Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قيود على حرية التعبير في إقليم كردستان

حملة اعتقالات الصحافيين غالباً ما تتم بغطاء سياسي لا قضائي

اعتقالات في كردستان تطال من ينتقد سياسية الإقليم ويطالب بالتوزيع العادل لثرواته (أ ف ب)

لا يختلف إقليم كردستان كثيراً عن باقي محافظات العراق في قضايا حرية التعبير، فالاعتقالات تطال أيضاً من ينتقد سياسية الإقليم ويطالب بالتوزيع العادل لثرواته. جاء ذلك في بيان صدر عن ممثلي الناشطين المدنيين والمعتقلين في محافظة دهوك، يشير إلى قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني من طريق الجهات الأمنية هناك باعتقال عشرات الناشطين والمعلمين والصحافيين. وبحسب الإحصاء الذي أورده البيان، فقد تجاوز عدد المعتقلين 280 شخصاً، أفرج عن عدد منهم، بينما بقي 17 رهن الاعتقال.

ويوضح البيان أن حملة الاعتقالات العشوائية تترافق مع تزايد الأصوات المعارضة في المحافظة بسبب تأخر الرواتب الذي فاقم سوء الحال المعيشية، "علماً أن هؤلاء المعتقلين لم يجرموا، ولم يشاركوا في تظاهرة، ولحد الآن لا يسمح لذويهم ومحاميهم برؤيتهم"، بحسب نص البيان.

الاتهامات تطال الأحزاب الحاكمة في الإقليم

ويصف الصحافي والناشط أیهان سعید بروشكي وضع الحريات في كردستان بـ "الصعب"، ويتهم جهاز مجلس أمن كردستان باستغلال قضايا أمنية في الإقليم لقمع الناشطين والمعارضين للفساد والمحسوبية.

وأعلن بروشكي أن مجلس أمن كردستان نشر بياناً باسم مجلس أمن الإقليم، يوضح قيامهم بإبطال عمليتين إرهابيتين في محافظتي أربيل ودهوك، متهمين بعض الجهات السياسية ونشطاء ومدنيين يعيشون في الإقليم وأوروبا بالوقوف خلف هذه العمليات. معتبراً أن نشر هذا البيان يؤجج حال الذعر والخوف بين مواطني الإقليم، ويصبح من السهل على السلطات الأمنية توجيه الاتهامات لأي مواطن بحجة حماية أمن الإقليم. وأضاف، "الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يحترم أي رأي معارض أو منتقد للوضع الحالي، وتتم المعالجة من طريق التهديد أو إلصاق تهمة مفبركة".

لا للنقد

ويوضح الناشطون في قضايا حقوق الإنسان في الإقليم أن القانون رقم (11) للتظاهر، وقانون رقم (35) للصحافة والقوانين الدستورية العراقية، وقانون رقم (38) التي تضمن حق التظاهر واختلاف الرأي، كلها قوانين نافذة من المفروض أن تعمل بها سلطات الإقليم، غير أن الجهات الأمنية الكردية تطبق قوانين عراقية ملغية، وتتهم المعارضين لها باتهامات غير حقيقية كالانتماء لجهات سياسية معينة مثل "الحزب العمال الكردستاني".

 وبحسب الصحافي دانا طیب منمي، فالسبب الرئیس للاعتقالات هو أن السلطات الكردیة لا تقبل النقد، وتريد كبح كل شرائح المجتمع الكردي الذي یعاني تحت وطأة السلطات القمعیة، فالمواطن في إقليم كردستان يعيش أوضاعاً مأساویة نتیجة سوء إدارة الموارد وتنامي الفساد من قبل أحزاب السلطة التي ترى نفسها فوق القانون".

ويرى أن حریة التعبیر عن الرأي تواجه تهديداً كبيراً من قبل السلطات المحلیة وأحزاب السلطة، خصوصاً الحزبين الرئيسين، "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، اللذين غالباً ما يستندان إلى قانون العقوبات العراقي لاعتقال الصحافیین.

من دون مذكرات اعتقال

ويذكر أیهان سعید بروشكي أنه غالباً ما يتم اعتقال الصحافيين أو الناشطين من دون مذكرة اعتقال، وإن وجدت فهي لا تستند إلى أسس قانونية، ويؤكد أن السلطة القضائية أصبحت جزءاً من المنظومة الحزبية للحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وليست لها أي صدقية لدى المواطن.

كما يذكر أن معظم المعتقلين ليس لديهم محامون، ولا يعرفون سبب التهمة، ولا يعرف ذووهم مكان اعتقالهم، ويكمل أن هناك قضايا حدثت في الإقليم، مثل مقتل سردشت عثمان وكاوه كرمياني ووداد حسين، المعروفين بكتاباتهم الناقدة للوضع في كردستان وفضح الفساد، ولغاية الآن لم يتم الكشف عن منفذي جرائم اغتيالهم.

في السياق، يوضح دانا طیب منمي أنه حتى لو سمح للمحاميين بالترافع عن الناشطين، فسيبقى القضاء في الإقليم غير مستقل بوجود الضغوط التي تمارسها الأحزاب السیاسیة الحاكمة علی المحاكم، وتسييس القضايا لمصلحتها.

ضعف العمل النقابي

ويشير الباحث والاستشاري ومدرب الإعلام والنزاعات وبناء السلام خضر الدوملي إلى أن ضعف العمل النقابي وعدم تفعيل قانون الحصول على المعلومات بشكل كامل من قبل عدد من المؤسسات، من أهم الأسباب التي تعرقل العمل الصحافي، فضلاً عن الصراع بين الأطراف السياسية الذي ينعكس على طبيعة وهوية المؤسسات الإعلامية والصحافيين.

الدوملي يؤكد أن هناك جانباً يؤدي إلى عرقلة العمل الصحافي في كردستان، وهو عدم العمل وفق الأسس المهنية، ففي أحيان كثيرة يتأثر الصحافي بانتمائه السياسي وعمله مع المؤسسات السياسية .

عدم تعامل المحاكم مع قانون العمل الصحافي

ويخالف الدوملي في رأيه بقية الصحافيين حول غياب مذكرات الاعتقال، ويؤكد عدم تنفيذ أي اعتقال من دون أوامر من المحكمة، ويشير إلى أن بعض الصحافيين يتجاوزون نشاطهم الصحافي إلى نشاطات أخرى، ومذكرات الاعتقال جرت بعد تقديم جهات أمنية وحزبية وشخصيات سياسية شكاوى ضدهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن "في عدم تعاطي المحاكم مع قانون العمل الصحافي، والاعتماد على قانون العقوبات العراقي، مما يعرقل عملية العدالة في هذا المجال، فالمهم هو العمل وفق قانون العمل الصحافي، وبعدها سيكون لكل طرف حق اللجوء إلى المحاكم وفق الإجراءات القانونية المتبعة".

تراجع الحريات

ويتابع أن الصراع بين الصحافيين والجهات الأمنية في الإقليم موجود منذ فترة بسبب عدم تفهم الطرفين بعضهم بعضاً، وعدم الالتزام بالقيم المهنية، واستبعاد تطبيق القوانين الخاصة بحرية العمل الصحافي.

الدوملي يوضح أن واقع الحريات في كردستان يشهد تأرجحاً كبيراً، ويتطلب جهداً من النقابة والمؤسسات الإعلامية لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، كما يلفت إلى أن حركة الإصلاحات التي يسعى الإقليم إلى البدء بها لا يمكن لها أن تتم من دون صحافة قوية، فلا بد للسلطات الأمنية من تفهم العمل الصحافي.

ويرى الدوملي أن هناك خللاً كبيراً في الالتزام بأخلاقيات العمل الصحافي الذي لا يحظى باهتمام الجهات الحكومية والدعم اللازم، من خلال تزويد الصحافيين بالمعلومات الصحيحة، فمع غياب المعلومات الصحيحة ستنتشر الإشاعة والأخبار الكاذبة، وتبدأ المشكلات بالتنامي.

محكمة متخصصة

ووفق عضو لجنة الدفاع عن الحريات الصحافية وحقوق الصحافيين ومدير مكتب السلامة المهنية الإعلامية للاتحاد الدولي للصحافيين محمد نوري عقراوي، فإن لجنة الدفاع ونقابة الصحافيين أصدرتا بيانات وخاطبتا الجهات الأمنية، بأن يكون التعامل مع الصحافيين وفقاً لقانون العمل الصحافي رقم (35) لسنة 2007، والقانون صريح ويقول "لا يجوز اعتقال أي صحافي إلا بموافقة نقابة صحافة كردستان أو من يمثلها.

ويقول عقراوي، "من الضروري وجود محكمة متخصصة لمتابعة ملفاتهم، ووجود قضاء خاص بهم لنتجنب الاعتماد على قانون العقوبات العراقي".

ويدرك عقراوي أن هناك انتهاكات تمارس بحق الصحافيين وتعرض حرية التعبير للخطر، لكنه في الوقت ذاته يرى أن بعضهم لا يلتزم بقوانين العمل المهني، وآخرون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لكتابة منشورات تعرض الأمن القومي للخطر من خلال تحريض المواطنين على أعمال العنف.

رفض الاتهامات

وأصدرت لجنة الدفاع عن الحقوق والحريات في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بياناً اتهمت فيه حكومة إقليم كردستان بـ "التجاهل الصارخ لسيادة القانون" في شأن عمليات اعتقال واحتجاز "غير قانونية" لصحافيين ونشطاء سياسيين في كردستان. كما ذكر البيان تعرض البعض لانتهاكات جسدية ونفسية من قبل قوات الأمن التابعة لحكومة الإقليم، وحرمان هؤلاء من اللقاء بمحامين للترافع عنهم.

ويرفض منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم ديندار زيباري هذه الاتهامات، ويؤكد أنه "لا يمكن تمويه القانون تحت أي ذريعة للإضرار بالمصلحة العامة أو تقويض الانسجام الاجتماعي. في كردستان يبقى حكم القانون على حاله، وسيحافظ على قدسيته مهما كانت الظروف، وينطبق هذا النمط على كل مواطن أو فرد في الإقليم. ومع ذلك فإن بعض الإعلاميين والناشطين يسعون إلى استغلال هذا الجو من خلال التحريض على العنف والانخراط في أعمال الشغب والتخريب، واللجوء إلى القذف والتشهير".

كما يرفض زيباري أيضاً ما ورد في البيان الذي ذكر أن بعض الناشطين اعتقلوا على خلفية ارتباطهم السياسي، ويؤكد أن هذا الاتهام لا صحة له، "كل مواطن حر في ما يتعلق بانتمائه السياسي والديني، طالما أن هذه الحرية لن تضر المجتمع".

لا اعتقالات من دون أوامر قضائية

ويؤكد زيباري كذلك ألا وجود لاعتقالات من دون أوامر قضائية، ويسرد بعض تلك الحالات "في قضية اعتقال الصحافي شروان شرواني، التي أثارت جدلاً داخل المجتمع، فقد تم اعتقاله بناء على أمر قضائي، خارج نطاق الصفة الصحافية، لتورطه في قضايا التشهير وأعمال أخرى تعرض السلامة العامة للخطر، وهو محتجز في مقر المديرية العامة للأسايش في أربيل، وتمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من مقابلته، وأكدت لأسرته أنه في حال صحية جيدة، وعلاوة على ذلك "قابل محاميه شخصياً، وأكد مجدداً أنه حصل على الحقوق القانونية اللازمة".

ويعرض زيباري مثالاً آخر على الاعتقالات التي تتم بحق أشخاص يعرضون السلم المدني للخطر، ففي الاضطرابات التي حدثت في زاخو خلال أغسطس (آب) 2020، أصيب 61 شخصاً من قوات الأمن وأربعة مدنيين، وتم اعتقال 18 شخصاً بحوزتهم أسلحة نارية وسط أعمال الشغب. وأدى إطلاق النار إلى إصابة طفل، كما تضررت 26 سيارة شرطة، إضافة إلى الممتلكات العامة والخاصة. ووقعت التظاهرة عند منتصف الليل، بينما كان من المفترض أن يقود الإضراب سائقو الشاحنات احتجاجاً على فتح معبر إبراهيم خليل مع تركيا، الذي سيسمح للسائقين من تركيا بالدخول إلى الإقليم، مما سيضر بأعمال سائقي الشاحنات هناك، لكن المعارضين السياسيين غيروا مسار الإضراب لمصلحتهم الخاصة بحملهم الأسلحة النارية، ومع ذلك لم يتم اعتقال أي من الجناة من دون أمر قضائي.

ويختم زيباري أن حرية التعبير والصحافة في الإقليم تطبق وفقاً للقانون رقم (35) لسنة 2007، ولا يمكن احتجاز الإعلاميين إلا بأمر من المحكمة، وفي حالات التشهير وتهديد الأمن القومي ونشر العنف ينفذ قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.

المزيد من تقارير