Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فريق بايدن والعودة من الشواذ إلى القاعدة

الواقع أن أميركا ليست فقط في مرحلة انتقالية بين إدارتين جمهورية وديمقراطية بل أيضاً في نقطة "تحوّل عميق"

الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن جاء ومعه الفريق سلفاً (أ ف ب)

لا مفاجآت في اختيار الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للدفعة الأولى من أركان إدارته. ولا غموض في أفكار هؤلاء ومواقفهم المنسجمة مع رؤية بايدن لدور أميركا "العائدة إلى العالم"، كما أعلن. هو يعرفهم، وهم يعرفونه من خلال تجربة العمل معاً لسنوات طويلة. وباستثناء وزير الخارجية السابق جون كيري وجانيت يلين، الرئيسة السابقة لبنك الاحتياط الفيدرالي، فإن من كانوا في الصف الثاني أيام رئاسة باراك أوباما صاروا في الصف الأول لدى الرئيس الذي كان نائباً للرئيس. وكل شيء محسوب: خلافاً للرئيس دونالد ترمب الذي وصل إلى البيت الأبيض من دون أن يمر بأي منصب سياسي، فاختار من لا يعرفهم ثم أقالهم وجاء بمن أقالهم بعد ذلك، فإن بايدن المخضرم جاء ومعه الفريق سلفاً. وخلافاً للرئيسين ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر اللذين بحثا عن مفكرين استراتيجيين، فإن خيارات بايدن ليس فيها مثل الدكتور هنري كيسينجر، ولا مثل البروفسور زبغنيو بريجنسكي. أنطوني بلينكن المعيّن وزيراً للخارجية كان نائباً لوزير الخارجية وعمل في مجلس الأمن القومي وفي مكتب بايدن. جايك سوليفان المعيّن مستشاراً للأمن القومي عمل بعد بلينكن مستشار الأمن القومي لبايدن. والبقية من أيام الرئيس بيل كلينتون وأوباما.

قرارات الصف الأول

لكن هؤلاء كانت لهم آراء مختلفة أحياناً عن قرارات الصف الأول. في مذكراته "أرض الميعاد" يصف أوباما بايدن بأنه "لائق وصادق ومخلص، لكنه من النوع الذي يثير مشكلة كبيرة إذا اعتقد أنه لم يأخذ حقه من الاحترام". وفي مواقف أوباما من حرب سوريا، يقول بلينكن: "كنّا على حق في تجنّب نسخة أخرى من العراق، غير أننا أخطأنا في الحد من التحركات إلى أقصى درجة". وهو ما أعاد تأكيده بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي والأقرب إلى الرئيس في كتابه "العالم كما هو: مذكرات بيت أبيض أوباما"، بالقول: "سوريا مكان حيث عدم فعلنا كان كارثة، وتدخّلنا سيضاعف الكارثة". لا بل إن بلينكن هو صاحب الاقتراح الذي قدّمه بايدن حول تقسيم العراق إلى "ثلاث مناطق في نظام فيدرالي" أو "استقلال" كل منطقة. سوليفان ينتقد سياسة "المنافسة للمنافسة" مع الصين، ويرى الحاجة إلى "تجمّع عناصر المنافسة والتعاون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والتحديات أكبر من ذلك مع الصين التي تحارب "قوة منحدرة" هي أميركا بحجّة أن أميركا تحارب "قوة صاعدة" هي الصين، إذ تصف النخبة الصينية جائحة كوفيد - 19 بأنها "واترلو القيادة الأميركية". ومع روسيا كقوة ثأر "حزينة على خسارة ترمب" الذي ترى المحللة الروسية تاتيانا ستانوفايا أنه كان "الجائزة الكبرى لبوتين". ومع مشكلات الشرق الأوسط، حيث صارت قضية فلسطين في آخر سلّم الاهتمامات بعد صعود الدورين الإقليميين عسكرياً وأيديولوجياً لـ"جمهورية الملالي" في إيران وجمهورية "العثمانية الجديدة والخلافة" في تركيا، فضلاً عن تمتين الرابط الأطلسي مع أوروبا وطمأنة اليابان وكوريا الجنوبية والهند وسواها في آسيا.

مرحلة "تحوّل عميق"

بلينكن أطلسي مثل بايدن. والأولوية في نظره التخلص من "العجز الاستراتيجي" الذي قاد ترمب إليه. وترجمة ذلك هي "إعادة بناء موقع الولايات المتحدة كحليف موثوق مستعد لتعزيز الاتفاقات والمؤسسات الدولية". وهو يفكر في العودة إلى اللعب بين روسيا والصين كما أيام نيكسون، إذ يؤيد تمديد اتفاق "ستارت" للحدّ من الأسلحة النووية مع موسكو، ويتحدث عن "استخدام عدم ارتياح بوتين إلى الاعتماد المتزايد على الصين، خصوصاً في التكنولوجيا لتعزيز العلاقات مع بيجينغ". والمعادلة، على العموم، عنده، هي "حاجة الدبلوماسية إلى نظام ردع داعم، لأن لا دبلوماسية فعّالة من دون قوة حليفة".

والواقع أن أميركا ليست فقط في مرحلة انتقالية بين إدارتين جمهورية وديمقراطية، بل أيضاً في مرحلة "تحوّل عميق" والعودة من الشواذ إلى القاعدة. لكن من الصعب إبطال كل ما فعله ترمب. فأربع سنوات من "أميركا أولاً" وما قادت إليه من انحدار موقع الولايات المتحدة ودورها، ليست ظاهرة عابرة بمقدار ما هي نتاج تحوّلات داخل البلاد وفي العالم.

حتى العودة إلى ما قبل ترمب، لم تعُد كافية لمواجهة التحديات في الداخل والخارج. فلا شيء مهماً في العالم تستطيع أميركا أن تفعله وحدها من دون حلفاء. ولا برنامج ملحّاً في الداخل يمكن تحقيقه من دون تعاون الحزبين الديمقراطي والجمهوري. والانقسام الحاد اليوم أعمق من التأثر بمنطق بايدن القائل: "إذا كنا نستطيع أن نقرر أننا لن نتعاون، فإننا نستطيع أن نقرر أن نتعاون".

المزيد من تحلیل