سيكتب التاريخ بحروف من نور اسم كوفيد-19 باعتباره الفيروس الرائع الذي يدين له الجميع باختصار المسافات واقتطاع السجالات حول انتقال التعليم أو جزء منه من قاعات الدرس إلى أثير الشبكة العنكبوتية. فقد قرر الفيروس، ضمن قراراته العديدة التي أملاها على الكوكب من دون نقاش أو شورى أو حتى تصويت واستفتاء، أن من يرد أن يخرج من سنوات الوباء بقدر من العلم، فالأثير طريقه الوحيد.
طريق التعليم عبر الأثير أو "أون لاين" ليس جديداً، لكن تحوله إلى طوق النجاة أو قبلة الحياة، حيث لا طوق غيره أو قبلة سواها، هو الجديد. فعلى مدار ما يزيد على عقدين، تزايدت دعوات في دول غربية عدة وعدد محدود من الدول العربية لتشجيع هجرة جانب من التعليم، سواء الجامعي أو المدرسي، من الفصل الدراسي إلى الشاشة المتصلة بالإنترنت. اعتبرها البعض نضجاً للعملية التعليمية، واعتبرها آخرون تطوراً حادثاً لا محالة في مجال التعليم نظراً لمتطلبات العصر الرقمي. إلا أن رفاهية الحياة على ظهر الكوكب من دون ضغوط وباء يفتك بالملايين جعلت هجرة التعليم من الورقة والقلم والفصل إلى الشاشة والأثير والبيت مسألة يمكن النظر فيها في وقت لاحق.
اللاحق تحول إلى طارئ
لكن اللاحق تحول إلى طارئ خطير وتحول سريع في خلال الأسابيع الأولى من عام 2020، وهو ما ينظر إليه العالم اليوم باعتباره "الانقطاع الأكبر في نظم التعليم في التاريخ". هذا الانقطاع أدى، بحسب موجز سياسات أصدرته منظمة الأمم المتحدة في أغسطس (آب) الماضي تحت عنوان "التعليم أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها"، إلى تضرر نحو 6.1 مليار طالب في 190 دولة في العالم. أغلقت المدارس، وتأثر 94 في المئة من الطلاب من هذا الإغلاق في دول العالم مرتفعة الدخل. وارتقعت النسبة إلى 99 في المئة من الطلاب في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل. وكلما انخفضت الدخول، زادت مشكلات التعلم عبر الأثير.
"الأثير خسرنا كتير"، قال مصطفى جمال (42 عاماً)، الذي يعمل سائقاً لدى أسرة ويعيش مع زوجته وبناته الثلاث في غرفة ملحقة بفيلا الأسرة التي يعمل لديها. يقول إن العام الدراسي الماضي مر بطريقة أو بأخرى، بين ذهاب إلى المدرسة بعض الوقت، ثم بقاء في البيت، ومحاولات ضعيفة للتعلم عبر الإنترنت، وأخرى جيدة لمتابعة الدروس عبر برامج القنوات التعليمية على التلفزيون.
يقول إن "حكاية التعلُم أون لاين جيدة لكن لمن يقدر عليها". ويشرح جمال أن توفير الاتصال بالإنترنت لمدة أربع ساعات في اليوم لابنتيه الكبيرتين أمر مكلف للغاية. "في البداية حصلت على الرقم السري لـواي فاي الأسرة التي أعمل لديها. لكن الأسرة نفسها لديها أبناء تحولوا إلى التعليم أون لاين فطلبوا مني الاعتماد على بطاقات الشحن حتى لا يعاني أبناؤهم من ضعف الاتصال". يستطرد سارداً تجربة الـ"أون لاين"، فيقول إن هذا العام لم يختلف كثيراً عن العام الماضي سوى في توقع الأهل أن تغلق المدارس أبوابها في أي لحظة بحسب انتشار الفيروس. يضيف، "كنا أكثر استعداداً نفسياً للإغلاق هذا العام. القنوات التعليمية جيدة، لكن الإنترنت غير مجد لمن يعلم أبناءه في المدارس الحكومية، حيث إمكانات المدرسة والمعلم والطالب غير مهيأة لهذا النوع من التعليم". يقول جمال، إن المشكلة الحقيقية تكمن في ابنته الصغرى التي التحقت بالصف الأول الابتدائي هذا العام، إذ يرى أنها حُرِمت من أشهر التكوين الدراسي الأولى التي يصعب عليه أو زوجته أن يوفراها لها في البيت.
في كل بيت قصة
وفي البيت، كل بيت قصص وحكايات عن التعليم في العام الثاني من زمن كورونا. بيوت متخمة بالأسلاك والشاشات والراوتر وأماكن الدراسة التي بُنيت في غرف السفرة والصالون والمطبخ في محاولات عتيدة لإبقاء الأبناء تحت أعين الرقابة بعيداً عن غرف النوم. وبيوت أخرى سلمت أمرها لله، واعتبرت التعليم مسألة منتهية لأن "واحد زائد واحد يساوي اثنين".
المعادلة الرياضية البسيطة والكاشفة في آن هي سمة المرحلة فيما يختص بالتعليم. مدارس مغلقة، وملايين الأسر غير القادرة على توفير باقات الإنترنت، والحمل الثقيل جداً الذي تحمله البنية التحتية للإنترنت، والظروف الاجتماعية والثقافية للأهل، التي لا تؤهل الجميع لدرجات متساوية من تشجيع الأبناء والبنات على الدراسة في ظروف استثنائية. المثير أن الظروف المشار إليها لا تعني بالضرورة أنه كلما زاد مستوى الأهل الاقتصادي والثقافي، زادت قدرتهم أو إرادتهم أو إصرارهم على مساعدة الأبناء على متابعة التعلم.
لم تنقر زراً
متابعة التعليم في كنف الوباء يعني ضمان الأدوات والوصلات والتقنيات. لكن زينة، (13 عاماً) تقول بفخر إنها لم تنقر زراً يؤدي بها إلى محتوى دراسي على منصات التعلم الإلكتروني منذ ما يزيد على شهر. وبلغة القرن العشرين، لم تفتح زينة كتاباً مدرسياً على مدار شهر. فعلى الرغم من توافر بدل الشاشة ثلاث، وبدل "الراوتر" نظام "واي فاي" كامل متكامل، فإن زينة تكتفي بأن تثبت أنها "أون لاين" في أثناء الحصص المدرسية لضمان نسب الحضور مع الاستعانة بشاشات تحوي الإجابات لكن غير ظاهرة على الكاميرا أثناء الامتحانات، و"كله تمام" على حد قولها.
لكن "كله ليس تماماً" لأن المحصلة العملية والمعرفية تكاد تكون صفراً، وذلك في ظل غياب كامل للمتابعة من قبل الأم الطبيبة والأستاذة الجامعية، والأب الذي يعمل في دولة أخرى. الفاقد في تعليم زينة وغيرها من المنتمين إلى مستويات اقتصادية وثقافية جيدة، ربما لن يكون كبيراً إذا ما قورن بأولئك المنتمين لمستويات أقل.
وبحسب ورقة سياسات الأمم المتحدة عن أزمة كوفيد-19 والتعليم، فإن المتوقع أن يكون الفاقد في التعليم كبيراً في الأجلين القصير والطويل. تقديرات الباحثين في كندا تشير إلى أن الفجوة في المهارات الاجتماعية والاقتصادية مرشحة للزيادة بنسبة تزيد على 30 في المئة بسبب الجائحة. ويحدد البنك الدولي ثلاثة سيناريوهات محتملة في التعليم بسبب الجائحة. الأول، يتمثل في انخفاض متوسط مستويات التعلم لجميع الطلاب، والثاني، اتساع نطاق توزيع التحصيل التعليمي بسبب آثار الأزمة غير المتكافئة للغاية لجميع الطلاب، والثالث، حدوث زيادة كبيرة في أعداد الطلاب الذين يعانون انخفاضاً شديداً في مستوى التحصيل ويعود جزئياً إلى النسب الهائلة في معدلات التسرب من التعليم.
التسرب أكبر المستفيدين
التسرب من التعليم أحد أكبر المستفيدين من كارثة الوباء. لم يعد التسرب من المدرسة أمراً صعباً يحتاج حنكة من الصغار لإثبات فشلهم في التحصيل أو دهاء من الأهل للمراوغة مع القوانين أو الالتفاف على التعليمات. يكفي فقط وضع نقطة أمام ملف التعليم لإغلاقه، وإرسال الصغار للقيام بأعمال هامشية "أفيد من 60 تعليم".
فائدة التعليم وجدواه وقيمته تتعرض لهزة في المجتمع المصري منذ سنوات طويلة. في السنوات القليلة التي سبقت أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011، صارت أخبار إقبال البعض من الأهل على شراء الامتحانات من واضعيها من الأبواب الثابتة في صفحات الحوادث. الحرص الرهيب على إحراز الدرجات، والاهتمام المفرط بحشو أدمغة الصغار بأكبر كم ممكن من محتويات الكتب المدرسية لسكبها على ورقة الامتحان حولا مفهوم التعليم من تنمية المدارك والمعارف إلى تنمية السعة الاستيعابية للمخ لاستيعاب أكبر كم ممكن من المعلومات التي لا يتبقى منها إلا أقل القليل بعد إحراز أعلى الدرجات.
وفي سبيل ذلك دأب الأهل على بذل الغالي والنفيس من أجل سكب المزيد من المعلومات إلى أدمغة الصغار من أجل اليوم الكبير، يوم الامتحان. هذا التغير في قيمة التعليم والغاية منه انعكست كذلك على مهنة المعلم الذي بات يؤول إليه جانب لا بأس به من الغالي والنفيس متمثلاً في الدروس الخصوصية حتى يشحذ طاقة الصغار ويشحن أدمغتهم بما يضمن اكتناز الدرجات في يوم الامتحان. وقد أدى هذا إلى تغيرات كبرى في أعمدة التعليم والإبقاء على مكانته الجديدة التي تحقق منافع وأرباحاً حولتها إلى منظومة تعليم قائمة بذاتها لا علاقة لها بالتعليم.
خروج آمن
هذه المفاهيم ترسخت وتجذرت وتسهم هذه الأيام في ظل استمرار الوباء في تيسير عمليات الخروج الآمن من منظومة التعليم. هيثم (13 عاماً) صبي الديليفري (توصيل الطلبات من السوبر ماركت) يقول، إنه "تقريباً" لم يعد في العملية التعليمية. يقولها بأسى واضح. فوالده ووالدته لا يجبرانه على التوقف عن التعليم، لكنهما في الوقت نفسه لا يقويان أو لا يحاولان أو لا يشجعانه على الاستمرار في المدرسة "التي أصبحت مثل قلتها"، بحسب ما تقول والدته. ويشير هيثم إلى أنه يفضل أن يكمل تعليمه، لكن الظروف الحالية تعني أنه سيدخل امتحان نهاية العام بناء على قدرته الشخصية على المذاكرة وحده، وهو ما يعني بالتالي أن احتمالات نجاحه، في حال صُححت الامتحانات تصحيحاً دقيقاً، تقترب من الصفر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشكلات قديمة
وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018؛ أي قبل الوباء، بلغت نسبة الأمية في مصر 25.8 في المئة. وبلغت نسبة من يقرأون ويكتبون بالكاد 10.4 في المئة. وبلغت نسبة الأطفال والمراهقين في سن المدرسة لكن غير ملتحقين بمدارس أو متسربين نحو عشرة في المئة. وتراوحت أسباب تسرب الصغار من الدراسة بين ظروف الأسرة المادية وصعوبة الوصول إلى المدرسة وتكرار الرسوب. لكن السبب الرئيس هو عدم توافر رغبة الطالب نفسه أو أسرته في التعليم.
المجلس القومي للمرأة أعد ورقة تحوي مقترحات خاصة بمواجهة التسرب من المدارس، وهي الظاهرة التي توقع أن تتفاقم بسبب ظروف الوباء. تشير الورقة إلى أن الفتيات في الأسر الأولى بالرعاية أو الفقيرة واللاتي يواجهن ضغوطاً للتسرب من المدرسة، سيجدن أنفسهن على الأرجح خارج منظومة التعليم مع نهاية العام الدراسي الحالي لو لم تُتخذ خطوات وتدابير وقائية. كثيرات من هؤلاء الصغيرات يواجهن ضغوطاً شديدة من الأهل للتوقف عن الذهاب إلى المدرسة ورعاية الأشقاء الأصغر أو القيام بالأعمال المنزلية في البيت أو العمل لزيادة دخل الأسرة أو الزواج.
ويتوقع المجلس القومي للمرأة أن تواجه الصغيرات ضغوطاً مضاعفة بسبب الوباء الذي قد يمثل حجة قوية لدفعهن إلى ترك الدراسة، لا سيما أن متطلبات الدراسة "أون لاين" أو من البيت بالاعتماد على مساعدة الأهل للصغار أو إدارتهم لعملية التعلم أو توفير الأجواء المناسبة لهم للمذاكرة والتحصيل ولو بالاعتماد على البرامج التعليمية في القنوات التلفزيونية غير متوافرة. المجلس القومي اقترح تشجيع هذه الأسر على توفير أدوات التعليم عن بعد للصغيرات والأجواء التي تساعدهن على إكمال دراستهن في ظل الإجراءات الحالية المتعلقة بالوباء، إضافة إلى تفعيل القوانين المجرمة لزواج الأطفال.
أجواء معقدة ومتشابكة
إلا أن المشكلة لا تكمن في تشجيع الأسر على توفير الأدوات أو الأجواء، بل في وجود هذه الأدوات من الأصل وتوافر الإمكانيات التي تتيحها، ومن ثم توفير الأجواء. الأجواء المتوافرة حالياً معقدة ومتشابكة، إضافة لوجود عدد من المشكلات المتوارثة التي يصعب حلها في ظل ظروف الوباء. فعلى سبيل المثال، يصعب الخروج بإحصاءات أو أرقام خاصة بأعداد المتسربين وحالات زواج الأطفال التي أُبرمت في زمن الوباء. كما أن مستوى التعليم ونوعيته، لا سيما في المدارس الحكومية يعاني معاناة شديدة على مدار عقود طويلة، ولم يمهل الوباء وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لبدء جني ثمار تطوير التعليم الحقيقية التي بدأت قبل أربعة أعوام.
يقول أمجد هاني (32 عاماً)، معلم مرحلة ابتدائية، إن الدورات التدريبية التي بدأت لتدريب معلمي هذه المرحلة لتأهيلهم لتدريس التطوير الجذري الحادث في مرحلة رياض الأطفال وصفوف التعليم الابتدائي وصولاً إلى الصف الثالث الإعدادي تعثرت بعض الشيء بسبب ظروف الوباء.
يشار إلى أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وضعت خطة للفترة بين 18 يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى 20 فبراير (شباط) الحالي لاستمرار تدريب المعلمين، وتمكينهم من إعداد مواد تعليمية رقمية وإدارة منصات التعلم، ضمن خطة الوزارة للتحول الرقمي والتعلم عن بعد. إلا أن تفعيل التدريب، والالتزام بالمواعيد في مهب رياح الموجة الثانية لكوفيد-19، التي تحول دون المضي قدماً في الخطة الزمنية الموضوعة.
البنية التحتية تعاني
لكن الخطة الزمنية ليست وحدها العقبة. فالبنية التحتية لشبكة الإنترنت للعديد من المدارس المصرية، لا سيما الحكومية أبعد ما تكون عن "الجيدة" أو "الكفء". الحال فيما يتعلق بقوة الشبكة لا سيما بعد زيادة التحميل عليها في ضوء إجراءات الوباء والعمل والدراسة من البيوت. وعلى الرغم من تأكيد وزارة الاتصالات في مطلع الموجة الأولى من الوباء قبل نحو عام على جاهزية هذه البنية، فإن تضاعف أعداد المستخدمين وطول الوقت لم يكن في حسبان أحد.
ميار شوكت (17 عاماً) تسرد العديد من القصص عن انقطاع الشبكة أثناء امتحان التاريخ مرة واللغة العربية مرة أخرى. تقول، "بعض المعلمين يعتقد أنها حيلة يلجأ إليها الطلاب لإعادة الامتحان. صحيح أن البعض يفعل ذلك، لكن الآخر يتعرض لانقطاع الشبكة الفعلي".
وتبقى شوكت من الطالبات المحظوظات حيث مدرستها الخاصة تتبع التعليم "أون لاين" منذ سنوات، حيث تسليم الواجبات المنزلية والتواصل مع المعلمين في المشكلات الدراسية يجري عبر منصات رقمية، وهي المنصات التي طورتها المدرسة خلال العام الماضي بسبب إغلاقات الوباء. لكن الملايين غيرها يواجهون مشكلات تتعلق بقدرة المدرسة على إدارة العملية التعليمية رقمياً، أو قدرة المعلمين على القيام بذلك، وأحياناً رغبتهم.
