Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتصاعد تدويل أزمة لبنان بموازاة إدارتها من تحالف عون و"حزب الله"؟

موسكو أخفقت في إقناع الفريق الرئاسي بالإفراج عن الحكومة وتخشى من آثار دفع الحريري إلى الاعتذار

الحريري قدم لائحة بحكومته إلى عون على وقع المحاولات الدولية الضاغطة لتخفيف قبضة النفوذ الإيراني على السلطة في لبنان (رويترز)

تتجه الأزمة اللبنانية إلى مزيد من التدويل مع ترسّخ القناعة بأن تعطيل قيام حكومة جديدة تتولى الإصلاحات الاقتصادية والمالية، يعيد المأزق الذي يمر فيه لبنان إلى أصله السياسي على خلفية تحكم تحالف رئيس الجمهورية ميشال عون و"حزب الله" بالسلطة والقرار في بلد جرى إخضاعه في السنوات الماضية إلى متطلبات المواجهة التي تخوضها إيران مع الولايات المتحدة الأميركية.

ويأتي تقديم الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري لائحة بحكومته إلى الرئيس عون في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) في وقت يدور صراع صامت بين المحاولات الدولية الضاغطة لتخفيف قبضة النفوذ الإيراني على السلطة فيه، وبين سعي طهران إلى إحكام هذه القبضة قبيل مفاوضاتها مع الإدارة الأميركية الجديدة، غير آبهة بضرر التأزيم السياسي والفراغ الحكومي على معالجة الأزمة الاقتصادية.

وفي المقابل يتوقع المتصلون بالدول الكبرى المزيد من التفاهمات الدولية حيال إدارة الأزمة في شكل يمهّد لإجماع دولي ضاغط على الفرقاء الذين يعطلون حلول الأزمة وتشكيل حكومة توحي بالثقة للمجتمع الدولي ولا سيما تحالف عون و"حزب الله"، أحد مظاهر الضغوط المتوقعة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في 21 ديسمبر،  فإذا لم تنجح المساعي الفرنسية لـتأليف الحكومة قبل هذا التاريخ، سيلغي ماكرون لقاءاته مع الفرقاء السياسيين، وتقتصر زيارته على قضاء ليلة مع الوحدات الفرنسية المرابطة في الجنوب في إطار القوات الدولية هناك، ثم قد يلتقي الرئيس عون لإبلاغه موقفه الحاسم بوجوب تأليف الحكومة ثم يعود إلى فرنسا.

التحالف بين عون و"حزب الله" ساهم في تفاقم مأزق لبنان الاقتصادي المالي وأخذه نحو العزلة العربية والدولية التي أضعفت اقتصاده، وتسبب بمضاعفة تأثير الفساد على تدهور أوضاعه المالية، لأن المعادلة التي قام عليها التصاق الرئاسة بالحزب هي أن تسلّف الأولى الثاني انحيازاً إلى انخراطه في الصراع والحروب الإقليمية، مقابل غض النظر من الثاني عن تفرد الفريق الرئاسي في السلطة، ومصادرته المواقع الرئيسة لتحقيق المنافع المالية على أنواعها، باسم حقوق الطائفة المسيحية، مع ما يقتضيه النظام الطائفي من تقاسم الحصص.

الضغط الدولي على إيران فشل فانصب على عون

ومن مظاهر ازدياد موجة التدويل للأزمة، تعاون عدد من الدول الكبرى على التدخل في لبنان من أجل تسهيل قيام الحكومة الجديدة، بعدما امتد الفراغ الحكومي منذ 10 أغسطس (آب) الماضي، تاريخ استقالة حكومة حسان دياب التي أتى بها هذا التحالف.

وانصبت هذه التدخلات ضغوطاً على الفريق الرئاسي كي يفرج عن الحكومة التي من دونها يستحيل على المجتمع الدولي مساعدة لبنان على النهوض من الحفرة المالية التي وقع فيها، والتي زادها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس عمقاً، وحوّل العاصمة إلى مدينة منكوبة، إذ إن الانفجار أعاد الاهتمام الدولي بلبنان، نظراً إلى ضخامته وأضراره الهائلة وانعكاساته الإنسانية المأساوية، على بلد شهد انتفاضة شعبية على حكامه نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار سعر صرف العملة الوطنية في شكل غير مسبوق، ومن مبررات هذا الاهتمام الدولي خشية الأسرة الدولية المعنية بموقع لبنان الجيو سياسي من أن يؤدي انهياره إلى إحكام النفوذ الإيراني قبضته على أوضاعه نتيجة التدهور المعيشي، خصوصاً إذا أفرز انهياره فوضى اجتماعية وأمنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فمبادرة فرنسا الاستثنائية في تعاطفها مع لبنان على إثر الانفجار الهائل، هدفت إلى تعليق التأثير السلبي للصراعات السياسية الداخلية وامتداداتها الإقليمية على الوضع الاقتصادي المأزوم، وأخفقت في إقناع الحليفين، عون و"حزب الله"، في وضع طموحات كل منهما للتحكم بالقرار السياسي اللبناني جانباً، عبر التسليم بقيام حكومة لا ينتمي وزراؤها إلى الطبقة السياسية التقليدية التي حكمت البلد طوال العقود الماضية، تتيح تعبئة المجتمع الدولي لتقديم المساعدة المالية وإعطاء الأولوية للإنقاذ الاقتصادي. وصار واضحاً منذ اعتذار السفير مصطفى أديب عن تأليف حكومة بهذه المواصفات أن باريس باتت بحاجة إلى تعاون دولي أوسع مع رئيسها إيمانويل ماكرون، من أجل الضغط على ركني هذا التحالف.

انضمام موسكو إلى التدخلات الدولية بالتعاون مع باريس

ولم تتوقف باريس عن الضغط على الفرقاء اللبنانيين لإخراج الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة، فسعت مع طهران كي تمارس نفوذها لدى "حزب الله"، بينما قامت موسكو بطلب فرنسي أيضاً، بمسعى لدى الجانب الإيراني لهذا الغرض، لكنهما لم تلقيا تجاوباً، فعاد الضغط ينصب على الركن الثاني في التحالف، الرئيس عون، الذي يتمسك كعسكري سابق بمبدأ "الأمر لي" في السلطة ويمانع مثل الحزب، الحد من دوره في القرار لمصلحة حكومة مستقلين، وإن كانت أهدافهما مختلفة، فالحزب يريد الإبقاء على نفوذه للاحتفاظ بالغطاء الشرعي الرسمي لسلاحه الخارج عن سلطة الدولة، من أجل ضمان عدم مساءلته على استخدام لبنان منصة لتدخلاته الإقليمية لمصلحة طهران.

وبعد تجدد الاتصالات الفرنسية مع موسكو حول لبنان، أجرت الأخيرة محاولة مع فريق عون وصهره النائب جبران باسيل، من أجل أن يقبلا بصيغة عاد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري فقدمها، لحكومة من 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين، أصرّ الفريق العوني على الحصول على الثلث زائداً واحداً من الوزراء، للتحكم بقرارات الحكومة الأساسية، (تحتاج إلى أكثرية الثلثين)، فالدستور ينص على أنها تعتبر مستقيلة في حال خروج أكثر من ثلث أعضائها منها، وحين أبلغت موسكو إلى أحد المقربين من عون بأن هذا المطلب يقبض على قرارات الحكومة سلفاً ويبقيها تحت رحمة  سيف استقالة الفريق العوني لتطييرها، كان الجواب أن في يد الحريري سلاح الاستقالة بدوره في حال جاءت القرارات الحكومية مخالفة لقناعاته، وفهمت موسكو من هذا الكلام أن فريق عون يسعى إلى التخلص من رئيس تيار "المستقبل" بدفعه إلى الاعتذار عن التأليف وأنه مؤشر إلى التصميم على التخلص منه لضمان وجود رئيس للحكومة مطواع.

إخضاع الحريري لتحالف عون "حزب الله" وخشية موسكو

وفي وقت يعيد هذا الموقف من رئاسة الحريري الحكومة إلى مربع الصراع الطائفي الإسلامي المسيحي لأنه يمكّن الفريق الرئاسي من أن يثير حفيظة الوسط السني حيال إبقاء رئيس الحكومة تحت رحمة موقفه، فإنه يخضعه في الوقت نفسه أكثر فأكثر إلى متطلبات تحالف عون  "حزب الله" ومندرجات هذا التحالف الإقليمية، ما يعني أن الدول المعنية بتقديم المساعدة المالية للبنان لن تدفع فلساً واحداً في ظل تحكم "حزب الله" بحكومته، إلا أن الحزب يترك عون وفريقه في واجهة الضغط على الحريري تجنباً لتصاعد الحساسيات السنية الشيعية التي تضعف حلفاءه في الوسط السني.

وكانت موسكو انضمت قبل محاولتها الأخيرة، إلى الموقف الفرنسي الناصح للحريري بعدم الاعتذار عن التأليف بفعل العراقيل في وجهه، وبتقديم لائحته وفق المواصفات التي أعلن عنها، أي أن يكون وزراؤها من المستقلين الكفوئين الذين يوحون بالثقة للداخل والخارج، ومع أن القيادة الروسية تتمتع بعلاقة تعاون مع طهران في سوريا وملفات إقليمية أخرى، فإنها تتمايز عنها في لبنان، حيث تتخوف من أن يؤدي انزلاق الوضع فيه نحو الفوضى، إلى التأثير سلباً على وجودها في سوريا حيث تسعى لاستثمار نفوذها من أجل إنهاء الحرب بحل سياسي يكرّس هذا النفوذ، وفي حساباتها أن وجود مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان سيقحمهم في فصول تهديد الاستقرار في البلد الهشّ ويمتد ذلك إلى سوريا أيضاً، كما أن موسكو تتابع تفاصيل الوضع اللبناني في إطار مجموعة الدعم الدولية للبنان التي يجتمع سفراؤها دورياً لهذا الغرض والتي أصدرت مواقف عدة تستعجل قيام الحكومة الجديدة كي يحصل لبنان على المساعدة المالية المطلوبة.

الاتحاد الأوروبي يبلور تفاصيل الإدارة الدولية الموازية

وعلى الرغم من أن المبادرة الفرنسية انطلقت في الأساس من دعم دولي وأميركي لها، مع تمايز عن واشنطن في الموقف من "حزب الله" الذي تصرّ إدارة الرئيس دونالد ترمب على مواصلة فرض العقوبات عليه وعلى حلفائه في سياق ضغوطها على أذرع إيران، فإن الإدارة الدولية للأزمة، بالتنسيق مع فرنسا تطورت في اتجاهات عدة في الأسابيع الماضية.

فالاتحاد الأوروبي تبنى المبادرة الفرنسية بعدما كان يدعمها، وتجلى ذلك في اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد وتناغم الموفدين الأوروبيين إلى بيروت والسفراء في الموقف، وفي الإصرار على الفرقاء السياسيين ولا سيما الفريق الرئاسي التعجيل في إنجاز الحكومة، ثم في التقرير المشترك الذي أعده البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تحت عنوان "إطار الإصلاح، التعافي وإعادة الإعمار"، في الرابع من ديسمبر، والذي أعلنت عنه الجهات الثلاث مقدرة حاجة لبنان إلى مليارين ونصف مليار دولار لمعالجة الآثار الإنسانية والاقتصادية والإعمارية لخسائر انفجار مرفأ بيروت، والذي يرهن الإعمار بالإصلاحات من قبل حكومة توحي بالثقة.

ويتضمن برنامج الإطار تكراراً شبه حرفي لبنود خريطة الطريق الفرنسية، ويبلور تفاصيل تطبيقها، لتشمل إعادة إعمار مرفأ بيروت مع استصدار قوانين تحدد دوره وإدارته وتشغيله، لكن الأهم في هذا البرنامج أنه مثل مؤتمر باريس الذي حضره رؤساء وممثلو 32 دولة و12 منظمة دولية وسبع هيئات من المجتمع المدني اللبناني، أنه يعول في صرف المساعدات المالية على التنسيق مع المنظمات غير الحكومية، في شكل يحرم القوى السياسية من الإفادة منها لأهداف سياسية، ما يعني قيام إدارة دولية موازية لإدارة الحكومة اللبنانية لخطط التعافي وليس بالاعتماد عليها.

الانكفاء الخليجي الضاغط ثم المصالحة

وعلى الرغم من الانكفاء العربي الخليجي عن لبنان لرفض التعاطي مع التركيبة الحاكمة التي يهيمن عليها "حزب الله"، فإن التنسيق الفرنسي المصري خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى باريس في السابع من ديسمبر، عبّر عن التناغم العربي مع الضغوط الدولية على التحالف الحاكم كي يقبل بالشراكة الدولية في الإشراف على حلول الأزمة، عبر حكومة المستقلين.

ويلاحظ أحد السياسيين اللبنانيين أن الإعداد للمصالحة الخليجية في الأيام الماضية لأسباب تتعلق بوحدة الموقف الخليجي بمواجهة النفوذ الإيراني يفترض أن يدفع "حزب الله" وعون إلى تعديل حساباتهما، لأن هذه المصالحة حين تكتمل لن تكون بمفاعيلها في مصلحة التحالف القابض على ناصية الحكم في لبنان.

بلغ التنسيق الدولي درجة أن باريس متسلحة بالدعم الأوروبي الكامل، وتمكنت من إقناع الإدارة الأميركية بأن تجمّد العقوبات على حلفاء "حزب الله" وكان آخرها العقوبات على النائب جبران باسيل في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لأنها تؤدي إلى تعقيد المتضررين منها لعملية تأليف الحكومة، فاستجابت واشنطن بعدما كانت تنوي الإفراج عن ملفات شخصيات أخرى على لائحة العقوبات، وقد تؤدي عرقلة التشكيلة الحكومية التي سلّمها الحريري إلى عون، إلى عودة هذه العقوبات، حسب مصادر سياسية لبنانية على صلة بالإدارة الأميركية، من دون أن تعترض باريس على ذلك هذه المرة، فالتقارب الأميركي الفرنسي الأوروبي مرشح للتطور مع الأيام في ظل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، كما أن الأيام المتبقية من إدارة ترمب قد تشهد عودة إلى هذه العقوبات.

المزيد من تحلیل