Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحلات الكبيرة تقفل والأعمال الفردية تعود إلى الحياة

عانى التجار الصغار في لبنان من خسائر نتيجة الإقفال الذي فرضته إجراءات كورونا

السوق اللبنانية ستشهد مزيداً من البطالة مع استمرار الأزمة الاقتصادية (غيتي)

منذ سنوات انتشرت فكرة الدعوة للشراء من المحلات الصغيرة والدكاكين الفردية، خصوصاً في فترة الأعياد، كدعم لأصحاب هذه المؤسسات.

من لبنان إلى الأردن، وسوريا، والعراق، ومصر، وبلدان أخرى انتقلت هذه المبادرة التشجيعية من باب التكافل الاجتماعي، خصوصاً أن أرباح هذه المحلات بسيطة وإمكانياتها متواضعة، على الرغم من أن أسعارها قد تكون أغلى نظراً لعدم استفادة أصحابها من خصومات شراء البضائع بكميات كبيرة.

وقد عانى التجار الصغار والمتاجر المحلية من خسائر كبيرة بسبب الإقفال الذي فرضه وباء كورونا، خصوصاً أن رزقهم يومي. لكن القليل من المال يسند هؤلاء ويساعدهم في الاستمرار مع عائلاتهم.

إقفال وافتتاح

لا يخفى على أحد كيف أقفلت المحلات الكبرى في المجمعات التجارية تباعاً، بما في ذلك الماركات العالمية التي أغلقت معظم فروعها في لبنان. وما بقي منها، في طور التصفية أو بانتظار ما سيحدث في البلاد.

رافق هذا الإقفال تزايد البطالة. فموظفو هذه المحلات وجدوا أنفسهم من دون عمل، وأحياناً كثيرة من دون تعويضات، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة.

تقول سهى عبدالله التي كانت تعمل بائعة في إحدى المحلات الشهيرة، إن الشركة بعد الإقفال والتصفية دفعت جزءاً من التعويضات بالليرة اللبنانية، ووعدت بتسديد الباقي لاحقاً، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.

بدأت عبد الله البحث عن عمل، لكن من دون جدوى. فقررت مساعدة والدتها في خياطة الكمامات وتصليح الثياب، وهو مجال ازدهر بعد أن أصبحت الألبسة الجديدة مرتفعة الثمن.

أما فاطمة كركي، التي توقف عملها كبائعة منذ أكثر من سنة، ففتحت محلاً صغيراً تبيع فيه "ما هب ودب"، من المواد الغذائية إلى بعض الثياب والإكسسوارات والكروشيه، التي تحيكها والدتها. وتقول إنها لم تعد تقصد المتاجر الكبرى لأن أسعارها مرتفعة، كما أنها تفضل مساعدة "الدكاكين التي تشبه دكاني. فالمؤسسات الكبيرة تخلت عنا في لمح البصر، وهي لا تحتاج إلى دعم".

بين البطالة وهاجس الهجرة

تروي مهندسة الديكور جويل حنا أن الشركة التي كانت تعمل فيها، ولها فرع في فرنسا، بدأت في تحجيم عملها مع بدء الانتفاضة اللبنانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. فانتقلت إلى مكتب أصغر في وسط المدينة، الذي تضرر بشكل كامل بانفجار 4 أغسطس (آب). فبدأت العمل من المنزل حتى إيجاد بديل. 

لكن الأمور ساءت أكثر، وتوقفت المشاريع منذ أشهر، حتى أنها لم تتقاضَ أي أجر منذ ثلاثة أشهر. وقد حاولت إيجاد عمل آخر، لكن من دون جدوى. وهي تفكر في الهجرة بعد أن تكمل سنتها الأخيرة في الماجستير. 

كانت حنا تتمنى لو استطاعت إنشاء عمل صغير لها، لكن بدء أي مشروع يحتاج إلى رأسمال. وعلى الرغم من أن رسالة الماجستير تدور حول بدء المشاريع الصغيرة، ولديها المعرفة الكافية عنها، فإنها غير قادرة على تنفيذ أي منها بسبب الوضع الاقتصادي الراهن.

من جهتها، تقول زينة الزيون (29 عاماً)، التي عملت في مؤسسة الكفاءات لذوي الاحتياجات الخاصة، إنها توقفت عن العمل منذ العام الماضي قبل بدء الانتفاضة، بعد أن مر عام من دون أن تتقاضى أتعابها، مشيرة إلى أن المؤسسة توقفت عن العمل منذ نحو 11 شهراً. 

بحثت الزيون عن عمل، ووجدته بعد ستة أشهر. وهي تعمل الآن مساعدة ممرضة في منزل وتستلم حالات من كبار السن. وتتمنى لو أنها كانت أصغر لتستطيع أن تهاجر، وتأمل أن تسنح لها الفرصة يوماً ما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آمنة عبدالحليم كانت تعمل في محل ألعاب للأطفال وملاه، عُلق في بداية السنة، ثم عاد العمل لشهرين وتوقف نهائياً مع انتشار "كوفيد-19". تقول إنها تأمل في الرحيل من لبنان، بعد ما أصبحت الأوضاع النفسية والاقتصادية والصحية متعبة، وهي تحاول تقديم طلبات انتساب لجامعات في الخارج، لإكمال الماجستير والعمل ومساندة عائلتها.

درست عبد الحليم العلوم الاجتماعية، وعملت في مطعم لتأمين مصروفها. ومنذ توقف عملها تبحث عن بديل، وتعيش من مصروف يقدمه والدها، الذي يملك دكاناً صغيراً.

هكذا أقفلت المؤسسات الكبيرة

تعتبر المتخصصة في الاقتصاد داليا فليحان أن القطاع التجاري في لبنان يشهد تراجعاً سريعاً منذ تسع سنوات مع بداية الحرب في سوريا، وإقرار زيادة الضرائب والرسوم عام 2018 وانخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي، وارتفاع معدلات الفوائد في ظل الأزمة النقدية وارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى حدود مرتفعة جداً، بالتزامن مع المشاكل السياسية التي تفاقمت منذ أكتوبر 2019.

وتضيف أنه خلال عام 2020 برزت السوق السوداء الموازية للسوق الرسمية، التي أنتجت سعر صرف جديداً للدولار، ومنصة رسمية لتحديد سعر ثالث، وباتت تقض مضجع التجار ليل نهار. كما أن انتشار كورونا أتى ليزيد الطين بلة، فبادرت مؤسسات تجارية كبرى إلى الإقفال "المؤقت"، من أجل تجنب زيادة الأسعار بشكل جنوني. إذ تحولت عملية البيع، وفقها، إلى خسارة يومية في الرأسمال في ظل عدم استقرار سعر الصرف. 

وتوضح أن الخيار الأمثل لبعضهم كان التوقف عن البيع والاحتفاظ بالبضائع ريثما يتوفر الاستقرار النقدي، خصوصاً أن النموذج السابق في الاستيراد لم يعد صالحاً. 

أما التجار الآخرون، فعمدوا إلى إقفال فروع، والتوجه نحو التسوق أونلاين لتخفيف المصاريف التشغيلية، وأهمها الإيجارات المرتفعة لصالات العرض، التي استمر أصحابها باستيفائها في ظل غياب تام لدعم الدولة.

وتضيف فليحان، أن تآكل المداخيل ونقص السيولة بسبب فرض سقف على السحوبات من المصارف وتوقف خدمات البطاقات الائتمانية، جعل السوق التجارية تشهد مزيداً من الإقفال لمؤسسات كبيرة ومتوسطة، لأن قدرة المواطن الشرائية تغطي حالياً شراء الحاجيات الأساسية من السوبر ماركت فحسب.

وتعتبر أن المنافسة غير الشرعية للبضائع السورية وعمليات التهريب أدتا إلى وجود منتجات رخيصة في المحلات الصغيرة، قد تضمن استمراريتها كون الطلب عليها مرتفعاً.

تشير فليحان إلى أن "القطاع الصناعي في لبنان قوي ويعول عليه، لكن مقوماته اللازمة غائبة، خصوصاً تلك المتعلقة بخفض كلفة الإنتاج، في ظل سياسة الحكومة الداعمة للمواد الغذائية فقط، والحديث عن رفع الدعم عن الديزل أويل الذي يعتمد عليه الصناعيون لتشغيل معاملهم بوجود التقنين الكهربائي، وغياب أي مبادرة من وزارة الصناعة لتأمين الدعم اللازم لاستيراد المواد الأولية". 

وتعتبر أن عدم ضبط المعابر التي تستعمل لإدخال المنتجات الأجنبية بطريقة غير الشرعية، لن يساعد القطاع الصناعي على النهوض ومنافسة الإنتاج العالمي. 

بدائل الإقفال

في ظل موجة الإقفال والتوجه نحو التجارة الإلكترونية، فإن السوق المحلية ستشهد مزيداً من البطالة التي لن تستطيع استيعابها، لأن العجلة الاقتصادية شبه متوقفة. كما أن الاستثمار في قطاعات جديدة غير متاح، كون الاستقراران الأمني والسياسي معدومين، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمر العاصمة، وغياب أي أفق للحل السياسي بين الفرقاء اللبنانيين. 

وتعتبر أن إطلاق المشاريع الصغيرة ظاهرة، كونها تقوم على أشخاص فقدوا أعمالهم واتجهوا إلى أشغال خاصة، أو أشخاص وجدوا فرصة معينة وتجاوب الناس معها. لكنها تحتاج، وفقها، إلى وقت طويل حتى تصبح مقصداً للناس، خصوصاً أن اللبنانيين شعب مستهلك والتوفير لن يكون كبيراً، لأن المواد الأولية تسعر بالدولار الأميركي.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد