Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في غزة متاحف غير شرعية تبيع الآثار في مزادات علنية

تحف من حضارات مختلفة تتعرض للسرقة والتهريب والمتاجرة

شغف الفلسطيني عمر في اقتناء القطع الأثرية، دفعه إلى تحويل قبو صغير في منزله إلى محتف، يعدّ الأكبر على مستوى غزّة، يعرض فيه أقدم الآثار والعملات القديمة للحضارات الثماني التي سكنت فلسطين (الكنعانية، الفينيقية، الرومانية، البيزنطية، الفرعونية، الإسلامية، المملوكية، والعثمانية)، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع، دفعته إلى عرض القطع الأثرية للبيع، وهنا بدأت القصة.

اختار عمر مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لبيع متحفه، وعرض صوراً لجرار من الفخار مصنفة على أنّها قطع أثرية أصلية للبيع، وفور رؤيتها من فرق التقصي في وزارة الآثار والسياحة، توجهت إليه للتحفظ على المتحف ومصادرة القطع الأثرية لحمايتها من التهريب والإتجار بها.

الآثار بيد المواطنين من دون إحصاء

عمر ليس وحده يملك متحفاً، بل هناك أكثر من 10 أشخاص لديهم متاحف ومعارض، ما يطرح سؤالاً، "كيف حصل هؤلاء على الآثار؟ وأين دور جهات الاختصاص؟"، يجيب وكيل وزارة السياحة والآثار إبراهيم، أنه أمر تراكمي منذ العهد البريطاني والأشخاص يبحثون عن الآثار ويقتنونها وأنّهم يعملون على حلّ الأمر من خلال لوائح وقوانين لتوثيق الأثار وحصرها.

يؤكّد جابر أن هناك مجموعات تمتلك قطعاً أثرية ثمينة في القطاع وللحفاظ عليها نشرت وزارة السياحة والآثار بياناً رسمياً تدعو فيه مالكيها إلى تسجيلها والتوقيع على تعهد بعدم الاتجار فيها أو تعريضها للتلف أو التغيير عليها.

لكن معلومات تشير إلى أن عدداً كبيراً منهم رفض القرار، وفضّل بيعها، بدلاً من الحفاظ عليها وتسجيلها. ويراوغ جابر في ذلك بالقول، "أحصينا جزءاً كبيراً منها ولكلّ قطعة رقم وتعريف خاص بها في سجلات الوزارة ونراقبها كلّ ستة أشهر وحال تعرضها لأيّ تلف أو تغيير نصادرها على الفور".

القانون يسمح بذلك؟

يعتقد مراقبون أنّ وجود القطع الأثرية في يد سكان القطاع قد يدفعهم إلى التفكير في الاتجار بها أو تهريبها خارج غزّة، لذلك على جهات الاختصاص في الوزارة حمايتها بشكل أفضل من الإجراءات المتبعة.

أوضحت الباحثة في الآثار والتاريخ في وزارة السياحة هيام البيطار أن قانون الآثار الفلسطيني لا يمنع السكان من اقتناء قطع أثرية، شرط إعلام السلطات لمتابعتها، مع التعهد بالحفاظ عليها من التغيير والإتلاف وعدم الاتجار بها.

لدى وزارة الآثار في غزّة أكثر من 40 ألف قطعة تعود إلى مختلف الحضارات التي سكنت فلسطين، لكن الغريب، أنّها لا تعرف عدد التي يمتلكها المواطنون أو أصحاب المتاحف.

للمفارقة، بينما تسمح وزارة السياحة والآثار في امتلاك القطع الأثرية واقتنائها، كان في مايو (أيار) الماضي مزاد علني في أميركا بيعت خلاله نحو 10 قطع ثمن الواحدة منها يزيد على 30 ألف دولار وفي العام الماضي بيعت قطعة أخرى في أوروبا بأكثر من 130 ألف دولار، وفقاً لحديث البيطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تهريب للآثار

ملاحقة قضية بيع آثار غزّة كشفت الكثير من عمليات تهريب والسرقة في القطاع وكان آخرها قبل أسبوعين عندما حاول أحد مهربي الآثار إخراج أربع قطع عملات يونانية تعود إلى زمن الإسكندر المقدوني، لكن سلطات غزّة كشفته وبعد التحقيق معه، تبيّن أنّه قام بأكثر من عملية تهريب ناجحة، كان آخرها إخراج تسع قطع عبر الحدود.

يقر وكيل وزارة السياحة والآثار إبراهيم جابر بوجود مهربين في غزّة ويقول، "تمكنا من ضبط شبكة من المتعاونين مع بعضهم بعضاً، يبدو أن العمل لديهم منظم للغاية ومَن يضبط يحول على النيابة العامة التي ترفع ملفه إلى المحكمة لمحاسبته وفق قانون الآثار الفلسطيني الذي يُجرّم كل مَن يقوم بالتهريب والمتاجرة بها، بالعادة، العقوبة تتمثل في سجن مدة أقصاها ثلاث سنوات أو التغريم المالي".

وفقاً لبينات وزارة السياحة والآثار، ضُبط أكثر من 54 عملية تهريب عبر الحدود، خلال العام 2020 الجاري وفي إحدى المحاولات ضبط أكثر من 170 قطعة.

تزوير

إلى جانب ذلك، ضبطت حالات أخرى تعمل على تزوير القطع الأثرية لتهريبها على أساس أنها أصلية ومسجلة. تقول الباحثة في الآثار والتاريخ هيام البيطار عن آخر عملية تزوير، إن القطع النقدية التي تعود إلى العهد اليوناني التي كُشفت محاولة تهريبها تبيّن أنّها مزورة باحتراف عال في غزّة بعد التدقيق والتفحص، حينها وجدنا خطأ بسيطاً بأن رأس الإسكندر يلتفت إلى اليمين بدل اليسار.

قوانين أثرية

في الحقيقة، يطبق على المزيفين قانون الآثار، الذي يعود إلى العام 1929 (زمن الحكم البريطاني) وأبقته السلطة الفلسطينية ولم تجرِ عليه أيّ تحديث. وتؤكد البيطار أن هذه النصوص قديمة ولا تناسب العصر الحديث وتحتاج لتحديث.

يعترف وكيل وزارة السياحة والآثار إبراهيم جابر بذلك، لافتاً إلى أنّهم قدموا مسودة قانون معدل للمجلس التشريعي العام 2019 لإقراره والعمل به في قطاع غزة وما زال تحت النظر في لجان المجلس التشريعي (معطل بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، لكنه يعمل في غزّة بسبب الاختلاف السياسي)، كون القانون الحالي بات غير ملائم.

في الواقع، هناك فرق بين القوانين في الضفة الغربية المنظمة لمتابعة الأثار عن تلك الموجودة في غزّة، المنطقة الأولى تعمل بقانون الآثار الأردني وفي العام الماضي، أقرّ عباس قراراً بقانون ينظم عمل وزارة الآثار، لكن لم يعتمد في غزّة بسبب الانقسام السياسي.

هدم وتجريف

ليس هذا فقط ما تتعرض له الآثار في غزّة، بل هناك حالات هدم لها، كانت الأخيرة عندما هدم مواطن منزله على الرغم من أنه مصنف على قوائم الآثار العالمية ولم تستطع السلطات الحاكمة إنقاذ البيت، بل هي الأخرى حاولت هدم موقع أثري عام 2017 مصنف في قوائم اليونسكو لتعويض موظفيها بأراضٍ بدلاً من مستحقاتهم المالية المتراكمة على الحكومة.

يضم قطاع غزّة من الآثار حوالى 150 بيتاً و12 موقعاً و40 مسجداً و22 مبنى ويوجد فيه عدد من المعالم الدينية المسيحية وأنقاض كنيستين وكنيسة قائمة ودير القديس هيلاريون، الذي يُصنّف على قائمة التراث العالمي بأنه أوّل دير في التاريخ المسيحي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي