Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أعمال ويليام بليك" لويليام ييتس بمشاركة إدوين إيلليس

فعل افتتان بالمبدع أم اختباء خلف عباءة سلف كبير؟

الشاعر الإنجليزي ويليام بليك (غيتي)

كان ويليام بتلر ييتس في الثامنة والعشرين من عمره حين تشارك مع زميل له في الكتابة والشعر هو إدوين جون إيلليس، في إصدار كتاب ضخم في ثلاثة مجلدات بعنوان "أعمال ويليام بليك: الشعرية، الرمزية والنقدية".

والحال أن هذا الكتاب لا يزال يعتبر حتى اليوم واحداً من الكتب الأساسية لدراسة بليك، شعراً ورسماً، وأيضاً كمشتغل في طباعة الكتب وتزيينها بالرسوم. وكان على أي حال، بصدوره عام 1893 أول محاولة واعية ومعمقة لتفسير أعمال بليك، لا سيما من خلال التركيز بشكل أساس على "كتب التنبؤات"، على النقيض من مفسرين آخرين مثل سوينبرن وروزيتي من الذين ركزوا كتاباتهم النقدية على أعمال بليك الأكثر واقعية.

ويعد الكتاب أيضاً إحدى المحاولات الأولى، التي سعت إلى جمع الشتات الذي كانت قد آلت إليه أشعار بليك لنشرها متواكبة مع رسومه بصرف النظر عما إذا كانت تلك الرسوم تتلاءم مع الأشعار أم لا. فالمهم هنا، لا سيما بالنسبة إلى المساهمة الأساسية التي قدمها ييتس، التأكيد على تلك الوحدة المفهومية والجمالية التي تطبع إجمالي إنتاج بليك الإبداعي. وكان من الواضح أن ييتس، فيما هو يتغلغل في رؤيوية شعر بليك، إنما كان يشتغل على شعره وكتاباته هو نفسه، بمعنى أنه كان يصيغ مشروعه الشعري الخاص.

وليس ثمة مراء في أن تاريخ الحركة الشعرية الإنجليزية خلال المرحلة الممتدة من القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين يحفظ لييتس، التلميذ، مكانة تفوق إلى حد كبير مكانة ويليام بليك، الأستاذ، حتى وإن كان يعترف لهذا الأخير بأنه كان أكثر تفاعلاً مع اللغة كما مع الصور الشعرية، ناهيك عن تعدد مواهبه، خصوصاً في مجال الرسم. تشهد على ذلك مئات الرسوم التي حققها وتناول فيها بالتعبير اللوني مشاهد من شعراء كبار سابقين له من طينة شكسبير ودانتي، الذي لا تزال رسوم بليك لبعض مشاهد كوميديته الإلهية من أبدع ما حُقّق في هذا المجال.

بين النضالي والرؤيوي

صحيح أن شعر ييتس كان في ذلك الحين، أي عند بداياته، يتسم بقدر من الواقعية يفوق كثيراً ما "اكتشفه" من واقعي لدى سلفه الكبير، غير أنه كان في الوقت نفسه يؤسس رؤيويته الخاصة، كما كان يحاول أن يعثر بهدوء على الدور "النضالي" بل حتى "السياسي" أحياناً في ارتباطه بشعر بليك ومواقفه.

ومن هنا ما يراه بعض المعلقين على الكتاب من أن ييتس يبدو فيه وكـأنه، في فعل الذاكرة التي ربطها ببليك، التي تشكل جزءاً واضحاً من الكتاب، لا سيما في جزئه الثاني، يحاول أن يقوّل الشاعر الكبير ما لم يكن بإمكان الأخير قوله. أي أنه بمعنى من المعاني بدا وكأنه "يمون" على سلفه "محملاً إياه وزر مواقف مقبلة له كان يتطلع إلى اتخاذها، لتبدو وكأنها استجابة لإرث بليك" وذلك على الصعيدين "الواقعي" من جهة والرؤيوي من جهة أخرى.

والحقيقة أن في مقدورنا لدى استعادتنا شعر ييتس أن نجد لديه مزيجاً خلاقاً من البعدين معاً على ما بينهما من فوارق وربما تعارضات. ولكن ألا تكمن "المعجزة الصغيرة" التي شكلها شعر ييتس طوال مساره منذ ما بعد هذا الكتاب هنا؟ وألا يمكننا أن نجد بالتالي في الكتاب ومن خلال "شفافية" تحليل وتفسير ييتس لشعر بليك، نوعاً من التحليل والتفسير ومن ثم، التبرير لشعره هو نفسه؟

من المؤكد أن طرحنا هذا النوع من الأسئلة هنا لا يمكنه أن يستتبع الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه لكنه يقدم اقتراحاً بسيطاً فحواه أن إيرلندية ويليام بتلر ييتس هي التي تملي علينا هذا الاقتراح. فمقابل استنكاف بليك عن خوض السياسة والتعاطي مع الواقع اليومي في شعره ورسمه، كان لا بد لييتس أن يسلك درباً مختلفة جاعلاً من سلفه الكبير ضمانة له إن لم يكن "متراساً" يخبئ خلفه تأرجحه المدهش بين الرؤيوية الغربية والواقعية السياسية النضالية.

أعظم شعراء الإنجليزية 

لعل السمة الأساسية في مسار الشاعر الإيرلندي ويليام بتلر ييتس هي أنه، فيما الشعراء الآخرون يبدأون بدايات عظيمة ويسوء شعرهم مع الزمن. كان هو على العكس، يتجوهر شعره مع الوقت، إلى درجة أن أعظم أشعاره كانت تلك التي كتبها في سنواته الأخيرة. وهو ما عبر عنه بنفسه في الخطاب الذي شكر به مانحيه جائزة نوبل للأدب عام 1923.

ويعتبر ييتس، عادة، أعظم شعراء الإنجليزية في القرن العشرين. وبه كان الإيرلنديون، وظلوا، يفاخرون أعداءهم الإنجليز، لأنه لم يصانع هؤلاء أو يهادنهم كما فعل عدد كبير من الإيرلنديين الذين كتبوا شعراً ونثراً وحسبوا على الثقافة الإنجليزية بشكل عام، بل حاربهم وشارك في الثورة ضدهم. وكان يعتبر أن من مهماته الأساسية إحياء الأدب والتراث الإيرلنديين، كمساهمة في المعركة ضد الإنجليز. ولن ينسى له الإيرلنديون أبداً أنه هو الذي اكتشف مسرحيهم الكبير جون ملتون سنغ، يوم كان هذا تائهاً في باريس وأعاده إلى إيرلندا وإلى مكانته ككاتب، فأسهم هذا بدوره في بعث الأدب والمسرح الإيرلنديين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ولد ويليام بتلر ييتس عام 1865 في دبلن، وتوفي في 1939 في روكبرون بالجنوب الفرنسي. وهو بين طفولته وموته كان حركة لا تهدأ: فهو، الذي أمضى القسم الأكبر من حياته في لندن، عاد إلى دبلن وهو في الخامسة عشرة، حيث تابع دروساً في الرسم، تبعاً لتقاليد أسرته، حتى عام 1889، لكنه بعد ذلك ترك الرسم حين أدرك أن الشعر وحده هو ما يهمه. وفي الوقت نفسه شغف بوطنه إيرلندا، شغفاً لم يفارقه حتى الموت. وكانت أولى قصائده أشعاراً (وطنية– دينية) كشفت عن تخليه عن النزعة العقلانية التي طبعت طفولته ومراهقته وكان عنوان "موسادا" عنوان مجموعة القصائد الأخيرة التي نشرها.

نشاط مكثف

وحين عاد إلى لندن ليجعل لنفسه مكانة أدبية فيها، أسس نادياً جمع فيه أهم شعراء نهاية القرن الفائت. لكنه سرعان ما سئم ذلك وعاد إلى إيرلندا عام 1896 لينخرط في ثورتها على الإنجليز بكل كيانه. غير أن أشعاره إذ اتجهت إلى الواقعية بدت شبه خاوية وحقيقة، وعاش لحظة شك أنقذته منها سيدة المجتمع والأدب ليدي غريغوري التي راحت تشجعه وساعدته على تأسيس "المسرح الإيرلندي الأدبي" الذي صار لاحقاً "آبي ثياتر" و"الأكاديمية الإيرلندية" وهما المكانان اللذان شهدا كل الأدب بما في ذلك الشعر والمسرح الإيرلندي في القرن العشرين. وكانت لييتس، بالطبع، اليد الطولى في ذلك. ولم يكتف بذلك النشاط بل راح يكتب وينشر بجنون، بمعدل كتاب على الأقل في العام طوال عشرة أعوام وأكثر.

وفي عام 1917 تزوج من جورجي ليس، التي أنجبت له ابناً وابنة، في أسرة عاشت في برج عتيق انصرف فيه ييتس كلياً إلى الكتابة، وفيه صاغ أعظم وآخر أعماله. وكان ذلك خصوصاً حين اكتشف صدفة أن زوجته "وسيطة لتحضير الأرواح" فاستعاد نزعته الغيبية القديمة وراح يستعين بها لكتابة أشعار تشبه أشعار السورياليين الأوتوماتيكية.

في عام 1923 نال ييتس جائزة نوبل في الأدب. وظل بعد ذلك على الرغم من تقدمه في السن ذا قوة وصلابة، وكان همه أن يشجع المواهب الشابة ويساعدها. غير أن صرامته في إطلاق أحكامه جعلت له كثيراً من الأعداء، وعاش آخر أيامه وحيداً يتنقل بين إيرلندا ولندن وجنوب فرنسا حيث رحل عن عالمنا يوم 28 يناير (كانون الثاني) من عام 1939.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة