Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يعوق وهب الأعضاء في لبنان

آمال كثيرة معلقة بانتظار تلقي المرضى اللقاحات المضادة للفيروس

وفاة مريض بكورونا يجعل من عملية نقل الأعضاء أمراً متعذراً (غيتي)

تطلّب انتشار ثقافة وهب الأعضاء بعد الوفاة سنوات طويلة، بُذلت فيها جهود حثيثة ومساع من قبل الجهات المعنية. المسار لم يكن سهلاً بوجود تحديات عدة، منها الدينية والقانونية والاجتماعية والطبية، لكن يأتي وباء كورونا اليوم ليشكّل تحدياً إضافياً لم يكن في الحسبان، فيعوق عملية وهب الأعضاء، فيما ينتظر كثر بين الحياة والموت، تحقيق الأمل بإيجاد متبرع.

أمنية منعت الجائحة تحقيقها

أوصى كامل سرّوع بوهب أعضائه بعد وفاته، متخذاً هذا القرار منذ العام 2003، وفق ما توضحه حفيدته كريستيل. تغلّب فيروس كورونا عليه وحالت إصابته من دون تحقيق رغبته بالعطاء. "اتخذ جدي هذا القرار من تلقاء نفسه لأنه كان دائماً يحب فعل الخير، على قدر إمكاناته الضئيلة ربما. أراد أن يقدم المساعدة لآخرين يحتاجونها حتى بعد وفاته، وكذلك فعلت جدتي".

تغلب فيروس كورونا على سرّوع بعد ستة أيام أمضاها في المستشفى، وعندما وجد ابنه في محفظته بطاقة التبرع بأعضائه وأظهرها للطبيب، أكد أن ذلك لم يعد ممكناً لوفاته بسبب كورونا، ليبقى عجزهم عن تنفيذ رغبته بعد وفاته حرقة في قلوب أفراد عائلته.

بحسب المدير الطبي للهيئة الوطنية لوهب الأعضاء الدكتور أنطوان إسطفان، يشكل الوباء تحدياً إضافياً، ففي الدرجة الأولى يشكل خطراً على المرضى الذين ستجرى لهم عملية الزرع بسبب أن مناعتهم تكون منخفضة بسبب الأدوية التي توصف لحماية العضو المزروع، وبالتالي فهم أكثر عرضة لالتقاط عدوى كورونا. 

ويوضح إسطفان أن معظم الوفيات الحاصلة اليوم سببها الفيروس، مما يشكل عائقاً أمام الوهب، فهو غير ممكن إذا كان سبب الوفاة كورونا أو ناتجاً من أمراض أخرى مثل الإيدز والسرطان والضمور المزمن في الأعضاء.

انطلاقاً من ذلك، توقفت عمليات زرع الأعضاء كلياً طوال عام 2020 ولا تزال مستمرة إلى العام الحالي، بانتظار إعطاء لقاح كورونا للمرضى الذين ينتظرون إجراء عمليات زرع. 

ويشير إسطفان إلى أنه من المفترض وضع ضوابط جديدة مع مراكز زرع الأعضاء تتناسب مع ظروف انتشار الوباء بهدف إعادة تفعيل العمليات، علماً أنه حالياً تُطلب نتائج فحوص كورونا للواهب والمريض والأشخاص الذين يسكنون مع كل منهما قبل 48 ساعة من موعد العملية. 

أما الأعضاء التي يزيد عليها الطلب بشكل خاص فهي الكلى، وهي أول الأعضاء التي زرعت في ستينيات القرن الماضي، فيما تزيد صعوبة تأمين أعضاء أخرى كالقلب والرئة والكبد، باعتبار أن خطورة الحالة مرتفعة ولا تحتمل الانتظار.

والمطلوب، وفق إسطفان، جهود مشتركة بين المجتمع والقطاع الصحي والمراجع الدينية والمؤسسات التربوية والإعلام والدولة، حتى تتمكن البلاد من بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي من الأعضاء الموهوبة، أما في الوقت الحالي فيعاني العالم ككل نقصاً كبيراً بسبب الجائحة. 

قلب ميلا ينبض

عن تجربته مع وهب الأعضاء، يعود مؤسس "جمعية ميلا حبيقة" نجيب حبيقة إلى العام 2017 حين تعرضت طفلته ميلا ذات السنوات الثلاث إلى حادثة دخلت على إثرها في غيبوبة. 

كانت العائلة في حال ترقب، آملة بأن تعود في أية لحظة إلى الحياة، وكان قلب ميلا لا يزال ينبض، وجسمها الصغير متصّل بأجهزة تبقيها قيد الحياة. 

وعندما أكد الأطباء أن الأمل مفقود، وأنه ليس هناك أمام العائلة إلا حلين، إما الاستمرار في الانتظار أو نزع الأجهزة، "طُرحت فكرة التبرع بأعضاء ميلا لإعادة الحياة إلى شخص آخر، وصودف أنني كنت فكرت بهذا الموضوع قبل شهر، وبدت لي وكأنها رسالة تدعوني إلى عدم التردد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان طفل في الرابعة من عمره ينتظر في المستشفى تأمين واهب قلباً له، كونه يعاني تشوهاً خلقياً فيه، فأنقذت ميلا حياة الطفل، واستطاعت ثقافة المحبة والعطاء أن تتغلب على الموت الذي كان يتربّص به. 

صحيح أن أهل ميلا لم يعودوا قادرين على رؤيتها تلعب بينهم، إلا أنهم كانوا يعرفون أن قلبها لا يزال ينبض في جسم طفل آخر أجريت له عملية زرع قلب كانت الأولى حينها في الشرق الأوسط، كما استعاد شخصان آخران البصر، وهما يريان العالم الآن من عيني ميلا.

"منذ ذاك اليوم، اتخذنا قراراً بتأسيس جمعية ميلا حبيقة لوهب الأعضاء وتوعية الناس بأهميته، لأن ثمة حاجة إلى كثير من الوعي حول الموضوع، وندرك جيداً أن التغيير يتطلب أجيالاً من العمل، وأخذنا العلم والخبر في يوليو (تموز) 2019". 

تعمل الجمعية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لوهب الأعضاء، وكانت لها أنشطة عدة، لكن الوباء والظروف الصعبة في البلاد منعتاها من المضي قدماً في الأهداف التي كانت وضعتها. 

يعتبر حبيقة أنه لا بد من نشر هذه الثقافة بين الناس، وإن كانت التحديات كثيرة، ومن هنا تبدو أهمية العمل بجدية مع المدارس ليحصل التغيير، خصوصاً أن الأصغر سناً هم الأكثر قابلية للفكرة، وليكون هناك مستقبل جديد لوهب الأعضاء.

تحديات

منذ العام 1970 وحتى 2019، حصل تطور لافت في عمليات زرع الكلى والقلب والرئة وبيت الرحم مع تطور التقنيات الجراحية والطبية وتقبل الناس المتزايد لوهب الأعضاء بعد الوفاة، وفق ما توضحه المنسقة العامة للهيئة الوطنية لوهب الأعضاء فريدة يونان، علماً أن مرسوماً صدر العام 1983، سمح بوهب الأعضاء من واهبين أحياء ومتوفين، على أن يحدد مسبقاً أفراد العائلة المسؤولين عن الوهب بعد الوفاة.

وفي العام 1984 صدر المرسوم التطبيقي رقم (1442) الذي حدد تعريف الوفاة وشروط تشخيص الوفاة الدماغية وإنشاء مركز زرع الكلى، فحُدد أن الشخص يعتبر متوفى في حال الوفاة الدماغية أو في حال الوفاة بعد توقف وظائف الجهاز الدموية والقلب. 

وكانت الهيئة الوطنية التي تأسست العام 1999 أعدّت تعديلاً للمرسوم التطبيقي يحدد برنامج الوهب وزرع الأعضاء في لبنان، ووافق عليه مجلس شورى الدولة بانتظار إصدار المرسوم.

تكثر المساعي لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء وزيادة نسبة الوهب لتلبية عدد أكبر من المرضى الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن تتحقق آمالهم بالعودة إلى الحياة بعد الخضوع إلى الجراحة، ووفق يونان فإن التحديات دائماً كثيرة حتى قبل انتشار الوباء الذي هو اليوم عائق أكبر، ومنها:

- التحديات الطبية لجهة قلة تعاون القطاع الصحي في تطبيق آلية موحدة لعملية الوهب.

- التحديات الدينية، فعلى الرغم من تشجيع الطوائف والأديان كافة لعملية وهب الأعضاء إلا أن المراجع الدينية لم تعمم الفتاوى والآراء على رعاياها ورجال الدين.

- الخوف من تشويه الجثة على الرغم من أنه في عملية الاستئصال هناك جرح واحد في الصدر لاستئصال الأعضاء الباطنية ثم يرمم بشكل دقيق حفاظاً على الشكل الخارجي واحتراماً للواهب المتوفى.

- الشك في تشخيص الوفاة الدماغية والخوف من مقارنتها بالغيبوبة، إلا أن تشخيص الوفاة الدماغية مسألة في غاية الدقة لا يمكن التشكيك فيها ويجريها ثلاثة أطباء تفادياً للخطأ، كما تجرى فحوص أشعة للرأس.

وتوضح يونان أن الموازنة المخصصة لها ضئيلة، ولذلك طلبت الدعم المادي من الدولة الإسبانية بين عامي 2012 و2020، ثم عادت ووقعت اتفاق تعاون مع الدولة الفرنسية عام 2013 واستمر حتى اليوم، وعملت أيضاً على إدخال وهب الأعضاء ضمن المنهج التعليمي للمرحلتين المتوسطة والثانوية وفي كليات التمريض والطب.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة