بين غريزة البقاء وجشع النفوس ومنظومة صحية مُترهلة في الجزائر، يتوغل فيروس كورونا القاتل ليرصد الحلقة الأضعف، ممن يصعب عليهم مقاومته برئتين مرهقتين. هنا يكون المصاب بين مطرقة الفيروس وسندان لصوص الأوكسجين أو من يوصفون بـ "انتهازيي" الأوبئة الذين يستثمرون في مآسي الإنسانية.
يبكي الشاب محمد بحرقة لأنه فشل في توفير عبوة أوكسجين لوالدته التي أوقعها الفيروس أرضاً بعدما تسلّل إلى رئتيها، ويقول فعلت ما بوسعي لاقتناء جهاز يساعدها على مواجهة هذا الفيروس لكنني فشلت. يصعب إيجاده في السوق، وإذا توفر فيكون سعره خيالياً. ووسط هذه الرحلة الشاقة وصلني نبأ وفاة والدتي التي لم تستطيع مقاومة ضيق التنفس.
"تجار الموت"
تذهب فاطمة (37 عاماً) إلى أبعد من ذلك، حين وصفت مستغلي الأزمة بـتجار الموت، وتقول أتابع منذ مدة تطور أسعار أجهزة التنفس الصناعي، وما يحدث هو تجاوز للإنسانية. هناك من يتاجر بحياة المرضى ولا يثنيه عن ذلك آلام الآنين في أروقة المستشفيات التي غصت بالمرضى.
وتستغرب بلوغ سعر الجهاز، سعة عشرة ليترات، ثلاثة أضعاف سعره الأصلي، حيث قفز من 800 إلى 3000 دولار، علماً أن متوسط الدخل للفرد الجزائري لا يتجاوز 250 دولاراً.
في السياق، يؤكد رئيس جمعية الجزائر المتحدة الناشط محمد طيطوم، هذا الارتفاع الجنوني لأسعار أجهزة التنفس ومكثفات الأوكسجين، مع تزايد الطلب عليها من المصابين بفيروس كورونا، في ظل ازدحام أقسام الإنعاش في المستشفيات.
ويقول نحن كمؤسسة خيرية وشباب جزائري متطوع نطالب المسؤولين بالتدخل العاجل لإنهاء هذا الوضع المأساوي والمؤسف، لأننا نتلقى اتصالات عدة من طرف مواطنين هم بحاجة ماسة إلى هذه الأجهزة، والحل يكون من خلال مطالبات .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، لم يعد الأمر يقتصر على أجهزة التنفس وإنما تعداه إلى أسعار الكشوفات والتحاليل الطبية، إذ رفعت العيادات الخاصة والمختبرات الطبية قيمة التشخيص إلى 150 دولاراً، من دون مراعاة لصعوبة الوضع الصحي والمادي للأفراد.
ورخصت وزارة الصحة الجزائرية للقطاع الخاص إجراء تحاليل "بي.سي.أر" لتشخيص الإصابة بالفيروس، بشكل سمح لـسماسرة المختبرات الطبية بالتلاعب بأسعار التحاليل، ما استدعى إعلان الوزارة تنصيب لجنة للعمل على مراجعة القوانين الخاصة بالتحاليل الطبية الخاصة بالكشف عن حالات كورونا، خصوصاً في ما يتعلق بالأسعار.
تأجير الأجهزة... الحل البديل
ومع استمرار الندرة والاحتكار، لجأت عائلات المصابين بالفيروس إلى استئجار أجهزة التنفس بسعر لا يقل عن 15 دولاراً لليوم الواحد، مع وضع المؤجر شروطاً منها ألا تقل مدة التأجير عن أسبوع، مع أن بعض المرضى قد يحتاجونها ليوم واحد فقط.
ووفق شهادات، فإن المؤجرين بالعادة يعملون في القطاع الصحي أو أصحاب محال لتسويق العتاد الطبي والصيدلاني، مما يمكنهم الحصول على هذه الآلة.
وقال أحدهم إنه يحوز على أجهزة عدة، وقرّر تأجيرها بعد أن تلقى اتصالات عدة من مواطنين يرغبون في استئجار أجهزة التنفس لمدد تتراوح بين يوم وعشرة أيام، بحسب حال المريض الصحية، بينما يرجح ناشطون في المجتمع المدني زيادة الطلب على أجهزة التنفس مع بروز أنواع أخرى من النزلة الموسمية والفيروسات التنفسية، لا سيما الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وأضحى عدد من المواطنين يطلقون نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن هذه الأجهزة التنفسية التي أصبح الحصول عليها صعباً للغاية، في وقت استنكرت جمعية حماية المستهلك في الجزائر، الممارسات غير الإنسانية لمن يتاجرون في الوضع الصحي الاستثنائي.
في المقابل، تبرأت جمعية التجار من بعض الذين رفعوا أسعار هذه الأجهزة بعدما قاموا بشرائها. وقال رئيسها الحاج الطاهر بولنوار نحن ندّد ما يقوم به البعض، لأن الاحتكار والمضاربة في فيروس قاتل يعتبر جريمة، مبرزاً أن الحكومة مطالبة بتوفير هذه الوسائل الطبية للمرضى وتسويقها بأسعار تتلاءم والدخل الفردي للمواطنين.
"الرحمة بين أبناء المجتمع"
وفي الجهة الموازية، كانت نقابة الأئمة حذرت من استغلال الظرف الصحي، مذكرة بضرورة التحلي بخصال التضامن والرحمة بين أبناء المجتمع الواحد لحين تجاوز هذه الأزمة.
ومنذ نحو شهر تقريباً، تعيش الجزائر موجة ثانية من وباء كورونا، وهو وضع وصفه وزير الصحة الجزائري عبدالرحمن بن بوزيد بـالمقلق، موضحاً بلغة الأرقام توفير أكثر من 18 ألف سرير و1500 سرير إنعاش لاستقبال مرضى "كوفيد-19".
وكشف مسؤول في قطاع الصحة شفاء 7800 مريض على مستوى المستشفيات، أي ما يعادل 42 في المئة من قدرة الاستيعاب الكلية، يضاف إليها 61 في المئة من أسرّة الإنعاش جاهزة لاستقبال المرضى الجدد (39 في المئة مشغولة حالياً).
وبلغ عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا منذ بداية الجائحة نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي 77 ألف حالة، و2309 وفيات، في حين تجاوز عدد حالات الشفاء 50070، وفق آخر الإحصاءات المعلن عنها يوم الثلاثاء 24 نوفمبر (تشرين الثاني).
وخسر القطاع الطبي في الجزائر أكثر من 120 موظفاً منذ بداية الوباء، وسجلت وزارة الصحة 9146 إصابة مؤكدة بـ "كوفيد-19" في صفوف الأطقم الطبية والإدارية التابعة لقطاع الصحة عبر المستشفيات كافة.