Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ريد جون ... مزيج روائي مسرحي سينمائي باهت

كل عنصر في العمل كفيل بمفرده أن يجعل أي فيلم ناجحاً جداً لكن لسبب ما لم تكن هذه التوليفة جذابة

جودي دينش في لقطة من فيلم ريد جون ( آي نيوز)

إذا كانت شخصية "إم M"، رئيسة جيمس بوند ومرشدته التي أدتها الممثلة جودي دينش على مدار 17 سنة، هي أول ما خطر على بالك عندما شاهدت الإعلان الترويجي لفيلمها الجديد أو قرأت ملخصه وعلمت أنه عن الجاسوسية، فإن تخمينك لم يكن في محله.

تدور أحداث فيلم "ريد جون" أو جون الحمراء بين فترة الحرب العالمية الثانية وبداية الألفية الحالية، ويحكي قصة "جون ستانلي - جودي دينش"، وهي سيدة متقاعدة تعيش حياة هادئة، تُفاجأ صبيحة أحد الأيام بممثلين عن جهاز الاستخبارات البريطانية يطرقون بابها ويقومون باعتقالها موجهين لها 27 تهمة مختلفة على رأسها خيانة وطنها والتجسس لمصلحة الروس عندما كانت طالبة تدرس الفيزياء في جامعة كامبريدج منذ العام 1939 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945.

كانت الشابة "جون - صوفي كوكسن" فتاة عادية، متوسطة الحال والجمال، لكنها متفوقة أكاديمياً، وأسلوب حياتها الرتيب يتناسب تماماً مع ظروفها إلى أن قامت "سونيا - تيريزا صربوفا" باقتحام نافذة غرفتها في السكن الجامعي وقلب حياتها رأساً على عقب، عندما أدخلتها في دائرة من الشباب الشيوعيين الثائرين.

لم تتعلق الفتاة بأفكار الحزب وحسب، بل علقت بشباك "ليو - توم هيوز"، وهو عميل للاستخبارات الروسية (كي جي بي) الذي لم يطلب في البداية أكثر من علاقة حميمية مع "جون" أو "الرفيقة الصغيرة" كما كان يحب أن يلقّبها، لكن بعد ترشيح الفتاة للعمل في مركز علمي سري كمساعدة للبروفسور "ماكس - ستيفين كامبل مور" في مشروع تطوير قنبلة نووية في سباق مع الزمن للحصول على سلاح التدمير الشامل قبل أي طرف آخر من القوى المتنازعة حينها، وبخاصة الأميركيين واليابانيين، باتت قيمة "جون" تتعدى الحبيبة والعشيقة.

مع الغياب والحضور المتكرر لـ"ليو" وتصاعد وتيرة الصراع في العالم وموت الملايين في هيروشيما وناغازاكي، إثر الهجوم النووي الذي شنته الولايات المتحدة على الإمبراطورية اليابانية حينها في نهاية الحرب، تتأزم حياة "جون" عاطفياً ومهنياً وإنسانياً. لكنها تتخطى آلام الحب والحرب، ونعود لنراها أرملةً في عام 2000 بجانب ابنها المحامي "نيك - بين مايلز" الذي يتعرف لأول مرة، على الحياة السابقة لوالدته، ويتساءل في أحد المشاهد باستهجان عما إذا كانت أمه عضوةً في الحزب الشيوعي ذات يوم، لكنها لا تجبه وتكتفي بالنظر إلى صورة "غيفارا" على فنجان الشاي بين يديها!

رغم أن المخرج "تريفور نان" لم يكتف بنقلتين بين الحاضر والماضي في بداية الفيلم ونهايته، وفضّل الاعتماد بشكل كبير على أسلوب الـ "فلاش باك" ليقدم مزيجاً متوازناً بين الوقت الراهن والأحداث السابقة، ما أعطى مساحة أكبر لـ "دينش" في العمل، لكنه لم يكن كافياً ولم يستغل وجودها وحرفيتها وحضورها الساحر على أكمل وجه.

ولو كان اسم "جودي دينش" هو ما يغريك لمشاهدة الفيلم، وهذا حال كثيرين، لأنك على يقين بأنك سترى أداءً مميزاً من ممثلة مخضرمة ومتمكنة، فهذا منطقي جداً. أو قد يكون دافعك هو الاطلاع على تفاصيل القصة الحقيقية المثيرة عن الجاسوسة البريطانية "ميليتا نوروود" التي ألهمت العمل، أو مشاهدة النسخة السينمائية من الرواية الناجحة "ريد جون" التي باعت ملايين النسخ وتناولت خلالها الكاتبة "جيني روني" حياة تلك الشخصية المشهورة بـ"الجاسوسة الجدة"، أو لربما جذبك اسم منتج العمل "ديفيد بارفيت" الذي ظفر بأوسكار أفضل فيلم لعام 1998 عن فيلم "شكسبير عاشقاً"، أو المخرج "تريفور نان" الحائز على أكثر من 25 جائزة على رأسها عدة جوائز "توني" وهي أرفع تكريم في مجال الإبداع المسرحي. وفي حين كانت للمخرج تجارب سينمائية سابقة، إلا أن لمساته المسرحية كانت واضحة في طريقة وقوف الممثلين في بداية المشاهد ونظراتهم الشاردة والمتأملة عند انتهائها واعتماد العمل على الحوار وانفعالات الأبطال بشكل كبير.

نقطة لا بد من ذكرها لمصلحة العمل، وهي قدرته على تقديم بريطانيا في فترة الأربعينيات من القرن الماضي بأدق وأجمل صورة بكل تفاصيلها من الأزياء والأبنية والمقاهي والأدوات الشخصية والحقائب والسيارات إضافة إلى موسيقى تتماشى بكل انسيابية مع إيقاع الحياة في تلك الفترة وتجاري وتيرة أحداث الفيلم في الوقت ذاته.

فكما نرى أن هناك عوامل جذب كثيرة وأسماء قادرة على رفع مستوى العمل كثيراً، وباستطاعة كل منها بمفرده أن يصنع فيلماً ناجحاً جداً، لكن للأسف، يبدو أن كل واحد منها كان يغني على ليلاه أو يعتمد على قوة الآخر لإنجاح الفيلم، فكانت النتيجة، توليفة باهتة من رواية ناجحة، ومخرج بخبرة مسرحية فذة، ونجمة ومنتج سينمائيين بارعَيْن، ولم تصل إلى أدنى حد متوقع من التشويق أو إثارة الدهشة أو التعاطف لدى المشاهد.

ورغم أن العرض الجماهيري للفيلم البريطاني بدأ في 19 أبريل (نيسان) الحالي إلا أن آراء منتقدة عدة أحاطت به منذ عرضه النخبوي الأول في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ولم يحظ بترشيح لنيل أي جائزة في أي مهرجان سينمائي.

بالتأكيد أن كثرة الأسماء الكبيرة في هذا الفيلم تجعل سقف التوقعات عالياً جداً، لكن لو شاهدت العمل من دون فكرة أو نظرة مسبقة، فلن تأسف على 101 دقيقة أمضيتها في متابعته.

المزيد من فنون