Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" علاقة يحكمها تبادل الخدمات

باسيل يحاول تثبيت دعم الحزب له من خلال طرح فكرة "المؤتمر التأسيسي"

اجتماع سابق بين عون وباسيل في 14 سبتمبر 2020 في قصر بعبدا (دالاتي ونهرا)

على الرغم من تأكيد "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" على أن تحالفهما هو تحالف وطني يصب في مصلحة لبنان والدولة القوية والقادرة، فإن كثيرين ينظرون إلى هذا التحالف على أنه "حلف المصلحة الخاصة" حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مصلحته مستفيداً من هذه العلاقة الثنائية.
من المعلوم أن التيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون)، الذي سعى منذ تأسيسه إلى نيل السلطة بهدف "بناء الدولة" كما يقول، وعمل على الوصول إلى رئاسة الجمهورية، لم يجد يوماً مشكلة في الانتقال من ضفة إلى أخرى لتحقيق هذا الهدف، حتى لو كان ذلك على حساب مبادئ وأفكار جاهر بها مؤسسه، رئيس الجمهورية ميشال عون.
ويمكن القول، إن عون كان أكثر المرشحين إصراراً على خوض معركة رئاسة الجمهورية على الإطلاق. فمنذ عام 1988 سلك قائد الجيش السابق ميشال عون مسار الوصول إلى قصر بعبدا الرئاسي، وخاض حرباً ضد سوريا، سُميت "حرب التحرير"، وحين لم ينجح، اشتبك تحت عنوان "إلغاء السلاح غير الشرعي"، بـ"القوات اللبنانية"، دون الميليشيات الأخرى في البلاد.
ثم حاول عون بين عامَي 1990 و2005 إعطاء انطباع بأنه "السيادي الأول والأوحد في لبنان"، لكنه انسحب من الحركة الاحتجاجية الشعبية الكبيرة ضد نفوذ النظام السوري في لبنان التي انطلقت في عام 2005 وعُرفت بـ"ثورة الأرز"، وذلك بعد ما لمس عدم رغبة القوى المنضوية في صفوف فريق "14 آذار" (المناهض للنظام السوري آنذاك) بترشيحه لرئاسة الجمهورية. وانتقل ليصبح الداعم الأساسي لقوى "8 آذار"، حلفاء سوريا ولاحقاً إيران في لبنان، وعلى رأسهم "حزب الله".

الحزب والتيار والرئاسة ثالثهما

وشكلت رئاسة الجمهورية الهدف الأول والأخير للتيار الوطني الحر ورئيسه في كل محطاته السياسية وكانت سبب تحالفاته، وهذا ما يفسر انتقال "التيار" من موقع إلى آخر، تبعاً للقوى السياسية القادرة على إيصاله إلى السلطة. ولعل المثل الصارخ على ذلك هو الحلف الذي جمعه مع "حزب الله".
 من وجهة نظر "الحزب"، فإن لمشروعه المرتبط بمشروع إيران في المنطقة، مصلحة بأن يكون لديه حليف مسيحي يتمتع بتمثيل شعبي يمكن أن يمنحه وجهاً وطنياً غير طائفي أو مذهبي. ومن جهته، يحصل "التيار" من خلال علاقته مع "الحزب" على "الفيتو الشيعي" ضد أي مشروع لا يلتقي ومصالحه. وما يحصل اليوم على صعيد تعطيل تشكيل الحكومة، وفرض التأليف بشروط رئيس "التيار الوطني الحر" الحالي جبران باسيل، ما كان ليتم لولا التحالف مع "حزب الله".
وتمكن التيار من الإمساك بالسلطة مدعوماً من "الحزب" وبدأ تبادل الخدمات معه، فالتيار يغطي مشروع "الحزب" الإقليمي وسلاحه، ويحصل على حصة الأسد في الحكومات المتعاقبة، وفي المقابل يستمر "الحزب" في مشروعه الإقليمي ممسكاً من خلال "التيار" بالقرار الداخلي.

سر طرح تغيير النظام

في السياق، استنفر باسيل في آخر إطلالة إعلامية له، كعادته المسيحيين مستذكراً حقوقهم "الضائعة" التي أسقطها "اتفاق الطائف"، ليختم كلامه بالدعوة إلى عقد "مؤتمر تأسيسي" بهدف "تغيير النظام". لكن باسيل الذي رفض تحميل "حزب الله" مسؤولية انهيار البلد، تطرق إلى موضوع سلاح الحزب معترِفاً بأنه يحتاج إلى حل، وفصل بين دوره في مواجهة إسرائيل دفاعاً عن الأرض ودوره الإقليمي، الذي رفضه باسيل.
وقال باسيل في مؤتمره الصحافي "ندعو إلى عقد حوار وطني ينتج عنه تصور لبناني مشترك لنظام سياسي جديد يضمن الاستقرار في البلد. القفز فوق المشاكل البنيوية في النظام والتذرع بأن حزب الله هو وحده سبب سقوط الدولة يعني أن لا أحد يريد حل المشكلة بعمقها". وأضاف "طبعاً قضية السلاح والاستراتيجية الدفاعية ووضعية لبنان وعلاقاته بالدول ومسألة حياده أو تحييده، هي مسائل كيانية وأساسية بصلب الحوار المطلوب. ونحن لا نقبل بأن تكون أرضنا مسرحاً لصراعات الآخرين ولا السلاح المقاوِم يكون لخدمة أي مشروع غير مشروع حماية لبنان، ونحن متفقون مع حزب الله على هذا الأمر وهو أيضاً لا يقبل بذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الرئاسة مجدداً

من جهة أخرى، رأى سياسيون لبنانيون في كلام باسيل دوراً جديداً اقتضاه لنفسه للوصول إلى رئاسة الجمهورية وضمان استمرار دعم "حزب الله" له، فبمطالبته بعقد "مؤتمر تأسيسي"، الحلم الدائم للحزب، من دون بحث موضوع السلاح يعني أن التيار الوطني الحر الذي شكل عام 2006 بعد "تفاهم مار مخايل" (بين الحزب والتيار)، الغطاء المسيحي الأول للسلاح، هو اليوم يقدم لـ"حزب الله" ليس فقط الغطاء إنما يدفع باتجاه تعديل دستوري يعيد من خلاله إعادة تركيب النظام من دون المس بالسلاح.
واعتبر السياسيون أن "ما يحاول باسيل قوله هو التالي: تعالوا نذهب إلى مؤتمر تأسيسي، أما السلاح، فيجب أن ينتظر الحل الإقليمي في المنطقة". وتكمن "خطورة طرح باسيل" بحسب مصادر سياسية، في أنه "يقدم هدية للحزب الذي طالما حلم بمؤتمر تأسيسي، لتعديل قواعد النظام فيصبح ممسكاً بمفاصل السلطة بالكامل، من دون الحاجة إلى بيانات وزارية تشرع وجوده من خلال ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، فيُدخِل التعديلات التي يريدها إلى الدستور ويحصل على صلاحيات أكثر ويشرع مقاومته من دون أي حل للمشكلة الأساسية التي هي سلاحه الخارج عن الشرعية". وتابع المصدر أن "باسيل أوحى في كلامه للمسيحيين والرأي العام بأن المشكلة في لبنان هي مشكلة سلطة وأن الانهيار الذي حصل كان فقط نتيجة أداء السلطة السياسية"، فيما يجب بحسب المصدر، أن "يبدأ الحل الفعلي بالمطالبة بتطبيق اتفاق الطائف بالكامل لا سيما البند المتعلق بتسليم سلاح كل الميليشيات، وأي بحث يجب أن يبحث ملف السلاح وأي طرح لمؤتمر تأسيسي يتطلب وجود دولة تكون صاحبة القرار مع اعتماد مبدأ الحياد".
ويقرأ خصوم باسيل في دعوته إلى تغيير النظام، "وظيفةً جديدة أخذها على عاتقه، بأن يكون المعبر والجسر للمؤتمر التأسيسي الذي يريح حزب الله، وذلك بهدف رشوة الحزب حتى يبقى متمسكاً به كحاجة له، فيرشحه لرئاسة الجمهورية، كما حصل قبله مع الرئيس ميشال عون الذي كان حاجة للحزب وسلاحه، فعطل من أجله البلد وأقفل مجلس النواب سنتين بهدف إيصاله إلى سدة الرئاسة".

حزب الله: لا تبني حالياً لطرح تغيير النظام

على مقلب "حزب الله"، يتحدث المطلعون على سياسته عن علاقة متينة جداً قائمة على تحالف سياسي متماسك مع "التيار"، وشكلت العقوبات الأميركية على باسيل دافعاً لتعزيز تلك العلاقة وتمتينها، على الرغم من الضغوط الخارجية.
وكشف الصحافي قاسم قصير أن "حزب الله لم يتبن طرح باسيل لتغيير النظام حالياً، وهو متمسك باتفاق الطائف، ويعتبر أن أي بحث حول عقد سياسي جديد يحتاج إلى موافقة وطنية شاملة".
أما عن ربط طرح باسيل للمؤتمر التأسيسي بالسعي إلى رئاسة الجمهورية، فتكتفي أوساط الحزب بالقول، إن "موضوع رئاسة الجمهورية غير مطروح حالياً".
إلا أن بين "الحزب" و"التيار" قرار جديد ملفت بمراجعة التفاهم الذي وُقِّع عام 2006 بين عون والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في منطقة الشياح (إحدى ضواحي بيروت)، ويكشف قاسم قصير عن "بحث جدي بين الطرفين لإعادة تعزيز التحالف على أسس جديدة". وأضاف أن "ملفات عدة ستُبحَث بين الطرفين، منها مواجهة الفساد وبناء الدولة وكيفية تعزيز المواطنة وتطوير النظام السياسي وقانون الانتخابات والاستراتيجية الدفاعية ودور حزب الله الإقليمي ومواجهة الضغوط الخارجية والعقوبات والأزمة الاقتصادية والمالية، تمهيداً لوضع رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة".

المزيد من العالم العربي