Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سامي بو عجيلة: كي أفهم الشخصية علي أن أفهم نفسي أولاً

الفنان التونسي الفرنسي حاز جائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية عن دوره في فيلم "بيك نعيش"

الممثل التونسي الفرنسي سامي بو عجيلة (صفحة الفنان على فيسبوك)

الممثل التونسي الفرنسي سامي بو عجيلة أبدع أخيراً في "بيك نعيش" للمخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي، الذي شارك في عدد كبير من المهرجانات الدولية، بدءاً من مهرجان البندقية 2019، حيث نال الممثل القدير جائزة أفضل تمثيل في قسم "أوريزونتي". يؤدي بو عجيلة دور فارس المتزوج من ميريام (نجلاء بن عبدالله). خلال رحلة عائلية برفقة ابنهما الصغير، يتعرضون لحادثة إرهابية، وهذه الحادثة ستكشف أسراراً كثيرة ما عاد ممكناً سترها. 

الفنان الخمسيني الهادئ الذي شاهدناه في أفلام مثل "باي باي" لكريم دريدي و"الحصار" لإدوارد زويك و"الشهود" لأندره تيشينيه و"بلديون" لرشيد بوشارب و"عمر قتلني" لرشدي زمّ، يتحدث لـ"اندبندنت عربية" عن مسيرته الفنية التي بدأت في التسعينيات. 

أسأله بدايةً عن كيفية استعداده لأداء الشخصية في "بيك نعيش". يفكر قليلاً، كمن وجد نفسه أمام استحقاق صعب، ثم يرد: "دعني أقول لك شيئاً. هذا سؤال معقد، على الأقل يصعب علي الرد عليه بكلمات. أفضل طريقة لأتحضر للدور وجدتها في الآتي، أن أتوجه قبل شهر من موعد بدء التصوير إلى تونس. كان الهدف من الذهاب إلى تونس مبكراً هو التقرب من المخرج والتحدث باللغة العربية. كما كان بودي الانغماس في البيئة التونسية، لأستلهم منها ملامح شخصيتي وأستعيد الروابط بوطني. كُتب السيناريو بشكل ممتاز، ويمكن القول إنه كان مكتوباً بشكل مدهش، سواءً على مستوى معالجة الشخصيات أو لجهة مقاربته الحكاية، وعندما التقيتُ مهدي البرصاوي، اكتشفت كم هو يشبه الشخصيات التي كتبها. كممثل، لم أجد أنه من الضروري أن أسبق سلسلة المشاعر التي كان على الشخصية التي ألعبها أن تمر بها، بل كان علي أن أسلم نفسي لغريزتي، غريزة من شأنها أن تولد جملة من المفاجآت عند الممثل الذي يعتمد عليها. إذا ركزنا على هذا النوع من العمل، ورأينا ماذا سيخرج من داخلنا، سنرى الجيد والسيئ… إذاً، بالعودة إلى سؤالك، التحضير عندي كان يقتصر على التقرب من المخرج، كي أمضي بعض الوقت برفقته قبل التصوير". 

أداء داخلي

يقدم بو عجيلة في الفيلم أداءً "داخلياً" قوامه أحاسيس مكبوتة. يحكي أقل ما يمكن ليقول أقصى ما يُمكن. هل هذا ما طلبه منه المخرج؟ يرد: "هذا صحيح. اعتبرت أن الدراما حاضرة بقوة على امتداد السيناريو. فحاولت أن أبحث عن الحقيقة أو النبرة الصحيحة كي أحافظ على ما كان مكتوباً في النص. لو أضفنا إضافات بليدة، أو ذهبنا خطوة أبعد، فأعتقد أننا كنا أفسدنا الفيلم. ذلك أنه لا يمكن تحمل أداء درامياً ثقيلاً طوال ساعة ونصف الساعة". 

أجمل ما في الفيلم هو أن الحادثة التي تتعرض لها العائلة تكون مدخلاً لتناول عديد من القضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية الراهنة في تونس. يثني بو عجيلة على رأيي هذا مؤكداً أن في هذا تحديداً تكمن قوة الكتابة في سيناريو مهدي البرصاوي. يقول إنه بطريقة مرهفة جداً يتحدث عن موضوع يعز عليه مثل: "ماذا يعني أن تكون أباً؟ أو "ماذا يعني أن تكون ابناً؟"، على رغم أن البرصاوي نفسه لم يصبح أباً بعد. لكن هذه الكتابة السينمائية تنجح في موضعة الفيلم في سياق معين، والسياق هذا يتميز بأمرين، من جهة كوننا نألفه جيداً، ومن جهة ثانية محمل بالقصص. وهذا يمنح الشخصيتين بعداً فريداً ويملي عليهما كيفية التعامل مع ما يحل بهما". 

يشي تصرف بو عجيلة مع زوجته في الفيلم، بعد أن تخبره حقيقة مزعجة عن نفسها، بأننا أمام رجل منفتح، وهذا أمر نادر في المجتمعات الشرقية المحافظة. هذا الموضوع يعلق عليه الممثل ضاحكاً: "هذه نقطة مثيرة، مع العلم أن الفيلم كتبه رجل شرقي ولد وتربى وعاش في تونس. أعتقد أن هناك رجالاً يفكرون بطريقة مختلفة حتى في البلدان ذات التقاليد الشرقية. في أي حال، أعرف كثيراً من التوانسة واللبنانيين الذين لا يمكن تأطيرهم في عقلية الرجل الشرقي. أرى أن المخرج انطلق من هذا التناقض. فهذه المجتمعات بطريركية بامتياز حيث الدين لا يزال يحتل مكانة بارزة". 

موضوع يحملنا إلى سؤال آخر، "هل تعجبك المشاركة في أفلام لسينمائيين شباب ينجزون عملهم الأول؟". يرد قائلاً: "نعم. ويزداد اهتمامي بالعمل معهم في الفترة الأخيرة. بكل تواضع، لي إحساس بأني وصلت إلى شيء من النضج في تجسيدي للشخصيات وفي مسيرتي كفنان وممثل، لذلك، أتلقى نصوصاً عزيزة على قلبي، وأشعر أن ثمة تواطؤاً بيني وبين كتابها. في أي حال، هذه نصوص تلهمني، فأجدني أوافق على العمل عليها، مهما يكن طول تجربة الشخص الذي كتبها". 

التمثيل والأمكنة

رأينا بو عجيلة يعمل في أماكن مختلفة، من فرنسا إلى الجزائر فتونس. هل يختلف أسلوب العمل كثيراً بين بلد وآخر؟ يقول: "على مستوى المضمون، التمثيل يبقى تمثيلاً، لا يتغير فيه أي شيء. لكن، قد يكون هناك فرق في كيفية مقاربته. ثمة فروقات طفيفة. ثم إن الأفلام التي مثلت فيها تجري أحداثها في الزمن الراهن، ما يجعل الاختلاف شبه معدوم بين فيلم أصوره في بلد عربي وآخر أصوره في فرنسا". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نتوسع قليلاً في الحديث ليشمل التقنيات التي يلجأ إليها بو عجيلة كي يتحضر للدور الذي يمثله. فهل يغوص مثلاً في ماضي الشخصية إذا كانت حقيقية، من خلال إجراء بعض البحوث عنها؟ يروي أنه في فيلم "عمر قتلني" لرشدي زم على سبيل المثال حيث قدم أداء بديعاً، كان مطلعاً على الخلفية الاجتماعية لشخصية عمر. يضيف موضحاً: "مع ذلك، سارعت في الابتعاد عن عمر. لم أود أن أكون ضحية له، عبر الوقوع في فخ تجسيد ما هو قريب منه. على مدار الزمن، حصل نوع من "تقديس" لعمر. كنت شاباً يافعاً عندما حدثت الجريمة التي اتُّهم بها عمر، وأتذكر أنني عشت عن كثب الظلم الذي لحق به. كثيراً ما وجدت نفسي فيه، وفي الإهانة التي وُجهت إليه. فعندما أُسند إلي الدور، التقيته مرتين فحسب. ما أريد قوله هو إنني ابتعدت منه، ولكن هذا لم يمنعني من أن أضعه هدفاً لي. كيانه، خجله، الصفات التي يتميز بها، هذا كله أخذته في الحسبان عندما شكلت ملامح الشخصية. لم أود ان أغدو ضحية لشخصية كانت تعتبر نفسها ضحية، لأني أؤمن بأن هذا كان سيلغي حضوره. عادةً، أميل إلى الاعتماد على فانتازماتي لأبني الشخصية في خيالي. لأفهم الشخصية فهماً جيداً، يتوجب علي أولاً أن أفهم نفسي. هذه هي الطريقة التي أعمل وفقها، وهي تقنية بسيطة جداً، لما أكون في قلب عملية الاستعداد للدور، تتوافر أمامي معطيات معينة عن الشخصية، يُضاف إليها السيناريو، وأخيراً مخيلتي التي تقول لي كيف علي تجسيد الشخصية. هكذا تتركب الشخصية، وأشبه العملية برمتها بتركيب قطع البازل، من هنا لمسة ومن هناك لمسة أخرى. هكذا أولد في عينيّ المخرج الذي يأتي كل يوم ليضخ فيّ الحياة".

أخيراً، كان لا بد من التطرق إلى الأدوار التي ينبذها بو عجيلة منذ فترة، بعدما ضاق ذرعاً منها وكان قد عبر عن هذا الامتعاض في منابر إعلامية عدة. فطوال سيرته المهنية، "أُلبِس" شخصيات قد يعتبرها البعض جارحة، ولكن، لا شأن له فيها، كونها فُرضت عليه فرضاً. يقول: "هذه الأدوار ارتبطت فيّ ارتباطاً قوياً. ثم، جاء يوم ما عدت أريد هذه الصورة والكليشيهات التي يبرزها بعض المجتمعات عن ناس مثلي. مع ذلك، أستطيع العودة إلى هذه الأدوار النمطية متى أشاء، لأني أعتمد على الممثل الذي في داخلي ليعيدني إليها. في انتظار ذلك، هناك ثلاثة عناصر تفيدني لأحسم قراري من الدور الذي يُعرض علي، الدور نفسه، واسم المخرج، والمشروع. ثم، يهمني أن أدافع عن الشخصية فنياً، من خلال التحرر من موقفها. لا مشكلة إذا تقاطعت مقاربتي الفنية مع المواقف الشخصية السياسية، ولكن، أنا مطالَب قبل أي شيء آخر بأن أعطي الشخصية جسداً، وهذه أهم خاصية عند الممثل. علي أن أضع التنظير جانباً عندما أكون في خدمة الدور". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما