Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيديو اتهام عون للحريري بالكذب يقفل آمال ولادة الحكومة اللبنانية

"المستقبل" يرد التهمة مستعيناً بالكتب المقدسة ومخاوف من سعي باسيل و"حزب الله" إلى مؤتمر تأسيسي

الإقفال العام في لبنان ومنع التجول مدة 10 أيام ليلاً ونهاراً، لمواجهة التفشي المأساوي لكورونا بعد بلوغ القدرة الاستيعابية للمستشفيات أكثر من طاقتها، يتزامن هذه المرة مع "إقفال" سياسي شبه كامل يكرس انسداد أي أفق لتأليف الحكومة بعد مطالبة "التيار الوطني الحر" برئيسه ونوابه الرئيس المكلف سعد الحريري بالاعتذار عن مواصلة مهمته، والهجوم الذي شنه رئيس "التيار" جبران باسيل على الأخير معتبراً أن الحريري لا يؤتمن على الحكومة والإصلاح"، مجدداً رفضه وعون أن يسمي الرئيس المكلف بعض الوزراء المسيحيين في الحكومة العتيدة.

وبين كلام باسيل الأحد 10 يناير (كانون الثاني) الحالي وتصريحات قياديين في تياره ضد زعيم تيار "المستقبل" زاد الطين بلة في اليوم التالي، (الإثنين 11 يناير) التقاط كاميرا إحدى محطات التلفزة دردشة بين عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أثناء لقائهما قبيل اجتماع رسمي لاتخاذ قرار منع التجول وإعلان حالة الطوارئ الصحية، قال خلاله عون: "ما في تأليف"، حين سأله دياب أين أصبح تأليفها.

وسُمع عون يضيف "يقول إنه أعطاني ورقة (لائحة الحكومة). يكذب. عامل تصاريح كذب. قديش غاب؟ (سافر على الأعياد) ليك حظهم اللبنانيين. وهلق راح على تركيا. شو بأثر؟".

الحريري لن يعتذر و"التيار" يمتدح جرأة عون.

يؤشر الفيديو بالصوت والصورة ليس فقط إلى انعدام الثقة بين عون والحريري، بل إلى مدى تدهور العلاقة الشخصية بينهما، على الأقل من جانب رئيس الجمهورية، الذي نقل عنه في الأسابيع الماضية مرات عدة هجومه على الرئيس المكلف.

انتشر الفيديو المصور على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم بعد ظهر الإثنين، وأخذت الأوساط السياسية تتساءل كيف يمكن للحريري أن يشكل حكومة مع عون بعد الذي حصل، فيما كرّر قياديون في تيار "المستقبل" التأكيد أنه لن يعتذر عن عدم تأليف الحكومة ولن يخلي الساحة لخصومه كي يؤلفوا حكومة وفق مقاييسهم.

لم يلبث زعيم "المستقبل" أن أصدر تعليقاً في حسابه على "تويتر" استعار فيه عبارة من كتاب العهد القديم، سفر الحكمة، جاء فيها: "إِنَّ الْحِكْمَةَ لاَ تَلِجُ النَّفْسَ السَّاعِيَةَ بَالْمَكْرِ، وَلاَ تَحِلُّ فِي الْجَسَدِ الْمُسْتَرَقِّ لِلْخَطِيَّةِ، لأَنَّ رُوحَ التَّأْدِيبِ الْقُدُّوسَ يَهْرُبُ مِنَ الْغِشِّ، وَيَتَحَوَّلُ عَنِ الأَفْكَارِ السَّفِيهَةِ، وَيَنْهَزِمُ إِذَا حَضَرَ الإِثْمُ".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فرد الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري على "تويتر" قال فيه "فخامة الرئيس يكذب. فخامة الرئيس للكذب عنوان عون وجبران" وتضمنت تغريدته صورة لبيانين صادرين عن رئاسة الجمهورية في 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الأول أشار إلى أن الرئيسين اتفقا على "دراسة الاقتراحات المقدمة..." والثاني يوضح أن الحريري "قدم للرئيس عون تشكيلة حكومية كاملة وفي المقابل سلم الرئيس عون الرئيس المكلف طرحاً حكومياً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب على أساس مبادئ واضحة".

ومن ثم ألحق أحمد الحريري هذه التغريدة بأخرى استنجد فيها بالقرآن الكريم "ويومُ القيامةِ ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودةٌ أليس في جهنمَ مثوىً للمتكبرينَ- صدق الله العظيم".

إزاء فضيحة الفيديو لم يصدر أي توضيح كما هي العادة من دوائر القصر الرئاسي. واكتفت "مصادره" بالقول "الفيديو المسرّب عن كلام دار بين رئيس الجمهورية والرئيس دياب لقطات مقتطعة وليست كاملة".

إلا أن "التيار الحر" أعلن في بيان أن "رئيس الجمهورية قال كلمته بصدق وجرأة وحرّفتها الجديد (المحطة التلفزيونية) عمداً وكذباً ووضع رئيس التيار النقاط على الحروف في موضوع تشكيل الحكومة وحدد مسؤولية عرقلتها". وهاجم بحدة قناة "الجديد".

باسيل وعدم ائتمان الحريري

كان المناخ السلبي والعدائي بين الجانبين بلغ درجة عالية خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده باسيل في اليوم السابق والذي طرح فيه اعتراضاته على اقتراحات الرئيس المكلف الحكومية، متهماً إياه بأنه "يسمي الوزراء وحده ويؤلف الحكومة وحده".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعدّد باسيل مهمات تتجاوز ما نصت عليه البنود الإصلاحية لخريطة الطريق التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي لحكومة "المهمة"، تتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة وبترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، التطبيع، وقضايا النازحين واللاجئين.

وسأل "هل يصدق أحد أن اللبنانيين يأتمنون رئيس الحكومة وحده على أنه هو، من خلال تأليفها وحده، يأخذ وحده هكذا قرارات مهمة في البلد؟ وهاجم الحريري قائلاً "دستورنا ينص على تشكيل الحكومة على قاعدة الميثاق والتكليف النيابي الذي يعطى باسم الشعب اللبناني، وليس لكي يحجز التكليف بجيبة الرئيس المكلف ويسافر معه".

فريق عون يبحث عن بديل سني

في المقابل، اعتبرت الأوساط السياسية أن عون وباسيل يتطلعان إلى إنهاء تكليف الحريري عبر إثارتهما مسألة عدم وجود مهلة في الدستور كي ينجزها، وأن خلفية طرح باسيل قبل أسابيع لتعديل دستوري من أجل تقييد الفترة التي يؤلف الرئيس المكلف الحكومة بشهر، هي التخلص من الحريري، بعدما كان الأخير أكد لعون في لقاء سابق أنه لن يعتذر أو يتراجع عن إصراره على حكومة مستقلين غير حزبيين ورفضه إعطاء الثلث المعطل لعون وباسيل فيها مهما كان الثمن.

وقال أكثر من مصدر سياسي لـ "اندبندنت عربية" إن فريق عون جدّد اتصالاته مع شخصية سنية مستقلة لجس النبض بإمكان تكليفها برئاسة الحكومة على أمل دفع الحريري للاعتذار عن المهمة، هي المدير في البنك الدولي، المسؤول عن برامج في دول الخليج والشرق الأوسط جمال كبي، نجل النائب البيروتي الراحل جميل كبي.

وأكدت مصادر دبلوماسية معنية بمتابعة موضوع تأليف الحكومة في لبنان هذه المعلومات بدورها. إلا أن مصدراً لبنانياً يواكب الاتصالات لتذليل العقبات من أمام ولادتها أكد لـ "اندبندنت عربية" أنه سبق لكبي أن رفض عرض الفريق الرئاسي حين طُلب منه الحضور إلى لبنان لمباحثته في هذا الشأن قبل شهرين.

التعبئة الشعبية باسم الشراكة المسيحية

واتهم باسيل الحريري بأنه "في كل مرة يصعد فيها عند الرئيس، يأخذ معه لائحة توزيع حقائب مختلفة عن قبلها، وهذا دليل عدم جدية، معتبراً أنه لا يعتمد قاعدة أو معيار، بل فقط استنسابية".

وتوسع رئيس التار الوطني الحر في الحديث عن صلاحيات التأليف وتسمية الوزراء، لا سيما المسيحيين من قبل رئيس الجمهورية. وبدا أنه يخوض حملة الدفاع عن الحقوق المسيحية في السلطة ومما قاله عن "الشريك المسيحي في الحكم في دولة كان المسيحيون في أساسها وأرادوها للكل، لا يرغب رئيس الحكومة المكلف في التحدث معنا لأننا لم نسمه".

ويسعى باسيل إلى كسب الرأي العام المسيحي عن طريق التركيز على حق رئيس الجمهورية في تسمية الوزراء، من أجل الحصول على الثلث المعطل في الحكومة للتحكم بقراراتها، وأن قياديين في "التيار الوطني الحر" يعتبرون أن هذا العنوان لقي صدى إيجابياً في بعض الأوساط المسيحية الشعبية وأن خطاب رئيسه مربح على صعيد التعبئة الشعبية.  

على الرغم من أن المعطيات تشير إلى أن البطريرك الماروني بشارة الراعي لم يقتنع بإلباس سعي عون إلى توسيع حصته الوزارية بحجج الدفاع عن حقوق الطائفة، بدليل مجاهرة الراعي في عظته في 10 يناير بانتقاده طرح مسألة الثلث المعطل، وتغيير عدد الوزراء.

فباسيل قال إنه يصر على أن تؤلف من 20 أو 24 وزيراً بدلاً من تمسك الحريري بصيغة الـ 18، التي كان وافقه عليها عون قبل أسابيع.

كما أنه أشار إلى "أنهم يقومون بتأليف حكومة تعيد منظومة الـ 1990 – 2005، لتمسك بالكامل بمفاصل المال والاقتصاد والأمن والقضاء، ويقومون بطردنا خارجاً كقبل 2005″، مذكراً بمرحلة الوصاية السورية التي أبعد عنها القادة المسيحيون.

انتقاد البرلمان والدعوة إلى نظام جديد

إلا أن باسيل في مطالعته لم يكتفِ بالهجوم على الحريري بل غمز من قناة رئيس المجلس النيابي نبيه بري حين قال "القوانين الإصلاحية الموجودة في مجلس النواب والمطلوبة من المجتمع الدولي والمبادرة الفرنسية، لماذا لا تنجز وتصدر؟ لأن ما من نية وإرادة إصلاح".

وهذا ما دفع حركة "أمل" إلى التشديد في بيان لها على أن "لبنان في هذه المرحلة لا يحتاج إلى تجييش طائفي أو مذهبي، بل إلى شد العصب الوطني والإقلاع عن سياسة الاختباء وراء هواجس غير موجودة إلا في مخيلة البعض". وعددت "أمل" مجموعة القوانين الإصلاحية (55) التي أقرها البرلمان.

كما أن "الحزب التقدمي الاشتراكي" رأى أن كلام عون "وتسريب حديثه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، إهانة الكبرى ليس لموقع رئاسة الحكومة فحسب، بل إلى موقع رئاسة الجمهورية، وإشارة إلى مستوى الدرك السحيق الذي بلغته"، معتبراً أن عون وفريقه لا يريدون الحريري لتشكيل الحكومة. وبالنسبة إلى فريق الممانعة إما أن تشكل كما يريدون، أو لا حكومة، ليستمروا بالحكم كما يريدون من خلال هذه الحكومة".

والبارز كان إعلان باسيل "أننا نبادر بطلب عقد حوار وطني ينتج منه تصور لبناني مشترك لنظام سياسي جديد ونحن بحاجة لعقد جديد بين اللبنانيين". كما دعا إلى لا مركزية إدارية ومالية موسعة.

فضلاً عن أن العديد من القيادات السياسية وجد في تصعيد رئيس "التيار الحر" ضد الحريري دليلاً إلى استحالة الخروج من الفراغ الحكومي في هذه الأجواء، فإن مستشار البطريرك الراعي الوزير السابق سجعان قزي اعتبر كلامه "لم يسهل تشكيل الحكومة ونقلنا إلى مشروع مؤتمر تأسيسي ليس حاجة ملحة في لبنان اليوم".

فالبطريركية المارونية تتمسك باتفاق الطائف في هذه المرحلة وترى الأولوية لقيام حكومة وفقاً للمبادرة الفرنسية تنفذ الإصلاحات العاجلة وتفتح طريق الإنقاذ بالتعاون مع المجتمع الدولي.

مؤتمر تأسيسي على وقع تطورات الإقليم؟

في اعتقاد الأوساط المسيحية المعارضة لنهج عون وتياره، أن المؤتمر التأسيسي هو رغبة مشتركة لـ "التيار الحر" و"حزب الله" من أجل إحداث تعديل في النظام السياسي يتناسب مع اختلال ميزان القوى لمصلحة تحالفهما، من أجل تثبيت مكاسبهما عبر تعديلات دستورية، في حال تطور الأمور نحو تسويات على الصعيد الإقليمي.

وفي رأي المعارضين لهذا التحالف أن هناك توزيعاً للأدوار بين الجانبين لإطالة مدة الفراغ الحكومي بحيث يصل البلد إلى الانهيار الكامل من أجل فرض صيغة سياسية جديدة للنظام السياسي على وقع التطورات الإقليمية بدليل إشارة باسيل إلى أهمية ترقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية ثم السورية إضافة إلى الانتخابات الإسرائيلية.

لكن تعليق الآمال على تغيير في النظام السياسي سيفتح في رأي هذه الأوساط "باب جهنم" لأنه قد يؤدي إلى طرح بعض الفرقاء المسلمين وجوب الأخذ في الاعتبار الاختلال في الأعداد بين المسلمين، والمسيحيين الذين تقلّص حجمهم الديموغرافي، وهو ما يخشاه البطريرك الراعي، في وقت كرس اتفاق الطائف المناصفة بين الطائفتين.

المزيد من العالم العربي