Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعوات دولية إلى التهيؤ للسيناريو "الأكثر سوداوية" إنسانيا في لبنان

نصائح بالتحضير للانتخابات النيابية 2022 ومخاوف من تعميم فراغ المؤسسات الدستورية

نقل البطريرك بشارة الراعي إلى الرئيس اللبناني ميشال عون تخوفه من تصاعد الأزمة السياسية (دالاتي ونهرا)

في رسالة مؤثرة لكنها قوية وصريحة، كتب السفير البريطاني في بيروت كريس رامبلينغ على "تويتر" و"فيسبوك" مقالاً وداعياً يوم الجمعة 18 ديسمبر (كانون الأول) لمناسبة مغادرته نهائياً إلى بلاده قائلاً: "تستحقّون قادة وموظفين حكوميين وخبراء ماليين ورجال أعمال مسؤولين وشفافين ويخضعون للمحاسبة".

عرض رامبلينغ واقع الحال والأزمة الاقتصادية المالية غير المسبوقة التي يعيشها لبنان، وانفجار 4 أغسطس (آب) 2020 في مرفأ بيروت، مثمناً صيحات الشباب ومطالبهم في ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ومعرباً عن اعتقاده بأنها مطالب ستبقى قائمة. وعبر عن مواقف قال إن البعض سيعتبرها "تدخلاً في الشأن الداخلي"، لكن لا بد منها. واستند إلى تصريحات وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني جيمس كليفرلي، في 3 و4 ديسمبر أثناء زيارته بيروت، حذر فيها من "تسونامي إنساني"، أي من تصاعد الأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق في بلد مفلس تدهور سعر صرف العملة فيه في شكل صاروخي. أشار رامبلينغ إلى "تشتت العائلات بفعل الهجرة... وأن المدن اللبنانية تبدو أكثر سواداً في الليل في بلد يتقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء".

سياسياً كتب: "لم أجد دليلاً على أن هناك نظاماً أو قيادة تقوم برسم مسار (الإنقاذ)، بعد تقديم خريطة طريق ووعد بالاستثمارات في البلد في العام 2018 ثم هذه السنة مجدداً، فإن القيادة (السياسية) لم تتحمل المسؤولية".

توافق بريطاني أميركي فرنسي وتمايز باستخدام "العصا"

لم يفت السفير رامبلينغ من أن يتطرق إلى "حزب الله"، مشيراً إلى أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي "كان على حق حين نادى بحياد لبنان، إذ يستحيل على دولة أن تكون فيها أسلحة خارج سلطتها، لا سيما عندما يتم استخدامها خارج الحدود أن تطمح للاستقرار. وتجنب أي موقف حيال ذلك، يحول دون ضمان الاستقرار والأمن".

وإذ لفت إلى أن "مواصلة دعم لبنان ستكون أصعب"، أضاف "يقال لي (من جانب لبنانيين) إن فرنسا والولايات المتحدة تتحركان في اتجاهات مختلفة. أنا لا أرى ذلك. نحن في بريطانيا لدينا وإياهم القراءة نفسها، والاستنتاجات ذاتها، ونرى الفرص والمخاطر نفسها. هناك تمايز في استخدام "العصا" فحسب، لكن التوافق أكثر من الفوارق". وختم متوجهاً إلى القادة الذين يمسكون بالسلطة بالقول: "أنتم أكثر من كل القادة سيتم ذكركم، وستُحاكمون على ما فعلتم في أكثر الأوقات دقة".

الوصف المتشائم الذي صدر عن رامبلينغ حيال الوضع اللبناني يعم الوسط الدبلوماسي الأجنبي في لبنان مع استمرار الانسداد في أفق تأليف الحكومة الجديدة، بفعل الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف تأليفها سعد الحريري الذي كانت آخر خطواته مساء الخميس 17 ديسمبر إطلاع البطريرك الراعي على اللائحة الحكومية التي قدمها إلى عون فرفضها واقترح عليه غيرها متسلحاً بحقه في تسمية أكثرية الوزراء المسيحيين ورفضه أن يسميهم الحريري. 

لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحده المصدوم من اللامبالاة في مقاربة الأزمة، بحسب ما نقلت عنه مصادر الرئاسة الفرنسية في باريس، على الرغم من تكرار هذه المصادر أنه لن يتخلى عن مبادرته الإنقاذية للبنان، حتى بعد تأجيل زيارته إليه، التي كانت مقررة في 22 ديسمبر، بفعل إصابته بفيروس كورونا. ممثلو الدول كلها لا يصدقون أن السلطة في البلد غير مكترثة إلى هذه الدرجة، بإيجاد حلول للأزمة عبر تسريع قيام حكومة تنفذ الإصلاحات المطلوبة، وبالتالي تتلقى المساعدات المالية، قبل أن ينفد احتياطي المصرف المركزي، بعد شهرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التهيؤ "للسيناريو الأكثر سوداوية" بمساعدات إنسانية

قبل شهر بالتحديد، لم يتردد بعض سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن في نيويورك، في وصف ما سمعوه من العرض الذي قدمه لهم الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان يان كوبيش، عن المرحلة التي بلغتها الأزمة اللبنانية، بأنه "التقرير الأكثر سوداوية"، عن اقتراب البلد من المجاعة واتساع رقعة الفقر. فكوبيش عرض واقع الحال وظروف التأخر في تشكيل الحكومة الجديدة، والمراوحة التي تنذر بالمجهول، ثم دعا الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بحسب تقارير واردة إلى بيروت، إلى التهيؤ لمقاربة مسألتين جوهريتين: 

الأولى تتعلق بالتوقعات السلبية لانعكاسات تجميد الحلول للأزمة المالية الاقتصادية على الوضع المعيشي للبنانيين، بسبب الأزمة السياسية، التي جاءت في تقرير البنك الدولي مطلع الشهر الحالي، وتشمل نمو الفقر بين اللبنانيين، إلى نسبة 50 في المئة. علمت "اندبندنت عربية" أن كوبيش دعا مجلس الأمن إلى التهيؤ من أجل تقديم مساعدات إنسانية إلى الفئات الأكثر فقراً في لبنان، التي لن تتمكن من مواجهة انحدار منتظر للاقتصاد بغياب الحلول، لأنه ليس في الأفق ما يشير إلى إمكان استئناف الحوار بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي على سلة إجراءات من أجل الحصول على مساعدة مالية تعين البلد على الصمود في انتظار النهوض بالاقتصاد استناداً إلى توظيفات مالية أوسع. فالاعتقاد السائد على الصعيد الدولي أن المنظومة السياسية (أو النظام)، غير قادرة على الاستجابة للأزمة. فهناك لعبة سياسية قائمة على الصراع حول التوازنات في السلطة، في ظل وضع اقتصادي سيء. ما ينذر بوضع معيشي مأسوي يجعل الوضع خطيراً. فإذا كان المجتمع الدولي غير قادر على القيام بالإصلاحات البنيوية بالنيابة عن السلطة في لبنان، وجب التفكير منذ اللحظة بتوسيع دائرة المساعدات الإنسانية.

أما المسألة الثانية التي تناولها مجلس الأمن أن على المجتمع الدولي أن يحث لبنان على التحضير للانتخابات النيابية المقبلة المفترضة في مايو (أيار) من العام 2022، على الرغم من أن تاريخها ما زال بعيداً، لأن التغيير في حكم البلد يجب أن يتم في هذه الانتخابات، على الرغم من أن انتفاضة 17 تشرين الأول توقفت عن نشاطاتها وتظاهراتها، لكن الرغبة في التغيير ما زالت قائمة والناس قالت كفى. ويبدو أن الدبلوماسيين الدوليين يثيرون مسألة ضرورة إجراء هذه الانتخابات وفي موعدها منذ الآن، مع القادة اللبنانيين، ويعتبرون أنها يجب أن تكون واحدة من الخطوات المطلوبة من الحكومة المقبلة إذا تشكلت. وينتظر أن ينشط المجتمع الدولي أكثر في هذا الخصوص. وهو ما دفع أوساطاً مراقبة إلى التساؤل عما إذا كان هذا الاهتمام الدولي المبكر بوجوب التهيؤ لهذه الانتخابات عائداً إلى ما يتردد في الأروقة السياسية عن أن اتساع الخلافات لمناسبة تأليف الحكومة وتصاعد البعد الطائفي للتعطيل الحكومي، سيوصل لبنان إلى وضع يتعذر معه إجراء الانتخابات النيابة في موعدها.

المخاوف من امتداد الفراغ الحكومي إلى النيابي والرئاسي

بصرف النظر عن خلفيات التشديد الدولي على إيلاء الاستحقاق الانتخابي النيابي أهمية، بات معروفاً أن التكهنات في الأوساط اللبنانية في شأنه تشير إلى أن وراء الإصرار على التعطيل الحكومي نية أخذ لبنان إلى أزمة فراغ كبير، يحول دون الانتخابات النيابية، نظراً إلى ترجيح تغيير الأكثرية النيابية، بعد ثورة 17 تشرين الأول وخسارة "التيار الوطني الحر" والزعامة العونية كثيراً من شعبيتهما مسيحياً. فالأكثرية الحالية هي التي يقودها تحالف "حزب الله" والرئيس عون، التي تناقصت بانفكاك بعض النواب الحلفاء لـ"التيار الحر" عنه، والتي يتوقع أن تنخفض في حال حصول الانتخابات التشريعية الجديدة. عدا عن احتمال خسارة قوى أخرى من الفرقاء التقليديين مقاعد نيابية بسبب تحميل الجمهور قياداتها الأزمة المالية المعيشية الحادة في البلد.

لكن المخاوف من سيناريو إطالة الأزمة الحالية إلى درجة تحول دون الانتخابات النيابية المقبلة، تتعدى هذه الذروة، وسط اعتقاد أصحاب من يحذرون من هذا الاحتمال، أن الفراغ النيابي سينجم عن خلاف بين الكتل النيابية على التمديد للبرلمان الحالي، فيحول ذلك دون وجود سلطة تشريعية منوط بها انتخاب رئيس الجمهورية. ما يعني غياب المؤسسة الأم، كما توقع رئيس "تيار المردة" القريب من "حزب الله" الوزير السابق سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية مساء 17 ديسمبر. وهذا إذا صح قد يهدد الانتخابات الرئاسية المنتظرة (قبل شهر في الحد الأدنى، وشهرين في الحد الأقصى وفق الدستور) من انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 أكتوبر من العام 2022. 

بين استرداد صلاحيات الرئاسة والمثالثة بدل المناصفة

تقضي هذه التكهنات المتشائمة بأن تستمر حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب طوال هذه المدة، إذ يتساوى الفراغ الحكومي مع الفراغ النيابي، ثم مع الفراغ الرئاسي، فيفرض انسداد الأفق انعقاد مؤتمر تأسيسي لإحداث تغييرات في النظام السياسي، تعدل اتفاق الطائف وبالتالي الدستور. وفي وقت يكثر حديث بعض الفرقاء عن تعديل النظام، بتعديل الطائف، فيما يتحدث البعض عن تعديلات تحت سقف الطائف تؤدي إلى نوع من اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة وصولاً إلى طرح الفيدرالية في بعض الأوساط المسيحية، فإن حديث الغرف المغلقة يشير إلى فريقين رئيسيين يطمحان إلى التخلص من الطائف، هما كانا أساساً ضده عندما توصل إليه النواب اللبنانيون في مدينة الطائف في السعودية العام 1989، وهما الرئيس عون وفريقه، و"حزب الله".

مع ذلك، ثمة تعارض بين توجهات كل منهما المفترضة. الأول يريد التعديل لاستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي كانت قبل الاتفاق. أما الحزب فالشبهة هي في أنه يطمح إلى تغيير في التواونات الطائفية بحيث تستبدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في التوزيع الطائفي، لمصلحة اعتماد المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنة، مع إيجاد حصص صغيرة للمذاهب الصغيرة في الطائفتين الإسلامية والمسيحية. وتفيد مصادر سياسية بارزة بأن من خلفيات مسعى البطريرك الراعي مع الرئيس عون، بعدما عرض عليه الحريري خلافه مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية هو خوفه من إدامة الفراغ الحكومي في شكل يصعّد الأزمة السياسية ويؤدي إلى طرح المثالثة. ومن هنا تشديده الدائم على تطبيق الدستور واتفاق الطائف.

المزيد من تقارير