Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفيات كورونا في لبنان: تشكيك في العناية الطبية

يتحفظ مخباط على الأرقام لأن الوثائق غير ذات صدقية

خمس وفيات من عائلة واحدة خلال أسبوع في لبنان (رويترز)

أدخل فيروس كورونا العالم في مرحلة متجددة من الشك واللايقين، ووضع النشاطات البشرية في مواجهة مستمرة بين موت الأعمال، والموت بالعدوى. في لبنان، تحيط الوفيات المعلنة بالجائحة (1234 وفاة حتى 16 ديسمبر) تساؤلات كبيرة، ولم تسلم تقارير الوفاة من النقد بين تأكيدات طبية وتشكيك أهالي المصابين. وجاءت الروايات عن وفيات جماعية ضمن بعض العائلات، وموت بعض الأشخاص الذين تلقوا العلاج وتخلصوا من الفيروس لتزيد الطين بلة.

أسباب جينية أم تقصير؟

خمس وفيات من عائلة واحدة خلال أسبوع. قد يعتبر البعض أن هذا الخبر من نسج خيال أحد الروائيين، ولكن هذه الواقعة حدثت فعلياً في بلدة بخعون شمال لبنان، حيث ألبس الكورونا عائلة الصمد ثوب الحداد، ودق ناقوس الخطر حول الآثار الناتجة من هذا المرض.

شهرٌ مضى على الوفيات، والألم ما زال حاضراً في قلب العائلة التي فقدت أعمدتها، الأب عبد الجليل، والحاجة أم بسام، الابن بسام والضابطان فادي وشادي. والأمل في أن تشفى الإبنة فدى التي تجاوزت مرحلة من العلاج وتنتظر بعض جلسات العلاج الطبيعي لاستعادة قوتها الجسدية والنفسية.

تنطلق العائلة من واقعة شفاء فدى بعد علاج طويل لتدحض فرضية "السبب الجيني" في الوفاة، لأن "وضع الشابة كان أشد وطأة من أفراد عائلتها، ولكن العلاج الذي حصلت عليه جاء بنتائج جيدة"، على خلاف العلاج الذي تلقته الوالدة وأبناؤها الذين أُدخِلوا المستشفى الحكومي. في المقابل، تصوب السيدة هدى (زوجة الابن البكر بسام) على أداء المستشفى الحكومي والطبيب الذي أشرف على علاج زوجها، لأنه بحسب ما تروي "تأخر في طلب في إدخاله غرفة التنفس الاصطناعي الخاصة بمرضى كورونا". وتقول إنها كانت برفقة زوجها في الغرفة في المستشفى الذي "قيل للعائلة إنه مجهز لاستقبال المرضى والحالات الحرجة". وعندما كانت تُطعمه وتبدّل له ملابسه، جاء شخصان لنقله إلى غرفة العناية. وما هي إلا دقائق، حتى رحل هؤلاء الموظفون. وبدأ الطبيب يتذرع بعدم توافر جهاز تنفس له. وأمام إصرار الأهل على الطبيب المشرف، وعجزهم عن العثور على سرير في مستشفى آخر، وفّر المستشفى الحكومي جهاز تنفس ونقله إلى الغرفة التي يوجد فيها المريض خارج قسم العناية المركزة.

وتؤكد هدى الصمد أن زوجها بسام، وشقيقه الضابط شادي، أُحضرا إلى المستشفى بصحة جيدة، وقد تم تنويمهما قبل الوقت المتوجب لذلك في إطار بروتوكول العلاج.

تتهم هدى الفريق الطبي بالتقصير والتأخر في وضع زوجها على جهاز التنفس الاصطناعي الخاص بكورونا، وتقول إنه لم يُقدم العلاج اللازم له، وإنها أحست "أنهم يتعلمون" بزوجها. وتستشهد برسائل على هاتف فادي "شقيق بسام وأحد المتوفين"، يُطالب فيها بإخراجه من المستشفى "لأنه بحالة سيئة، وعدم استجابة الفريق الطبي له". وتضيف الزوجة "لو أعلمونا باكراً أن لا مكان، كُنا بحثنا منذ البداية عن مكان له في مستشفى آخر"، إلا أن الطبيب أبلغهم بتدهور وضعه بصورة متأخرة، و"كان يقول لهم إن وضعه مستقر"، وعندما لمست العائلة التدهور السريع بوضعه "كان هناك تهرّب من المسؤولية".

تدهور وضع الأخ الأكبر بسام بسرعة، ولم يتمكن من استعادة طاقته، على الرغم من جهاز التنفس الذي نقله الفريق الطبي إلى الغرفة لمساعدته في التنفس. وتتحدث الزوجة عن تضرر كبير تعرضت له إحدى الرئتين بسبب وضع أنبوب التنفس بطريقة خاطئة.

طالبت العائلة بالتحقيق بما جرى داخل المستشفى الحكومي، وتم تشكيل فريق طبي من العائلة للإطلاع على الملف والإجراءات العلاجية. وتشير العائلة إلى أنها لم تتلقَ تشخيصاً نهائياً للوفاة، إلا أنها علمت بمبادرة أطباء من خارج لبنان بـ "طلب عينات دم من ثلاثة أشخاص (شادي، فدى وبسام) بعد وفاة الأب والأم وفادي، من أجل إجراء بحوث والتحقق إذا ما كان هناك سبب جيني".

رد المستشفى

في المقابل، تنفي إدارة المستشفى الحكومي في طرابلس التهم بالتقصير والمسؤولية. ويشير مديره الطبيب ناصر عدرة إلى أن "المريض وصل متأخراً إلى المستشفى، والمريض بحاجة إلى جهاز تنفس اصطناعي، ولم يكن هناك مكان شاغر في قسم كورونا"، لافتاً إلى أنه "لا يمكنه إزالة مريض عن جهاز التنفس من أجل شخص آخر".

ويتحدث عدرة عن تضرر كبير أصاب رئتي المريض بسام قبل وصوله إلى المستشفى، وكان يجب إحضاره من دون تأخير منذ أن شعر بصعوبة في التنفس. ويضيف عدرة أن المستشفى جاهز لمنح الأهل وثيقة وفاة عند الطلب، كما أنه تجاوب مع "الجلسة التي نظمها آل الصمد، وحضرها أطباء من أقرباء المريض لشرح ما حدث".

كورونا القاتل بعد الشفاء

لم يشفع الفحص السلبي للأب محمود من أجل البقاء على قيد الحياة. تؤكد أوساط العائلة أنه بعدما تبلغ شفاءه من كورونا انتقل إلى المنزل. وبعد مرور ثلاثة أيام على ذلك، تدهور وضعه بصورة مفاجئة، وما لبث أن فارق الحياة. وتلفت العائلة إلى أنه لقى عناية من أطباء في لبنان، وطبيب مقيم في فرنسا، وأن أوضاعه تحسنت إلى حد كبير، وتخلص جسده من الفيروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه الواقعة، تكررت مع السيد ع. غ. الذي تلقى العلاج في مستشفى خاص. وبعد حوالى الأسبوع تماثل للشفاء. وتعهدت العائلة بتأمين المستلزمات الطبية والعلاجية له في المنزل، وأخرجته على مسؤوليتها من المستشفى. وما هي إلا أيام حتى أعادته الأسرة منهكاً إلى المستشفى، وتوفي تحت وطأة الآثار الجانبية للجائحة.

توضح المراجع الطبية آلية تطور الإصابة والعلاج من مرض كورونا. يمر مرض كوفيد-19 بمرحلتين، ولكل مرحلة علاجها الخاص. في مرحلة تكاثر الفيروس في الجسد، يتسبب الفيروس بألم في الرأس وحرارة مرتفعة، ووجع قوي في العضلات، فقدان حاستي التذوق والشم. ويمكن علاج هذه المرحلة بالطرق الاعتيادية. أما المرحلة الثانية، فهي عندما تصبح هناك التهابات تخرجه عن السيطرة، وتبدأ الإفرازات الوبائية بشكل عاصف لتضرب الرئتين، وعضلة القلب، والدماغ، والكليتين، وتنتشر في أنحاء الجسم. لذلك، لا يمكن استبعاد انتكاس المرضى بعد تحسنهم من الإصابة بكورونا وإخراجهم من المستشفى.

ويوضح مدير المستشفى الإجراءات المعتمدة، لافتاً إلى أنه لا يتم إخراج أي مريض قبل إجراء "صور شعاعية" وفحوصات للتأكد من تخلصه من الفيروس وآثاره الجانبية.

الآثار الجانبية ممكنة

هذه الروايات هي جزء يسير مما حدث من وفيات لأشخاص انتصروا على كورونا، ولم تتمكن أجسادهم الضعيفة من مقاومة آثاره. يوضح الدكتور جاك مخباط المتخصص بالأمراض الوبائية أن "المرضى بكورونا أو غيره بعد فترة الاستشفاء، معرضون لحدوث تصلب في الشرايين أو لتجلطات في الأوردة، ويليها صعودها إلى الرئة وضربها". ولكن في المقابل، يؤكد مخباط عدم التعميم والتعاطي مع كل حالة بصورة مستقلة.

يتحفظ مخباط (عضو اللجنة الوطنية لمواجهة كورونا) على أرقام الوفيات المعلنة، لأن "وثائق الوفاة في لبنان غير ذات صدقية، ويتسرع المخاتير في إجرائها من أجل التعجيل بالوفاة"، لافتاً إلى أن وضع الوفاة في قائمة وفيات كورونا مشروط بأن "يكون المتوفى مصاب بالفيروس، ويشكل السبب المباشر للوفاة". لذلك، فإن الرقم الذي يُنشر عن عدد وفيات كورونا ليس نهائياً، ولا يُعتد به في البحوث لأن الرقم الحقيقي قد يكون أكثر أو أقل.

ويشير مخباط إلى أن عدد الوفيات جراء كورونا هو وفق المعدّل الطبيعي للوفيات في لبنان، على الرغم من عدم وجود قائمة بيانات دقيقة في البلاد تتضمن عدد الوفيات العامة. لذلك، يدعو إلى "عدم العودة إلى سياسات الإغلاق، والانتقال إلى التعايش مع الوباء".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير