Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أهم تحديات الاقتصاد الأوروبي بعد "بريكست"

استمرار ضعف الإنفاق الاستهلاكي والتغيرات السياسة في منطقة اليورو تهدد فرص النمو

يدخل اقتصاد دول منطقة اليورو العام الجديد 2021 وقد تخلص من أحد عوامل الضغط الاقتصادي السلبية، بالتوصل إلى اتفاق مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وكما تستفيد بريطانيا من انتهاء حالة عدم اليقين التي أسهمت في كبح النمو، إضافة إلى التأثيرات السلبية لأزمة وباء كوفيد-19، تستفيد أوروبا أيضاً وإن بدرجة أقل من بريطانيا.

لكن اقتصاد القارة العجوز يواجه تحديات أخرى على طريق التعافي من أزمة الوباء، وعدم اليقين بشأن "بريكست". وفي مقدمة تلك التحديات استمرار ضعف الإنفاق الاستهلاكي في دول الاتحاد الأوروبي الـ27. ويشكل إنفاق المستهلكين النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، كما هي الحال في بريطانيا أيضاً. وتعاني أغلب الدول الأوروبية من ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس في الأسابيع الأخيرة، بما لذلك من تأثيرات سلبية على فرص التعافي الاقتصادي.

لذا، وعلى الرغم من ضخ السلطات النقدية والمالية الأوروبية نحو 3.6 تريليون دولار (أكثر من ثلاثة تريليونات يورو) في اقتصادات دول اليورو لمواجهة تبعات أزمة كورونا، إلا أن هناك مطالبات للبنك المركزي الأوروبي بضخ المزيد لإنعاش الاقتصاد الأوروبي. هذا بالإضافة إلى أن برامج التيسير النقدي للبنك عبر برامج شراء سندات الدين أو برامج القروض الميسرة جداً للدول الأوروبية، تواجه تحديات عند تنفيذها، بسبب الخلافات بين الدول الأقوى اقتصادياً وتلك الأضعف. ولعل مشكلة حزمة التحفيز الأخيرة هذا الشهر أكبر مثال على ذلك مع اعتراض دول مثل بولندا والمجر على ربط الدعم المالي الأوروبي بمحاربة الفساد والالتزام بتطبيق القانون في الدول المتلقية للدعم.

تقديرات وتوقعات

وبحسب آخر تقرير عن مستقبل الاقتصاد العالمي من صندوق النقد الدولي قبل شهرين، قدّر الصندوق انكماش اقتصاد دول منطقة اليورو في المتوسط بنسبة سبعة في المئة، وهي أكبر نسبة تراجع للناتج المحلي الإجمالي الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. وتوقع التقرير نمو الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي في 2021 بنسبة 4.7 في المئة، لكن الصندوق ربط هذا التوقع الإيجابي بعوامل عدة، تغير بعضها سلباً بالفعل في الشهرين الأخيرين بسبب الموجة الثانية من وباء كورونا.

لذا نجد تقديرات وتوقعات المفوضية الأوروبية نفسها أكثر تحفظاً من تلك التي أصدرها صندوق النقد الدولي في أكتوبر (تشرين الأول). فمطلع هذا الشهر، قدرت المفوضية أن يكون انكماش الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو في المتوسط بنسبة 7.4 في المئة، بينما توقعت المفوضية أن ينمو اقتصاد المجموعة بنسبة 4.1 في المئة في العام المقبل 2021.

وتتسق تقديرات المفوضية الأوروبية أكثر مع توقعات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي خفضت هذا الشهر توقعاتها لنمو اقتصاد دول منطقة اليورو في 2021 إلى نسبة 3.2 في المئة فقط.

ومع ارتفاع معدلات الدين العام في أوروبا إلى أكثر من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ستواجه المفوضية الأوروبية مشكلة عجز في الميزانية على مدى العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة. وعلى الرغم من تخفيف قواعد سقف الدين والتساهل في الالتزام بنسبة عجز محددة، إلا أن المفوضية قد تضطر إلى مزيد من التخفيف من الالتزام بتلك القواعد مجدداً لتحفيز الاقتصاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنفاق وبطالة

ربما يكون التحدي الأهم أمام الاقتصاد الأوروبي، هو تراجع الإنفاق الاستهلاكي في دول منطقة اليورو وارتباط ذلك بمعدلات البطالة الناجمة من أزمة وباء كورونا. وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني في شهر سبتمبر (أيلول)، فقد تراجع إنفاق المستهلكين في دول أوروبا بنسب تتراوح ما بين أربعة وعشرة في المئة نتيجة أزمة وباء كورونا. وتوقع التقرير استمرار ضعف الإنفاق الاستهلاكي عام 2021، مع ضعف ثقة المستهلكين ولجوء الأسر إلى الادخار بسبب مخاوف البطالة.

وعلى الرغم من أن حزم التحفيز المالي في أوروبا أسهمت في الحفاظ على نحو 54 مليون وظيفة، كانت مهددة بالإلغاء نتيجة لأزمة كورونا، إلا أن تأثير الأزمة على معدلات البطالة سيظهر أكثر في الأشهر المقبلة مع بداية العام الجديد. بالتالي فاحتمالات انضمام ملايين الأوروبيين لطابور العاطلين من العمل سيضغط أكثر على الإنفاق الاستهلاكي، بالتالي يهدد فرص النمو الاقتصادي والتعافي من أزمة الوباء.

كما أن أجور العاملين في الاقتصادات الأوروبية ستظل في الأغلب ضعيفة ولن تشهد أي زيادات، بحسب تقدير تقرير "موديز"، ما يجعل فرص انتعاش الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي ضعيفة جداً.

غياب ميركل

ويكاد يجمع كل المحللين والمراقبين للوضع الأوروبي على أن رحيل أنغيلا ميركل عن سدة الحكم في ألمانيا عام 2021، سيكون له تبعاته الاقتصادية، ليس فقط على الاقتصاد الألماني الأكبر في أوروبا، وإنما على اقتصاد منطقة اليورو ككل.

فقد حافظت ميركل على مدى 15 عاماً من توليها السلطة على اقتصاد بلادها في وضع قوي، على الرغم من كل الأزمات والتحديات. وهكذا شكل اقتصاد ألمانيا قاطرة نمو وحزام أمان لاقتصاد دول منطقة اليورو. كما أن سياسات ميركل الأوروبية أسهمت إلى حد كبير في ضمان استدامة الوضع النقدي والمالي لاقتصادات اليورو.

وبغيابها، وأياً كان من سيخلفها في قيادة ألمانيا، قد لا تصمد قواعد وقوانين كثيرة في ضبط أداء الاقتصاد الأوروبي. خصوصاً وأن بعضاً من تلك القواعد تم تجاوزها بالفعل بسبب أزمة الوباء.

ومن تلك القواعد والقوانين على سبيل المثال القاعدة الأوروبية الصارمة بألا تتجاوز نسبة الدين العام 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وألا تتجاوز نسبة عجز الميزانية للناتج المحلي الإجمالي  ثلاثة في المئة.

وربما لا تستطيع فرنسا أن تحل محل ألمانيا - ميركل في ذلك الدور القيادي والضبط الاقتصادي والمالي للاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، لن يكون هناك ما يحول دون ارتفاع الدين العام لليونان في 2021، ليصبح عند نسبة 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن دولاً مثل إيطاليا وإسبانيا، تعاني من ارتفاع معدلات الدين العام وعجز الميزانية بشكل كبير قد يستمر أيضاً في 2021.

وربما يضطر الاتحاد الأوروبي لتغيير كثير من الضوابط والقواعد لتتمكن المفوضية الأوروبية من الاقتراض في العام الجديد لضبط ميزانيتها، وأيضاً بما يسمح بدعم وإنقاذ دول رئيسة ستظل اقتصاداتها تعاني من تبعات أزمة وباء كورونا لفترة.

المزيد من اقتصاد