Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علاقات مصر وفرنسا بين متطلبات الشراكة و"صخب الحريات"

المصالح الاقتصادية والتجارية والتنسيق والتشاور حول تطورات المنطقة تتجاوز أي اختلاف في الرأي وباريس تعتمد "رسائل النصح" لحل ملف الحقوق والحريات مع القاهرة

على مدى الأيام التي سبقت لحظة هبوط طائرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أرض مطار أورلي جنوب العاصمة الفرنسية باريس، الأحد 6 ديسمبر (كانون الأول)، كانت التقارير الإعلامية الغربية تضج بالبيانات الحقوقية الداعية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الضغط على ضيفه الشرق أوسطي لتحسين سجل بلاده في ملف "الديمقراطية وحقوق الإنسان"، معتبرين الزيارة بمثابة "اختبار للقيادة الفرنسية من الناحية الأخلاقية".

لكن خروج لقاء القمة الثنائي بين ماكرون والسيسي ظهر أمس الإثنين، مركّزاً بشكل رئيس على تعزيز مجمل العلاقات الثنائية وتكثيف التعاون في ما يتعلق بالملفات الإقليمية والدولية الشائكة، دفع بعضهم للتساؤل حول مرتكزات العلاقة بين القاهرة وباريس، التي تصفها العاصمتان بـ"الاستراتيجية والمهمة"، وفق التصريحات الرسمية لمسؤولي البلدين، التي وإن شاب بعضاً منها التباين، لكن يبقى الأمر في إطار اختلافات وجهات النظر بين حكومتين صديقتين وحليفتين على ضفتي المتوسط.

"الملف الحقوقي" وأولويات الزيارة

وفق مصادر رسمية مصرية وفرنسية، فإن "استراتيجية العلاقة بين البلدين ومدى تقارب وجهات النظر في كثير من الملفات الإقليمية الحيوية، لا سيما ما يتعلق بالقضية الليبية وملف غاز شرق المتوسط والإسلام السياسي والتدخلات التركية في دول المنطقة، يدفعهما لتجاوز أية اختلافات جزئية في شأن بعض الملفات الحساسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالمصدر المصري أوضح أن "القاهرة وباريس تدركان جيداً أهمية الطرف الآخر في تلك الظروف الدقيقة التي تمر بها بلدان المنطقة، وأن أي توتر لن يخدم مصالح البلدين". وتابع، "قبل أيام من زيارة الرئيس المصري إلى باريس، حرصت سلطات القاهرة على إرسال رسائل إيجابية في ما يتعلق بالملف الحقوقي لتهدئة الأجواء مع الغرب، وأصدرت قرارات مرتبطة بمنظمات المجتمع المدني والعاملين فيها"، مشيراً إلى أن القيادة السياسية المصرية رأت ضرورة ألا يستحوذ ذلك الملف على قدر كبير من الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري، على حساب القضايا الأخرى الاستراتيجية وشديدة الحيوية للبلدين، فضلاً عن أهمية تعزيز العلاقات الثنائية في ملفات الاستثمار والتجارة والأمن والسياسية، التي وصلت لمستويات غير مسبوقة منذ وصول عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في العام 2014، واصفاً مجمل العلاقات بين البلدين بأنها "شراكة استراتيجية لمصلحة البلدين واستقرار المنطقة".

وعشية إتمام الزيارة، رفعت السلطات القضائية في مصر 20 منظمة وجمعية من قوائم المنع من التصرف في الأموال، وألغت حظر السفر المفروض على عدد من المدرجة أسماؤهم على ذمة قضية التمويل الأجنبي المفتوحة منذ يوليو (تموز) 2011، ووفقاً لبيان صدر عن قاضي التحقيق المنتدب من محكمة استئناف القاهرة علي مختار، للتحقيق في القضية رقم (173) لسنة 2011، إذ أمر بألا تكون المنظمات الـ 20 موضوع إجراءات جنائية.

وتعود تلك القضية إلى ديسمبر 2011، إثر عمليات تفتيش في مقار عدد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمات أميركية مثل "المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي" و"فريدوم هاوس"، إضافة إلى مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية، إذ اتهمتها السلطات بتلقي تمويل أجنبي غير قانوني، والتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

تطور غير مسبوق في العلاقات

قبلها بيومين، أفرجت السلطات المصرية عن ثلاثة من مسؤولي منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهو ما علقت عليه الرئاسة الفرنسية بالقول، "نرحب بذلك وهي إشارة إيجابية"، الأمر الذي كرره الرئيس ماكرون خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيره المصري قائلاً، "أرحب بإعلان الخميس الإفراج عن ثلاثة أعضاء في منظمة غير حكومية"، مشدداً على عدم نية بلاده ربط مسائل الدفاع والتعاون الاقتصادي ومبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر في المستقبل بشرط تحسين حقوق الإنسان، وعزا ذلك إلى أنه لا يرغب في إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة، "الأفضل أن يكون لدينا سياسة تدعو إلى الحوار بدلاً من المقاطعة التي لن يكون من شأنها سوى تقليل فاعلية شريك لنا في محاربة الإرهاب".

وبين 2013 و2017، كانت فرنسا هي المورّد الرئيس للسلاح إلى مصر متخطية الولايات المتحدة، وشملت صفقات التسليح الفرنسية إلى مصر مقاتلات رافال وسفن حربية، ووصلت قيمة الصفقات المبرمة في العام 2017 إلى 1.4 مليار يورو.

من جانبه، وبحسب دبلوماسي فرنسي، "شهدت علاقات البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والتنسيق الأمني والعسكري تطوراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، فباريس تؤمن بأهمية تطور العلاقة مع أكبر بلد عربي، وأحد أبرز الدول الإسلامية"، موضحاً خلال حديث مقتضب، "تنتهج باريس دبلوماسية هادئة في التعاطي مع بعض التباينات تجاه قضايا بعينها، وتفضل تجنب الانتقادات العلنية للدول في شأن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إيماناً منها بأن المناقشات الصريحة والسرية تكون أكثر فاعلية".

ويصفُ مدير مركز المحروسة هاني إبراهيم، وهي منظمة مدنية، علاقات البلدين بأنها "شراكة وتعاون"، موضحاً أن "تلك الاستراتيجية مبنية على تهديدات مشتركة وفي مصالح مشتركة".

ويرى أن "حجم المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية والسياسية، يجعل من الطبيعي خروج العلاقة بين البلدين من دائرة الإملاءات والهيمنة إلى دائرة النصح، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

ووفق الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم التجارة بين مصر وفرنسا خلال العام 2019 حوالى 2.4 مليار دولار، بينما سجل 1.6 مليار دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) عام 2020.

كيف تفهم علاقات البلدين؟

بحسب مراقبين، فإن تعدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين تعكس "أهمية واستراتيجية العلاقة"، فعلى مدى السنوات الست الأخيرة زار الرئيس المصري العاصمة الفرنسية خمس مرات، ثلاث منها زيارة دولة، فيما زار الرئيس ماكرون الذي تولى السلطة في أبريل (نيسان) 2017، القاهرة في يناير 2019، ليؤكد أولوية تعزيز "الشراكة الاستراتيجية" مع مصر التي تضم أكبر عدد من السكان في العالم العربي، وتعتبر قطب استقرار في منطقة "لا تزال متقلبة".

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب، أن "أبرز ما تتسم به العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة هو أن التشاور والتنسيق بينهما دوري ومنتظم في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وفي ضوء حرصهما على تطوير تلك العلاقات". مضيفاً على حد وصفه، "هناك درجة عالية من التناغم والتفاهم العالي في ملفات المنطقة التي تهم الطرفين من بينها ملفات ليبيا وسوريا والعراق والتطرف ومكافحة الإرهاب وملفات غاز شرق المتوسط ولبنان، فضلاً عن عملية السلام بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي".

وقال الرئيس المصري، خلال المؤتمر الصحافي أمس، إن محادثاته مع نظيره الفرنسي تضمنت عدداً من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بينها عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والحل السياسي الشامل في ليبيا، فضلاً عن ملفات سوريا ولبنان وشرق المتوسط، وآخر تطورات مفاوضات سد النهضة المثير للجدل بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.

صفاء في سماء العلاقات

في المقابل، ووفق بيان "الإليزيه" قبل الزيارة، فإن باريس تعول على تعاون البلدين في ملفات كبرى تتعلق بالأمن الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والأزمة الليبية والخلافات مع تركيا في شرق المتوسط، مشيراً إلى أن فرنسا تعمل مع مصر من أجل عودة الاستقرار إلى ليبيا، مما يتطلب خروج القوات الأجنبية وفي مقدمتها المقاتلون الروس والأتراك ومختلف المرتزقة الموجودين. كما أكد الإليزيه أن فرنسا ومصر تريدان "جعل البحر الأبيض المتوسط مجالاً لتعاون تحترم فيه سيادة الدول المختلفة"، مما يعني أن طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط التي تمس مصالح كثير من دول المنطقة بما فيها مصر، محل انتقاد من الجانبين.

ووفق أبو دياب، "ففي الإجمال يمكن القول إن هناك صفاء كاملاً في سماء العلاقات بين باريس والقاهرة، وأن أي خلاف في ملف حقوق الإنسان لن يوتر هذه العلاقات مستقبلاً"، معتبراً أنه "عندما تكون هناك ثقة بين الطرفين فهي كفيلة بتخطي وتجاوز هذه الشوائب". وتابع، "لم تعد الدول الغربية قادرة على فرض أجندات حقوق الإنسان والديمقراطية، فضلاً عن أن باريس هي الأخرى لديها انتقادات داخلية تتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما يدفع الأخيرة إلى اعتماد دبلوماسية صامتة قائمة على رسائل النصح لتجاوز تحديات العلاقة بين البلدين".

في الاتجاه ذاته، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، "الغرب يدرك أن أي ضغط أجنبي في ملف الحقوق والحريات لن يكون في مصلحة هذه القضايا لاختلاف السياقات والأوضاع"، مضيفاً: "لا أعتقد أنه بإمكان أي من البلدين التضحية بالمصالح الاقتصادية والتجارية والتعاون الأمني والاستخباراتي في مقابل أي اختلافات حول أحد الملفات".

المزيد من تقارير