتعارفوا ونقلوا المعارف، وباتوا على قدم المساواة في مسيرة التطوّر، بعدما كان التفاوت سيد الموقف قبل عشرات القرون، بحسب الباحثين في الإنتربولوجيا. فالسفر ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر سواء كان قريباً أو بعيداً، بل هو فعل تواصل واتصال وتعرّف وتعارف وبناء ثقافة وحفظ ذكريات وتطوير الذات وبناء شبكات اجتماعية وثقافية واقتصادية.

اليوم وفي ظلّ جائحة كورونا تراجع السفر والتنقّل بواسطة الطائرات بشكل لم تشهده العلاقات البشرية سابقاً، فقرارات الإقفال الجزئي أو التام ومنع السفر التي اتخذتها معظم دول العالم أدت إلى عدد من المشكلات الكارثية على مختلف الصعد، أولاً على المستوى النفسي للأفراد المحجورين والممنوعين من التنقّل، ومن ثم على المستوى الاقتصاد العالمي الذي كان السفر بغاية السياحة أو العمل أو التجارة أو التعلّم، يضخ تريليونات الدولارات سنوياً.

جميع الخبراء يقولون إن السفر خلال كورونا وما بعدها لن يعود إلى ما كان عليه قبلها. ستتغيّر طرق السفر وتكاليفه وغاياته.

لكن قبل الدخول في وضع السفر في العالم خلال جائحة كورونا المستمرة، فلنعرّف السفر وأهميته ودوره في الحضارة الإنسانية.

لماذا السفر أحد أسس تطوّر الحضارة البشرية؟

السفر هو فعل بنتائج كثيرة، كلها تبدّل في نفس وشخصية المسافر والمترحّل بين البلدان والمجتمعات المختلفة، خصوصاً أنه شاع في عصرنا أكثر من أي وقت مضى، حتى بات فعلاً اعتيادياً لمعظم البشر، مهما تباطأ أو تقطًّع أو تسارع تكراره.

يمكننا القول إنه في البداية كان السفر. تنقّل البشر الأوائل من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والكلأ لهم ولقطعانهم، قبل اكتشاف الزراعة وبدء الاستقرار. في الحضارات البدائية كان لا بد من الانتقال كجزء من "الصراع من أجل البقاء"، بحسب نظرية داروين. وهكذا بحسب الدراسات الإنتربولوجية انتقل البشر الأوائل من أفريقيا وتوزعوا في آسيا ومن ثم أوروبا ومنها إلى أميركا. فلولا هذا الانتقال والسفر والهجرة لما اكتشف البشر أرضاً جديدة، ولا بنوا الحضارات المختلفة، ولا تطوّرت الحضارة البشرية برمّتها. السفر فعل حاضر دائماً في تاريخ الإنسان. إنه القاعدة، وانعدامه هو الاستثناء. 

هناك بيتان من الشعر يُنسبان إلى الإمام الشافعي، يقول فيهما: "تغَرَّبْ عن الأوطان في طلب العُلى/ وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائدِ/ تَفَرُّجُ همٍّ واكتسابُ معيشة وعلمٌ وآداب وصحبة ماجِد".

قد يكون في هذين البيتين اختصار كبير لأهمية السفر من بلد إلى آخر أو في داخل البلد نفسه حين يضم مجتمعات وثقافات مختلفة ومناطق جغرافية متنوّعة. 

دعائم السفر تاريخياً

حين استقر البشر في الحواضر على ضفاف الأنهار وفي الأودية والسهول واستأنسوا بالحيوانات وبدأوا في الزراعة، أي في الإنتاج، بات لا بد من التبادل التجاري. والتجارة تعني أولاً السفر من حاضرة إلى أخرى. وأدت بدوره إلى تطوير وسائل النقل والسفر، وتبادل المعارف والاكتشافات. بل وكان للتجّار الأوائل دور أساس في اكتشاف العالم وفي رسم خريطته البدائية الأولى. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، كانت الممالك السومرية في بلاد ما بين النهرين تستورد سلعاً من أفغانستان، عبر ما كان يُعرف بطريق خراسان الكبير. ولخدمة قوافل التجار، نشأت على جنبات هذه الطريق محطات استراحة وتموين. وراحت هذه المحطات تكبر شيئاً فشيئاً حتى أصبحت مدناً وممالك تحرّرت تدريجاً من الهيمنة السومرية لتشكِّل نواة ما عُرف بالإمبراطورية الفارسية، بحسب موسوعة "تاريخ العالم".

وهذا ما حدث أيضاً مع حركة المسافرين على طريق الحرير التي تصل الشواطئ الشرقية للصين بالإسكندرية على ساحل المتوسط. 

وفي الجزيرة العربية ظهرت طريق البخور بسبب السفر التجاري. فقد كان هذا الطريق معبراً للتجارة الدولية بين دول العالم القديم.

السفر المعاصر

مع تطوّر وسائل التنقّل لم يعد السفر مهمة صعبة بذاته، فبوجود الطائرات والقطارات السريعة والسفن، بات بالإمكان السفر لأيام معدودة من أجل القيام بعمل ما، أو السفر لعطلة تطول أو تقصر من أجل السياحة والترفيه. والأمر كذلك بالنسبة إلى طلاب العلم، فقد بات طلب العلم سهلاً سواءً بالانتقال إلى الجامعة أو التعلم عن بعد، ولم يعد قول "أطلب العلم ولو في الصين" يثير الرهبة في النفوس، فالصين في ظلّ وسائل النقل الحديثة باتت على مرمى حجر من أي مكان في العالم، وذلك على سبيل المثال. 

وبات الطلاب يشكلون نسبة أساسية من حركة المسافرين حول العالم. وبدءاً من أواسط القرن العشرين، ظهر دافع إضافي يتعلَّق بحشرية المعرفة تجاه الثقافات المختلفة، فتنقّل آلاف وربما ملايين الطلاب من مواطني الدول المتقدمة إلى بلدان أخرى للدراسة الجامعية فيها. فالسفر والاحتكاك بثقافة مختلفة باتا جزءاً حيوياً في عملية اكتساب المعارف. ودخل السفر والسياحة في المناهج الدراسية وبات لهما اختصاصات معينة، في العلوم السياحية وعلم اجتماع السفر... إلخ.

السياحة وأنواعها

قبل ظهور فيروس كورونا، كانت دائرة السياحة تدور حول العالم دوراناً حثيثاً، فقد أصبح السياح الباحثون عن الترفيه والترويح عن النفس وتمضية العطل والإجازات في بلاد أخرى بعد سنة كاملة من العمل، العمود الفقري للمسافرين حول العالم. لكن مفهوم السياحة نفسه لم يكن معروفاً قبل قرون عدة، وبحسب الموسوعة البريطانية، فإن كلمة "Tourist" الإنجليزية لم تظهر إلا عام 1772، أما كلمة "Tourism" أي سياحة فلم تظهر إلا عام 1811. أي أن السفر للسياحة لم يكن معروفاً بحد ذاته.

من أشهر أنواع السياحة هي الثقافية، وهي أصلها ولا تزال تمثل الحيِّز الأكبر منها عالمياً وعلى رأسها زيارة المواقع الأثرية، وهناك ما يُعرف بالسياحة البيئية أو الطبيعية. وهناك السياحة في الصحراء أو في الغابات والسياحة الرياضية حيث يمارس السياح أنواعاً من الرياضة كالمشي والتسلّق، أو يسافرون لمشاهدة فعاليات رياضية كالألعاب الأولمبية والمونديال، وبالطبع هناك السياحة الأكثر رواجاً وهي الاستجمام، التي يقوم بها الموظفون وأصحاب الأعمال لإراحة أنفسهم وأجسادهم بعد فترات طويلة من العمل.

السفر خلال كورونا وبعدها

ثم وصل فيروس كورونا، فكان الأزمة الكبرى على السفر والسياحة بكل أشكالها.

لنبدأ بالأرقام. بحسب "منظمة السياحة العالمية" هناك 300 مليون شخص يعملون في صناعة السياحة. وقدّمت هذه الوظائف مسارات للخروج من الفقر، وفرصاً للحفاظ على التراث الثقافي في الدول النامية. 

وقد أدى تفشي جائحة كورونا إلى تعريض ثلث وظائف قطاع السياحة للخطر، بحسب شركات الطيران في أنحاء العالم التي أعلنت أنها تحتاج إلى ما يقدر بنحو 200 مليار دولار من أجل عمليات الإنقاذ المالي.

وتتوقع صناعة السياحة البالغ حجمها 7.‏1 تريليون دولار، تسجيل خسائر سنوية تصل نسبتها إلى 80 في المئة، بحسب تقرير صدر في يوليو (تموز) الماضي عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. ومن الممكن أن تتضخم النسبة بصورة كبيرة، كلما زادت مدة تأثر رحلات السفر الدولية بالجائحة.

يتفق جميع المعنيين بعالم السفر والسياحة أن السفر سيتغيّر بصورة لا رجعة فيها بسبب جائحة كورونا مع تطلع الناس إلى زيارة آلاف المدن الصغيرة وقضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء وأفراد العائلة، هذا في حال فتحت الدول حدودها في وقت قريب. وبرأيهم فإن السياحة التقليدية إلى المعالم السياحية ستتراجع بشدة، إذ سيفضّل المسافرون قيادة سياراتهم إلى مجتمعات أصغر والحد من السفر جواً.

وبحسب تقرير نشر في موقع "سي أن أن" الأميركي، فإن إجراءات السفر ستشهد تغييرات جذرية، أسوة بالتي طرأت بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لتأمين سلامة المسافرين.

الإجراءات الجديدة

تنبأت شركات الطيران والسياحة بالإجراءات التي ستتخذ في الفترة المقبلة، بخاصة عند عودة حركة الطيران إلى وضعها الطبيعي أو شبه الطبيعي. ومنها على سبيل الافتراض لا الحسم، أنه ينبغي على المسافرين قبل السفر بنحو 24 ساعة، الدخول إلى شركة الطيران الخاصة برحلتهم، وتسجيل المعلومات الخاصة، وتحميل وثيقة طبية تؤكد أنهم أجروا فحصاً للفيروس بنتيجة سلبية، وسيُطلب منهم إجراء الفحص (PCR) قبل 48 ساعة من رحلة الإقلاع.

وعلى المسافرين حمل الكمامات ومواد التعقيم الخاصة بهم. وسيكون عليهم الحضور إلى المطار قبل أربع ساعات من موعد الرحلة، حيث يتم فحصهم ومن ثم المرور بأجهزة التعقيم. وسيكون هذا الإجراء ضرورياً وتحت إشراف منظمة الصحة العالمية. وقبل ثلاث ساعات من موعد الرحلة، يبدأ المسافرون بتسليم حقائبهم، والتي ستفحص باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، ومن ثم يعاين موظفو شركة الطيران جوازات السفر والتذاكر، ثم التوجه إلى نقطة التفتيش الأمني.

عند الوصول إلى نقطة التفتيش، يمرّ المسافرون بفحص طبي ثانٍ يشمل درجات الحرارة، كما يخضعون إلى تعقيم جديد، وفحص الحقائب الصغيرة وتعقيمها.

وبعد الانتهاء من الإجراءات الأمنية، يتوجهون إلى قاعات الانتظار التي ستكون مجهزة أيضاً بمداخل خاصة للتعقيم، ثم ينتظرون في الأماكن المخصّصة لهم، مع التنبه إلى إجراءات التباعد الاجتماعي.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات