Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأدب المعاصر يودع جون لو كاريه صاحب الموهبة الثرية

توفي المؤلف القدير الذي ترك روايات جاسوسية كلاسيكية مثل "سمكري خياط جندي جاسوس" عن عمر يناهز 89 عاما. يقدم مارتن شيلتون فيما يلي تحية تقدير لموهبة المؤلف الرائدة والفريدة

جون لو كاريه الذي توفي عن عمر يناهز 89 عاماً، سيطر على أدب الجاسوسية أكثر من نصف قرن (غيتي)

لأكثر من نصف قرن من الزمن، سيطر جون لو كاريه، الذي توفي عن عمر يناهز 89 عاماً، على أدب الجاسوسية. لكن المؤلف الذي يشتمل إرثه على أعمال باتت من الكلاسيكيات مثل "الجاسوس القادم من البرد"The Spy Who Came in from the Cold و"جاسوس مثالي" A Perfect Spy كان في جوهر عمله كاتباً استكشف الضعف البشري وديناميكيات الخيانة والالتباس الأخلاقي لخدمة السلطة السياسية. يقول الروائي إيان ماك إيوان الذي كان زميلاً للراحل "أعتقد أنه خرج بسهولة من عباءة الكاتب الملتزم بنوع أدبي معين... سيُذكر على الأرجح باعتباره الروائي الأهم خلال النصف الثاني من القرن العشرين في بريطانيا".

لو كاريه، الذي كان يحمل اسم ديفيد جون مور كورنويل عند ولادته في مدينة بول في 19 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1931، كان مفتوناً بالخداع والقدرة على التلاعب بالناس، وهما موضوعان برزا في رواياته، والسمات التي تعلمها عن كثب من طفولته "غير السوية". كان والده رونالد "رجلاً محتالاً"، أمضى عقوبة بالسجن مع الأشغال الشاقة في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، بعد أن حُكم عليه بتهمة التلاعب بالتأمين. أما خارج السجن، فقد واصل والده حياته الإجرامية "تحت رداء من الاحترام"، وهو درس تعلمه جون الصغير في مدى الخداع الذي يمكن أن يصل إليه شخص "مخاطر" في الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شغل لو كاريه، الذي تخرج في كلية لينكولن في أكسفورد، مجموعة من الوظائف الغريبة. يقول "لقد قمت في حياتي ببيع مناشف الحمام، وغسلت الفيلة، وهربت من المدرسة، وأهلكت قطيعاً من الأغنام الويلزية بقذيفة تزن 25 رطلاً لأنني كنت غبياً جداً لفهم تعليمات ضابط المدفعية، وقمت بتدريس الأطفال في مدرسة مميزة". المدرسة التي أشار إليها هي إيتون، التي يقول عنها "إنها المكان الذي يقدم فيه أسوأ التلاميذ رؤية فريدة للعقل الإجرامي". وتدور أحداث روايته الثانية "جريمة قتل نوعية" A Murder of Quality في مدرسة تشبه إيتون إلى حد بعيد.

مع ذلك، كان التأثير الذي شكل المحتوى الذي قدمه لو كاريه هو خبرته في العمل مع مخابرات الجيش البريطاني ووكالة التجسس "إم آي فايف"، خلال فترة أجرى فيها استجوابات وتنصت على الهواتف في محاولة لتحديد هوية عملاء سوفيات. وبينما كان مقر لو كاريه بالسفارة البريطانية في بون، بدأت حياته المهنية في الكتابة، لكن رؤساءه منعوه من النشر باسمه الحقيقي. في روايته الأولى "نداء للموتى"Call for the Dead الصادرة عام 1961، ابتكر اسمه المستعار جون لو كاريه، متجاهلاً اقتراح الناشر فيكتور غولانتز بتبني "اسم مستعار أنجلو ساكسوني جيد مثل تشانك سميث".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقدم المؤلف العديد من التفسيرات الساخرة والمبالغ فيها لكيفية اختيار اسمه المستعار. تمحور أحد التفسيرات غير الحقيقية حول ورشة خياطة في منطقة باترسي. وقال لو كاريه لمجلة "باريس ريفيو" في عام 1997 "أرضت هذه الحكاية الجميع لسنوات. لكن الأكاذيب لا تدوم مع مرور السنين... والحقيقة هي أنني لا أعرف". لو كاريه الذي كان زئبقياً مثل والده، لديه أسلوبه في استخدام الكلمات، الأمر الواضح في مساهمته في معجم لغة التجسس. استخدم مصطلحات حقيقية تعلمها من تجربته المهنية واخترع لغته التي بقيت صامدة. ابتكر مصطلح "وعاء العسل" لوصف امرأة جذابة تقوم بإغواء شخص مستهدَف، و"مُشعل المصابيح" للشخص الذي يقوم بتجميع المعلومات عن طريق المراقبة، و"صائد فروة الرأس" للتعبير عن القاتل المأجور. على الرغم من أن لو كاريه نسب الفضل إلى الاستخبارات الروسية باستخدام كلمة "خُلد" لوصف عميل مزدوج، إلا أن استخدامه المصطلح في رواية "سمكري خياط جندي جاسوس" طرح الاستعارة في الثقافة الشعبية.

كتابات لو كاريه المشوقة والدقيقة والمحبوكة بإتقان عن الحرب الباردة رفعت الرواية الجاسوسية إلى مراتب الأدب العظيم، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها قدمت الجواسيس الغربيين والسوفيات على حد سواء كبيادق مساومة أخلاقياً في لعبة خيانة فاسدة عرضت المجتمعين للخطر.

رواية "سمكري خياط جندي جاسوس"Tinker Tailor Soldier Spy التي تحولت في عام 1979 إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة أليك غينيس ونال جائزة "بافتا"، كانت العمل الذي أكد شعبية جورج سمايلي الشخصية الشهيرة في رواياته. وقد أشادت الكاتبة مارغريت أتوود بـسمايلي على اعتباره "الترياق المقابل" لجيمس بوند، قائلة إن روايات لو كاريه الجاسوسية كانت "مفتاحاً لفهم فترة منتصف القرن العشرين". على عكس بوند، بطل الأكشن الوسيم الذي ابتكره إيان فليمنغ، كان سمايلي بيروقراطياً تقليدياً رديء الملبس وقصير النظر يعتمد على عقله الحاد بدلاً من لياقته البدنية.

كتب لو كاريه بأسلوب سينمائي فريد. وقد اقتُبست عشر من رواياته في أفلام، بما فيها "البستاني الوفي" The Constant Gardener، الذي أكسب ريتشيل وايز أوسكار أفضل ممثلة مساعدة في عام 2006، و"سمكري خياط جندي جاسوس" الصادر عام 2011. ولو كان هناك عيب في رواياته الأولى، فهو أن الشخصيات النسائية غالباً ما كانت شخصيات هزلية- مثل الضحية البريئة، الزانية المحنكة- وهي هنة اعترف بها الكاتب لاحقاً، حيث قال "لقد نشأت من دون نساء وكن دائماً غريبات عني".

كتب لو كاريه بالمجمل 25 رواية- وأربع مجموعات من القصص القصيرة– تراوحت بين التجسس خلال الحرب الباردة في أوروبا إلى صراع ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) ضد الإرهاب. وبات ناقداً صريحاً للسلوك الأميركي والبريطاني في الحرب على الإرهاب. جعل أحداث حكاياته تدور في "بنما، ونيجيريا، ورواندا، والشيشان، وتركيا، ومنطقة البحر الكاريبي، وجبل طارق، وجنوب شرقي آسيا". وكانت إحدى أفضل رواياته "قارعة الطبل الصغيرة"The Little Drummer Girl، معالجة دقيقة لقصة ممثلة بريطانية استُدرجت لمؤامرة إسرائيلية لاغتيال إرهابي فلسطيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحد أكثر الجوانب الرائعة التي ميزت مسيرة لو كاريه المهنية، كان حفاظه على جودة الكتابة حتى النهاية خلال عمله من منزله الكائن في جرف كورنيش. نُشرت روايته الخيالية "عميل يركض في الحقل" Agent Running in the Field العام الماضي، عندما كان المؤلف يقترب من عقده التاسع.

بوفاته إثر التهاب رئوي تنتهي مسيرة إحدى أهم المواهب الأدبية الحديثة، لكاتب برع في استكشاف المجالات الرمادية للأخلاق. كان لو كاريه عملاقاً ترك حِكماً طويلة الأثر عن سبل التلاعب بالحقيقة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة