Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملك العملات المشفرة جاء من "أف بي آي"

كورتيس تينغ سعى للانخراط في بيئة الأموال الرقمية فصار مسؤولاً عن أوروبا في إحدى أكبر البورصات التي تتعامل بها

 كورتيس تينغ عميل الاستخبارات السابق الذي تحول إلى مستثمر في مجال العملات الرقمية (عن شركة كراكن) 

يعرف كل من يبلغ عمراً كافياً، أين كان يوم 11 سبتمبر (أيلول). كان كورتيس تينغ في عمر الـ13 سنة في 2001 ويعيش في "فانكوفر"، حيث كان والده (الطبيب النفسي الآن) يدرس اللاهوت. ووفق تينغ، "ألهمني الهجوم على "البرجين التوأم" الرغبة في فعل شيء ما من أجل الأمن الوطني". والآن، انتقل من الحفاظ على أمن الأمة بوصفه محققاً في مكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي آي" إلى مكافحة الجريمة الإلكترونية في كواليس عملة "بيتكوين" المشفرة بوصفه مديراً إدارياً لأوروبا في "كراكن"، وهي إحدى أكبر بورصات العملات المشفرة في العالم.

وفي التفاصيل، وُلِدَ تينغ في مدينة "سياتل" لوالدين تايوانيين أميركيين. وعندما التحق بإحدى الكليات في العاصمة واشنطن العاصمة بهدف دراسة الاستخبارات الاستراتيجية، وجد أن أساتذته عملاء حكوميين سابقين. وبحسب روايته، لقد "حاولوا صدي"، لكنه واصل الدراسة وتدرّب في "إف بي آي" بعد تخرجه مباشرة ثم توظّف بدوام كامل. ووفق كلماته، "من المتوقع في صفوف الآسيويين الأميركيين أن يصبح المرء طبيباً أو طبيب أسنان أو محامياً، وأن يَرُدّ دينه إلى مجتمعه المحلي. إنهم ليسوا ممثلين إلى ذلك الحد في الوظائف الحكومية. وقد تمثّل تمردي في مرحلة الشباب في الانضمام إلى الأمن الوطني".

واستطراداً، أمضى تينغ 10 سنوات في مكتب التحقيقات الفيدرالية. وثمة أمور متنوعة لا يُسمَح لي أن أقولها عن كورتيس تينغ من دون أن أشعل ما يشبه الدراما. لا أستطيع حتى أن أستخدم  كلمة… أه، بل لا يُسمَح لي استخدام تلك الكلمة. يكفي أن أقول إن تينغ ترقّى بسرعة. ويؤكد أن "إف بي أي" ليس كما تصوّره هوليوود. فعلى النقيض من كيفين كوستنر أو شون كونري (في فيلم "الممنوع لمسهم")، مثلاً، لم يخرج بندقية آلية أو بندقية صيد، ثم يبدأ في إطلاق النار. وبحسب تينغ، "إذا رغب المرء في إبعاد الأشرار فلا بد من أن يتصرف وفق القواعد". وكذلك يتعين عليه أن يبني حجته ببطء وتأكيد، ويُعتَبَر "الحفاظ على الأدلة" أمراً بالغ الأهمية. وفق كلماته، "ثمة كثير من المعاملات".

في عصر التوسع الأقصى لتنظيم "القاعدة" وبروز فروع له مثل "بوكو حرام"، تركز عمل تينغ أساساً في مكافحة الإرهاب. في المقابل، شمل شطر كبير من عمله في ملاحقة التمويل جنائياً. وتحتّم عليه أيضاً أن يصل إلى الجرائم السيبرانية، أو بالأحرى خوض المعركة ضدها. ويسلّم تينغ بأن عملة "بيتكوين" حظيت بشعبية هائلة بين المجرمين بغض النظر عن انتماءاتهم. وبحسب رأيه، "إن الجريمة والتكنولوجيا الجديدة مترادفتان تقريباً. إذ تعثر الجريمة على استخدام ما للتكنولوجيا الجديدة أولاً، قبل أن تنتشر هذه الأخيرة في المجالات الشرعية. ثم نحاول نحن (في "أف بي آي") جعلها أقل جاذبية بالنسبة إلى المجرمين".

وأصبح تينغ "معداً لإحاطات رئاسية يومية"، إذ عمل كجهة اتصال بين مدير "إف بي آي" والنائب العام الأميركي. وحينما أغلق "إف بي آي" في 2014 السوق السوداء المسماة "طريق الحرير" (تشبه موقع "أمازون.كوم" لكنها تتعامل بأشياء غير قانونية) على "الإنترنت المظلمة"، تبيّن أن "بيتكوين" تشكّل العملة المفضلة فيها. وقد وجه النائب العام سؤالاً مباشراً الى تينغ، "ما البيتكوين؟". ووفق تينغ، "لو عرفتُ آنذاك ما أعلمه الآن، لأعطيته إجابة أفضل بكثير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، يلفت تينغ إلى أن الارتباط بالجريمة "أعطى "بيتكوين" سمعة سيئة في البداية". إذ حاولت عصابات الشوارع "مراكمة" أرباحها غير المشروعة بأن ترسل أعضاء فيها من صراف آلي إلى آخر ليودعوا مبالغ صغيرة نسبياً من النقود. ولاحقاً، انتقلت العصابات إلى استخدام "بيتكوين" بهدف التهرب من المراقبة. وثمة مفارقة تكمن في أن هذه العصابات أصبحت قابلة للتعقّب. ويرجع ذلك، وفق ما يشير تينغ، إلى أن "عملة "بيتكوين" تشكّل عالم الحقيقة".

ويُفسّر تينغ ذلك بأن تقنية "سلسلة الكتل" Block Chain ("بلوك شين") [المستخدمة في صنع المعادلات المشفرة التي تستند إلى "بيتكوين" وتعاملاتها]، تصر على تاريخ من المعاملات الشفافة والعلنية. وبحسب تينغ "مع "بلوك شين"، لا يستطيع أحد الاختباء. إذ يضحي الاحتيال أكثر صعوبة. ولقد توجّب على العصابات أن تتمسك بالنقود".

في مسار متصل، عمل تينغ في السفارة الأميركية بباريس عام 2016، وصدف ذات مرّة أن سار قرب مكاتب غير بعيدة من السفارة تعود إلى شركة "ليدجر"، وهي شركة مزوّدة لخدمات تخزين الأصول المشفرة. وإذ أثار الأمر حشريته، دخل إلى الشركة، وعرّف عن نفسه، وانتهى به المطاف تلك الليلة إلى شراء "بيتكوين" و"إيثيريوم". ووفق تينغ، "شعرت بوجوب المشاركة قليلاً في اللعبة". وشكّل ذلك بداية انتقاله إلى عالم العملات المشفرة.

وعلى غرار الأسواق كلها، لكن الأمر ربما يصح أكثر في هذه الحالة، يتميز عالم التشفير بالتقلب. وبحسب تينغ، "لا أتابع مسار العملات يوماً بيوم، فلو فعلت لما تمكنت من النوم". ويشرح أن ثمة طريقتين للنظر في الأصول المشفرة أو عملة "بيتكوين" أو "العملات البديلة" الأخرى. تتمثّل الأولى في وصف تلك العملات بأنها نوع من الاستثمار المضارب، فيما تميل الثانية إلى "اعتبارها تمثيل عن شيء أكبر"، بل يسمّى تينغ ذلك الشيء بـ"ثورة في المنظومة البيئية المالية". ويحمل ذلك الوصف إشارة إلى إن العملات المشفّرة موزعة ومترابطة عالمياً وتتجاوز النظام القديم للعملات الوطنية الشديدة المركزية.

وفي مفصل آخر، لطالما شعر تينغ بالإحباط إزاء طول المدة التي تستغرقها القضايا المتعلقة بعوالم التشفير. ولقد تصوّر أن التحاق مزيد من مسؤولي إنفاذ القانون بالعملات المشفرة يؤدي إلى تحسين خدماتها. وبحسب تينغ، "أردت أن أكون جزءاً من بيئة العملات المشفرة". وفي خطوة تالية، انضمّ تينغ إلى بورصة "كراكن" في 2018، حيث عمل في مجال "الامتثال" Compliance. ويعلق على ذلك بإنه "إذا كنتُ محقّقاً من الخارج ينظر إلى الداخل، سأفعل خلال سنوات ما يستطيع قطاع العملات المشفرة أن يفعله خلال أسبوع أو يوم".

في تطور متصل، عمل تينغ في 2019 على تحقيق بشأن انهيار "كوادريغا"، وهي بورصة عملات أخرى، عمد مؤسُسها إلى إدارتها وفق برنامج احتيالي، (ثم مات أو غير هويته). وانشغل تينغ بمحاولة التوصل إلى فهم كل ما يحيط بعملة "بيتكوين". وقد أخبره الرئيس التنفيذي لـ"كراكين" إن "كوادريغا" تجعل القطاع بالكامل يبدو سيئاً، وعرض وفق الأصول مكافأة مالية من ستة خانات (بمعنى أنها بمئات آلاف الدولارات) في مقابل الحصول على مزيد من المعلومات. واكتشفا أن "إف بي آي" و"كراكين" امتلكا مصالح مشتركة.

 

عند هذه النقطة، أحتاج إلى التأكيد على أمر واحد مفاده أن حالة تينغ لا ينطبق عليها وصف حالة حارس محمية تحول إلى صياد غير شرعي أو انتقل إلى الجانب المظلم. إذ لا يشكّل عالم العملات البديلة "غرباً متوحشاً" (تعبير يستخدم في الإشارة إلى فترة التي سبقت بسط السلطات الرسمية سيادتها في أرجاء الولايات المتحدة)، لا يحكمه قانون. إذ يؤكد تينغ إن "كراكن" "تفخر بأنها تعمل مع الجهات التنظيمية". واستطراداً، يوصف الواقع الرقمي الجديد بتسمية "التنظيم الذكي"، ما يعني أن عالم التشفير يلتزم قواعد معينة، وليس القواعد نفسها التي أُعِدَّت في أوائل القرن العشرين بهدف تنظيم عمل العملات العادية. ويزعم تينغ أن ثمة تقارباً متزايداً بين الخدمات المالية التقليدية ومجال التشفير، كما يتضح من اهتمام مصارف مركزية بإصدار عملات مشفرة خاصة بها. "ليس عالم التشفير تهديداً للنظام، بل إنه أمر عملي. ويتلخص الهدف منه في جعل الخدمات المالية شيئاً ناجحاً في العصر الرقمي".

وفي ذلك الملمح، تفتخر "كراكن" بأنها لم تتعرض يوماً للقرصنة، وتمارس الصرامة في التحقق. ويمكن وصفها بإنها تمارس وظيفة بيع وشراء فوريين فتُمكن المستخدمين البريطانيين من المتاجرة مباشرة بالجنيه الإسترليني (يستطيع الأستراليون أيضاً استخدام الدولار الأسترالي). والآن، أصبح لديها موظف سابق في "إف بي آي" يرأس قسم أوروبا. ويعمل لدى "كراكن" ألف و300 من العاملين الرقميين المتنقلين المنتشرين حول العالم، لكن معظم أعمالها مركزة في أوروبا. وكذلك يقبع كورتيس تينغ "في انتظار التأشيرة" في شيكاغو، لكنه يستعد للانتقال إلى لندن حين تسمح الظروف بذلك. "ينص السرد السائد على أن التكنولوجيا الرقمية قريبة من الذهب، كشكل من أشكال الأصول الاحتياطية. وإذا كانت البتكوين أشبه بالذهب في غضون 10 إلى 20 سنة، فلن يحزننا الأمر".

على سبيل التوضيح، إن مرجعي في هذا المجال يتمثّل في كتاب "ثورة التشفير- "بيتكوين"، والعملة المشفرة، ومستقبل المال" لمؤلفه الأسترالي سام فولكرينغ، وهو خبير استثمار في مؤسسة "ساوث بنك ريسيرش" للبحوث المالية.

وفي وقت قريب، ذكر فولكرينغ أن عالم التشفير "عمل قيد التقدم لا يزال في مهده. وثمة فرصة في الدخول والمشاركة في هذه المرحلة من البناء. ولا تزال هذه المرحلة تمثل كما أعتقد إمكانات هائلة في الأجل البعيد بالنسبة إلى الأشخاص الذين يؤمنون بتوليد الثروة في الأجل البعيد". ففي عام 2010، استخدم رجل بضعة آلاف من عملة "بيتكوين" لشراء طبقين من البيتزا من "بابا جونز"، لكن كلاً من الطبقين يساوي (بسعر اليوم) أكثر من 100 مليون جنيه استرليني (حوالى 136 مليون دولار أميركي).

ويشير كورتيس تينغ إلى وجود أكثر من ألفي "مشروع شائع في تقنية "سلاسل الكتل" ("بلوك تشين") الرقمية" حتى يومنا هذا (وكثير من المشاريع الأقل شيوعاً). وتدرج "كراكن" أكثر من 50 منها [ضمن تعاملاتها]. ولكل من يحاول أن يقرر في شأن الاستثمار في إحدى العملات المشفرة أو أكثر، يشير كورتيس تينغ إلى إن كلاً منها "يمثل تطبيقاً مختلفاً لتكنولوجيا "سلسلة الكتل" الرقمية". وفي المقابل، يضيف عبارة تحذير واضحة، "إنها [العملات المشفرة] بطبيعتها تتأتى من مصدر مفتوح، لذلك فمن الصعب أن نرى ما الذي سيدوم وما الذي لن يدوم".

© The Independent

المزيد من اقتصاد