Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تستورد معدات الوقاية الشخصية من ماليزيين متهمين بممارسة العبودية الحديثة

قفازات شركة "برايتواي هولدينغز" تصل إلى عاملين في "خدمات الصحة الوطنية"

جزء من معدات الوقاية الشخصية تأتي من مصانع تمارس أساليب العبودية الحديثة (أ ف ب)

تستطيع "اندبندنت" الكشف عن أن الحكومة البريطانية ما زالت مستمرة باستيراد "معدات الوقائية الشخصية" من شركات متهمة بممارسة العبودية الحديثة، على الرغم من وعود أطلقت سابقاً باتخاذ إجراءات صارمة ضد مصنّعين متهمين باستغلال عمالهم.

في هذا الإطار، وبعد خمسة أشهر من إعلان وزارة الداخلية البريطانية عن "تدابير صارمة جديدة" لمواجهة مخاطر تسلل (منتجات مصنّعين يمارسون) العبودية الحديثة، إلى سلاسل إمدادات المعدات والبضائع بالمملكة المتحدة، كشف النقاب أخيراً عن استخدام العاملين في القطاع الصحي البريطاني، قفازات طبية تصنعها شركة "برايتواي هولدينغز" Brightway Holdings الماليزية. وتعد الشركة المذكورة أحد أكبر منتجي القفازات المطاطية في العالم، وتخضع حاضراً إلى تحقيق تجريه وزارة العمل الماليزية إثر اتهامات زعمت أن "برايتواي" تجبر مئات من عمالها على العيش في ظروف مزرية داخل مستوعبات معدنية تعود في الأصل إلى أعمال النقل والشحن. وفي ذلك السياق، بعد مداهمة حصلت في ديسمبر (كانون الأول) المنصرم للموقع الذي تخصصه الشركة لسكن عمالها، أقر وزير المصادر البشرية الماليزي إن "الأمر يبدو عبودية حديثة". وحصلت "اندبندنت" على صور من موقع عمليات المداهمة الحساسة، تظهر صفوفاً من الأسرّة المحشورة والمكوّمة فوق بعضها بعضاً داخل مستوعبات معدنية.

واستطراداً، تواجه شركة "برايتواي" 30 اتهاماً، وغرامات محتملة، نتيجة ما يحكى عن فشلها في احترام معايير إيواء العمال. وفي المقابل، بينت الشركة أن عمالها يقطنون في مضافات، بيد أنها أقرّت بوجود "ازدحام" فيها، وذكرت أنها تعمل على تحسين ظروف سكن موظفيها. وفي هذا السياق، علمت "اندبندنت" أن عدداً من الدول الكبيرة، من بينها بلدان في أميركا الشمالية، تفكر راهناً بحظر منتجات الشركة (برايتواي).

وعلى الرغم من الدلائل التي تشير إلى استغلال العمال وسوء معاملتهم من قبل "برايتواي"، إلا أن القفازات الطبية التي تنتجها هذه الشركة وجدت طريقها في الآونة الأخيرة الى واحد على الأقل من مستشفيات هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" في جنوب إنجلترا. ويضاف إلى ذلك وجود مخاوف من أن تحظى الإمدادات تلك بانتشار واسع في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. في هذا الإطار، نقل إلى "اندبندنت" مصدر في المستشفى المذكور إن شحنة كبيرة منها وصلت في أواخر فبراير (شباط) الماضي. وتابع المصدر موضحاً، "سوف يكون هناك الآلاف من قفازات "برايتواي" الطبية متداولة في أجنحة المستشفى. أكوام من الصناديق. لدينا شحنة كاملة منها".

وفي إحدى الصور التي التقطت بمستودع المستشفى المذكور، يمكن معاينة أحد صناديق بضائع "برايتواي"، يحمل رمز عقد الشراء (أو الصفقة) الصادر من "وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية" البريطانية. وتظهر التواريخ على الصناديق أن القفازات صنعت في نوفمبر (تشرين الثاني) السنة الفائتة، ويعتقد أنها وصلت إلى بريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) أو مطلع يناير (كانون الثاني) 2020. ويحتوي مستودع في المستشفى نفسه، بجنوب إنجلترا، على كميات مخزنة من قفازات طبية إضافية مصدرها "سوبرماكس"، الشركة الماليزية الأخرى المتهمة أيضاً باستغلال عمالها. وسبق لعمال في الشركة الأخيرة أن ادعوا إنهم يعملون 12 ساعة في اليوم، على مدى 29 يوماً تقريباً، من دون استراحة. وقد قارن أولئك العمال أحد مصانع "سوبرماكس" بـ"السجن".

من ناحية أخرى، نفت الشركة المذكورة تلك الاتهامات والمزاعم، مشيرة إلى إنها تعمل وفق الأنظمة والقوانين الماليزية.

في السياق ذاته، ارتبطت مجموعة من أسماء مصنّعي قفازات طبية عدة في ماليزيا، بعمليات توظيف غير قانونية لمهاجرين فقراء من بنغلاديش والنيبال، وإجبارهم على العيش والعمل في ظروف مروّعة. كما اتهم بعض شركات التصنيع بمصادرة وثائق سفر العمال، وتركهم عرضة للوقوع فريسة الديون، إذ يجبرون على تسديد ديون لا يمكن التخلص منها.

في هذا الجانب، تفيد مصادر من داخل هيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، بأن الاندفاع العالمي للحصول على القفازات والكمامات الطبية مع بداية الجائحة، وهو الأمر الذي رفع أسعارها بمعدل تخطى الـ1000 في المئة في بعض الحالات، قاد إلى حالة من الارتباك وسوء التواصل والذعر. وحدث ذلك في إطار المساعي المتسارعة التي بذلتها "وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية" للاتصال بقنوات إمداد "معدات الوقاية الشخصية"، وأوساط مسؤولين تسابقوا في الحصول على أي إمدادات متاحة، بغض النظر عن مصادرها.

ومع عمليات شراء المعدات والتجهيزات التي أشرفت عليها وتحكمت بها هذه الوحدة المركزية (وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية)، بات من الأرجح أن تكون قفازات "برايتواي" انتشرت أيضاً في مستشفيات أخرى بأنحاء إنجلترا. إذ ذكر ذلك المصدر المطلع في هيئة "الخدمات الصحية الريطانية" إن "هذه المعدات والإمدادات جاءت عبر آليات وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، لذا من المؤكد أن الأمر ذاته حصل في أمكنة أخرى". تابع المصدر، "لدي معلومات تفيد بأنهم خزنوها في مستودعات ضخمة عدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت سابق، كشفت "اندبندنت" عن تجاهل الحكومة أصوات تعالت داخل المملكة المتحدة محذرة من قطاع صناعة القفازات في ماليزيا. وقد اشترت "معدات الوقاية الشخصية" من شركات متهمة بممارسة العبودية الحديثة.

في المقابل، ردت وزراة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية على هذه التحذيرات والمخاوف، بأنها طلبت من جميع منتجي القفازات الإجابة عن أسئلة تقييمية توضح موقعهم من مسألة العبودية الحديثة، وإن الشركات التي تخالف "نظام تأمين معايير العمل" Labour Standards Assurance System، الذي يسعى إلى ضمانة ممارسات العمل السليمة في مصانع المنتجين، والمعتمد من قبل هيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، سوف تستبعد من لائحة سلاسل الإمدادات التي تعتمدها المملكة المتحدة.

في السياق نفسه أثناء سبتمبر (أيلول) الماضي، ذكرت الحكومة البريطانية إن الهيئات العامة التي لديها ميزانية تبلغ 36 مليون جنيه استرليني (حوالى 50 مليون دولار) أو أكثر، من ضمنها السلطات المحلية في إنجلترا وويلز، سوف يطلب منها بانتظام التصريح عن الخطوات التي اتخذتها لتلافي تسلّل منتجات صنعتها أطراف تمارس العبودية الحديثة، إلى سلاسل إمداداتها. وعن كيفية وصول قفازات "برايتواي" إلى "الخدمات الصحية الوطنية". وأوضحت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إن [تلك المنتجات] جاءت عبر شركات وسيطة حصلت على "معدات الوقاية الشخصية" قبل بيعها للحكومة البريطانية. وأن العقد الذي جاءت عبره انتهت صلاحيته منذ وصولها.

وفي هذا الصدد، رفضت الوزارة تقديم معلومات إضافية تتعلق بذلك العقد، ومقدار المال المستمد من دافعي الضرائب الذي أنفق عليه، وإيضاح هوية مؤمّني الإمدادات المسؤولين عن الاستحصال على بضائع "برايتواي". وقد علِمَ أن الحكومة ملزمة قانوناً بنشر اسم الجهة التي فازت بعقد التوريد contract award notice، خلال 30 يوماً بعد منح أي عقد لتأمين أغراض أو خدمات عامة بقيمة تزيد على 120 ألف جنيه استرليني (حوالى 180 ألف دولار أميركي). وعن هذا الأمر، أعلن بوريس جونسون بالخطأ الشهر الفائت، أن "جميع التفاصيل مدونة. والعقود موجودة في سجلاتنا، وبإمكان أي شخص الاطلاع عليها". واليوم، إزاء ما يبدو أنه انتهاك قامت به الحكومة بحق أنظمتها، على الرغم من تشديدها مراراً وتكراراً على عدم التعامل مع شركات تمارس العبودية الحديثة، دعا ناشطون بريطانيون إلى إجراء تحقيقات عاجلة في مصادر سلسلة إمدادات "الخدمات الصحية الوطنية"، والتشديد على قواعد الشفافية.

وفي سياق متصل، تحدّث أندي هول، الخبير في شؤون وقضايا العمالة المهاجرة، والذي يهتم على نحو خاص بالعمالة القسرية في سلاسل إمدادات القفازات، إلى "اندبندنت" عن "وجود هذه القفازات المشبوهة المصدر في مستشفيات المملكة المتحدة، على الرغم من التحذيرات الواضحة التي تلقتها الحكومة تجاه تلك الشركات التي تمارس العبودية الحديثة، يظهر مرة أخرى كيف أن ادعاءات الحكومة بالانتباه لهذه المسألة في سلاسل إمدادات مستلزماتها العامة، ليست سوى ادعاءات فارغة".

في إطار عام، يذكر أن 1 في المئة من "معدات الوقاية الشخصية" المستخدمة في بريطانيا قبل الجائحة، كان يصنّع هنا في هذا البلد. ولذا، أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) الماضي عن عزمها رفع ذاك المعدل إلى 70 في المئة. على هذا الأساس يتساءل الناشطون اليوم عن سبب استمرار منتجي تلك المعدات خارج بريطانيا، من أصحاب التاريخ الحافل باستغلال العمال، في تزويد المملكة المتحدة بالإمدادات.

وفي الإطار ذاته، أخبرت "اندبندنت" من قِبَل نصرت الدين، المحامية في مكتب "ويلسون للمحاماة" Wilson Solicitors والمتخصّصة بقضايا التهريب والعبودية الحديثة، إنه "من الصائب في موازاة مواجهتنا الجائحة العالمية، ملاحظة كيف يلقى العمال في الجهة الأخرى من العالم الاستغلال كي يتسنى لنا هنا أن ننعم بالوقاية، على الرغم مما أعلنته الحكومة (البريطانية) من نوايا تهدف إلى زيادة إنتاج "معدات الوقاية الشخصية" في المملكة المتحدة".

وأوضحت نصرت الدين أن "قانون (مكافحة) العبودية الحديثة" Modern Slavery Act، الصادر سنة 2015، لم يكن صالحاً لهذا الغرض "من ناحية رفع مستوى الشفافية بإطار سلاسل الإمدادات" (للتأكد والتدقيق في مصادرها). وأردفت المحامية، "يقضي القانون بقيام شركات محددة، وقريباً الهيئات العامة، بنشر الوقائع التي أجروها بهدف مكافحة منتجات أطراف تمارس العبودية الحديثة، إلى سلاسل إمداداتهم". وتابعت، "إلا أنه ليس هناك نسق معايير محدد كي تستند إليه تلك الخطوات. لذا، حتى لو اتخذت الشركات تدابير فعالة، يبقى عليها أن تستوفي شروط الحكومة".

في المقابل، بادر البروفيسور محمود بهوتا، الجراح في الـ"الخدمات الصحية الوطنية" والمشارك في تأسيس "مجموعة التجارة الأخلاقية والعادلة للمستلزمات الطبية" في الرابطة الطبية البريطانية، إلى مناشدة الحكومة لـ"اتخاذ موقف قوامه مساندة العمال الذين تدّعي حمايتهم".

وفي هذا الإطار، أخبر بهوتا "اندبندنت"، "نعلم أنه عندما منحت الحكومة عقوداً عن إمدادت "معدات الوقاية الشخصية"، أوردت أن الشركات التي فازت بالعقود ينبغي أن تمتثل للقانون البريطاني المتعلق بالعبودية الحديثة من ناحية ما تنتجه من هذه الإمدادات". وأردف، "إلا أننا، مرة جديدة، شهدنا استخفافاً صفيقاً بشروط العقود". وتابع "متى ستجري مساءلة تلك الشركات؟ متى يمكنني في عملي أرتداء قفازات من دون الإحساس بالتواطؤ تجاه معاناة بشر؟"

وفي رد على ذلك، أفاد متحدث باسم الحكومة البريطانية: "نأخذ كل هذه الاتهامات والمزاعم في مسألة العبودية الحديثة على محمل الجد. إذ يتوجب على جميع المنتجين احترام أعلى معايير القانون والأخلاق". وتابع، "إن جميع أولئك الذين وقعوا عقود طلبيات مواد لمصلحة "الخدمات الصحية الوطنية" عليهم فهم طبيعة السلاسل التي يؤمنونها تماماً، والتصرّف بمسؤولية. فنحن لن نمنح عقوداً لمن لا يبلغ مستوى تلك المعايير".

في المقابل، ذكر المتحدث باسم شركة "برايتواي" إن "سلامة قوانا العاملة وخيرهم سيبقيان دائماً أولوية بالنسبة لنا. إلى هذا، فإن هناك إجراءات تحقيق وتدقيق تأخذ مجراها استناداً إلى التزاماتنا الاجتماعية، وسوف نكون سعداء بمشاركة تقارير الإجراءات ونتائجها فور انتهائها".

© The Independent

المزيد من دوليات