Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مزارعو كينيا يكافحون الجراد وتغير المناخ

مع ارتفاع مخاطر انعدام الأمن الغذائي، يضطر المزارعون في شرق أفريقيا للتكيف لضمان نمو المحاصيل

المزارع جيمس لابوني: "ذهب مجهود ثلاثة أشهر في ثوان معدودة" (عن فيديريكا مارسي)

لم يرَ جيمس لابوني شيئاً كهذا في حياته. ففي البداية جاءت الصيحات، ثم قرع الأواني والمقالي بشكل عالٍ.

ركض بلهفة نحو حقول الذرة، قاطعاً مسافة قصيرة في بضع دقائق، ومن موقع مطل على ممتلكاته، بدا حجم الدمار هائلاً.

وفي حديث لصحيفة "اندبندنت" قال المزارع البالغ من العمر 49 سنة إن "العمل الذي استغرق ثلاثة أشهر تلاشى في غضون ثوانٍ."

يمكن لسرب صغير من الجراد الصحراوي أن يستهلك في يوم واحد ما يعادل كمية الطعام التي يستهلكها 35000 شخص في يوم واحد.  يأكل أوراق النبات ويمضغ العقدة أسفل الرأس ويتسبب في تساقطها.

كانت أرض لابوني التي تبلغ مساحتها 1.5 هكتار في مبارانجا، في مقاطعة ميرو الخصبة في شرق كينيا، كافية لإعالة أطفاله الستة الذي يبلغون سن المدرسة واثنين من أقاربه المسنين. وفي اليوم الذي وصل فيه الجراد، بعد ظهر يوم دافئ من شهر فبراير (شباط)، شعر بالقلق للمرة الأولى حول كيفية توفيرالوجبة التالية.

اجتاح الجراد الصحراوي منطقة شرق القرن الأفريقي للمرة الأولى في منتصف عام 2019، وغزا تسعة بلدان في النهاية. في أواخر ديسمبر (كانون الأول)، وصلت الأسراب الأولى إلى كينيا واجتاحت بسرعة جميع أنحاء المناطق الشمالية والوسطى من البلاد.

بحلول يناير (يناير) 2020، أصبحت البلاد تعاني من أسوأ انتشار للجراد منذ 70 عاماً. لكن الخبراء يقولون إن الأسوأ لم يأت بعد.

في هذا الصدد، قال كينيث كيموسي موانجي، وهو محلل بيانات الأقمار الصناعية في مركز التوقعات المناخية بشرق أفريقيا (ICPAC)، إن "أحدث المعلومات تشير إلى أن الجراد يتجه نحو المزيد من مناطق المحاصيل، بالتالي قد يكون حجم الدمار في كينيا وشمال تنزانيا أكبر مقارنة بالعام الماضي".

وبهدف تنسيق جهود مكافحة الجراد، ترسل جميع البلدان المتضررة بيانات انتشار الجراد إلى وكالات المراقبة بما في ذلك منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، التي تحلل هذه المعلومات عن طريق صور الأقمار الصناعية وتقدم تنبؤات وإنذارات مبكرة.

وتوفر تقلبات أنماط الطقس، التي فاقمتها موجة طويلة من الطقس الرطب للغاية، الظروف المناخية المثالية لتشكُّل أسراب جديدة. ومن الناحية التقليدية، كان استخدام المبيدات الكيماوية الطريقة الفعالة الوحيدة لاحتواء تفشي الجراد.

مع ذلك، قد لا يكون رش المبيدات باستخدام الطائرات كافياً لاحتواء الانتشار. ويقول كيموسي موانجي "بالنظر إلى سرعة انتشار أسراب الجراد وهجرتها جنوباً، من الواضح أن مبيدات الحشرات ليست فعالة كما نريدها أن تكون". ويمثل الجراد تهديداً مضاعفاً للاقتصادات التي تضررت سلفاً بشدة من انتشار كوفيد-19.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ميرو، وهي معقل زراعة وتصدير نبات القات أو نبات "ميرا" (كما هو معروف محلياً)، أدى حظر الطيران وإغلاق الحدود بعد انتشار الوباء إلى انهيار سعر النبتة ذات الجذوع الحمراء والقابلة للمضغ.

كان لهذا أثر شديد على المزارعين، بالخصوص أمثال أنجليكا موكومونيني، البالغة 37 سنة، والتي اعتمدت أسرتها على نبات الميرا لشراء الطعام ودفع رسوم المدرسة لأطفالها الخمسة.

في حديث لصحيفة "اندبندنت"، قالت موكومونيني "اعتدنا على جني 70 ألف شلن كيني (حوالي 700 دولار أميركي) شهرياً، والآن نحن محظوظون إذا حصلنا على 20 ألف شلن."

في غضون ذلك، حذرت منظمة الفاو ومركز التوقعات المناخية لشرق أفريقيا من تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وقالتا إن أكثر من 13 مليون شخص في جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والصومال يعانون حالياً من "انعدام حاد في الأمن الغذائي"، بينما يقبع 20 مليوناً آخرين على شفير فقدان الأمن الغذائي.

ونظراً للتنبؤات القاتمة، شرع المزارعون في ابتكار طرق جديدة للتغلب على الآفات، وتعد زراعة البذور الشتوية ومحاصيل البذور الزيتية التي لا تجتذب الجراد أحد الحلول الممكنة.

لذلك باتت أزهار عباد الشمس ذات اللون الأصفر اللامع تنمو على رقع من الأرض كانت تستخدمها موكومونيني لزراعة الذرة ونبات الميرا. لكنّ عشرة أكياس من بذور عباد الشمس تدر عليها فقط 21000 شلن كيني شهرياً (حوالي 200 دولار أميركي)، وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة بأرباح زراعة الميرا قبل الوباء.

لكن عباد الشمس يخلو نسبياً من المخاطر مقارنة بالمحاصيل الأخرى، في وقت يتوق المزارعون للأمن الغذائي. ويتمثل أحد مصادر الدخل البديلة لأصحاب المواشي، في زيادة إنتاج الألبان من الكفاف إلى الإنتاج التجاري.

ويقول جوليوس ميتونغا، وهو مدير الإنتاج الحيواني في مقاطعة ميرو، إن "هناك طلباً متزايداً على الحليب من الحواضر التي يزداد سكانها، لكن إنتاجنا من الحليب لم يزدد بالتوازي مع ذلك".

وبعد أن عانت صناعة الألبان في ميرو لفترة طويلة بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة ونقص المعرفة الفنية، باتت تشهد زخماً جديداً.

في هذا الصدد، قدمت جمعية المتطوعين للخدمة الدولية (AVSI)، ومقرها في إيطاليا، وغيرها من المنظمات غير الحكومية، التدريب لتعاونيات الألبان، وزودتها بأنظمة التبريد والحاويات المعقمة مسبقاً.

غير أن عدداً من العقبات لا تزال تحول دون ربحية زراعة الألبان. ففي المتوسط​​، ينتج المزارعون في ميرو تسعة ليترات من كل بقرة، أي أقل من 12 ليتراً التي يحتاجون إليها لتسديد كلفة الإنتاج.

كما أجبر فقدان محاصيل الذرة بسبب أسراب الجراد المزارعين على إنفاق ما يقرب من ثلث عائداتهم على شراء علف الماشية، والذي غالباً ما يكون رديء الجودة.

يقول ميتونجا إن "ملصق كيس العلف المركز يشير إلى أنه يحتوي على نسبة معينة من البروتينات، لكن اختباراتنا أظهرت أن هذه النسبة أقل مما هو مذكور. هذا يعني أن مُزارعينا يحصلون على إنتاج أقل من الحليب بسبب الغش".

ويعد الجراد سبباً أساسياً من أسباب هذه المشكلة، لكنه أصبح أيضاً جزءاً من الحل، حيث أصبحت الشركة الزراعية الناشئة The Bug Picture، والتي تسعى للمساهمة في إيجاد حلول للتحديات البيئية باستخدام الحشرات، رائدة في طرق استخدام الجراد كمكمل بروتيني في علف الحيوانات.

في هذا الصدد، قالت مؤسسة الشركة ومديرتها التنفيذية لورا ستانفورد، لصحيفة "اندبندنت" إن "أحد أهدافنا الأساسية هو إنشاء مصدر للبروتين يتم إنتاجه محلياً وبجودة ملائمة".

وأضافت أن "سوق العلف الحيواني في كينيا تميل إلى حد كبير لمصلحة مطاحن الأعلاف وليس لمصلحة المزارعين. لذا نريد أن ندفع من أجل بديل ميسور التكلفة".

وتقوم الشركة حالياً بشراء الجراد من المزارعين الذين يستخدمون دراجات "البودا بودا" أو الدراجات النارية لتعقب أسراب الجراد وصيدها باستخدام شباك عريضة.

بعد ذلك تُجمع الحشرات في أكياس لمدة أربعة أيام كإجراء احترازي، وإذا مات أي منها فذلك دليل على أنها رُشّت بمبيدات الحشرات ولا يمكن استخدامها كعلف للماشية.

بالمقارنة مع البروتين النباتي الموجود مثلاً في فول الصويا، أظهرت التحاليل المخبرية الأولية أن الجراد يحتوي على قيم غذائية أعلى.

وتعمل الآن الشركة مع مؤسسات أكاديمية للتحقق من صحة هذه النتائج وتوسيع نطاق جمع ومعالجة الجراد على المستويات المحلية.

تقول ستانفورد "في عالم مثالي، كل شيء له قيمة". ومن منطلق هذا المبدأ، قد تحمل الكارثة في طياتها بارقة أمل.

© The Independent

المزيد من بيئة