تقول إشراق زكي (42 عاماً) إن العديد من المعلمين والمعلمات في مدرسة أبنائها الثلاثة إما غير قادرين أو غير راغبين في مسألة التعليم "أون لاين" على الرغم من توافر الإمكانات. تضيف، "الغريب أن بعضهم حول منظومة الدروس الخصوصية المنخرط فيها بأكلمها لتكون أون لاين بمنتهى الحرفية والدقة".
حرفية ودقة
حرفية المعلمين ودقتهم وثيقة الصلة بحرفية المدارس ودقتها في متابعة وإدارة العملية التعليمة. سماح حسين سفينة (40 عاماً) تقول إن العلاقة بين ابنتها هاجر ومدرستها الحكومية الثانوية في محافظة الجيزة انقطعت تماماً منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي حين صدر قرار إيقاف التعليم في المدارس وتحوله "أون لاين". تقول سماح، "لا المدرسة أو المعلمين يسألون عن الطالبات. وموقع المدرسة على الإنترنت لا يحوي سوى مبادرة دشنتها إحدى المعلمات تتمثل في قيام الطالبات في السنوات الدراسية الأعلى بالإجابة عن أسئلة الطالبات الأصغر وشرح ما يتعذر عليهن فهمه". تضيف، أن الفكرة في حد ذاتها جيدة، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود متابعة من قبل المعلمين للتأكد من أن إجابات الطالبات وشروحاتهن صحيحة. الطريف أن أغلب المعلمين "المختفين" من العملية التعليمية عاودوا الظهور بكل همة ونشاط، ولكن إما في مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" التي يفتح البعض منها أبوابه سراً خوفاً من المساءلة القانونية، أو بنقل النشاط إلى بيت أحد الطلاب حيث يتجمع أربعة أو خمسة للحصول على درس خصوصي، ولكن بكلفة أعلى بكثير من "السنتر" الذي يحوي الفصل "غير القانوني" الواحد ما لا يقل عن 50 أو 60 طالباً وطالبة.
عيشة وتعايش
ملايين الطلاب والطالبات في المراحل المدرسية المختلفة يعيشون ويتعايشون ويعانون ويتعلمون ويتسربون ويعافرون في العام الثاني من عمر الوباء. ومعهم ملايين الأمهات والآباء منهم من يتابع ويدقق، ومنهم من يتجاهل ويتساهل، ومنهم أيضاً من يتحجج بالوباء أو يجد نفسه بين شقي رحا الإمكانات الاقتصادية الضعيفة ومتطلبات الدراسة الرقمية أو حتى التلفزيونية لإغلاق ملف التعليم كلية. ومع هذه الملايين، ملايين أخرى من المعلمين والقائمين على أمر العملية التعليمية الذين إما يجدون أنفسهم أشبه بالجنود في ساحة المعركة، أو أثرياء الحرب المنتفعين من الأوضاع الصعبة، أو يلجأون إلى كنباتهم انتظاراً لزوال الوباء من دون تكبد عناء المحاولة والمعافرة.
وتأتي القشة التي تهدد بقصم ظهر البعير ممثلة في منظومة هائلة من الإشاعات التي يتفنن البعض في إطلاقها ويعشق الآخر تداولها وتشاركها. "إلغاء العام الدراسي"، "إلغاء الحضور ورفع قوائم الغياب"، "أبحاث بدلاً من الامتحانات"، "امتحانات نهاية العام في أبريل (نيسان)"، "امتحانات نهاية العام في مايو (أيار)"، "إلغاء امتحانات نهاية العام" حيث عملية الضخ لا تفتر أو تهدأ. وزير التربية والتعليم والتعليم الفني طارق شوقي اعتاد حصول وزارته على النصيب الأوفر من الإشاعات. ولذلك كتب على صفحته قبل يومين، "أعلنا أن الوزارة ستعلن تفاصيل الفصل الدراسي الثاني والامتحانات يوم 14 الحالي. لكن تظل الإشاعات والاجتهادات مستمرة للأسف الشديد. لا نية لإلغاء الامتحانات أو إقامتها في مايو تحت أي ظرف. أرجو الاهتمام بالمذاكرة والتعليم من كل المصادر استعداداً لامتحانات الفصل الأول".