Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشهد النفط الصخري "طفرة ثالثة"؟

انتعاش الإنتاج الحالي ما زال تحت ضغط خفض الإنفاق وسط قيود جديدة على الشركات

انتعاش الإمدادات من الخام الصخري سيكون محدوداً خلال العام الحالي (رويترز)

يرافق ارتفاع أسعار النفط مخاوف من التوسع في الإنتاج حول العالم، خاصة الدول خارج منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها المعروفة بـ"أوبك+"، والتي لا يقيدها التزام مثل أعضاء التحالف، ويبرز النفط الصخري الأميركي كأكبر منافس محتمل لزيادة الإنتاج مع انتعاش الأسعار الأخير.

ومع استمرار تداول أسعار النفط قرب 70 دولاراً للبرميل، تجدد الحديث مرة أخرى عن أن طفرة ثالثة في إنتاج البترول الصخري في الولايات المتحدة بدأت تلوح في الأفق، وسط إجماع على أنها ستكون مختلفة تماماً عن الطفرتين السابقتين.

وبحسب محللين، فإن ظهور "طفرة ثالثة" في إنتاج النفط الصخري الأميركي يخضع لقيود جديدة، وليس بالسهولة التي يراها البعض، في حين نجد روسيا، عضو تحالف "أوبك"، دائمة التخوف، وتعبر بشكل متكرر عن ارتفاع حصة الخام الصخري بسبب ارتفاع الأسعار والاستحواذ على جزء من الحصة السوقية لصالح النفط الأميركي.

وعلى الرغم من إقدام الشركات الأميركية على زيادة أعمال الحفر في مناطق رئيسة فهي  أقل مستويات لها منتصف العام الماضي، لذلك فإنه من المرجح أن يظل الإنتاج تحت ضغوط خفض الإنفاق لتخفيض الديون المتراكمة وزيادة عوائد المساهمين.

وترى منظمة "أوبك" وشركات النفط الأميركية، أن انتعاش الإمدادات من الخام الصخري سيكون محدوداً خلال العام الحالي، إذ يعمل كبار المنتجين الأميركيين على تثبيت الأعمال على الرغم من ارتفاع الأسعار، وهو ما يفيد المنظمة وحلفاءها".

انتعاش أسرع

في المقابل، يري بنك "جيه بي مورغان" أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى انتعاش أسرع للنفط الصخري، مضيفاً في تقرير في فبراير (شباط) الماضي، أنه "ما دام لدى الشركات رصيد كافٍ لاستكماله من الآبار التي حفرت ولم يبدأ الاستخراج منها، فينبغي أن تكون قادرة على زيادة الإنتاج بسهولة في الوقت الذي تحافظ فيه على الإنفاق الاستثماري تحت السيطرة".

وساعدت شركات النفط الصخري، الولايات المتحدة على أن تصبح أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، حين ضخت نحو 13 مليون برميل يومياً أوائل عام 2020، قبل أن تنهار الأسعار بالربع الثاني من العام وتتأثر صناعة النفط جراء انخفاض الطلب بسبب تداعيات كورونا، في حين أسهم في خفض الاعتماد الأميركي النفط الوارد من الخارج إلى متوسط حالي بين 6 و7 ملايين برميل يومياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والنفط الصخري هو زيت خام عالي الجودة يقع بين طبقات من الصخر أو الحجر الطيني، إذ تقوم شركات الإنتاج بالحصول عليه، من خلال تكسير التكوينات الصخرية التي تحتوي على طبقات النفط.

طفرتا 2014 و2016

حدثت طفرة النمو الأولى للنفط الصخري في الولايات المتحدة على مدار السنوات الأربع السابقة لـ2014، حيث كانت الصناعة في مرحلة الطفولة المبكرة، واستفادت بقوة من أسعار فاقت 100 دولار للبرميل.

وعلى الرغم من النضج السريع خلال هذه الفترة التي شهدت ارتفاع الإنتاج بمقدار 3.9 مليون برميل يومياً، فإن الصناعة تلقت درساً صعباً على خلفية الانهيار في أسعار النفط، الذي وقع في منتصف عام 2014.

أما مرحلة الطفرة الثانية فبدأت عام 2016، وكانت أشبه بمرحلة التقاط الأنفاس لاستيعاب الطفرة الأولى، حيث كان كثير من لاعبي النفط الصخري الأميركيين قد اعتادوا على تغير الصناعة بشكل جوهري مع التركيز على مواصلة إنتاج الخام الصخري ليصل إلى 13 مليون برميل يومياً.

وشكل تحديد المناطق الأكثر إنتاجية واستغلالها، وإنشاء بنية تحتية لنقل الخام والمنتجات النفطية إلى الأسواق المحلية والعالمية، تحديات كبيرة خلال الطفرة الثانية التي كانت تقترب بالفعل من نهايتها قبل ظهور وباء كورونا بشهور، ومن ثم استسلم المنتجون في وجه انهيار الأسعار أثناء أزمة الفيروس.

النطاق السعري جيد

من جهته، يرى المتخصص في الشؤون النفطية، كامل الحرمي، أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى طفرة ثالثة في إنتاج البترول الصخري، لا سيما أن النطاق السعري الحالي يعد جيداً ومشجعاً لشركات البترول الصخري، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية.

وأضاف أنه كلما زادت أسعار الخام تمكن منتجو النفط الصخري من ربط الأسعار بالإنتاج المستقبلي عند مستوى مرتفع بما يكفي  لزيادة الأرباح، حيث تحقق الشركات مكاسب وفق المستويات الحالية للأسعار، لافتاً إلى أن نمو الإنتاج مرة أخرى لن يكون مثل المعدلات المحققة في السابق.

وأشار الحرمي إلى أنه يتوقع بقاء الأسعار بين مستويات 60 و70 دولاراً للبرميل حتى نهاية العام الحالي، حيث يتوافر لدى النفط مزيد من الأسباب التي تدعو إلى الانتعاش حتى الآن، ما قد يعطي الشركات المجال لتحويط الإنتاج، وتحقيق الأرباح.

دعم التعافي

من جهة ثانية، قال المتخصص في الشؤون النفطية، محمد الشطي، إن بقاء الأسعار مرتفعة، يقدم دعماً لتعافي إنتاج النفط الصخري واستقراره عند مستوياته الحالية بعد التداعيات الكبيرة التي أصابت الشركات المنتجة خلال العام الماضي.

وأضاف أن تقديرات مؤسسة "وود ماك" تشير إلى انخفاض إجمالي إنتاج النفط الأميركي بمقدار 700 ألف برميل يومياً في عام 2020، ومن ثم انخفاض 500 ألف برميل يومياً في عام 2021، على أن يتعافى عام 2022 بمقدار 400 ألف برميل يومياً.

وأفاد الشطي بأن إجمالي إنتاج النفط الأميركي بلغ 12.25 مليون برميل يومياً في عام 2019، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ومن ثم انخفض إلى 11.31 مليون برميل يومياً في العام الماضي، أي بانخفاض 930 ألف برميل، وسيتراجع إلى 11.14 مليون برميل في العام الحالي، أي 170 ألف برميل، أي أقل، وذلك على الرغم من التحسن في أسعار النفط.

وأشار المتخصص في الشؤون النفطية إلى أن الارتفاع المتوقع سيكون في عام 2022 بإنتاج نحو 12.02 مليون برميل يومياً، بزيادة سنوية 880 مليون برميل يومياً.

وأورد أن الشركات الأجنبية المنتجة العملاقة والشركات المستقلة الأخرى أعلنت حرصها على ثبات مستويات الإنتاج من النفط الصخري حتى مع مستويات الأسعار المرتفعة في محاولة للحفاظ على مستويات الأسعار المرتفعة وعدم الضغط على اتفاق "أوبك+"، والدخول في صراع دول التحالف الذي أعاد للأسواق توازنها حتى الآن.

وتابع "بعض الشركات الأميركية الصغيرة أعلنت استهداف زيادة الإنتاج بنسبة 5 في المئة فقط في حقل بيرميان"، موضحاً أن غالبية الشركات النفط الأميركية، قد أمنت غالب الإنتاج خلال العام الحالي بآلية التحوط عند أسعار نفط خام غرب تكساس عند 45 إلى 50 دولاراً للبرميل.

تغير الاستراتيجيات

وأوضح الشطي أن الشركات الأميركية خفضت إنفاقها الرأسمالي مع التركيز على رفع السيولة والتدفقات المالية للتخفيف من ديونها، كما تغيرت استراتيجيات الشركات للتركيز على تحقيق أرباح للمساهمين بديلاً عن النمو بأي طريقة، وسيؤثر خفض الديون، وهذا على وتيرة التعافي في الإنتاج على الرغم من الأسعار المرتفعة.

وتابع "على الرغم من زيادة نشاط الحفر وارتفاع ملحوظ في عدد الحفارات ومنصات الحفر تحتاج الشركات النفط من أجل المحافظة على الإنتاج النفط الأميركي عند المستويات الحالية أن يكون إجمالي منصات الحفر الأفقية عند 300 منصة حفر، وأن يرتفع عدد المنصات إلى 600 منصة من أجل زيادة مستويات الإنتاج مستفيدة من أسعار النفط الخام".

أسعار محفزة

من جانبه، قال رائد الخضر، رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، إن الأسعار الحالية تحفز على إنتاج مزيد من النفط الصخري، ولكن بطريقة محسوبة، ومن دون مستوياته ما قبل الجائحة، فالبترول الصخري لن يعود مجدداً إلى سابق عهده في الولايات المتحدة حتى في حال الدخول إلى الطفرة الثالثة.

وأضاف أن شركات الخام الصخري ما زالت تواجه بعض الضغوط، وهو ما يدفعها لزيادة إنتاجها لخدمة ديونها المرتفعة أو دفع توزيعات نقدية، إذ تعطي الشركات الأولوية لعوائد المساهمين مع التزام كبار المنتجين بتحويل أي تدفق نقدي فائض إلى مدفوعات إضافية للمساهمين.

وأشار الخضر إلى أن تجاوز سعر البرميل مستوى 60 دولاراً يعد مستوى كافياً لدعم أرباح المنتجين الأميركيين في ضوء التخفيضات الأخيرة في تكاليف الإنتاج مع تبني بعض المنتجين التغييرات التكنولوجية التي تقلل التكاليف.

وتأتي التقنيات الحديثة من بين عوامل تحسين الإنتاج في صناعة النفط الصخري ضمن الطفرة الثالثة، للمساعدة في زيادة نطاق التنقيب والتكسير الهيدروليكي وأتمتة الحفر وإدخال تكنولوجيا أحدث كالذكاء الاصطناعي.

مخاطر ارتفاع الأسعار

فيما يتعلق بمخاطر ارتفاع أسعار النفط ومساهمة ذلك في إعادة تحفيز إنتاج النفط الصخري الأميركي، ذكر تقرير حديث لبنك الكويت الوطني أن عصر "ازدهار النفط الصخري لن يعود أبداً"، ويتمثل هذا الرأي في أن منتجي الخام الصخري يركزون حالياً على الربحية وتوزيعات أرباح المساهمين بديلاً عن التركيز على نمو الإنتاج.

وتابع التقرير "على الرغم من تعافي إنتاج الخام الأميركي من موجة الصقيع التي شهدها شهر فبراير الماضي، والتي أدت إلى خفض الإنتاج نحو مليون برميل يومياً وإغلاق عديد من مصافي النفط الرئيسة، والانخفاض التاريخي للأسعار في أبريل (نيسان) الماضي إلى نطاق النمو السلبي، فإنه لا يزال أقل بكثير من أعلى مستوياته القياسية التي سجلها في بداية عام 2020."

وأشار إلى أنه قبل أن تضرب موجة الصقيع القطبية الولايات المتحدة في فبراير 2021، كان إنتاج النفط الصخري الأميركي قد تعافى بنسبة 40 في المئة، أو ما يعادل 1.4 مليون برميل يومياً، مقابل 3.4 مليون برميل يومياً، تمت خسارتها (من مستوى الذروة إلى القاع) بسبب الجائحة.

وتظهر أحدث البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الإنتاج وصل إلى 10 ملايين برميل يومياً في الأسبوع المنتهي في 26 فبراير الماضي، ولا يزال بعيداً عن مستويات ذروة الإنتاج البالغة 13.1 مليون برميل يومياً.

اقرأ المزيد